:
لقد كان للإسماعيليين، وهم جماعة مسلمة شيعية رئيسة، تاريخ طويل ومعقّد يعود إلى الفترة التكوينية للإسلام، عندما طوّرت جماعات التفاسير المختلفة للإسلام مواقعها العقائدية. وكانت الشيعة الإمامية، وهي التراث المشترك للجماعتين الشيعيتين الرئيستين: الاثني عشرية والإسماعيلية، وقد حققت بحلول زمن الثورة العباسية سنة 570هـ/132 بروزاً خاصاً.
وقد طرح الإماميون الشيعيون، وهم الذين أيدوا مثل بقية الجماعات الشيعية، حقوق أهل بيت النبي محمد صلى الله عليه وسلم بقيادة الأمة الإسلامية، طرحوا مفهوماً خاصاً عن السلطة الدينية القائمة على أمر إلهي، معترفين في الوقت نفسه بأحفاد معينين من بين العلويين قادة روحيين أو أئمة لهم يمتلكون السلطة الدينية المطلوبة، وأصبح المفهوم الشيعي للسلطة الدينية، وهو الذي وضع الشيعة عموماً في وضع متفصل عن المجموعات التي عرفت فيما بعد بالسنة، مضمّناً في عقيدة الإمامة الشيعية المركزية التي شرحها ووضحها الإمام جعفر الصادق وصحابته. وقد احتفظت عقيدة الإمامة بموضع مركزي في تعاليم الإسماعيليين.
هذا وعلى الرغم من كثرة عدد المسلمين المنتمين إلى هذه الفرقة، إلا أنهم كانوا من الجماعات التي لم يتم فهمها بشكل صحيح، حيث تداخلت المفاهيم الخاطئة والأقاويل المزعومة بقليل من الحقائق في الكتب التي تناولت هذه الجماعة بالدراسة.
ويأتي كتاب فرهاد دفتري "مختصر تاريخ الإسماعيليين" ليعرّف بهذه الجماعة بمنهجية علمية موضوعية وليسد هذه الثغرة في المكتبة الإسلامية، فبعد أن نشر كتابه "الإسماعيليون: تاريخهم وعقائدهم" أصبح هناك دراسة علمية حديثة لهذه الجماعة، تميط اللثام، وتجلي الغموض والسرية عن هذه الجماعة التي بقيت في فترات طويلة من تاريخها تمثل "الآخر" بالنسبة للتاريخ الرسمي وغير الرسمي لمختلف الحقب التاريخية الإسلامية. وقد أغنى دفتري دراسته هذه من خلال رجوعه إلى مختلف المصادر والمراجع من مختلف اللغات والتي نشطت مع مطلع القرن الماضي نتيجة ظهور أعداد هائلة من المصادر والوثائق الأصلية إلى النور، مما لم يعد معه النظر إلى تاريخ هذه الجماعة من زاوية أحادية الجانب تقوم على التعصب وتفتقر إلى الموضوعية؛ تأخذ من مصدر واحد وتلغي الآخر.
ويأتي العمل الحالي "مختصر تاريخ الإسماعيليين" لذات المؤلف عملاً يلخص بشكل متقن ورائع الكتاب الأصلي المذكور أعلاه خدمةً لأولئك الذين لا يجدون الوقت الكافي لدراسة العمل الأساسي نظراً لضخامته ولغزارة معلوماته وشموليته. مركزاً بشكل خاص على تعددية المؤسسات والتقاليد الفكرية التي طورها الإسماعيليون، بالإضافة إلى ردود أفعالهم على التحديات والظروف العدائية التي كثيراً ما واجهوها في مسيرة تاريخهم وقد اتبع المؤلف أسلوب الموضوعات ضمن الإطار التاريخي، مركزاً على مختارات من الموضوعات والتطورات الرئيسية، إضافة إلى توفير المراجعات التاريخية والعقائدية.
الناشر:
يمثل الإسماعيليون ثاني أكبر جماعية شيعية مسلمة بعد الإثني عشرية، ويتوزعون اليوم كأقليات دينية في أكثر من خمسة وعشرين بلداً من بلدان آسيا وأفريقيا وأوربا وأمريكا الشمالية. وبغض النظر عن تاريخهم الطويل ومساهماتهم في الحضارة الإسلامية، إلا أنهم كانوا إلى وقت قريب إحدى أقل الجماعات المسلمة التي تمّ فهمها بشكل صحيح، وفي الحقيقة، فإن جملة من خرافات العصر الوسيط وسوء الفهم بخصوص تعاليم الإسماعيليين وممارساتهم تمّ تداولها عل نطاق واسع، في حين بقي تراث الإسماعيليين الأدبي الغني بعيداً عن متناول الغرباء.
ويركّز الكتاب الحالي، بشكل خاص، على تعددية المؤسسات والتقاليد الفكرية التي طورها الإسماعيليون، بالإضافة إلى ردود أفعالهم على التحديات والظروف العدائية التي كثيراً ما واجهوها في مسيرة تاريخهم