سقراط مشرف عام
عدد الرسائل : 4740 تاريخ التسجيل : 06/03/2008
| موضوع: ديك الجن..الشاعر الباكي..لقائي معه الجمعة أبريل 01, 2011 5:43 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم يا علي مدد
من الطبيعي أن يبكي رجلٌ ما, ولكن في لحظاتٍ ترافق ظرفه القاهر الذي غالباً ما يكون بسبب فقدان أقرب الناس إلى قلبه, ومن أهله وأحبَّته, ليكون من غير الطبيعي أن يبكي طيلة حياته, إلا إذا اقترف ما يستحقُّ أن يذرف عليه آلام المصيبة. مصيبته. تلك التي لن ينساها أبداً, ورغم دموعه وجنونه وأشعار وجعه وندامته. إنها المصيبة التي ألهمتني بفداحتها, جرأة الحوار الذي تمَّ َ (بيني وبين) مُقترفها, ولاسيما أنه ليس رجلاً عادياً وإنما هو شاعر امتلك من المواهب والقدرات, ما شجَّعني على تحريضه للإدلاءِ بشهادته, وبدءاً من سيرته ووصولاً إلى ما أبكاه عمراً وإلى أن وصمت قصائده بالبكائيات..
- بدايةً.. هل لك أن تقدِّم لنا شيئاً عن سيرتك, فهناك كُثُرٌ من القرَّاءِ لا يعرفون إلا أنَّك (ديك الجن الحمصي). شاعر البكائيات؟..
-- ديك الجن هو لقبي, أما اسمي فهو (عبد السلام بن رغبان), ولقد لازمتني كلمة الحمصي لأنني من مدينة حمص التي ومُذ ولدت فيها عام /161هـ/ لم أغادرها, والتي تلقَّيت معارفي في مسجدها بعد أن دفعتني أسرتي إلى مجلس علمائه, ومن أجلِ أن أستوفي ما أفخر به من علومٍ, «أورثني إيَّاها جدي الذي كان قد أورثها لأبي من قبلي»..
- ولكن, لِمَ لم تنعكس هذه النشأة المحافظة على حياتك التي كانت لاهية, بل وعلى شخصيتك التي غمستَ شبابها في مجالسِ المجونِ والخمر ومع بنات الهوى؟..
-- لقد كان عصري السبب. عصر أبي نواس وأبي تمام, أصدقائي وروَّاد مجلسي. إنه العصر العباسي. عصر اللهو والمجون الذي عصف بشبابي وقادني إلى ملذاتٍ دفعتُ ثمنها قهراً وعذاباً وشكَّاً..
- حسناً, لنعد إلى لقب (ديك الجن) آملين أن تخبرنا عن السبب الحقيقي لإطلاقه عليك, ولاسيما أننا عرفنا عدَّة أسبابٍ لتلقيبك به دون أن نعرف أيُّها يقودنا إلى الأسباب الحقيقية؟..
-- ليتكِ لم تسأليني هذا السؤال, وليتَ الحقيقة بقيت في ذمَّة من اعتبروا (ديك الجن) دويبة توجد في البساتين وخوابي الخمر, ودون أن تدفعيني لتذكُّر أيام جنوني وعويلي الذي كنت أطلقه يومياً, ومنذ خيوط النورِ الأولى, وبما جعلني أشبه بديكٍ صيحته تؤرِّق حتى معشر الجن وليس فقط البشر..
- إذاً, إن من أطلق عليك هذا اللقب هم من كنتَ تؤرِّق فجرهم وتنفض النوم عن أعينهم, ألم يزعجك هذا فكثيرون اعتبروكَ مصدر إزعاجٍ وبما تخطَّى عوالمهم بصيحاتك غير الآدمية؟..
-- ولكن, ما الذي جعلكِ على يقينٍ أن صيحاتي كانت مصدر إزعاج لهم على فكرة, ليكن بعلمكِ أنني وحدي العارف بالحقيقة ولا يهمني إن عرفها سواي أم لم يعرفها, والآن سأكتفي بالقول:
أيُّــها الســائلُ عني.. لسـتَ بي أخبرَ مني
أنـا إنسـانٌ يـراهُ الله.. في صــورةِ جـنّي
- يبدو أنكَ لستَ مجنوناً فقط وإنَّما أيضاً شاعر ساخر وبامتياز.. والآن أعتقد بأن عليَّ مواجهتك بما يردُّك إلى وعيك.. ومن خلال سؤالك عن (ورد) الجارية النصرانية التي قتلتها ظلماً وشكَّاً وإلى أن لقَّنك الندم درساً بكت قصائدك وجعاً من شدَّة إيلامه. هيا تكلم بما يجعلني أعفو عنك بعد أن أسمع قصَّتك؟..
-- آهٍ.. لقد أصبتِ مقتلي.. وعصفتِ بذكرياتي التي لاشيء أوجعها سوى قصَّتي مع (ورد) تلك التي كنتُ قد أحببتها مُذ رأيتها عن بعد, لأرسل لها بعدها من القصائدِ ما أوقع حبي في قلبها وإلى أن التقينا فأنشدت لها:
قـولي لطـيفكِ ينثني.. عن مضجعي وقت الوسنْ
كي أستريحُ وتنطفي.. نــارٌ تأجَّـجَ فـي البــدنْ
قلتُ لها هذا لأطلب منها بعد أن تيقَّنت من حبها لي أن تسلم كي نتزوج, وهو ماحصل وكان فيه قمَّة ماحلمتُ بأن يتحقق وإلى أن قتلتها وباتت حياتي وجعاً على ندم..
- أبعدَ كل هذا الحب تقدم على قتلها ظلماً ونكراناً لوفائها, وبسبب وشاية كاذبة؟.. أتمنى أن تحكي لي كيف أعمت هذه الوشاية صوابك فصدَّقتها؟؟
-- معكِ حق، لقد أعمتني تلك الوشاية, وبسبب ما قضيته قبل (ورد) مع اللاهيات من النساء, ما أفقدني ثقتي بهنَّ وأصبح الشكُّ هو سبيلي الدائم حتى بأوفى من عرفتُ منهنَّ, وإلى أن صدَّقت وشاية ابن عمي الذي ما ظننت حقده عليَّ وحبّه لـ (ورد) سيدفعه لتدبير مؤامرة بدأت باستغلال ترحالي بحثاً عن الرزق وانتهت بإخباري بأنها تخونني مع غلام له وأنَّ عليَّ مباغتتها والتأكد من خيانتها, لأفعل فأعود وأدخل منزلي, وفي اللحظة التي كان قد اتَّفق فيها مع الغلام الذي أرسله ليطرق بابي معلناً عن اسمه, وبما أفقدني عقلي واضَّطرني لاستلالِ سيفي وقتل زوجتي عمداً وشعراً قلت فيه:
ليتني لم أكن لعطفكِ نلتُ
وإلى ذاك الوصالِ وصلتُ
- وماذا فعلت بعد اقترافك لهذه الجريمة البشعة, وبحقِّ من أخلصتْ لكَ وأحبَّتكَ أشدَّ الحب؟؟.
-- ماذا تتوقعين أن أفعل؟. لقد تركت حمص واتَّجهت إلى دمشق حيث أقمتُ عدة أيامٍ إلى أن عرفت الحقيقة, ما جعلني لا أتوقف من البكاء ولا آكل إلا ما يسدُّ الرمق, مكتفياً بالشعر زاد روحي. الشعر الذي أسرفت في رثاءِ زوجتي المغدورة به, لطالما قتلتها ظلماً ودون أن يغادرني طيفها التي لازم حياتي وأقضَّ مضجعي, وإلى أن تحوَّلت إلى هائمٍ في الحياة وملذاتها.. لهوٌ وشرابٌ ومجونٌ وكل مايزيد من عذابي ومن تدفق المزيد من قصائدي البكائية..
- سأكتفي لأطلب منك أخيراً, أن تسمعني ما عساه أن يكفكف من حنق المغدورة مثلما جميع العشَّاق الشاهدين على ما اقترفت يديك؟؟.
-- وأنا من سيكفكفُ حنقي على نفسي؟.. من سيكفكف ألماً مابرح ينزفني وإلى ما شاءت بكائيات شعري تصمني بالقاتل الظالم النادم المذنب, وأيضاً إلى ما شئتُ أردِّد:
إن تكن الأيام قد أذنبت
فيكِ فإنَّ الدمع لا يُذنب
قال هذا وبكى, ثمَّ اختفى في عوالمِ الشِّعر الشقيَّة والدامعة حزناً على حبٍّ فارق مداها.. تماماً كما فارق (ديك الجن) الحمصي. الشاعر القاتل, المذنب, النادم, الشقي, هذا الحوار.. | |
|
زهراء ديب مشرف عام
عدد الرسائل : 2275 Localisation : _________________ قوة الارادة ليست الا نتيجة لسلسلة من عمليات التاديب والتدريب ان قوة الارادة صفة ؟؟؟ لا يرثها المرء عن ابائه واجداده انما يجب ان يدفع قيمتها ليكسبها ............ تاريخ التسجيل : 28/09/2009
| |
سقراط مشرف عام
عدد الرسائل : 4740 تاريخ التسجيل : 06/03/2008
| موضوع: رد: ديك الجن..الشاعر الباكي..لقائي معه السبت أبريل 02, 2011 9:50 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم يا علي مدد أختي الروحيّة الغالية زهراء مرورٌ جميل بارككم المولى | |
|