ذات مره, كنت مع أحد الأصدقاء, في إحدى المنتزهات نتناقش في سؤال: " ما معنى أن يكون الشيء مضحكاً؟", فحالة "الضحك" تأتي في مواضع مختلفة, فالإنسان يضحك فرحاً, وأحياناً حزناً, ويضحك من الطرفة, بل وقد يضحك من الغبن, وأحياناً أخرى يضحك من ألم الآخرين – ألم تشاهد أطفالاً يضحكون على مهرج يسقط على مؤخرته؟! – وأيضاً يضحك الإنسان عندما يتذكر مواقفه المحرجة, ويضحك عندما يسمع كلاماً فارغاً, وغير هذا الكثير ..
طال نقاشنا, وتوصلنا إلى أن الإنسان يضحك أساساً من "الدهشة", فالطرفة تضحكنا لأنها تسبب دهشتنا, والتي تنتج من فعل أو ردة فعل أحد شخصياتها, والحزن يضحكنا لأنه يثير دهشتنا من أمر لم نكن نتوقعه .. وقس على ذلك ..
لكننا عدنا نتساءل.. " ما هي الدهشة؟ ", " لماذا نندهش ؟", " ما هي الأمور التي تدهشنا؟ "..
بعد النقاش, توصلنا إلى :
1 – الدهشة سببها وجود علاقة جديدة بين عنصرين, مثلاً عندما أقول لك أن كلمة Life وكلمة Evil متعاكستين بالحروف, ربما تثير فيك دهشة ما, بسبب العلاقة الجديدة التي نشئت بينها لديك.
2 – أيضاً الدهشة قد تأتي من عشوائية الموقف, وهذا واضح في نوادر السكارى والحشاشين, والتي تفاجئنا بردود أفعال عشوائية وغير متوقعه البتة.
ومره أخرى يطرح سؤال أخر نفسه؛ "ما معنى أن يكون الشيء عشوائياً ؟ "..
وبعد النقاش توصلنا إلى رأي سفسطائي وهو : بما أن الضحك ناتج عن دهشة, وبما أن الدهشة تنتج إما عن معرفة علاقة جديدة أو عن عشوائية غير متوقعه, فلابد أن العشوائية هنا هي نظير للمعرفة, بحكم أن لها نفس الأثر, مما يعني أن العشوائية في النهاية ليست سوى قناع لمعرفة مبطنه, وهذا يعني أن العشوائية تعني الجهل, ذلك الجهل الذي يحجب عنا ضوء معرفة ما..
ومما يؤيد هذا الكلام, أنه ليس هناك معنى لكلمة "عشوائية" في هذا الكون, ولكن هناك معنى واضح لكلمة "جهل", فنحن عندما نرى العشوائية في شيء ما, ففي حقيقة الأمر أنه ليس عشوائياً, لكننا نجهل العلاقات التي تحكمه, لأنه في نهاية الأمر, هناك قانون ما, يحكم الموقف.
وهنا يعود سؤال جديد يطرح ذاته؛ إذا كان الفيلسوف أرسطو يقول: " إن المعرفة هي الدهشة", ونحن نقول: "إن الضحك هو الدهشة", هل هذا يؤدي إلى أن "الضحك والمعرفة" مترادفات, بحكم أنهما يؤديان لنفس النتيجة..
في الحقيقة إننا هنا فقط شعرنا أن الموضوع أخذ أكبر من حجمه بكثير, قرّرنا أن كفى, إذا أردنا أن نضحك فلنضحك, وإذا أردنا أن ننوح فلنفعل, أما السبب ( ففي ستين داهية) .. فعلاً قرّرنا التوقف حتى وبالرغم أنه بزغ سؤال صغير هنا وهو: " لمُ لا نستطيع أن نقرر أن نضحك ؟".. لكننا سوف نتوقف ..
سكتنا قليلاً وأخذنا نحدق في الذاهب والقادم, بعد هنيهة جاءنا عامل المنترة بالفاتورة, كان عاملاً آسيوياً بدت عليه إمارات الفقر والمسكنة, أخذ ينظف الطاولة بينما أنا وصديقي نتحاسب, وبعد أن انتهينا, التفتُ إلى العامل وقلت له: "برأيك لماذا قد يضحك الإنسان؟", نظر إلى بابتسامة صغيرة وقال لي وضجيج الزبائن يعلو المكان: " الإنسان يضحك لسببين: إما أنه ثري, أو أنه مجنون" ..
ثم أخذ الحساب وذهب ..