خطاب صاحب السّمو الآغا خان
في افتتاح
المركز الإسماعيلي في دبي
26 مارس (آذار) 2008
بسم الله الرحمن الرحيم
صاحب السّمو الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم
صاحب السّمو الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان
معالي الوزراء،
أصحاب السعادة،
الضيوف الكرام،
السيدات و السادة،
السلام عليكم،
الصورة غاري أوتي
إنه لمن دواعي سروري العميق أن تتمكّنوا جميعاً من الانضمام إلينا في افتتاح المركز الاسماعيلي الجديد. فحضوركم بحدّ ذاته هو رمزّ للتعدّدية الرائعة التي تتّسم بها دبي. كما أن اهتمامكم و دعمكم يمنحان معانٍ إضافية لاحتفالنا هذا، باعتبارنا اليوم نكرّم إنجازاً معمارياً عظيماً، ستكون نشاطاته المؤسساتية بيتاً للجميع، وكذلك الناس الرائعين الذين حوّلوا كلّ ذلك إلى حقيقة.
إن من بين هؤلاء الأشخاص الإستثنائيين بطبيعة الحال سموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الذي تكرّم بإهداء الأرض الخاصة بالمركز. واسمحوا لي مرة أخرى أن أعرب لكم بالنيابة عن الجماعات الإسماعيلية عن عميق تقديرنا لسموّه ولعائلته.
وما يسرّني بشكل خاص هو تشريف سموّكم شيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم مرة أخرى بحضوركم اليوم. وكنتم قد كرّمتمونا بمتابعة الحفل الذي جرى فيه وضع حجر الأساس لهذا المركز منذ أكثر من أربع سنوات.
واسمحوا لي أيضاً أن أعترف وبعميق الامتنان بفضل العديد من المتبرّعين إلى هذا المشروع، في دبي وفي العديد من الأماكن الأخرى، إضافة إلى الذين صمّموا وأنشأوا وأثّثواهذا البناء و الحديقة المجاورة له. لقد كان كرمكم وتفانيكم في صلب عملية التخطيط والبناء الطويلة الأمد والتي تتوج أخيراً بهذه اللحظة السعيدة.
إننا نجتمع اليوم في مكان خاص و في زمان خاص.
فنحن نرحب بمركزنا الإسماعيلي الجديد في مكان، أصبح بحدّ ذاته مركزاً عظيما – ونقطة انطلاق للنشاطات العالمية، وهو بحق ملتقى طرق عالمي. ولطالما سمعنا في الآونة الأخيرة كلمات مثل "التلاقي" والترابط". وبرأيي، دبي هي مكان تكتسب فيه هاتان الكلمتان الحياة. لقد أصبحت دبي هي التجسيد الفعلي للقرية الكونية، واضعة نفسها في مقدمة الاندفاع الهائل نحو التلاقي العالمي.
إن أخلاقيات دبي هي من النوع الذي يثمّن عالياً التبادل السخي للمعرفة و الأفكار، ويرحّب بالفرصة للتعلّم من الآخرين، ولا يحتفي بهوياتنا التاريخية فحسب، بل وبآفاقنا الرحبة أيضا.
إن أخلاقيات الاستكشاف والترابط فيما بين الناس هي أيضاً من النوع الذي تحمله الجماعات الإسماعيلية. فهي في الحقيقة أخلاقيات ذات جذور ضاربة في عقيدتنا – إنها نظام قيم نما من جذور روحية عميقة.
فهذه الأخلاقيات تفهم بأن التنوع البشري هو هبة من الله تعالى – وهذه التعددية ليست تهديداً بل بركة. كما ترى في الرغبة بالاستكشاف والارتباط وسيلة للتعلّم والنمو– ليس لتضعف هوياتنا وإنما لتغني معرفتنا لذاتنا. وتنطلق هذه الأخلاقيات في نهاية المطاف من العلاقة مع ما هو إلهي والذي يشكّل مصدر إلهام لإحساس عميق بالتواضع الشخصي، والعلاقة بالإنسانية المفعمة بروح الخدمة الكريمة والاحترام المتبادل.
إن هذا المركز الجديد هو مكان روحي بعمق. والرمزية التي تطبعه مستوحاة من التقاليد الفاطمية التي تمتدّ لأكثر من 1000 سنة خلت – وهي مشتركة بشكل واسع مع التقاليد الشقيقة الأخرى ضمن العالم الإسلامي - من بغداد إلى بخارى. و بما أن معمارييه قد صمّموه بشكل كفوء جداً، فقد تم إنشاء هذا البناء بشكل أساسي كمكان للتأمل بسلام، لكنه وضع في سياق اجتماعي. وهو ليس مكاناً للاختباء من العالم، بل مكان يلهمنا كي نؤدّي أعمالنا الدنيوية باعتبارها امتداداً لعقيدتنا.
لقد قدّم الشيخ محمد مثالاً كبيراً يحتذى كيف أن بوسعنا نقل أخلاقيات الدين الإسلامي إلى العالم وذلك من خلال تأكيده على إحدى دعائم القيم الإسلامية، ألا وهي روح السخاء تجاه الآخرين.
كما كتب مؤخراً، وهنا أقتبس قولة: "أتساءل دوماً: كيف لي أن أساعد؟ ما الذي أستطيع فعله للناس؟ كيف بوسعي تحسين حياة الناس؟ فهذا جزء من نظام القيم لدي. وقصة دبي كلها تدور حول كيفية تغيير حياة الناس نحو الأفضل."
ضمن هذه الروحية، وعند وصفه لدبي، قام باستبدال كلمة "رأسمالي" بكلمة "محفّز" – على أنها تلهم من يعيشون و يعملون هنا كي يحقّقوا مستويات أعلى من الإنجازات الشخصية. إن فلسفته - إذا ما أعدنا صياغة قول جون كينيدي - تدعونا لا لنسأل: "ما يمكن لشخص ما أن يحققه لنفسه، وإنما ما يمكن أن يساعد الآخرين على أن يحققوا". وهذا أيضاً هو تعبير ينبع من مبادئ إسلامية ضاربة الجذور.
في شبكة التنمية لدينا استخدمنا كلمات تختلف بشكل طفيف لوصف التزام مشابه جداً. فنحن نحب أن نتحدث عن بناء، ما نسميه "البيئة المُمكّنة"، أي البيئة التي توفّر ما يمكن أن ندعوه بـ "الشرارة" التي يمكن أن "تشعل" روح العزيمة الفردية.
تسعى شبكة التنمية لدينا إلى تحقيق هذا الهدف في أماكن عديدة وبطرق شتى، ومن الأمثلة المناسبة على ذلك هو برنامج التعلّم المبكّر هنا في المركز الاسماعيلي الذي يعتبر استثماراً طويل الأمد في صياغة الشخصية الإنسانية في أكثر المراحل التكوينية في حياتها.
بالطبع يجب أن نكون واقعيين فيما يخصّ التحديات التي نواجهها. ففي نهاية المطاف، هذه المنطقة، هي "منطقة صعبة" كما وصفها الشيخ محمد، حيث كانت موضعاً لصراعات وانشقاقات مأساوية بما في ذلك انقسامات عدّة شهدها الإسلام ذاته. لكن في الوقت عينه، تتمتّع هذه المنطقة بالإمكانات الهائلة والمستقبل الواعد. ولسوف يتنامى تحقّق هذا الحلم مع تعلّم العالم الإسلامي كيف يعتنق بشكل أكثر فعالية روح التماسك الجوهري التي جرى التعبير عنها بشكل رائع في إعلان عمان 2005، مع تأكيده على أن تنوّع التعبيرات ضمن الإسلام هو ليس نقمة بل "نعمة". وروح المجاملة هذه، بدورها، يمكن أن تصبح إسهاماً إسلامياً عظيماً لمستقبل هذه المنطقة – ولمستقبل عالمنا.
كما أن دبي هي حقاً مكان خاص جداً، فإن هذا الوقت هو وقت خاص جداً أيضاً. بالنسبة لي، هذا صحيح للغاية لأن هذه البداية الجديدة تتزامن مع ذكراي الخمسين كإمام للمسلمين الشيعة الإسماعيليين – إنها لحظة في اليوبيل الذهبي تربط الماضي بالمستقبل بالنسبة لي وبطريقة خاصة.
وهذا هو جوهر احتفالنا اليوم – في وقت يتّسم بالتحدّي الذي يفرض متطلّبات كثيرة، نبحث عن القوّة والإلهام من جذورنا الروحية والثقافية.
الشكر الجزيل لكم جميعاً مرّة أخرى في هذه اللحظة الخاصة.
شكراً لكم