موجز
إخوان الصفاء هم أعضاء مجهولون في جمعية باطنية من القرن الرابع الهجري ( العاشر الميلادي) من العلماء الذين كان مقرهم الأساسي في مدينة البصرة جنوب العراق ، ولها فرع ناشط مهم في عاصمة الخلافة العباسية بغداد. لقد شغلت هذه الزمرة موقعا بارزا في تاريخ الأفكار الفلسفية والعلمية في الإسلام بسبب الاستقبال الفكري الواسع لها ، وبث مخطوطاتهم المتنوعة لرسائلهم المشهورة المصاغة فلسفيا ، رسائل إخوان الصفاء . لقد بقي تاريخ الرسائل الدقيق وهوية مؤلفيها ومذاهبهم الدينية من القضايا غير المبتوت بها نهائيا ، ومازالت حتى الآن مغلفة بالأسرار. فالبعض يحدد نشاطات الإخوان التاريخية عشية غزو الفاطميين لمصر حوالي (٣٨٥/٩٦٩) بينما يحدد آخرون تنظيمهم بفترة أبكر تقرب من تأسيس السلالة الفاطمية الحاكمة في شمالي أفريقيا( حوالي ٢٩٧/٩٠٩).
لمواجهة الصدقية في كل دين والقبض على المعرفة كغذاء صاف للنفس ، ربط الأخوان الأمل بالسعادة والوصول إليها بوضع منهج تشككي فيما يخص المساعي العقلية والبحث الفكري. فالي جانب التقيد التام بتعاليم القرآن والحديث ، لجأ الأخوان أيضا إلى توراة اليهودية والأناجيل المسيحية، فضلا عن ذلك ، فقد توجهوا إلى تراث الرواقيين وفيثاغورث وهرمس مثلث الحكمة وسقراط وأفلاطون وأرسطو وأفلوطين ونيقاماخس ألجرشي وإقليدس وبطليموس وجالينوس وبروقلس و بورفيري ويامبليخوس .
على العموم، فان الرسائل الثانية والخمسين تُنسب إلى إخوان الصفاء ، وتقسم إلى الأجزاء الأربعة التالية : الرياضيات، الفلسفة الطبيعية، علوم العقل والنفس، العلوم اللاهوتية. يتألف الجزء الأول من أربع عشرة رسالة تعالج العلوم الرياضية من حيث تنوع المواضيع من علوم الحساب والهندسة والفلك والجغرافية والموسيقى. ويضم الجزء الثاني من المجموعة سبع عشرة رسالة في العلوم الطبيعية تعالج مواضيع تتعلق بالمادة والصورة ، الكون والفساد ، المعادن ، علم المناخ ، دراسة حول جوهر الطبيعة وأصناف النباتات والحيوان ( الأخير معروض كحكاية على لسان الحيوان ) ، تركيب جسم الإنسان وتكوين الأجنة ، الفهم الكوني للإنسان كعالم صغير ، البحث في خصائص اللغات الصوتية والبنيوية واختلافاتها. ويتألف الجزء الثالث من المجموعة من ثلاثة فصول حول العلوم العقلية والنفسية تتعرض لآراء فيثاغورس وإخوان الصفاء ، طبقا للنظرة إلى العالم أيضا كانسان كبير . في هذا الجزء يتفحص الأخوان الفرق بين العقل والمعقول ، فيقدمون شروحات للمعاني الرمزية للإبعاد الدنيوية وللأحقاب الدورية والتعبير الصوفي عن ماهية العشق ، بالاقتران مع بحث عن البعث والعلل والمعلولات، والحدود والرسوم، وأجناس الحركات المختلفة . الجزء الرابع الأخير من الرسائل يتعلق بالعلوم الناموسية الإلهية والعلوم الشرعية من خلال خمس عشرة رسالة، وكذلك يصف الطريق إلى الله ، والفضائل الأخلاقية عند الإخوان ، صفات المؤمنين الحقيقيين ، الطبيعة والنواميس الإلهية ، الدعاء إلى الله ، أعمال الكائنات الروحية والجن والملائكة والشياطين ، أنواع السياسات، النظام الطبقي للعالم ، وأخيرا التعاويذ السحرية والطلسمات. إلى جانب الرسائل الاثنتين والخمسين التي تشكل مجموعة رسائل إخوان الصفاء توجد إلى جانبها رسالة تسمى رسالة الجامعة التي تمثل ملخصا شاملا لمجموعة الرسائل ، ويلحق بها ملحق مختصر إضافي معروف باسم رسالة جامعة الجامعة.
"تداعي الحيوانات ضد الإنسان أمام ملك الجن" ( الرسالة ٢٢) هي أطول الرسائل الاثنتين والخمسين ، وأوسعها قراءة وترجمة في العصور الوسطى وما بعد ، وفيها ابتعد الإخوان عن الشكل الوضعي المعتاد وحلقوا بعيدا إلى عالم الحكاية الخرافية. وهدفهم – كما يشرحوه – هو البحث عن مزايا الحيوانات والنقاط الرائعة عندها، والسمات الممتازة والطبائع المفيدة التي تمتاز بها ، والتي تجاوزت بها الإنسان وظلمه وقهره للكائنات التي تخدمه من حيوانات وأنعام ، وجحوده الغافل لنعم الله .
عندما أُعطي الكلام للحيوانات كان لديهم الكثير للقول عن وضعهم الخاص ، وعن الوضع البشري. لقد قدموا أنفسهم ليس كمجرد مواضيع للدراسة بل كمواضيع مع وجهة نظر واهتمامات خاصة بهم، وهذا ما أعطى البحث نمطا أخلاقيا، فقد قدروا نعمة الخلق ولكن انتقدوا بشدة الهيمنة البشرية عليهم ، وعرضوا بشكل منهجي الأسباب الرئيسية لها كنتيجة لعجرفة البشر. تقول الحيوانات إن التصميم الحاذق والمتبصر لكل مخلوق يشهد على إبداع الله وكرم الرعاية الإلهية، ولكن الشفقة الطبيعية عند الحيوانات وكرمها وشجاعتها والثقة بفضائل نماذج الحيوانات، كثيرا ما تنقص الكائنات البشرية . لقد أصبحت الحيوانات فاعلة فوبخت بكلامها عناد البشر وخيانتهم وإهمالهم وتبلد مشاعرهم .
على الرغم من أن الحيوانات عرضوا دعواهم أمام بيوارسَب الحكيم ملك الجن ، فان البشر ينظرون إلى أنفسهم كمدَّعين لا مدَّعى عليهم . فبكل بساطة يتوقع البشر من الحيوانات أن تقوم بخدمتهم . ففي مجالسهم الخاصة خارج المحكمة يوبخون بسهولة الحيوانات الأهلية ويضربونها بشدة لأنها تتهرب من القيام بدور الخدمة. حتى في بعض القضايا التي تتعلق بخلق الله للحيوانات يجدونها غير نافعة ومثيرة للاشمئزاز وسامة. تبرهن الحيوانات أن كل المخلوقات لها مكانة في خطة الله من خلقها ، وكل واحد منها يقوم بدوره في الطبيعة . ولكن خلف هذه الملاحظات الدفاعية ، تقلب الحيوانات الطاولة على خصومها لتثير اتهامات واسعة بنقائص الإنسان. لقد هدفوا من وراء ذلك إبطال ادعاء الإنسان بتفوقه الفطري الذي يجعله متسلطا على الطبيعة ويعطيه الحق التام بمعاملة كل المخلوقات تبعا لرغبته. في أماكن كثيرة من القصة الخرافية التي تمت مناقشتها تجد أجوبة للحيوانات على عجرفة البشر. وفي النهاية فان معظم ادعاءات البشر التي قدَّموها، وليس كلها، بلا أساس.
إن المعلومات المتعلقة بعلم الحيوان وطبائعه التي رتبها الإخوان، سواء حسب الصيغة الجالينسية أو الأرسططالية ، أو المتخيلة بأسلوب الحكايات المتسلسلة من الأحداث، والحكايات القديمة، ليست بالجافة أبدا، أو إنها مجرد معلومات تقنية. أمل الإخوان بوضوح في السماح للحيوانات بالكلام بتحلية القرص(CD) التعليمي، ولكن أضافوا، في السماح لها بالكلام النقدي، قليلا من الملح إليه أيضا، والأسلوب الذي يخدم هدفهم الأخلاقي هو أسلوب خرافة أيسُبيان Aesopian))الواردة في أعمال أرسطو . بيد أن الحكاية المتخيلة المضَمنة في النص تشكل تجاوزا قويا لحدود خرافة أيسُبيان الشهيرة لأنها أطول وأوسع مدى وأكثر تنوعا في التركيز . ومن دون مشاهد معركة كبيرة، أو من دون الفوز بمسرح الملحمة ، فان رواية الحكاية الأسطورية هي أبعد من أن تشد اهتمامات فتى يافع من أية مسرحية أخلاقية أو رمزية بسيطة. فالسرد لا ينتهي بسطر معبر وحيد، ولكن بتكامل التبصر في أطروحة وحيدة وعدت في البداية تقول "أن الإنسان في أفضل حالاته هو ملاك نبيل، إنه من أعظم مخلوقات الله، ولكنه في أسوأ حالاته هو إبليس لعين، مصيبة الخلق." إلى جانب هذا أضاف الإخوان : "لقد وضعنا هذه المواضيع بلسان الحيوانات لنجعلها أوضح وأكثر إقناعا ، وأكثر تأثيرا في التعبير والظرافة والحيوية ، وأكثر نفعا للمستمع وإثارة للفكر والمشاعر في أخلاقياتها."