المحامي ليث هاشم وردة مشرف المنتدى القانوني
عدد الرسائل : 1590 العمر : 45 Localisation : إذا أردت أن تحكم مصر طويلا فعليك باحترام مشاعر الناس الدينية واحترام حرمات منازلهم. وصية نابليون لكليبر تاريخ التسجيل : 11/05/2008
| موضوع: أنسي الحاج الثلاثاء مايو 13, 2008 10:56 am | |
| توقيت الفرح مثل كلّ الذين يريدون للفرح الدوام، أكرهُ الأعياد الرسميّة. توقيت العيد شكل من أشكال القمع، صورة عن باقي السلاسل. مع هذا، لا يُنسى بريق عيون الناس في أجواء العيد، حشودهم، الأضواء والانفلات الجوعان في الشوارع... هنا يحلو الاختلاط لأنه البحر الهدّار بما لا تدري يمينك ولا يسارك، فالأسماك جميعها يبحث بعضها عن بعض في هياج الموج عمياء من تعطّشها، سكرانة بخمر المجهول، بملح صيد تكون فيه صيّادة ولو صادوها. هذا التدفّق الأوقيانوسي المزيَّن بكبت الزمان، هو روح العيد، هو العيد. وهو ما يُكْرَه أن يؤذن له مرّات قليلة فقط في السنة، كأنه إطلاق سراح مؤطَّر بالحرّاس.
■ الرجال أين أصبح الرجال؟ لا أحبّ هذه الكلمة. «رجال». تنضح بعنصريّة متوحّشة يزرزب منها دم الضحايا، ضحايا الرجال، عقولهم وسيوفهم، على مرّ الدهور. مع هذا يبقى وهجٌ في «الرجال» ملتصق بمعاني الشهامة والمروءة والتضحية. أين أصبح الرجال؟ لا أحد يتكلّف وجعة رأس بدون مكسب يراوح بين الاستيلاء والخيانة. الفقراء ما عادوا يملكون ثمن علبة الحليب ورجالات البلاد يمعنون نخراً هذا في عَظْمَة السلطة وهذا في عَظْمة خيال كروم السلطة. ليس بين هؤلاء من ينام على أقلّ من بضعة ملايين دولار، والمليارديريّة، ظاهرين ومستترين، يزداد عددهم شهراً بعد شهر. شعب مخدوع لن يحرّره أحد. رجال؟ رجال في الحكي، لا عند المصير ولا مع النساء.
■ لبنان وسوريا كانت أوروبا، كلّما عصفت الأزمات بالإمبراطورية العثمانيّة، تنتهي، بعد التلاعبات المعهودة، بنجدة السلطان وزجر الكيانات المتمرّدة (مصر أو لبنان) بحجّة أن الدول الأوروبيّة غير متفاهمة بعد على تقاسم إرث الإمبراطوريّة. كان المسموح هو التهديد لا الإطاحة. سياج العرش خوف أخصامه ممّا سيليه. يقول الأميركيون ما اختصاره إن تغيير النظام في سوريا غير مرغوب فيه لأن وارثه المحتمل، حتّى الآن، يبدو شديد السوء. وهو ما يتردّد أن الإسرائيليين يقولونه أيضاً. دائماً كان الشرق يوحي للغرب الديمومة خارج الزمن. من شرق الصين إلى شرق العرب. حتّى بات الغرب يستمدّ بعض توازنه من هذا الثبات الشرقي الدَهْريّ. ويبدو قول كيبلينغ المأثور إن الغرب غرب والشرق شرق ولن يلتقيا أمنيةً بقدر ما هو إقرار بواقع. والأمنية مشتركة على الأرجح. الغرب يفقد توازنه إذا خرج الشرق من جموده والشرق تتعطّل أمور حياته إذا استقال الغرب من حيويّته وقبع إلى جانب بودا ذاهلاً في هدوئه الساخر. النهار والليل. الذَكَر والأنثى. الشمال والجنوب. الباقي، أي النزاعات والضحايا، تفاصيل. الحياة كلّها، لا الأنظمة والعروش، تعيش على الخوف من فقدانها.
- في المواسم تُشْحَذ القرائح. يتذكّر المواطنون مطالبهم المزمنة والصحافيون مواعظهم المملّة. في كلّ صحافي صانع رؤساء، أو هكذا يَظنّ. والمسترئسون يعرفون هذه العقدة ويدغدغون غرور الصحافي حولها. لو ترى مسترئساً يطلب «التوجيهات» من صحافي! خُيَلاء الثاني وخَبْثَنةُ الأول. العهود والأنظمة تراعي مداهنة الصحافيين أكثر ممّا ترعى شؤون المواطنين. العرب، بمَن فيهم حكّامهم، حسّاسون أكثر ما يكون لطموحات ضبّاطهم السياسيّة وكلام الجرائد. الأوّلون ينقلبون بالدبابات والصحافيّون يكتبون التاريخ. أو هكذا يظنّون. ويظنّ الحكام. ولم يعد يظنّ القرّاء. دارج هذه الأيام التذكُّر. كلّما اكفهرَّ الحاضر ازداد خَرَفُنا. تهون لو نتذكّر صحّ، لكننا نشوّه ونزوّر وبعضنا يعملها مأجورة متّكلاً على النسيان العام. يأتينا المبعوثون مزمومي الشفاه ويخاطبوننا كالأساتذة. المعلّم طالما كان رمز السلطة. شوارب ومسطرة وأوامر مقتضبة. صوت رفيع سمَّاوي أو جَهْوَري مخيف بهدوء. الأستاذ كاسحنا كَسْحاً. وإذا كنتِ فتاة فسيكون أيضاً على الأرجح حبيب خيالك السرّيّ. يأتينا المبعوثون صارمين ثم يذهبون إلى دمشق لطفاء. يُعصّب الرئيس بوش على الشاشة، ومن ورائها يمدّ الحبل. وتظلّ دمشق الرهيبة رهيبة، وينسى الذاهب إليها عند الحدود خيزراناته ويمسي ودوداً كالنعجة. دمشق التي ربحت في الماضي السحيق وربحت في الماضي المتوسّط وربحت في الماضي القريب وعادت الآن تربح. الشرق ينتظر كي يتعب الغرب من حركته. والغرب دائماً يتعب من الشرق. يتعب ويُظهر استسلامه كأنه ذكاء. انتظرتْ دمشق أكثر من نصف قرن لـ«تستعيد» لبنان من فرنسا واستعادته. ولم تنتظر إلاّ ثلاث سنوات لتكسر طوق الغرب عليها بسبب لبنان. صارت دمشق أحذق والغرب أقصر نَفَساً ولبنان أقلّ أهميّة في نظر خليفة جاك شيراك.
- لا حياة للبنان في ظل مخاصمة سوريا ولا معنى له في قفصها. اللبنانيّون يعرفون ذلك وما زالوا يُمنّون النفس بأن يسلّم به جميع الحكّام السوريّين، وبأن لبنان «المكموش» سوريّاً قد يكون مدماكاً في بنيان النفوذ السوري الإقليمي ومصدر رزق مالي واقتصادي ولكنّه سيكون حتماً مساواة بالأرض للسمات التي يدّعي تاريخ بلدان ما يسمى الهلال الخصيب أن هذه البلدان تتمتّع به ويميّزها عن بقية العرب والشرقين الأدنى والأوسط. إن سوريا، المكتظّة بالمواهب والكفايات، النائمة على كنوز من الطاقات العقليّة والعلميّة، باتت أشدّ من لبنان حاجة إلى التفتّح والحريّة. ويقيناً أن هذا لن يتأمّن بعودة الابن اللبناني الضال إلى بيت الطاعة السوري.
- الشوق لا الأرض ما الروح؟ إنّها حيويّة ما يثيره جسدكِ. ما الدهشة؟ تنوّعات جسدكِ. الفرْحة؟ هي الدفع الذي يرسله غواكِ إلى مركبة الحياة. والفَرَج هو البساطة المتجليّة في لاشعوركِ بتأثيركِ، وغموضُ المسافة هو قانون الإيمان...
تحت وهج عينيكِ يصبح الناظر متوهّجاً، فالنور لنفسه مُحايد ولمَن يراه قويّ.
عندما تسكتين تُخيفين لأنّكِ تَسْحبين إليكِ بساط الحياة فيبدو مَن حولكِ مُذْنباً. المؤلم ليس الإياب بل الذهاب. لو أمكن الطفل أن يتحدّث عن جلجلة فطامه لمُنع الفطام أو منعتِ الرضاعة.
الموسيقيّ يحوّل الدنيا إلى موسيقى والقاتلُ إلى ظلام والعريُ إلى دفء وأنتِ تحوّلينها إلى امرأة. ليست السماءُ ما يلهمني بل جسدكِ ليست الأرض مكاني بل الشوق وسأظلّ مذهولاً بقدرتكِ على إشباعي من السراب.
أنسي الحاج
| |
|
المحامي ليث هاشم وردة مشرف المنتدى القانوني
عدد الرسائل : 1590 العمر : 45 Localisation : إذا أردت أن تحكم مصر طويلا فعليك باحترام مشاعر الناس الدينية واحترام حرمات منازلهم. وصية نابليون لكليبر تاريخ التسجيل : 11/05/2008
| موضوع: لآنيشتاين . أنسي الحاج الثلاثاء مايو 13, 2008 11:03 am | |
| [size=21]■ معجزة معلّقة ما إن يكتشف الواحدُ الآخر حتّى تبدأ، مع النُور، المتاهة... يمنحكَ الآخرُ هدوءاً ويسلبك هدوءاً. الثقة والهشاشة. صِدامُ كوكبين. ينتزعكَ من وحشة ويأسر فيكَ راحة. ما إن يكتشف الواحدُ الآخر حتّى يُطلّ الأمل على صهوة اليأس واليأس على صهوة الأمل. الاكتشاف قليل الاكتشاف، فهو أيضاً تَذَكُّر أو إعادةُ نظر. معرفة منسيّة. شيءٌ من مدّخرات مطمورة أو ثأرُ جريمةٍ مغمورة... غير معروف تأثيرُ الاكتشاف الاكتشاف، الذي لا ماضي له في حياة المكتَشِف. ربّما يَصْعَق وربّما على النقيض لا يستوقف، فلا يلفتكَ الجديد التامّ بل طيفٌ يرتدي ملابس جديدة. لا جديد تحت الشمس بل حنين أو ذكرى. وإذ يَشْرَع الرائد في التآلف مع اكتشافه يبدأ انحدار المساء. في تقاليد الأفارقة أنّه كلّما حلّ ضيقٌ بأحدهم هرعتْ إليه أرواح أجداده وأجداد أجداده إلى ما قبل بدء الزمان لِنَجْدَته ونصْرَته، فلا يكون وحيداً أبداً في الشدّة. ويبدو أن السود في أميركا استعانوا هذا المعتقد عهد الرقّ ليتحمّلوا ذلّهم كعبيد ثم ليقدروا على انتزاع حريّتهم ومساواتهم من البيض، على ما جاء في أحد الأفلام السينمائيّة. الوحدة ليست وحيدة والأحياء غير معزولين عن الموتى. والزمان جسد واحد متواصل يضحك من ساعات اليد والحائط ومن المواعيد والأعمار. هل نقصد أن الدهشة، أيّة دهشة كانت، لا مبرّر لها في العمق وأن سببها رواسب طفولة لم تتفتّح بعد؟ وأنّها دهشة بالشكل لا بالأساس؟ ربّما، على قسوتها. وفي الوقت نفسه يحمل هذا الافتراض التسليم برأي معاكس هو أنه لولا هذه الدهشة البلهاء أو شبه المصطنعة التي نشاغب بها الزمن، لمررنا بالحياة كالمومياءات. الاكتشاف ليس اكتشافاً... إنه معجزة معلَّقة يجترحها الخوف.
■ الحياة المتسلسلة التفكير «الأوّل» نادر وصاعق. قد يَشلّ. التفكير في الغالب تكرار. مثله الإعجاب والانبهار. المرّة الأولى إن لم تجرفها البراءة إلى الفشل، قد لا ينجو صاحبها من دمارها. الحياة، الحياة العاديّة المتسلسلة، مؤلّفة من المرّات الما بعد الأولى، من العادة والإدمان، وبعضهم يُسمّيها، خَفَراً، النضج والإخلاص.
■ كُحْلُ الأسف سوف يظلّ هناك، أمطرتْ أو أشرقتْ، مَن يعتصره الأسف، ذات لحظة، لتفويته ذات لحظة. أسف يعيد إلى الكائنات المعبورة اعتبار الوهم ــ وهو أجمل ما يُكحّل باطن القلب.
■ نَدَيان الندى يروي الليل أبيض كالحليب، بقوّة اندفاع الماء المضطرم إلى العطشان المضطرم، وكلٌّ منهما أخفّ من الآخر. الندى يروي الصباح باهتاً كالوظيفة، ولا يشدّ أحدهما إلى الآخر غيرُ وزن الأرض.
■ خرمشة لا بدّ أن يكون هناك لذّة في مواصلة هذا البحث الأعمى. أنْ ينظّم المرء حياته بدقّة وهو على علم بأن لا معنى لهذا التنظيم ولا لهذه الحياة، وأن يمضي في احتضان القيم والمبادئ وحتّى الذود عنها وهو على علم بأن باطلَ الأباطيلِ كلّ شيء باطل. عناده؟ بحثاً عن ماذا، عن شيء؟ أيّ شيء؟ أليس بالأحرى مجرّد طاقة تستهلك نفسها؟ حياة تقذف حالها بلا غاية، لا تبدأ ولا تنتهي، بل تندفع مثل قطعان الموج، لها لونٌ ولا تعرفه، لها طعمٌ ولا تعرفه، لا يَتْرك لها قانونها الطبيعي من هامشٍ غير ما تُسلّم لها به حَرَكَتُها المدفوعة من مجهول إلى معلوم ومن معلوم إلى مجهول تحت قبّة الهباء وبين قناطره. يسعى الكائن، يسعى... وأقصى ما يبلغه خَرْمشة على طريق قبره.
■ شرّ، خير الشتّام مُسالم والقاتل مهذَّب. غير الدموي عنيف والدمويّ هادئ. السينما بلورت هذا الفَرْق في كثير من أفلام الإجرام الحديثة. الشَتْم يفرّج الصدر، إنّه لغة ديموقراطيّة. سمّاه جان بول سارتر «لغة كونيّة». حذار مَن يَغلي ولا يَقْذف، إلاّ إذا كان مُنْحطّاً تماماً أو غفرانيّاً يقدّم جميع ما فيه من خدود للصفع. بعضهم، مثل نيتشه وقبله ساد، ساوى بين الغَفور والمنحطّ: البراهمانيّة والمسيحيّة، بحسب الأول، تقودان إلى الانحلال والتفكّك، والفضيلة، بحسب الثاني، لا تستجلب لصاحبها غير العقاب. الشرّ، في نظر الاثنين، هو الضعف، ولا يجوز الخلط بين الشرّ والحقارة والخسّة، فالشرّ، بالأحرى عند نيتشه لا عند ساد، شُجاع حُرّ ناهضٌ ورائع. التاريخ، على الأخص الحرب العالميّة الثانية، أظهر فظائع هذه النظريّة على الصعيد الأممي. دمويّاً وسياسياً، عَبْر ملايين القتلى ضحايا النازيّة وأعدائها، وعبر ديكتاتوريتَي هتلر وستالين. وأكثر ما أظهره التطبيق هو النشاز الفظّ بين الفكر والواقع: ستالين أجهز على الماركسيّة وهتلر شوّه فكرة التفوّق. وإلى جانب ملايين الضحايا عامت جثّة الفلسفة الانتي ــ أخلاقيّة (الأخلاق بالمفهوم الأفلاطوني ــ المسيحي ــ الآسيوي) فوق سطح الدماء. لقد قتل الزعماء مصادر وحيهم إمّا باغتصابها وإمّا بتحريفها وتشويهها. وأحياناً بتطبيقها الحَرفيّ، مع نسيان كون الفكر أمراً زئبقيّاً وقد يكون كلّ شيءٍ حرفيّاً إلاّ هو. التجسيد هو المجازفة الكبرى. التطبيق دائماً ملوَّث. لو كان الشرّ بالذكاء الذي يدّعيه لاستدرج الخير إلى احتلال جميع المراكز...
■ لآينشتاين وقعت الصديقة في أوراقها على الملاحظة الآتية من أقوال آينشتاين: «النظريّة، هي عندما نعرف كلّ شيء، ولا شيء يَعْمل. التطبيق، هو عندما يعمل كلّ شيء ولا أحد يعرف لماذا. هنا (في أميركا) جَمَعْنا النظريّة والتطبيق: لا شيء يعمل... ولا أحدَ يعرفُ لماذا!».
أنسي الحاج [/size] | |
|
المحامي ليث هاشم وردة مشرف المنتدى القانوني
عدد الرسائل : 1590 العمر : 45 Localisation : إذا أردت أن تحكم مصر طويلا فعليك باحترام مشاعر الناس الدينية واحترام حرمات منازلهم. وصية نابليون لكليبر تاريخ التسجيل : 11/05/2008
| موضوع: مقامــــــــــــــــــــــــــــــــــرة . أنسي الحاج الثلاثاء مايو 13, 2008 11:07 am | |
| [size=21]في برنامج تلفزيوني فرنسي عن أنواع الإدمان، أطلّ رجل في العقد الخامس من عمره معترفاً بإدمانه المقامرة على ماكينات البوكر الكهربائية. ولما سئل عن الدافع وراء الاستمرار رغم الخسائر الدراماتيكية التي يمنى بها لأن لا حظ في برامج الكومبيوتر إلا في حيّز العشرين في المئة حدّاً أقصى للاعب والباقي للكازينو (هذا في حال عدم إقدام إدارة الكازينو على «لغم» الماكينات إلى حدود التشليح المعلن) أجاب: «أعرف سلفاً قلّة حظي. ليس المهمّ أن أربح بل أن أظل ألعب. التوقف عن اللعب هو أصعب لحظة أواجهها». عادة المقامرة كتب عنها الصحافي الخلّاق سعيد فريحة في العديد من مقالات «جعبته». وكان أجرأ مَن كشف لقرّائه إدمانه هذا. وكان كل مرة يقسم على التوقف ثم يحنث بالقسم ويعود إلى المقامرة. (والأهم من ذلك أن سعيد فريحة من أوائل الذين جعلوا الشأن الإنساني والشخصي مادة تعلو، في الصحافة السياسية، على الشأن السياسي. وهو في هذا أيضاً سبق صحافة اليوم بثلاثة أرباع القرن، ولا يزال يسبقها). يعرف القرّاء قصة بلزاك «الجلد المسحور» وقصة دوستيوفسكي «المقامر» وقصة في الموضوع نفسه لستيفان زفايغ لم أعد أذكر عنوانها، حيث يتغلّب هوس القمار على كل منطق بل حتى على حمّى الحب، وحيث لا يقترن اللعب بشهوة المال، كما يتراءى لغير العارف، بل بعدم القدرة على التوقف عن الرهان.
- قادني إلى هذه الملاحظات كتاب جديد عن «الأهواء والشهوات الأدبية» أو عند الأدباء وفي كتبهم، لمؤلفيه إليزابيث راللو ريتش، جاك فونتانيل وباتريزيا لومباردو. يذهب المرء إلى القمار بالدافع الذي يحمل المستوحش على الذهاب إلى الماخور أو الخمّارة: دافع الضجر. لكن في القمار التحدي أكبر من السكر أو المعاشرة، وكلاهما متاحان وبكلفة أقل كثيراً سواء على الصعيد المالي أو الاجتماعي. بالخمر يلعب الرجل مع صحّته، بالمجون مع صحّته واحتمال تورطه في علاقات غير حميدة، أما في القمار فالخطر شامل: مالي، اجتماعي، صحّي، ونفسي. قلّما أودت أوكار الدعارة أو الخمارات بالزبون الى الإفلاس التام، أما القمار فغالباً ما يفعل ذلك وأحياناً يقتل أو يؤدّي إلى الانتحار. هنا يدخل المدمن وطن الشيطان بلا حماية، وكلما خسر تجدد أمله بالتعويض. صورة مطابقة تماماً لوضع الإنسان أمام طاولة الحياة الخضراء: لولا الأمل بمحالفة الحظ في اليوم التالي لذهب المرء ولم يعد.
- يراقب اللاعب حظّه في الروليت أو البكارا أو البوكر كما يراقب سائق السرعة احتمالات فوزه أو انقلاب السيارة به. لا أحد من اللاعبين يراقب الآخر الا ليتعزّى بخسارته. الذي يفرح لربح سواه مَلاك وقع خطأً في كازينو. أو هاوي عذاب من الدرجة القصوى. يقال إن اللاعب لأول مرة يربح، يسمّونه حظّ المبتدئ، والبعض يقول حظّ البريء أو المغفّل. لاحظتُ ذلك مراراً. هنا يتراءى الحظ في زيّ شيطان يستدرج الفريسة، يُسهّل لها الطعم فتعلق. المدمنون والمحترفون يتربصون بالمبتدئ حتى يراهنوا على رقمه، وما ان ينتبه المبتدئ إلى حظّه حتّى يفارقه. يلعب المقامر مع المستقبل. الخسارة تردّه على أعقابه إلى الماضي. ماضي الخاسر مرارة وتحفّز. لا بدّ من الانتقام، لا لاسترجاع المال بل لإعادة الاعتبار إلى النفس. يقول الخاسر: «كان عليّ أن أتوقف لمّا ربحت»، لكنّه لا يعنيها. المدمن يلعب من أجل اللعب لا من أجل الفوز. للفوز وظيفة واحدة هي تأمين جولة ثانية من اللعب. وأخطر المبتكرات هي آلات الكومبيوتر للروليت والبوكر، حيث اللاعب يلعب وحده في جوّ انفراد مؤاتٍ تماماً للإمساك بزمام الإمعان حتى اللانهاية، لولا التوقيت الإجباري لإغلاق الكازينو في ساعة معيّنة. المبارزة مع الحظّ إطالة للعمر حتى لو قصّرته. تأجيل لكل الهموم الأخرى. هنا أمام هذه الشاشة الخلاّبة (الألوان مدروسة لهذا الغرض) يخرج اللاعب خروجاً تاماً من الزمن.
- يرفض اللاعب منازلة خصم شكلي. يرفض اللعب المأمون. يريدها معركة يخفق لها قلبه حتى ينخلع. إنه يمتحن حظوته عند الآلهة، العاثر الحظّ سيزداد برهانه على كونه مظلوماً، والسعيد الحظّ ستغمره النشوة هنيهة قبل أن تعود الظلمة، في الجولة اللاحقة التي لا مفر منها، وتغمره. وحين يتأكد له نحسُه سيصاب بنوعٍ من الطمأنينة، فقد حصل على شهوده ضد القدَر. يعرف صاحب المقمرة أن اللاعب يأتيه ليُصارع نفسه، ويقول إن المقامر يرغب ضمناً في الخسارة، لذلك يداوم على الارتياد رغم الهزائم. لكن ما لا يقوله صاحب المقمرة هو أنه لا يتردد أحياناً في «مساعدة» النحس على تشليح اللاعب، خاصة بواسطة آلات الكومبيوتر السهلة «التلغيم»، بل وحتى دولاب الروليت. فقد ضبطت كازينوهات، قبل أعوام، على الشاطئ اللازوردي الفرنسي يتلاعب اصحابها بالكرة عن بعد بقوة اللايزر. إن من يرتاد المقمرة يأتيها تحمله سذاجة الاعتقاد بالحظّ، مهما نُبّه ضد الخزعبلات وضدّ خطر الإفلاس. التلاعب بالحظ جناية تضاهي التغرير بالقاصر. لا أحد يجبر المقامر على المقامرة، يقول أصحاب الكازينوهات. كمن يقول لمن دهسته سيارة مخالفة: لا أحد أجبرك على مغادرة منزلك. حقّ المرء بمنازلة حظه كحقه بعدم منازلته، كلاهما طبيعي، ويجب أن يصان من الانتهاك ويعاقَب لصوصه. وما يحيط هذه الحكاية من صيت مريب يستغلّه مصّاصو دماء اللاعبين مراهنين على سكوتهم اتقاء للفضيحة. ليس الحظّ مَن يدّمر اللاعب بل قوانين اللعب المجحفة والآلات الملغومة. وشأن استغلال حق اللعب شأن كلّ استغلال، يجب أن يُزال.
- الحظّ، في معناه الأصليّ، لعبة طفوليّة، هي ظلّت طفوليّة فيما كبر اللاعبون بها وفقدوا ضحكتهم اللاهية وأخذ التحدّي المأسوي محلّها. الحظّ معشوق وطالبه عاشق. هما نفسهما المرأة والرجل. والأصحّ: الراغب والمرغوب. بل أيضاً: الصيّاد والطريدة. غير أن الطريدة هنا، وفي مطارح أخرى أيضاً، هي الصيّاد الحقيقي. في التوراة يراهن الشيطانُ الله أنه قادر على تكفير أيّوب. في مسرحية غوته يكرر مفيستوفيليس الرهان ذاته مع الله حول «خادمه المؤمن المطيع» الدكتور فاوست. ومعروف «رهان باسكال» لإقناع المتشكّكين بأفضليّة الإيمان. هنا يستعيد الرهان جوهره الذهني البحت وتغيب اللعبة في صفاء التجريد ويَنربط المصير برَمْيَة نَرْد. يعتقد اللاعب أن هناك ما هو أجمل من الحياة التي يعيش، وأن ماله وسيلة لطرق الأبواب الموصدة. وهْم آخر، بالتأكيد، ولا ينتهي. ثمّة من يموت فوق الطاولة الخضراء، السباق غير متكافئ. ثمة من يموت في سرير الوصال، الشبَه قريب، ولو أن اللذّة هنا يوازيها القهر هناك. وكلاهما بحث على حساب الذات، على حساب إيهام الذات بمتع وفوائد هي من صلْب المادة التي ينصهر فيها اليأس والبراءة معاً. أكثر ما يُعلّق المقامر بالحظّ لامبالاته. إنه أنتِ أيتها الغادة التي لا تكفّ عن إشعال القلوب ببرودها اللعوب.لا نزال بين قضبان الملعب ذاته، تتعدّد أسماؤه وتتنوّع أشكاله والروح واحدة: ملعب تضليلِ الوقت. الوقت الذي لم يكن موجوداً قبل أن يخترعه الإنسان. اخترعه ليقيس أبديّته فبات مقياساً لاضمحلاله. منذ ذلك الحين، منذ تفتُّح الوعي الزمنيّ الأول، والإنسان يهْرب. وقد صَنَع أجمل ما صَنَعَ لا ليتخلّد بل لينسى أنه موجود.
أنسي الحاج [/size] | |
|
abo durid متميز
عدد الرسائل : 658 العمر : 39 Localisation : اول لفة يمين ... تاريخ التسجيل : 09/03/2007
| موضوع: رد: أنسي الحاج الثلاثاء مايو 13, 2008 1:41 pm | |
| يعطيك العافية ياااخوي ما قصرت
تم دمج المواضيع بواسطتي
اخي العزيز ضمن شروط القسم الادبي ورد مايلي
- اقتباس :
- 1- المشاركة مرة واحدة او مرتين في اليوم ولا نضع اكثر من ذلك
وذلك ليتسنى للمشرفين القراءة المتأنية للموضوع وللأعضاء أيضا وبالتالي يأخذ الموضوع حقه كاملأ
فارجوا الانتباه اخي العزيز وشكرا على مجهودك الواضح
يعطيك العافية
| |
|