بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل ألسن الأئمة من آل محمد صلى الله عليه وآله مطالع انوار الحكم ، فمن تخلى عن الاقتباس منهم كان خباطا في الظلم ، وصلى الله على عبده المبعوث لهداية الأمم ، محمد سيد العرب والعجم ، وعلى وصيه العالم العلم ، علي بن أبي طالب خیر ابن عم ، وعلى الأئمة من ذريته الطاهرين وسلم وكرم.
معشر المؤمنين: جعلكم الله من خصه من علوم أوليائه بأسنى العطايا والجوائز ، فأطلعكم على خبية سر رسول الله له في قوله: عليكم بدین العجائز. سئل عالم آل محمد عن هذا الخبر فقال: ما هذا قصه:
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله الذي أنطق بحمده كل ما خلق في عالم كبريائه ومجده ، من ملك روحاني ، وفلك جرماني ، وحي ناطق جسماني ، وسماء سمكها رفيع ، وأرض خلقها بديع ، وشمس للعيون تبهر ، وقمر في آفاقه يزهر ، وأفلاك دائرة تدور ، وأنجم في مطالعها ومقاربها تطلع وتغور ، وسهل وجبل وحجر ومدر ، وبر وبحر ، وشوك وشجر ، بعضها شاهد بتفصيل الكلمات ، وبعضها بما أقام فيه المتقن صنعه من الدلالات ، فهو ناطق بتحميده ، وإن كان صامتا عاكفا على تنزيهه وتمجيده ، وإن كان ساكتا شاهد بأن له صانعا متعاليا عن التشبيه ، متفردا بالتقديس والتنزيه ، وأشهد أن لا إله إلا الله الذي لحق آخر مراحل الفهم الوهم بأولها ، في العجز عن تناول كيفيته وتأولها ، وأشهد أن محمد عبده صبح الهداية الواضح ، ونورها الجلي اللائح ، رفع به سقف الإيمان ، وقوض على يده بينان الشرك والعدوان ، صلى الله عليه وآله الذين جعلهم سببا لنجاة الروح ، ومثلهم بسفينة نوح ، فهلا أثبت ثبوتها الطوفان ، وهلا تخلق عنها إلا من ران على قلبه الشيطان ، فقال كقول أقرب الناس من نوح نسبا ، وأبعدهم سببا ، سآوي إلى جبل يعصمني من الماء. قال: لا عاصم اليوم من أمر الله إلا ما رحم ربي بركوب السفينة ، والانضمام إلى أصحاب السكينة ؛ فليت شعري أي جبل يعصم اليوم من الماء ، وهل غير سفينة النجاة من آل محمد أدلة في الظلماء ، وعصمة ليوم الجزاء؟ قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا ، أن ذلك حقيقة لمن يبتغي الهدى من غير أهله ، ولا يأوي فيه إلى أساسه وأصله ، ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ، أو قال أوحي إلي ، ولم يوح إليه شيء ، ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله فكذلك من أظلم ممن ادعى مقام إظهار الأئمة من فجار الأمة ، وتراءى في مرآهم ، وطلع من مطالعهم ، في معرفة ظاهر الكتاب و باطنه ، ومنسوخه وناسخه ، ومحكمه ومتشابهه ، وهو كاذب في قوله ، مبطل في دعواه ، فقير في زي الغني ، ضعيف في لباس القوي ، لا جرم أن الأمة لما قادتها العميان ، وساستها في دينها النسوان ، كما قال الله سبحانه: (إن يدعون من دونه إلا إناثا) فكنی عن كل مدعو سواه بالأنوثة ، لكون الإناث في قيد الذكور لعجزهن عن القيام بما يخصهن من مصالح الأمور ، وقعت في العشواء ، وامتحنت في معتقداتها بالداء العمياء ، عصمنا الله وإياكم بفضله من الشبهات المضلة ، والأهواء المستزلة ، وثبتنا على أتباع الأدلة ، آل نبي الرحمة صلى الله عليه وآله.
أما بعد: فقد أتاني سؤالك وفقك الله عن قول النبي صلى الله عليه وآله: عليكم بدین العجائز ، وأخبارك عن وقوع الاعتراض به عليك عن قوم تمسكوا به ليقتصروا على نفوسهم طريق الحقائق ، والبحث عمن يتضمنه ظاهر التنزیل من العلوم والدقائق ، فظاهر هذا الخبر من حيث الأخذ فيه بالقياس والرجوع إلى ما دل عليه النبي صلى الله عليه وآله من المقياس بقوله: إذا أتاكم عني خبر فاعرضوه على كتاب الله فما وافقه فاقبلوه ، وما خالفه فردوه ، ليس يثبت ولا يطرد لقوله سبحانه: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) فدلنا على أن من كانت درجته في العلم أرفع كانت كذلك درجته عند الله أرفع ، وقوله: وهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) وأمثالها كثيرة ، وقوله: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) فأخبر أن العلماء هم الذين يخشونه ، لأنهم يعرفونه ، وإن من لم يعرفه لم يخشه ، و كقول النبي صلى الله عليه وآله: نوم العالم أفضل من عبادة الجاهل العابد. وقوله: فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم. فهذه الآيات كلها مما يثير الرغبة في اقتناء العلوم ، والكشف منها عن المكنون المكتوم ، ولو كان دين العجائز مطردا لكان هذا الكلف محمولة عنا ، وهذه المؤن لا تلزمنا ، ولكان كل عالم يثقف بعلمه نفوس عالم من الجهال ی?تسب معلوماته رذيلة ، ولكان الجاهل يجهله أرض منة وأجل فضيلة ، فكان تنسلخ مزايا العلم عنه ، وعن العالم ، وتفضي إلى الجهل ، والجاهل ، فتنعكس المسألة ، وتعم الحيرة ، نعوذ بالله من العمى والضلال بعد الهدي ، جعلكم الله ممن تنفعه الذكرى ، وييسر في دينه لليسرى ، والحمد لله الذي رفع للعلماء قدرا ، وكشف دون أوهامهم لأسرار غیوب دینه سترا ، وصلى الله على خير ذكر رسول أنزله الله عليه ذكرا ، محمد هادی ?ل من شرح الله له بالإسلام صدرا ، وعلى وصيه الذي شد به لنبوته ازرا ، علي بن أبي طالب ناشر العلوم والحكم ، نشر المؤيد بالتاليات ذكرا ، وعلى الأئمة من ذريته الذين لم يسأل غير مودتهم عن هدايته أجرا ، وسلم تسليما.