[size=16]بلاغة للبلاهة
أُدين بالعديد من عباراتي «الغريبة» لخطأ في التعبير. محلّ اخشوشنتْ استعملتُ اخشوشبتْ وعوض أن أقول، مادحاً، إنّ فلاناً كانت شجاعته أقوى ممّا يحتمل قلب بشريّ قلت: كان بلا قلب. أحياناً يذهب الخطأ أبعد، فيصبح ما أقول عكس ما أردتُ قوله تماماً. مرّة كنتُ أريد أن أصرخ في وجه شخص «انت ومصريّاتك على حذائي» فقلت بالصراخ ذاته «انت وكل اللي بتقولو ع راسي».. ليست هذه نكات بل وقائع.
للبلاهة بلاغة، ووظائفها شتّى. أقصد في التعبير، خصوصاً في المَطالع، حين يكون المبتدئ بالتعبير طريّاً ويكون لسانه أسرع من
عقله.
ليس العكس
خاطب الموسيقيّون، قبل موزار، اللّه، وتوجّه موزار إلى البشر، عَبْر كل الآلات. لا باخ ولا فيفالدي، لا هايدن ولا هاندل كانوا إلهيين في موسيقاهم بل كانوا بَشَراً يجاملون اللّه. المتوجّه إلى البشر، موزار الفتى والشاب والذي مات في الخامسة والثلاثين ملفلفاً بالصقيع، خَلَق موسيقى إلهيّة. إلهيّة لا من حيث التوجّه بل من حيث النوعيّة. السماءُ تَسْكن الجمالَ وليس العكس.
رنين الجواب
أكثر ما كان يستهويني، في المدرسة، العبارات القصيرة المقتطَعة من كلّ. ما زلتُ كذلك.
وفي الروايات الطويلة والشعر، وفي السينما والمسرح، وفي الأغنية والنقد والمقال، الأمر لا يختلف: جملة، كلمة، لحن، فكرة تسكن البال، وليأخذ الآخرون الأثر كلّه.
لا يُعفينا هذا من مطالعة الكتب بحذافيرها ولكنّه لا يمنعنا من الانخطاف أثناء القراءة بتلك اللوازم التي ستنحفر وتغدو جزءاً لا يتجزّأ من دورة الدم.
إنّنا لا نُعجب إلاّ بما يوجزنا. نكره، في الواقع، الكلام، ولا نستطيب غير شُهُب وصواعق في حبوب صغيرة لا يستغرق اختراقها إيّانا لحظة.
لحظة تُعمّر إلى الأبد.
الحياة تحتقر مَن يجاريها في بلادتها. الإنسان يردّ لها التحيّة بأحسن منها فيؤثر عليها ما يجعلها تبدو على حقيقتها: لحظة مشتعلة، عبارة مشرقطة تَنْهب المدى وترنّ تحت سقف السماء وبين أرجاء العقل وفي قعر القلب رنينَ أجوبةِ الإنسان على ما يُعذّبه. رنين الجواب الذي يرتفع بهاءً وعظمة فوق بهاء الخَلْق وعظمة الحياة.
[/size]