المحامي ليث هاشم وردة مشرف المنتدى القانوني
عدد الرسائل : 1590 العمر : 45 Localisation : إذا أردت أن تحكم مصر طويلا فعليك باحترام مشاعر الناس الدينية واحترام حرمات منازلهم. وصية نابليون لكليبر تاريخ التسجيل : 11/05/2008
| موضوع: المفعوصة المرفوسة مقصوفة الرقبة السبت سبتمبر 06, 2008 10:27 am | |
| ليس من عادة كاتب هذه الزاوية الكتابة في المناسبات الاجتماعية، كعيد الأم، وغيره، ذلك أن كتابنا الأكارم لم يتركوا في هذا الشأن زيادة لمستزيد، وزحموا فُوَّهة الجب بالدلاء، فما عاد بمقدور صاحب دلو جديد أن يدلي به. لا أقصد- بالطبع- الكتاب الكَيِّسين، الذين عليهم القيمة، بل أولئك الذين كان أستاذنا حسيب كيالي يسمي الواحد منهم "المُطَهِّر"، لأن حقيبته الملأى بالقصص والمقالات والدراسات والتمثيليات الخاصة بالمناسبات الاجتماعية والسياسية العامرة بالفرح والعطاءات كعيد الشجرة وعيد الجلاء وعيد الأم وعيد ميلاد الحزب والثورة.. تشبه إلى حد بعيد حقيبة "المُطَهِّر" التي تنتمي إلى موديل "المنفاخ"، العامرة بالأمواس والشفرات والخيطان والدهونات والذرور والقطن والشاش التي يستخدمها المطهرون أثناء ممارستهم لمهنتهم النبيلة في قطع قلف حَمَامات الأولاد الصغار. وزاد الطين في نظري بلة وجود عدد من كتاب الزوايا الثابتة في صحفنا المحلية العتيدة، الذين كُلفوا بكتابة الزوايا الثابتة بسبب "القلة" المشتقة من المثل الشعبي القائل (من قلة الزفر أصبحنا نقول للمعلاق: يا خالي!)،.. فهؤلاء يسمحون للجمل أن يدخل في خرم الإبرة، ولا يسمحون لعيد اجتماعي، مثل عيد الأم، أن يمر دون أن (يسطِّروا بحقه) مقالة ملأى بالحكم والمواعظ الإنشائية، مستشهدين، حتماً، بقصيدة حافظ ابراهيم حول الأم التي تحتاج إلى إعداد لكي تُعِـدَّ- بدورها- الشعب الطيب الأعراق، مع أننا، للإنصاف والحقيقة، نعـدها إعداداً محكماً لكي تكون إنسانة معقدة، بائسة، عائفة رد السلام، فمن لحظة نزولها من رحم أمها تبدأ وجوه بنات جنسها أنفسهن تنقلب على قفاها كالجوارب العتيقة، وكأنهن تلقين على أقفيتهن صفعات قوية مباغتة- على حد تعبير ابن الرومي- ويبدأ الهمس بينهن والوتوتة والتشنيع على البنت الصغيرة التي لم تقترف ذنباً بحق أحد بعد، والندب والعويل على حظ أمها وأبيها "المشحر" الذي لم يسعفهما بصبي يفتح العين من العمى، ويشيل كبرتهما، ويصبح سنداً لهما في وجه عاديات الزمان.. وجاءت بدلاً منه هذه التي يسمونها في بعض المناطق "مقصوفة الرقبة"، وفي مناطق أخرى "المضروبة في كرشها" أو "المصفوقة" أو "المفعوصة"!!.. ويبدأ الشعراء بنظم القصائد والأناشيد التي تدينها صراحة ومن دون مواربة: لما قالوا لي بنت/ خبيت راسي ونمت/ يا خجلتي من أبوها/ إش بدي أقلو جبت؟/ لما قالوا لي غلام/ فز حيلي وقام/ سكروا باب المدينة/ وافتحوا باب المقام! وما إن تكبر البنت "المفعوصة" التي يسبب قدومها لأمها الخجل حتى تبدأ الأوامر تنهمر على رأسها مثل سيل العرم: هس، اسكتي وليك، وطي راسك، وطي صوتك، تطلعي إلى طريقك، حطي على راسك، خدي لنا طريق، تطلعي لتحت، لا تردي جوابات.. فإن لم تمتثل للأوامر المتلاحقة انهمرت على وجهها الكفوف، مثل زخ المطر، أضف إلى ذلك أنهم يكدنونها (وأعتذر عن استخدام هذه الكلمة) للطبخ والجلي والغسيل والكوي والتنظيف والتشطيف وخدمة أبيها وإخوتها الذكور، مهما كانت أعمارهم صغيرة، فما إن تتفتح وتزهر حتى يبدأ الآخرون بالتأفف من وجودها، لأنها كالقنبلة الموقوتة لا يعرف أحد متى ستنفجر وتسبب للجميع العار، ودنكزة العقالات،.. ويبدأ، في الوقت نفسه، ترقب العريس المنتظر الذي يأتي، أو قل يشرف، بعد أن تكشف له أمه وأخته وعمته عن البضاعة، ويجلس هو وأبوه وأعمامه وأخواله ليفاصلوا على (حق الرقبة)، وبعد حين تنتقل البنية إلى بيته، لتدخل حياتها، منذ هذه اللحظة، ضمن سياق عبودية من نوع آخر، كما تعلمون جميعاً. قبل أن أختم الزاوية الوحيدة التي كتبتها عن الأم العظيمة طوال حياتي، أود أن أقول إن هذا الكلام لا ينطبق على المجتمع بأكمله، فثمة أناس متحضرون يحترمون المرأة ويعاملونها بطريقة إنسانية رائعة، وثمة أناس آخرون يحبون أن يظهروا على الملأ بأنهم يحترمون الأم ويبجلونها، بدليل أنني شاهدت على شاشتنا الوطنية، قبل أيام، امرأة نحيلة، وأمامها أولادها وعددهم خمسة عشر، وقفوا ليبوسوا يدها بمناسبة عيد الأم، فسألت نفسي: - أليست قمة الاضطهاد أن تنجب امرأة وزنها خمسون كيلو جرام أولاداً يزنون أكثر من طن ونصف الطن من الأولاد؟! و..(الله يرحم ترابك يا حاجة فاطمة الشيخ). خطيب بدلة .........................................
ربما تطفئ في ليلي شعله ربما أحرم من أمي قبله ربما يشتم شعبي وأبي، طفل، وطفله ربما تغنم من ناطور أحلامي غفلة ربما ترفع من حولي جداراً وجداراً وجدار ربما تصلب أيامي على رؤيا مذله يا عدو الشمس.. لكن.. لن أساوم وإلى آخر نبض في عروقي.. سأقاوم
| |
|