"
متنزه الأزهر في القاهرة، الذي كان مكباً للنفايات، هو مثال يعج حيوية للمشاريع التنموية لصندوق آغا خان للثقافة.
لم يتمالك جمهور المتفرجين في نيويورك نفسه أثناء عرض الفيلم الإيراني "أبناء السماء" فشهق بنفس واحد حين سقط عليّ في الشارع وتخلف عن المجموعة المتقدمة من المتسابقين في العدو. وكان ابن التاسعة متلهفاً على الفوز لا بالمرتبة الأولى أو الثانية وإنما بالمرتبة الثالثة في ذلك السباق لا لشيء إلا للحصول على الجائزة الثالثة- حذاء خفيف من نوع سنيكرز.
ولم يكن عليّ طامعاً في ذلك الحذاء لنفسه وإنما كان يريده لشقيقته: فقد فقدت حذاءها أثناء عودتها إلى البيت من دكان الإسكافي. وقد أخفى الطفلان الأمر عن أبيهما لعلمهما أنه لا يستطيع تحمل كلفة شراء حذاء آخر لها. وانطلق هتاف الجمهور عندما عاود علي الانتصاب وانطلق مجدداً بأقصى سرعته حتى لحق بتلك المجموعة.
وقد جاء عرض فيلم "أبناء السماء"، في متحف متروبوليتان للفنون في نيويورك في 8 تشرين الأول/أكتوبر ضمن برنامج "روعة الفن الإسلامي" الذي نظمه المتحف. وتجدر الإشارة إلى أن الفيلم، وهو باللغة الفارسية مع ترجمة إنجليزية في أدنى الشاشة، كان أول فيلم إيراني يرشح لجائزة الأوسكار (كأفضل فيلم أجنبي للعام 1998)، وقد استحوذ على مشاعر المئات من المتفرجين الذين حضروا عرضه في المتحف. وقد كتب سيناريو الفيلم وأخرجه مجيد مجيدي في العام 1997.
وتحول تركيز البرنامج، بعد عرض الفيلم الإيراني، إلى أفغانستان، أو إلى ما وصفه جوليون لزلي "بأبناء سماء كابول." ويشغل لزلي، وهو من جنوب إفريقيا، منصب الرئيس التنفيذي لصندوق الأغا خان في أفغانستان حيث ما زال يعيش منذ العام 1989. ويبقي لزلي، أثناء إدارته عمليات إصلاح وترميم المباني التاريخية التي تضررت أثناء الحروب في كل من كابول وهرات، مصالح الأحداث الأفغان نصب عينيه. وهو يعتبرهم "أمل المستقبل" ويقول إنه يقوم بما يقوم به كي يتمكن هؤلاء الأحداث من مشاهدة الآثار المرممة ويتمكنوا بالتالي من فهم تاريخهم.
وكان سجل أفغانستان التاريخي، من أرشيف ومبان، قد تضرر كثيراً إبان الغزو السوفياتي للبلد في الثمانينات من القرن الماضي ثم إبان الحرب الأهلية في التسعينات. ويعتبر كبار السن الذين عايشوا تلك الأحداث ويستطيعون رواية ما وقع لهم فيها، من أفضل المصادر المتبقية لتاريخ أفغانستان. وقد أدرك لزلي أن أحداث اليوم هم الذين سيقع على عاتقهم إبقاء تاريخ البلد حياً بعد انقراض الجيل الحالي.
وقال بهذا الصدد: "إن ما نحتاج إليه هو رؤية الأفغانيين أنفسهم يتحدثون إلى أبناء وطنهم،" مشيراً إلى أن أفضل مكافأة له على جهوده هي "رؤية الأحداث يتعلمون شيئا،" بما في ذلك مشاهدة أولئك الذين "شبوا ليصبحوا متدربين" يتعلمون المهنة على يد البنائين المهرة المحترفين الذين يقومون بأعمال الترميم.
ويخلق كل مشروع من مشاريع الترميم العديد من فرص العمل للعمال الأفغان الذين يقومون بمعظم أعمال الترميم اليومية. وقد جاء أحد هذه المشاريع نتيجة تبرع سيدة أميركية- أفغانية تعيش في واشنطن العاصمة بحمام عام تملكه في كابول كانت عائلتها قد شجعتها على بيعه. ولكنها، عندما زارت كابول لمشاهدة أملاكها، تعرفت على لزلي وقررت التبرع بالحمام لصندوق الأغا خان لترميم المباني الأثرية. ويقوم الصندوق حالياً بترميم المبنى الذي قال لزلي إنه سيتم تسليمه، بعد انتهاء إصلاحه، إلى المجلس النسائي في كابول، وربما أصبح الحمام "الوحيد المخصص للنساء فقط."
وقد اختتم برنامج "روعة الفن الإسلامي" بحفل موسيقي أحياه الموسيقار الأفغاني همايون سخي، الذي يعتبر من أمهر عازفي الرباب. والرباب هو الآلة الموسيقية الوترية الشبيهة بالعود القصير العنق التي تطورت عنها آلة الكمان والمعروفة في شتى أنحاء العالم الإسلامي بأحجام وأشكال كثيرة مختلفة وبأسماء متشابهة. وهو يستخدم في الكثير من الأحيان لعزف الموسيقى التي تصاحب رواية الوقائع والملاحم الشعبية والقصص التاريخية.
ويعيش سخي، الذي نشأ وترعرع في كابول قبل الفرار منها مع عائلته إلى باكستان هرباً من الغزو السوفياتي، في مدينة فريمونت، بولاية كاليفورنيا، وهي المدينة التي يقطنها أكبر تجمع أفغاني. وقد رافق سخي في عزفه على الرباب، توريالاي هاشمي على الطبلة، وأثارت الموسيقى التراثية الأفغانية السريعة الإيقاع التي اختارها العازفان، إضافة إلى الحوار الموسيقي بين الرباب والطبلة، حماس الجمهور الذي عبر عن إعجابه بالتصفيق والصفير وانتهى بأن وقف تحية للعازفين.
وقد جاء هذا البرنامج الفني المتنوع تحية للثقافة الإسلامية رعاها صندوق الأغا خان للثقافة. ويشكل الصندوق جزءاً من شبكة الأغا خان للتنمية، وهي مجموعة من الوكالات الخاصة غير الدينية التي تعمل في سبيل تحسين معيشة الناس في أفقر أنحاء العالم النامي. والمعروف أن الأغا خان، الذي يرأس الشبكة، هو الزعيم الروحي للطائفة الإسماعيلية، . ويساعد صندوق الأغا خان للثقافة في المحافظة على التراث الإسلامي والموسيقى التقليدية ويشجع إنعاش المدن ويقدم المنح لدراسة الهندسة المعمارية.
* التأكيد على الروابط الثقافية
يسعى صندوق الأغا خان للثقافة، من خلال رعايته برامج كالبرنامج الذي قدمه متحف متروبوليتان للفنون، إلى ما وصفه الدكتور نصير الدين جمال، رئيس مجلس الأغا خان للمنطقة الشمالية الشرقية في الولايات المتحدة، بأنه "تصادم الجهل" بالإسلام وتراث الشعوب الأخرى. وقال إن هذه البرامج تفسح المجال أمام "الدول لتصبح أكثر اطلاعاً على الثقافات الأخرى وتاريخ الدول والحضارات الأخرى."
ويشكل إظهار الصفات المشتركة بين الإنسانية جمعاء إحدى الطرق التي يعتمدها صندوق الأغا خان للثقافة في نضاله من أجل زيادة فهم الدول والشعوب الأخرى للعالم الإسلامي. ففي حين أن وقائع فيلم "أبناء السماء،" على سبيل المثال، تحدث في طهران، إلا أن القيم العائلية وكفاح العائلة معروفان في جميع أنحاء العالم. وقال جمال: "(إن الفيلم) يصور ما في الفقر من مشاعر إنسانية."
وأوضح أكبر بوناوالا، وهو رجل أعمال من نيويورك عمل متطوعاً في شبكة الأغا خان للتنمية طوال 22 سنة، أن فكرة صندوق الأغا خان للثقافة هي التركيز على "الأمور المشتركة التي تربط بيننا، لا الخلافات التي تفرق بيننا." وبين هذه الصفات المشتركة تقدير العلم والكفاح من أجل السلام واستخدام الموسيقى كوسيلة للتعبير عن المشاعر، وهي جميعاً أمور قال بوناوالا إنها تشكل أموراً محورية في الشعائر الإسلامية.
ثم خلص إلى القول: "نستطيع التواصل والتراحم تماماً تقريباً،" عندما يدرك الناس من الثقافات المختلفة أوجه التشابه بينهم. "فما الذي يحول دون ذلك؟"