لا يستطيع الحاسوب المعاصر أن يفي بالمتطلبات الحسابية الضخمة التي يفرضها تطور العلم. لقد دفعت هذه الحقيقة العلماء إلى البحث عن الحاسوب الكوانتي الذي يختلف في بنيته من حيث المبدأ. فما هو الحاسوب الكوانتي. تترجم المعلومات في الحاسوب إلى سلاسل مصنوعة من رمزين: الصفر والواحد. يدعى كل من الرمزين: بيت. يخصص حيز من الحاسوب لإيواء البيت عند لحظة معينة. إن بمقدور الحاسوب الكوانتي أن يضع في نفس الحيز تياراً غير منته من عناصر متباينة من وحدة البيت أثناء نفس اللحظة المعتبرة. لمزيد من الإيضاح نقول إن الحوسبة المتوازية كانت وما زالت مطمع كل علماء المعلوماتية. تعني الحوسبة المتوازية تجزئة المسألة المطروحة وتغذية كل جزء إلى حاسوب مستقل حيث تنجز كل الحواسيب الأجزاء الخاصة بها في نفس الفترة الزمنية عوضاً عن أن يقوم حاسوب واحد بمعالجة مختلف الأجزاء دفعة واحدة عبر آلة واحدة وفي فترة زمنية أقصر بكثير من المدة الزمنية اللازمة لأحد الأجزاء في حالة استخدام مجموعة الحواسيب المشار إليها. إن الأمر ممكن من حيث المبدأ .
لقد بدأت الأبحاث الخاصة بالحاسوب الكوانتي للتو وشرع الكثيرون باستخدام صفة التقليدي عند حديثهم عن الحاسوب العادي. نوضح ما تقدم بإيراد مثال بسيط. نعتبر عنصري بيت. نستطيع أن نكون منها أربع سلاسل. صفر صفر ,واحد صفر, صفر واحد, واحد واحد. يستطيع الحاسوب التقليدي أن يتعامل مع كل سلسلة منها على حدة في وقت محدد: أما الحاسوب الكوانتي فإن بمقدوره أن يتعامل معها دفعة واحدة في أقل من الوقت المذكور. نتصور مصدرين يطلقان الفوتونات الضوئية صوب مرآة نصف مفضضة. قد ينعكس الفوتون عن المرآة عند ارتطامه بها أو قد ينفذ عبرها نحو الجانب الآخر. وفق مبادئ الميكانيك الكوانتي يتميز الفوتون القادم نحو المرآة حسب مصدره. أما لحظة ارتطامه بالمرآة فيصبح سلوكه غير مميز فقد ينفذ أو ينعكس. نهيئ أداتين تلتقط إحداهما الفوتون المنعكس والأخرى الفوتون النافذ. إننا لا ندري أي شيء عن سلوك الفوتون إلاَ عند بلوغه إحدى الأداتين. أما قبل ذلك فيقول العلماء إن الفوتون يكون في حالة مركبة من تناضد الحالتين الممكنتين بكلمات أبسط إنه يكون قد نفذ وانعكس في آن معاً . نصطلح على تسمية اتجاه الفوتون بعد لارتطامه بالمرآة بالبيت, تكون البيت صفراً مثلاً إذا توجه الفوتون نحو أداة الكشف الأولى وواحداً في الحالة الثانية. لكن البيت تختلف هذه المرة, إنها بيت كوانتية. إن هذا التعميم هو الوحدة الأساسية لبناء الحاسوب الكوانتي. إذا استخدمنا من هذا النموذج التصميمي نسختين في وقتَ معاً فإن الفوتونين المرتطمين بالمرآتين يوفران السلاسل الأربع التي أشرنا أليها في نفس الوقت. تبقى هناك إشكاليات معقدة بانتقاء سلسلة واحدة من السلاسل الأربعة. إن هذه السلسلة الواحدة هي النتيجة المتوخات من الحاسبات. يتوجب علينا أن نخرج من السلسة من العالم الكوانتي حيث ينعدم التمييز إلى العلم الجهاري الذي تتميز فيه الأشياء عن بعضها. يعني هذا التميز سهماً وحيداً للزمن يمتد من الماضي نحو المستقبل مروراً بالحاضر.إن الأحداث الجهارية لا عكوسة, بينما الأحداث الكوانتية عكوسة, هنا تكمن المشكلة. علينا أن نجري تفاعلاً ناجحاً بين العلم الجهاري اللاعكوس والعالم الكوانتي العكوس لنقع على النتيجة المطلوبة من الحسابات, يدعو العلماء المشكلة بمشكلة فك الترابط. كنا قد أشرنا إلى الحالة المركبة الناجمة عن تناضد حالتين ممكنتين. لما كان هذا التوصيف في العالم الجهاري المألوف غير ممكن. فإن أي اتصال بين العالم الكوانتي والجهاري لا بدُ أن يتمخض عن إلغاء للحالة المركبة واستبدالها بحالة واحدة. إن هذه العملية هي فكالترابط. إن فك الترابط هو المرحلة الضرورية لمعرفة مآل الحسابات التي يجريها الحاسوب الكوانتي. لقد تمكن العلماء من إيجاد خطة للانتهاء إلى النتيجة المرجوة. هذا على الرغم من عكوسية العالم الكوانتي ولا عكوسية العالم الجهاري المألوف. أما تطبيق الخطة فهو قضية تكنولوجية بالغة التعقيد.
ماذا عن التحقيق التكنولوجي للوحدة الأساسية لبناء الحاسوب الكوانتي. اقترح عدد من العلماء أن يجري تقييد بعض الأيونات عل خط وفق ترتيب مناسب للمساري الكهربائية. يتم حجز الأيونات على هذا النحو بفعل مجالات كهربائية خارجية تفرضها المساري المذكورة. يفترض بترا صف الأيونات أن يصغر التدافع الكهربائي فيما بينها إلى الحد الأدنى. يشبه هذا التصميم مجموعة من عربات قطار تصل بينها قضبان صلبة تبرد الأيونات إلى الحد الذي لا تبرز عنده إلا حالة اهتزازية إجمالية واحدة فقط. تتميز الحالة الاهتزازية المتبقية بحركة جماعية للأيونات تتقدم الأيونات وفقها إلى الأمام معاً في صف وتتراجع إلى الخلف بنفس الإيقاع, يمكن في هذه الحالة إضاءة المنظومة برمتها بواسطة حزمة ليزرية بما يمكن من تصوير كل أيون بمفرده, عندما تتفاعل النبضة الليزية مع أيون واحد يحفز الأيون كل السلسة على الحركة. قام العلماء فعلاً بتصنيع نموذجين من الوحدة الأساسية للحاسوب الكوانتي باستخدام الفخ المذكور وبوجود أيون واحد فقط. يوظف تصميم آخر نواظم الإلكتروديناميك الكوانتي عبر تحقيق الفجوة التقليدية باستخدام مرآتين تتميز كل منهما بعاكسية عالية جداً. تفصل المرآتين مسافة بالغة الضآلة , تحقن الذرات في الفجوة بين المرآتين ويجري احتجازها هناك. إن بمقدور كل ذرة أن تسقط فوتوناً ضمن الفجوة كذلك أن تعيد إطلاقه وامتصاصه عدداً من المرات قبل أن يرشح الفوتون خارج الفجوة في النهاية. من جانب آخر تستطيع الذرة تغيير قرينة الانكسار داخل الفجوة بما يؤدي إلى تغيير مقابل في الطول الفعال للفجوة وفق منظور أي ضوء يتواجد ضمن الفجوة. يمكن توفير حزم ليزرية إضافية تقوم بإثارة السويات الإلكترونية بشكل مسبق للذرات التي تلج الفجوة كما تقوم بإجراء معالجة تالية للسوية الإلكترونية قبل سبرها , أخيراً إن بمقدور كاشف خاص أن يتابع فيما إذا كان الالكترون المعني ضمن الذرة في السوية الأرضية أو في السوية المثارة. تشكل هاتان السويتان الإمكانيتين المطلوبتين للبيت الكوانيتة المترابطة بالوحدة الأساسية.
يضم جزيء معقد هو جزيء الديبروموثيوفين نواتي هدروجين أي بروتونين. تتميز النواتان بتوجهين مغنطيسين مختلفين أي لفين متباينين. هكذا يمكن أن يستخدم لف أي من البروتونين ضمن مجال مغنطيسي خارجي لتمثيل بين كوانتية واحدة, كما يمكن توظيف مجالات راديوية للحصول على الحالة المركبة الناجمة عن التناضد. تتبادل النواتان التأثير فيما بينهما أيضاً بفعل مجاليهما المغنطيسين الذاتيين. نحصل بذلك على زوج من نموذج الوحدة الأساسية. بقي أن نقول إن التجارب التي تجري لتحقيق الحاسوب الكوانتي تزداد وتتوسع بسرعة ولا نستبعد أن يتحقق الحاسوب الكوانتي في غضون سنوات قليلة.