لماذا تعد الكائنات الراقية و منها الإنسان طبعا عرضة للإصابة بالسرطان أكثر من غيرها؟ و لماذا لا تتمكن أجسامها من ردعه رغم الآليات الدفاعية المعقدة التي تمتلكها؟
و هل يعمل تطور أجسامها لصالح السرطان؟
تمتلك الكائنات الحية الراقية العديد من التكيفات المعقدة إلا أنها مازالت عرضة
للإصابة بالأمراض.
يعد السرطان أحد أكثر الأمراض مأساوية و الخلايا السرطانية ليست طفيليات غريبة اكتسبت طرائق معقدة لتهاجم أجسامنا بل هي خلايا ذاتية انقلبت علينا و أصبحت تتكاثر بشكل أكبر مخربة الأنسجة المحيطة بها لتفسح المجال لتكاثرها دون أن يتمكن الجهاز المناعي من كشفها.
كما أن هذه الأورام ليست بالأمر النادر الحدوث فاحتمال إصابة المرأة بأحد أنماط السرطان خلال فترة حياتها في الولايات المتحدة الأمريكية تبلغ 39% و ترتفع هذه النسبة عند الذكور لتبلغ 45%.
إذا كان الانتقاء الطبيعي قد طور العديد من التكيفات المعقدة لماذا لم يستطع التخلص من السرطان ؟ في الحقيقة لقد طور الانتقاء الطبيعي مجموعة من الآليات المضادة للسرطان و فضلها عن غيرها من دون التخلص منه نهائيا. و لا تزال الدراسات حول تطور السرطان في طفولتها لكنها تعج بالكثير من الحجج حول الآليات التي يحدث فيها السرطان.
إن تطور الأجسام البشرية عن غيرها من الكائنات غير الراقية قد جلب معه خطرا عظيما فما إن تنقسم خلية واحدة إلى خليتين فهناك احتمال بإصابتها بصفرة تحولها إلى خلية مسرطنة.
مع أن أجسامنا عرضة للإصابة بالسرطان فإنها قد طورت العديد من الآليات لإيقافه و منها البروتينات الكابتة للأورام و التي تعتبر من أهم الدفاعات ضد السرطان.
حيث أن بعض هذه البروتينات يراقب كيفية تكاثر الخلايا فإذا تكاثرت هذه الخلايا بطريقة غير سوية فإن هذه البروتينات تدفع بها إلى الموت أو إلى ضرب من التقاعد المبكر تبقى فيه الخلية حية لكن غير قادرة على التكاثر لأن الخلايا التي لا تنقسم لا يمكن أن تصبح مسرطنة و هكذا تنشأ الأورام في الخلايا غير المتمايزة (الأرومات أو الخلايا الجذعية) و هذا ما يفسر لماذا تكون غالبية حالات الورم الأرومي الشبكي عند الأطفال كون الشبكية تتوقف عن النمو في وقت مبكر من الحياة.
لقد طبقY.N شاربلس من جامعة كارولينا الشمالية في شابل هيل أساليب الهندسة الوراثية على بعض الفئران لدراسة تأثير أحد هذه البروتينات و يدعى P16 فقد أنشأ مع زملائه سلالة من الفئران تفتقر خلاياها إلى أحد الجينات المسئولة عن إنتاج هذا البروتين و بالتالي لا تستطيع تشكيله و كانت النتائج أن هذه الفئران المعدلة وراثيا أصبحت أكثر عرضة للإصابة بالسرطان الذي أصيبت به قبل أن تتجاوز عامها الأول من العمر, و لكن لفقدان هذا الروتين فائدة فقد واصلت خلايا هذه الفئران التصرف كما لو كانت شابة و في مقارنة مع فئران طبيعية تمتلك هذا البروتين خرب العلماء الخلايا المنتجة للأنسولين عند كل من الفئران الطبيعية و المعدلة و كانت الفئران مسنة و كانت النتيجة أن الفئران السوية لم تستطع إنتاج الأنسولين و ظهر لديها مرض سكري مميت أما الفئران التي تفتقد للبروتين P16 ظهر لديها مرض سكري خفيف و بقيت حية!
إذا فإن التطور الطبيعي يفضل البروتينات المضادة للسرطان مثل البروتين p16 لكن تفضيلا خفيفا فإذا أصبحت هذه البروتينات عدائية فقد تشكل تهديدات على الصحة بتسريع شيخوخة الأجسام
القصة المدهشة لأحد سرطانات الكلاب:
ينتقل أحد سرطانات الكلاب و يدعى ساركوما ستيكر بالاتصال الجنسي أو اللعق أو لمس الورم و ما إن يتوطد الورم داخل جسم المضيف حتى يتمكن من إنتاج أورام كبيرة بحجم البرتقالة قبل أن تتلاشى تدريجيا.
اعتقد العلماء سابقا أن المرض شبيه بسرطان عنق الرحم بانتشاره من خلال الفيروسات لكن تبين فيما بعد أن العوامل التي تنقل الإصابة هي الخلايا السرطانية نفسها فهذا الورم يمثل خلية سرطانية تحولت إلى طفيلي نجح في الانتشار في أرجاء العالم و لكن السؤال هو كيف نجحت هذه الخلايا يتجنب الجهاز المناعي في أجسام الكلاب التي انتقلت إليها. فمن المعروف أن رفض الطعم هو أحد أهم الأخطار في زراعة الأعضاء حيث يحدث ذلك عندما يهاجم الجهاز المناعي للمصاب العضو المزروع بعنف باعتباره جسم غريب.
ويبدو أن ساركوما ستيكر قد سلك طريقا للالتفاف حول هذه الدفاعات الموغلة في القدم فلا تشكل خلايا هذا الورم سوى عدد قليل من البروتينات السطحية التي يستخدمها الجهاز المناعي لتمييز الذات عن الغير و هذا يمكنها من تجنب الهجوم الكاسح الذي سوف يشنه الجهاز المناعي عليها و هذا يتطلب أشهر عديدة لتدميرها.
و يمكن لخليا سرطانية مفردة أن تبقى حتى بعد زوال الورم فبدلا من أن تكون خلية سرطانية تموت مع مضيفها أصبحت سرطانا يستطيع البقاء قرون عدة!
و في نهاية المطاف فإن الدراسات حول تطور السرطان قد تكشف سبب ما ثبت أنه من الصعوبة البالغة استئصاله و كما يقول "J. بريفيك" من جامعة أوسلو:"لا يوجد حل حقيقي لهذه المشكلة فالسرطان من العواقب الرئيسية للطريقة التي خلقنا و فقها و ما نحن إلا مستعمرات مؤقتة صنعتها جيناتنا لننشرها و نوصلها إلى الجيل التالي و الحل النهائي للسرطان هو أن نبدأ بإعادة إنتاج أنفسنا بطريقة مختلفة"