كريم آغا خان إمام الطائفة الإسماعيلية وزعيمها الروحي المعروف بثروته الطائلة وصاحب المشاريع المعمارية الإسلامية العديدة رجل ذو معرفة أيضا بالفن المعماري. حوار مع آغا خان عن بدايات اهتماماته بالفن المعماري وبالفلسفة الكامنة وراء مشاريعه
من أين جاءك هذا الاهتمام المبكر بفن العمارة؟
آغا خان: سافرت كثيرا في الفترة الواقعة ما بين سنتي 1957 و 1967. وخلال سفراتي التقيت بمظاهر من الفقر لم أعرفها من قبل. إن من كُتب له في سنة 1957 زيارة أحياء الصفيح بكراتشي وجبال كاراكورام أو ضواحي بومباي وكلكوتا يكون قد شاهد حالات من الفقر لا توصف، كانت تعبر عن نفسها في المقام الأول في نوعية سكن الناس هناك. ولهذا السبب اتجه اهتمامي بفن العمارة إلى مسألة الكيفية التي يمكن عن طريقها تحسين ظروف حياة الفئات الأكثر فقرا من بين الفقرء.
وكيف ترومون تحقيق هذا الأمر؟
آغا خان: في ما مضى كان الهاجس الأساسي يتمحور حول الكيفية التي تمكن من ضمان أقصى ما يمكن من الأرباح من خلال الاستثمارات في مجال المعمار، سواء تعلق الأمر ببناء مدر سة أو مستشفى أو بيوت للسكن. إلا أن رؤيتي في مجال المشاريع المعمارية قد عرفت تغيرا كليا في الأثناء.
فبينما يتم في المجتمعات الاستهلاكية الغربية تشييد بناءات كي تهدم فيما بعد، فإن المجتمعات الفقيرة لا تملك لا طائل لها بمثل هذا السلوك. ثم إن المعمار هو الفن الوحيد الذي يعكس الفقر بوضوح. فالموسيقى والأدب لا يقدران على تقديم صورة ملموسة للفقر. أما المعمار فيعكس بصفة مباشرة رفاه حياة الناس أو افتقارهم لذلك الرفاه.
في الخمسينات من القرن الماضي دعمتم بناء مدرسة آغا خان بنايروبي.
آغا خان: كان إشكال يتمثل آنذاك في الشكوك التي تخامر المرء حول مسألة تواصل عملية التنمية. عندما نبني مستشفى في سنة 1958، فأي مصير سيكون له بعد ثلاثين سنة من ذلك؟ بعض الأشياء كان بالإمكان توقعها مسبقا، لكن ذلك لم يكن ممكنا بالنسبة لغيرها من الأشياء. الأمر الوحيد الذي كان قابلا للتوقع هي الفاقة المتزايدة باطراد.
كنتم تقومون بزيارات إلى حضائر البناء في ذلك الحين...
آغا خان: كانت الإمامة مسؤولة عن كل ما كان ينجز هناك. وبالتالي كنت أسافر إلى هناك وأعاين بنفسي ما يحدث فعلا على عين المكان. إن المرء يتعلم الكثير عن الفقر عندما يرى بعينيه كيف يعيش الناس في تلك البلدان، وعندما يتحدث المرء إلى أولئك الناس. ذلك ما لا يتعلمه الإنسان في الكتب.
إذا ما كان بإمكانك أن تذكر بناية قد تركت لديك انطباعا مدهشا للغاية، فأي بناية ستكون هذه؟
آغا خان: لا أستطيع أن أسمي مهندسا معماريا بعينه، لكنني تعاملت مع بعض من أولئك الذين اختصوا في ما يمكن أن أسميه بـ"البناءات الوظيفية" إذا ما صح التعبير، أي بنايات من نوع المستشفيات والجامعات.
لكن تعاونا مكثفا وعن قرب لم يكن ممكنا مع ذلك، إذ كانت هناك مشاريع عديدة يتم إنجازها في نفس الوقت. أما عن العمارة التي أثارت إعجابي فيمكنني أن أذكر على سبيل المثال جامع أحمد بن طولون بالقاهرة. إنها بناية على غاية من التقشف والبساطة، ومع ذلك ليس هناك من عمارة يمكن أن تكن أكثر سحرا منها.
في الستينات شيدت فندق Costa Smeralda Resort في جزيرة سردينيا. فهل ترى حدا فاصلا بين مثل هذا المشروع والفن المعماري الذي تتعاطى إنجازه كإمام؟
آغا خان: من ناحية نعم، ومن ناحية أخرى لا. فعندما يمارس الإنسان التعمير لأغراض شخصية تكون غايته متعلقة بالمردودية الاقتصادية. بينما المدارس والمستشفيات، في منظور رؤيتنا نحن على الأقل، تمثل مشاريع غير ربحية. وفي الأساس لا يكون تشييد مثل هذه البنايات محكوما بغاية تحقيق أكثر ما يمكن من الأرباح.
لكن القاسم المشترك الذي يجمع بين كل منشآتنا يظل واحدا وهو أنني كنت أحاول دوما أن أضع في الاعتبار نوعية المحيط الذي ستشيد فيه البناية. فأنا شخصيا لا أحبذ أي شكل من أشكال "كسر النسق"/ "الخروج عن السياق".
ما الذي يعنيه لديك هذا المصطلح؟
آغا خان: أنا لا أحب أن يسعى المهندس المعماري إلى خلق علاقة صدامية مع الطبيعة. إن ذلك لا يخدم غرضنا. ففي سردينيا كنا أمام وضع غير عادي إذ لم يكن هناك أي معمار. والبشر الوحيدون الذين كانوا يتحركون داخل المنطقة كانوا رعاة يقودون قطعانهم للمرعى صيفا في تلك الأنحاء. كانت هناك مساحة خضراء شاسعة، وكل ما كان يوجد هناك صغير الحجم: الجبال والنباتات وحتى الرجال. ولو خطر للمرء أن يشيد عمارات عالية في مثل هذا المحيط، فإن النتيجة كانت ستتجلى ككارثة كلية دون شك.
يبدو كما لو أنك أجريت تغييرا واضحا على مشاريعك المعمارية منذ أن بنيت جامعة آغا خان بكراتشي في بداية السبعينات.
آغا خان: كان البحث عن مهندسين معماريين مناسبين أمرا مكلفا للغاية في ذلك الزمن. لم نعثر على أحد كان يمتلك خبرات في مجال بناء الجامعات في العالم الإسلامي. ولذلك قمنا بإعلان مسابقة في هذا الغرض. وقد قام مكتب توم باييت (Tom Payette) من بوسطن، وبطلب منا، بسفرات عديدة من أجل الاطلاع على التنوع المعماري في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
العديد من البنايات التي عاينها جماعة مكتب توم باييت آنذاك كانت من المنشآت المقدسة. فهل للفن المعماري حسب رأيكم قوة تعبيرية دينية، حتى عندما يتعلق الأمر ببنايات من نوع جامعة آغا خان؟
آغا خان: غالبا ما يلمس المرء حسا روحانيا في المعمار الإسلامي، وهو أمر لا يتوقف على بيوت العبادة فقط. هناك علاقة واضحة بين الفن المعماري والمرجعية التي تحيل على الآخرة في القرآن. هناك رسالة تتضمن اعتبارا لقيمة المحيط، وهنا تلعب الانطباعات الحسية أيضا دورا مهما: الراوائح والأصوات والموسيقى والماء، ولنا حديقة الأزهر مثالا نموذجيا عن ذلك. والعديد من زوار هذه الحديقة يحسون بالروحانية التي تنبض بها.
العديد من المشاريع المعمارية التي انتخبت لجائزة آغا خان للعمارة تولي أهمية لمشاعر الارتياح التي تمنحها للإنسان. فهل يتعلق الأمر هنا أيضا بفن معماري بالمعنى الذي يتمثله التصور الغربي؟
آغا خان: نعم، هذا صحيح، فالجائزة أسست من أجل مكافأة الانجازات التي تولي اعتبارا لنوعية جيدة من رفاه العيش. وبالفعل فقد تصورنا هذه الجائزة كنوع من الالتزام المعنوي. فأغلب البناءات في البلدان السائرة في طريق النمو لا يمكن أن يطبق عليها أي من المقاييس الغربية.
أجرى الحوار فيليب جوديديو
ترجمة علي مصباح
حقوق الطبع قنطرة/فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ 2007