في جمعية المقعدين وأصدقائهم في مدينة اللاذقية السورية المحاطة بالبساطة والطلاء الباهت على الجدران، لن تتوقع وأنت هناك أن ترى وتشعر بكل هذا الكم من المعنويات التي ستلقاها، والتي تكفي لأن تبني لهذه الأرواح التواقة في هذا العالم جسرا من الأمل والطموح في الحياة.
هناك .. حيث تضافرت همم وإرادة عالية لتقول (لا..) في وجه مجتمع الغالبية العظمى من أفراده ينظرون إلى المعوق على أنه شخص متطفل على هذه الحياة.
«أوان» حلت ضيفة على هذه الجمعية في مناسبة بدت وكأنها عرس، وهي كذلك بالفعل، إنها عرس (نورا يوسف بدور) تلك الشابة التي لم تثنها إعاقتها عن ممارسة هوايتها في رفع الأثقال، حيث حلقت عاليا في سماء هذه الرياضة ورفعت اسم بلدها عاليا رغم كل ما واجهته من صعوبات أهمها إعاقتها التي ولدت بها.
نورا.. وحلم من ذهب
نورا التي تبلغ من العمر 22 ربيعا والتي تعاني من إعاقة في طرفيها السفليين حيث أنها تتنقل على كرسي متحرك شاركت في الدورة العربية الحادية عشرة، التي أقيمت منذ أسابيع في جمهورية مصر العربية وعادت من هناك تحمل الميدالية البرونزية محتلة المركز الثالث عربيا في رياضة رفع الأثقال.
وفي حوارنا معها قصت علينا نورا كيف حققت هذا الإنجاز الرائع وكيف استطاعت أن تهزم إعاقتها وتتفوق عليها قائلة:
بدأت بممارسة هذه اللعبة حين كان عمري خمسة عشر عاما وكنت أتطلع دائما إلى تحقيق إنجاز ما، وشاركت في عدة بطولات على مستوى الجمهورية، حيث كنت أحصل على مراكز مختلفة، إلى أن رشح اسمي للمشاركة في الدورة العربية التي أقيمت في مصر، وبالنسبة لي كانت هذه هي الفرصة التي أنتظرها لبلوغ حلمي فبدأت بالتحضير للمشاركة قبل البطولة بثلاثة أشهر فقط، وكان معدل التدريب مكثفا جدا، بمعدل عشرين يوما في الشهر واستطعت أن أحقق المركز الثالث بحضور ربّاعين من عشرين دولة عربية وهذا أمر جيد بالنسبة لي كوني لم أتدرب مدة كافية ولم تتوافر لي التسهيلات التي نعمت بها زميلاتي العربيات في البطولة، بكل الأحوال أنا سعيدة جدا لوصولي إلى هذه المرحلة لكنني أطمح بالذهب في البطولة القادمة.
وعن المنافسة قالت نورا: المنافسة كانت قوية جدا فالحكومة المصرية متمثلة في وزارة الشباب والرياضة يهتمون جدا بلاعباتهم حيث أنهم يوفرون لهن سيارات تحت تصرفهن هذا بخلاف الدعم المادي والرعاية الصحية الكبيرة، وهذا ما نحلم به هنا، كما أن البطولة كانت مميزة من الناحية التنظيمية وهذا ما أشاد به الجميع، ولكن أقول بصراحة: إن الحكام كانوا متحيزين للاعبين المصريين وكان من اللافت أن المركز الأول في جميع الرياضات كان مصريا بحتا. وحين سألنا نورا إن كانت تشعر بأن هنالك إهمالا حقيقيا للرياضيين ذوي الاحتياجات الخاصة أجابت بمرارة: مشكلة الإهمال موجودة بشكل واضح ويشعر بها من يسكن في الريف أكثر ممن يسكن في المدينة، نحن نعاني من مشكلة حقيقية في التنقل ما بين المنزل والتدريب والجمعية، أحيانا لا أجد من يقبل بأن ينقلني إلى أي مكان، فأكون مضطرة إما لإلغاء الأمر أو لاستئجار سيارة تاكسي «هذا إن قبل السائق أن يقلني أيضا».
الاتحاد الرياضي والدعم الخجول
نورا حدثتنا عن الدعم الذي قدمه الاتحاد الرياضي «الرياضات الخاصة» لها حيث أنهم خصصوا لها مرتبا شهريا متواضعا في فترة التدريب والبطولة فقط، ولم تحصل على أية مكافأة خارج هذا المرتب.
وفي نهاية الحديث أخبرتنا أنها من الممكن أن تشارك خلال أسبوع في بطولة أخرى في مصر وهي بطولة تأهيلية لأولمبياد بكين القادمة.
لم تنس نورا أن تعبر بكلمات يمكن لأي مستمع أن يحس بصدقها عن عميق شكرها للجمعية ولأصدقاء الجمعية والمدربين .
نورا التي تحلم بالذهب في بكين تجاوزت في حلمها هذا مشكلتها الجسدية لتجعل هذا المجتمع يواجه مشكلته النفسية ولتصرخ بوجهه بأنها موجودة وأصدقاؤها شاء أم أبى.
جمعية المقعدين وأصدقائهم
الجمعية التي تنتمي إليها نورا ومجموعة من الشباب والشابات المقعدين وأصدقائهم من مختلف الأعمار تأسست في 12/6/2006 وهي جمعية خيرية تعتمد على التطوع والتبرع. بدأت الفكرة باجتماع بعض المقعدين وأصدقائهم الذين عملوا على تقييم خمسين حالة من حالات الضمور العضلي والشلل (أي من لا يستطيع خدمة نفسه بنفسه)، وبناء على ذلك حددوا الاحتياجات الأساسية لهذه الحالات،