[color=darkredأسرار العسـل
تتجلى فـي الطب الـحـديث
د.حسان شمسي باشا
ما نال العسل حقه من اهتمام الباحثين الغربيين خلال العقود الماضية مثلما نال خلال السنتين الماضيتين؛ فقد نشرت عشرات الدراسات العلمية خلال العامين المنصرمين، ولا يكاد يمر أسبوع إلا وتجد دراسة علمية رصينة حول العسل نشرت في المجلات العالمية الموثقة.
فالله ـ سبحانه وتعالى ـ يقول في كتابه العزيز: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِى مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِى مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِى سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لِّلنَّاسِ إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) سورة النحل 68 ـ 69. ووردت في السنة النبوية الشريفة عدة أحاديث تذكر فوائد العسل وتحدد أهميته في العلاج:
فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (الشفاء في ثلاثة، شربة عسل، وشرطة مِحجم، وكيّة نار وأنهَى أمّتي عن الكيّ) رواه البخاري. وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (عليكم بالشفاءين: العسل والقرآن) رواه ابن ماجة والحاكم في صحيحه.
وقد أكدت الأبحاث العلمية الحديثة فوائد العسل في عدد من المجالات، ومن أحدث هذه الأبحاث، تلك التي قام بها أستاذ جامعي في جامعة waikato في نيوزيلندة، يدعى البروفيسور (بيتر مولان)، وقد قضى وزملاؤه في مخابر البحث عشرين عامًا في تجاربهم العلمية وفق شروط البحث العلمي السليم ـ على العسل، وخرجوا بعشرات الأبحاث العلمية التي نشرت في أشهر المجلات الطبية في العالم، نشر آخرها في شهر أبريل 2003م، ولم يكن هو الباحث الوحيد في هذا المجال؛ فقد قام عشرات الباحثين بنشر أبحاثهم أيضًا في مجال العسل.
وقلت في نفسي: يا سبحان الله، عالم غير مسلم، وربما لم يعلم بما جاء في القرآن الكريم، يقضي عشرين عامًا في البحث العلمي ليثبت فوائد العسل في علاج الجروح والقروح وغيرها، ثم ينشئ مراكز متخصصة لدراسة فوائد العسل على أمراض المعدة والربو وغير ذلك، وتسخّر له الإمكانات المادية للخروج بتلك الأبحاث، وهي ـ على ما أعتقد ـ من أكثر الأبحاث العلمية التي أجريت على العسل دقة وموضوعية، وهو الآن يحاضر في الجامعات الأمريكية حول العسل، ويستمع إليه المتخصصون بدهشة، بعد أن كانت أمريكا وأوروبا الغربية تتجاهل البحث في العسل. فخلال العشرين سنة الماضية كانت تنشر أبحاث قليلة متفرقة هنا وهناك. إلا أن هذا الباحث النيوزلندي قام بخدمات جُلَّى ـ ربما من حيث لا يدري ـ لإظهار الإعجاز القرآني في موضوع العسل.
وقد استعمل الإنسان العسل في علاج الأمراض منذ قديم الزمان. ومن الاعتقادات الشائعة بين الناس أن مُرَبّي النحل يعمّرون ويحيون حياة صحية مديدة أكثر من غيرهم.
ويذكر المؤرخون أن (فيثاغورث) صاحب نظرية فيثاغورث الشهيرة، قد عاش أكثر من تسعين عامًا، وكان طعامه يتألف من (الخبز والعسل). وأن أبا الطب (أبو قراط) الذي عمّر أكثر من 108 سنوات كان يأكل العسل يوميٌّا.
وفي حفل عشاء للاحتفال بعيد الميلاد المئوي ليوليوس روميليوس، سأله يوليوس قيصر عن سبب قوة صحته العقلية والجسمية حتى تلك السن المتأخرة، فأجاب: (العسل من الداخل والزيت من الخارج).
وقد يقول قائل: تذكرون أيها المسلمون أن قرآنكم جاء بأن في العسل شفاء: }فِيهِ شِفَآءٌ لِّلنَّاسِ{، ونحن نعلم أن كثيرًا من الأمم القديمة كالفراعنة واليونانيين والرومان كانوا يستعملون العسل في علاجاتهم، كما أن ذكر العسل قد ورد في الكتب السماوية السابقة، فأي إعجاز هنا؟ ونقول لهذا السائل: إن إعجاز آية النحل لا يكمن في ذكر أن العسل شفاء للناس فحسب، ولكن الإعجاز كله يكمن في ثلاثة أمور:
الأول: أن الله تعالى لم يذكر العسل صراحة في الآية فقال: }يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ{ ولم يقل: (يخرج عسل) وترك الله تعالى للإنسان أن يدرس ماذا يخرج من النحل من عسل، وغذاء ملكي، وعكبر، وشمع، وسم نحل. يدرس خصائص هذه المواد ويعلم تركيبها، وهذه هي مرحلة التعرف.
الثاني: أن في هذا الذي يخرج من النحل شفاء: ففي العسل شفاء، وفي غذاء الملكة شفاء، وفي العكبر شفاء، وفي الشمع شفاء، حتى في سم النحل ذاته شفاء. وكيف يتأكد الإنسان أن في هذه المواد شفاء دون أن يبحث فيها ويتدبر، ويجري الدراسات والأبحاث، ليتعرف على الخصائص العلاجية الشافية لهذه المواد. أفي هذه المواد ما يقتل الجراثيم الفتاكة، أم بها مقو للمناعة، أم أنها تشفي العيون والجلد والأسنان، أم سوى ذلك؟ وهذه مرحلة البحث العلمي في المختبرات.
الثالث: قوله تعالى: (شِفَآءٌ لِّلنَّاسِ) فلم يقل المولى ـ جل في علاه ـ شفاء لكل الناس، بل ترك الأمر مطلقًا ليبحث العلماء عن الأمراض التي جعل الله في هذه المواد لها شفاء.
وفي هذا حث للإنسان أن يقوم بإجراء الدراسات لمعرفة الناس الذين تَشفي أمراضَهم هذه المواد. في كلمات ثلاث (فِيهِ شِفَآءٌ لِّلنَّاسِ) معجزات ومعجزات: لفت فيها النظر إلى ما يخرج من بطون النحل. ثم قال: إن في هذا وذاك شفاء. وترك الأمر لنا لنعرف من يَشفى بهذا ومن يَشفى بذاك.
في كلمات ثلاث أرسى الله تعالى قواعد البحث العلمي في الطب وعلم الأدوية. فحين يعتقد العلماء أن في نبات ما مادة دوائية، يدرسون تركيبها وخصائصها أولاً، ثم يجرون أبحاثًا في المختبرات، في الأنابيب وعلى حيوانات التجربة، ليتعرفوا على الخصائص الشافية فيها، وهذه هي المرحلة الثانية. ثم ينتقل البحث إلى الإنسان فتجرى الدراسات على أولئك المرضى الذين يمكن أن تكون لهم شفاء. ألم يختم الله تعالى آية النحل بقوله: (إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
وفي حديث العسل وقفات عديدة في أبحاث علمية نشرت خلال السنوات القليلة الماضية في مجلات طبية رصينة نقتطف منها هذه الدراسات.
الجراثيم لا تستطيع مقاومة العسل:
هذا هو عنوان مقال نشر في مجلة Lancet Infect Dis في شهر فبراير 2003م، أكد فيه الدكتور Dixon الفعالية القوية للعسل في السيطرة على عدد من الجراثيم التي لا تستطيع الصمود أمام العسل. ودعا الباحث إلى استخدام العسل في علاج الجروح والحروق(1).
يقول البروفيسور (مولان): (إن كل أنواع العسل تعمل في قتل الجراثيم، رغم أن بعضها قد يكون أكثر فعالية من غيرها، وأن العسل يمنع نمو الجراثيم، ويقضي على تلك الجراثيم الموجودة في الجروح)(2).
العسل عامل مهم لالتئام الجروح:
ذلك هو عنوان مقال نشر في مجلة J. Wound Ostomy Continence Nurs في شهر نوفمبر 2002م. يقول كاتب المقال الدكتور Lusby من جامعة (تشارلز تسرت) في استراليا: (رغم أن العسل قد استعمل كعلاج تقليدي في معالجة الجروح والحروق، إلا أن إدخاله كعلاج ضمن المعالجات الطبية الحديثة لم يكن معروفًا من قبل(3).
ويقول الدكتور Kingsley من مستشفى Devon في بريطانيا في مقال نشر في مجلة Br J Nurs في شهر ديسمبر 2001م: (لقد لفتت وسائل الإعلام أنظار الناس إلى فوائد العسل في علاج الجروح، حتى إن المرضى في بريطانيا أصبحوا يطالبون أطباءهم باستخدام العسل في علاج الجروح)(4).
وقد أظهر عدد من الدراسات العلمية أن العسل يمتلك خصائص مضادة للجراثيم في المختبر، كما أكد عدد من الدراسات السريرية أن استعمال العسل في علاج الجروح الملتهبة بشدة قد استطاع تطهير هذه الإنتانات الجرثومية والقضاء عليها، وعجّل في شفاء الجروح.
يقول البروفيسور (مولان) من جامعة Waikato في نيوزلندا: (كان علاج الجروح بالعسل أمرًا أساسيٌّا في القرون السابقة، ولكنه أصبح (موضة قديمة) عندما ظهرت المضادات الحيوية. ولكن مقاومة الجراثيم للمضادات الحيوية أخذت بالانتشار وأصبحت مشكلة طبية قائمة. ومن هنا كان بعث العسل من جديد في علاج تلك الحالات)(5).
وقد أكدت الدراسات المخبرية والسريرية أن العسل فعال تجاه عدد واسع من الجراثيم، وليس له أي تأثيرات جانبية ضارة على أنسجة الجرح. وإضافة إلى هذا فإنه يؤمّن تنظيفًا ذاتيٌّا سريعًا للجرح، ويزيل الرائحة منه، ويحفز نمو الأنسجة التي تُلئِم الجروح.
وإن خصائص العسل المضادة للالتهاب تخفف آلام الجروح بسرعة، كما تخفف من الوذمة المحيطة بالجرح، ومن خروج السوائل من الجرح Exudates، وتقلل من ظهور الندبات بعد شفاء الجروح.
وأشارت الأبحاث العلمية إلى أن خواص العسل الفيزيائية والكيميائية (مثل درجة الحموضة والتأثيرات الأُسموزية Osmotic) تلعب دورًا في فعاليته القاتلة للجراثيم. وإضافة إلى هذا فإن العسل يمتلك خواص مضادة للالتهابات anti ـ inflammatory activity ويحفز الاستجابات المناعية داخل الجرح، والنتيجة النهائية هي أن العسل يقاوم الإنتان الجرثومي، ويحفز الالتئام في الجروح والحروق والقروح.
ويضيف كاتب المقال أيضًا أنه قد تم الاعتراف مؤخرًا في استراليا طبيٌّا باستخدام نوعين من العسل (Medi Honey) و(Manuka Honey) لأغراض علاجية(6) (7).
العسل يثبط جرثومة العصيات الزرق (الزائفة):
يقول الدكتور Cooper في مقدمة بحثه الذي نشر في مجلة J Bur Care Rehabil في شهر ديسمبر 2002م: (لأنه لا يوجد علاج مثالي للحروق المصابة بإنتان جرثومي من نوع العصيات الزرق Pseudomonas aeruginosa فإن هناك حاجة ماسة للبحث عن وسائل أخرى فعالة لعلاج هذا الإنتان.
والعسل علاج قديم للجروح، ولكن هناك أدلة متطورة تؤكد فعاليته كمضاد لجرثومة العصيات الزرق. وقد قام الدكتور Cooper وزملاؤه في جامعة كارديف في بريطانيا باختبار حساسية 17 سلالة من سلالات جرثومة العصيات الزرق تم عزلها من حروق مصابة بالإنتان، وذلك تجاه نوعين من أنواع العسل: الأول هو (Pasture Honey)، والثاني هو (Manuka Honey). وقد أكدت نتائج الدراسة أن كل السلالات الجرثومية السابقة الذكر قد استجابت للعلاج بالعسل وبتراكيز قليلة دون 10% (جم/مم). وليس هذا فحسب، بل إن كلا النوعين من العسل احتفظا بفعاليتهما القاتلة للجراثيم، حتى عندما تم تمديد المحلول لأكثر من عشرة أضعاف. وخلص الباحثون إلى القول بإن العسل، بفعاليته المضادة للجراثيم ـ قادر على أن يكون أحد الوسائل العلاجية الفعالة في معالجة الحروق المصابة بإنتان جرثومي بالعصيات الزرق(
.
وكانت نتائج بحث آخر نشر في مجلة J Appl Microbial عام 2002م، قد أكدت على فعالية استخدام العسل في علاج الجروح المصابة بالمكورات الإيجابية الغرام Gram Positive Cocci(9).
استخدام العسل كضماد للجروح:
ففي دراسة نشرت في مجلة Ann Plast Surg في شهر فبراير 2003م، وأجريت على 60 مريضًا هولنديٌّا مصابًا بجروح عميقة مختلفة؛ شملت الجروح المزمنة (21 مريضًا)، والجروح المعقدة (23 مريضًا)، وجروحًا ناجمة عن الرضوض الحادة (16 مريضًا).
أكد الباحثون أن استعمال العسل كان سهلاً في تطبيقه عند كل المرضى إلا واحدًا، وساعد في تنظيف الجروح، ولم يحدث أي تأثير جانبي لاستعماله في علاج تلك الجروح.
وذكر الباحثون أن العديد من الأطباء ما زال يتردد في استخدام العسل كعلاج موضعي للجروح، وذلك لأن البعض يعتقد أن استعمال العسل يبدو غير محبب بسبب لزوجته ودبقه(10).
وينصح الباحثون في مقال نشر في مجلة Arch Surgery عام 2000م ـ باستعمال العسل كواقٍ لحافة الجرح أثناء العمليات الجراحية التي تجرى على الأورام(11).
العسل والحروق:
وفي موضوع الحروق نشرت مجلة Burns عام 1996م دراسة على استعمال العسل في علاج الحروق. قسم المرضى إلى مجموعتين، كل منهما تشمل 50 مريضًا. عولجت المجموعة الأولى بالعسل، في حين عولجت المجموعة الثانية بوضع شرائح البطاطا المسلوقة على الحروق (كمادة طبيعية غير مؤذية). وتبين بنتائج الدراسة أن 90% من الحروق التي عولجت بالعسل أصبحت خالية من أي جراثيم خلال 7 أيام، وتم شفاء الحروق تمامًا في 15 يومًا بنسبة 100%. أما المجموعة الثانية التي عولجت بشرائح البطاطا فقد شفي فقط 50% منهم خلال 15 يومًا.
العسل غني بمضادات الأكسدة:
ففي دراسة نشرت في شهر مارس 2003م في مجلة J Agric Food Chem قارن الباحثون بين تأثير تناول 1.5غ/ كغم من وزن الجسم من شراب الذرة، أو من العسل على الفعالية المضادة للأكسدة. فقد ازدادت محتويات البلازما من مضادات الأكسدة الفينولية بنسبة أعلى بعد تناول العسل ـ عنها بعد تناول شراب الذرة. وقد أشارت الدراسة إلى أن مضادات الأكسدة الفينولية Phenolic الموجودة في العسل فعالة، ويمكن أن تزيد من مقاومة الجسم ضد الإجهاد التأكسدي Oxidative Stress.
ويقدر الباحثون أن الإنسان الأمريكي يتناول سنويٌّا ما يزيد على 70كغم من المُحَلِّيَات، ولهذا فإن استعمال العسل بدلاً من بعض المحليات sweeteners يمكن أن يؤدي إلى زيادة قوة جهاز المقاومة المضاد للأكسدة في جسم الإنسان. ويدعو الدكتور Schramm الأمريكيين إلى استخدام العسل بدلاً من جزء من المحليات المستخدمة يوميٌّا في تحلية الطعام(12).
وفي دراسة حديثة أجريت في فرنسا ونشرت في مجلة J Nutr في شهر نوفمبر 2002م، وأجريت على الفئران التي أعطيت غذاء يحتوي على 65جم/100جم من النشويات على صورة نشاء القمح أو على مزيج من الفركتوز مع الجلوكوز أو على غذاء يحتوي على العسل. وتبين للباحثين أن الفئران التي غذيت على العسل كان لديها مستوى أعلى من مضادات الأكسدة مثل (ألفا توكفرول وغيره). وكانت قلوبها أقل تعرضًا لتأكسد الدهون فيها. ويعلق الباحثون في ختام بحثهم أن الحاجة ماسة لإجراء المزيد من الدراسات لمعرفة الآلية التي يمارس بها العسل خصائصه المضادة للأكسدة(13).
وفي دراسة أخرى قدمت في شهر نوفمبر في مؤتمر Experimental Biology في أورلاندو في 4/4/2001م، استخدم العسل كمصدر للسكريات أثناء التمارين الرياضية في مسابقات ركوب الدراجات، فأُعطي تسعة متسابقين إحدى ثلاث مواد مغذية إضافية (إما العسل، أو محلول السكر، أو محلول خال من السعرات الحرارية) كل أسبوع، ولمدة ثلاثة أسابيع. وأجري فحص القدرة على التحمل كل أسبوع، وشمل هذا الفحص ركوب الدراجة لمسافة 64كم. وقد استطاع الذين تناولوا العسل أن يختصروا مدة قطع تلك المسافة بثلاث دقائق (بالمقارنة مع الذين لم يتناولوا العسل)، كما زاد تناول العسل من قدرة التحمل على ركوب الدراجة بنسبة 6%. وبالطبع فإن هذه الفروق البسيطة لها أهمية كبرى في السباقات الرياضية.
العسل وصحة الفم:
أكد البروفيسور (مولن) في مقال نشر في مجلة Gen Dent في شهر ديسمبر 2001م ـ أن العسل يمكن أن يلعب دورًا في علاج أمراض اللثة، وتقرحات الفم، ومشكلات أخرى في الفم، وذلك بسبب خصائص العسل المضادة للجراثيم(14).
العسل.. في علاج التهاب الأغشية المخاطية الشعاعي:
وفي دراسة حديثة نشرت في مجلة Support Care Cancer في شهر أبريل 2003م، وأجريت على أربعين مريضًا مصابًا بسرطان في الرأس والرقبة، ويحتاجون إلى معالجة شعاعية ـ قُسّم المرضى إلى مجموعتين، أعطيت الأولى منهما المعالجة الشعاعية، وأما الثانية فأعطيت المعالجة الشعاعية بعد تطبيق العسل موضعيٌّا داخل الفم. فقد أوصي المرضى بتناول 20جرامًا من العسل الصافي قبل المعالجة الشعاعية بـ: 15 دقيقة ، ثم بعد إعطاء الأشعة بـ: 15 دقيقة، ثم بعد 6 ساعات من المعالجة بالأشعة. وأظهرت الدراسة انخفاضًا شديدًا في معدل حدوث التهاب الأغشية المخاطية عند الذين استعملوا العسل (75% في المجموعة الأولى، مقابل 20% في المجموعة الثانية).
وخلص الباحثون إلى القول بأن إعطاء العسل موضعيٌّا أثناء المعالجة الشعاعية، طريقة علاجية فعالة وغير مكلفة لمنع حدوث التهاب الأغشية المخاطية في الفم. ويستحق الأمر إجراء دراسات أكبر وفي مراكز متعددة لتأكيد نتائج هذه الدراسة(15).
العسل في التهاب المعدة والأمعاء:
ففي دراسة نشـــرت بمجلة Pharmacol Res عام 2001م ـ أثبت البـاحثون أن العسـل يمكـن أن يســاعد في علاج التهاب المعـــدة، فقــد أعطيت مجمـوعة من الفئران الكحول لإحــداث تخــريشــات وأذيات في المعدة، ثم أعطيت مجمـــوعة أخرى العسل قبل إعطائها الكحول، فتبين أن العسل استطاع أن يمنع حدوث الأذيات المعدية الناجمة عن الكحول(16).وكانت دراسة سابقة نشرت في المجلة الإسكندنافية للأمراض الهضمية عام 1991م قد أظهرت نتائج مماثلة.
كما قام الباحثون بإجراء دراسة أخرى حول تأثير العسل الطبيعي على الجـرثوم الـــذي ثبت أنـــه يمكــن أن يســــبب قرحة المعدة أو التهاب المعدة والتي تدعى جرثومة Helicobacter Pylori ـ فتبين أن إعطـــاء محلــــول من العسل بتركيز 20% قد استطاع تثبيط ذلك الجرثوم في أطباق المختبر. وقد نشرت هذه الدراسة في مجلة Trop. Gastroent عام 1991م. ويحتاج الأمر إلى إجراء دراسات على الإنسان.
ومن أوائل الأحاديث التي استوقفتني في موضوع الطب النبوي حديث رواه البخاري ومسلم فقد جاء رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ:
إِنَّ أَخِي استطْلَقَ بَطْنُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم: (اسْقِهِ عَسَلاً)، فَسَقَاهُ، ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّي سَقَيْتُهُ عَسَلاً فَلَمْ يَزِدْهُ إِلا استطْلاقًا، فَقَالَ لَهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ جَاءَ الرَّابِعَةَ فَقَال: (اسْقِهِ عَسَلاً) فَقَالَ: لَقَدْ سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْهُ إِلا استطْلاقًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم: (صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ)، فَسَقَاهُ فَبَرَأَ.
فقد نشرت مجلة B M J الإنجليزية الشهيرة عام 1985م دراسة على 169 طفلاً مصابًا بالتهاب المعدة والأمعاء.
وأعطي 80 طفلاً المحلول العادي مضافًا إليه 50مل من العسل بدلاً من سكر العنب (الجلوكوز).
ووجد الباحثون أن الإسهال الناجم عن التهاب المعدة والأمعاء استمر 93 ساعة عند الذين لم يعطوا العسل، في حين شفي الذين أعطوا العسل في وقت أقصر (58 ساعة).
هل للعسل دور في علاج التهاب القولون؟
سؤال طرحه الباحثون من جامعة استنبول، ونشروا نتائج بحثهم في مجلة Dig Surg عام 2002م، وقد أثبت الباحثون أن إعطاء محلول العسل عبر الشرج إلى القولون يعادل في فائدته العلاج بالكورتيزون عند فئران أُحدِث عندها التهاب في القولون. ولكن يعقّب الباحثون على أن هذا الأمر يحتاج إلى المزيد من الأبحاث قبل ثبوته(17).
كمــا أن دراســـة أخـــرى نشـــرت في مجلة Eur J obstet Gynecol Reprod Biol في شهر سبتمبر 2002م ـ أشارت إلى أن إعطاء العسل داخل صفاق البطن للفئران ـ أحدث عندها جروح في البطن وأدى إلى الإقلال من حدوث الالتصاقات داخل الصفاق البريتوني، ولكنها دراسة مبدئية أجريت على الفئران(18).
العسل.. وقاية من التهاب القولون:
هل يمكن للعسل أن يقي من حدوث التهاب القولون عند الفئران؟ هذا هو السؤال الذي طرحه باحثون في جامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية، حيث قاموا بإحداث التهاب القولون عند الفئران بتخريشه بحمض الخل بعد أن أعطيت الفئران العسل والجلوكوز والفركتوز عن طريق الفم والشرج لمدة أربعة أيام. وتبين للباحثين أن العسل قام بدور جيد في وقاية القولون من التخرشات التي يمكن أن يحدثها حمض الخل(19).