في شباط 2004 ظهرت طروحات جدية تتعلق بتوسيع أنشطة ومشاريع شبكة الآغا خان للتنمية في سورية، والتي كانت حديثة العهد آنذاك وتم استعراض أولويات المشاريع التي يمكن أن تقوم بها الشبكة مع الحكومة السورية وكان ذلك خلال زيارة سمو الآغا خان إلى سورية.
وبدا من المهم التركيز على القطاع السياحي، والمشاركة بعملية التنمية الاقتصادية من خلال المشاريع السياحية، بشكل يتوافق من الآليات والأفكار التي تعمل من خلالها شبكة الآغا خان للتنمية بمعنى التركيز على عملية التكامل بين الأنشطة السياحية والاقتصادية والاجتماعية الموجودة في المكان المستهدف، والاستفادة من الرصيد التاريخي في عملية التنمية المجتمعية.
وضمن هذه الرؤية كان لدى الحكومة السورية عدة مقترحات تشمل مجموعة من الأبنية التي ترى فيها نواة لمشاريع استثمارية ذات بعد تنموي وكان من بين الأبنية التي رشحت لهذا الغرض مبنى السرايا الحكومي في حلب وثلاثة بيوت في مدينة دمشق القديمة وهي بيت السباعي وبيت نظام وبيت القوتلي، وهي بيوت تاريخية مفتوحة للزيارة وليست لها أي وظيفة أخرى.
توثيق للواقع الراهن
يقول مدير مؤسسة الآغا خان للخدمات الثقافية في سورية علي اسماعيل حول البدء بالعمل في هذا المشروع: تمت الموافقة من قبل الحكومة السورية على استثمار البيوت الأربعة والتوقيع على عقود الاستثمار بين الحكومة السورية وشبكة الآغا خان للتنمية أثناء زيارة رئيس ومؤسس شبكة الآغا خان للتنمية، سمو الأمير كريم آغا خان إلى سورية
في عام 2008م، ومنذ ذلك الحين بدأنا قبل المباشرة بأي عمل القيام بعملية توثيق لأدق التفاصيل الموجودة في البيوت، بغية تحديد الوضع الراهن لكافة هذه المواقع، ضمن منهج علمي دقيق وهذا الأمر يتم للمرة الأولى في سورية.
ومؤسسة الآغا خان للثقافة معروفة على صعيد العالم في هذا المجال فهي الجهة المانحة لجوائز الآغا خان للعمارة، وهذه الجوائز تعد بمثابة جائزة الأوسكار للعمارة على مستوى العالم، وعندما تسهم مؤسسة الآغا خان للثقافة بأي مشروع مشابه فإنها تكون حريصة على الدوام على المحافظة على مصداقيتها وسمعتها التي اكتسبتها عبر سنوات طويلة. ويمكننا القول بإننا نفرض على أنفسنا معايير أعلى من المعايير المطبقة في الدولة ذاتها التي ننفذ بها مشاريعنا.
شفافية في التعامل
ويضيف اسماعيل: لقد راعينا خلال مباحثاتنا مع الحكومة السورية الإجابة على كافة التساؤلات التي طرحت من كافة
الجهات، وكنا مدركين أن هذا الأمر يحتاج إلى وقت ولكننا تعاملنا بمنتهى الشفافية، وكانت علاقتنا هي علاقة تشاركية مع جهات حكومية متعددة مثل وزارة السياحة ووزارة الثقافة والمديرية العامة للآثار والمتاحف ومديرية دمشق القديمة.
أما العقد الذي وقعناه مع الحكومة السورية فكان وفق نظام BOT وضمن فترة زمنية محددة حسب الأنظمة المرعية، وهو النظام الوحيد الذي يسمح بإطلاق مثل هذه المشاريع على الرغم من أنه لا يغطي سوى الجانب الإستثماري فقط مع إنّ تصوراتنا للمشروع أبعد من ذلك بكثير ولكن لغياب إطار أشمل للتعاقد لم يكن أمامنا إلا الإنطلاق ضمن الإطار الموجود.
ليست فرص استثمارية وحسب
البيوت الأربعة التي تم استثمارها ستتحول إلى فنادق ضمن سلسلة فنادق سيرينا العالمية، وهي جزء من شبكة الآغا
خان للتنمية وواحدة من المؤسسات المصنفة عالمياً والحائزة على العديد من الجوائز في هذا المجال، وقد تم تصنيفها كواحدة من أفضل خمسة فنادق في العالم صديقة للبيئة، لأنها تراعي الاحترام المطلق لكل ما له علاقة بالبيئة والتي تشمل النسيج الاجتماعي والعمراني.
ويرى اسماعيل أن الواقع المادي للبيوت كان يحتاج إلى تصور مستقبلي يسمح لأن يتم الحفاظ عليها لأطول فترة زمنية ممكنة وهذا ليس بالأمر السهل لأنه يحتاج إلى تكاليف ترميم عالية، وأيضاً إلى مهارات وكوادر بشرية مدربة، وقد أوضحت الدراسات أن هذه البيوت تتمتع بجاذبية تاريخية ممتازة، ولكن هنالك الكثير من التحديات التقنية على أرض الواقع. وكان التوجه الحكومي منذ البداية على أن لا تكون هذه البيوت موضوعة كفرص استثمارية وحسب نظراً لأهميتها التاريخة والثقافية، لذلك كان لا بد من التفاهم مع جهة لا تنحصر توجهاتها في المشاريع الاستثمارية بغرض الربح وحسب، ومن هنا كان التفكير لطرح الموضوع مع شبكة الآغا خان للتنمية، وكانت رؤيتنا في الشبكة بأن الدخل الذي ستجنيه هذه المنشآت سيسهم في تغطية تكاليف المنشآة وما يزيد عنه سيستخدم لدعم موازنات بقية البرامج الموجودة في المحيط والتي لا تولد دخلاً مثل البرامج الاجتماعية والأنشطة التعليمية والصحية.
إذاً هذه المشاريع هي مشاريع مولدة للدخل ولكنها لا تهدف إلى الربح كخيار وحيد.
ابعاد اجتماعية تنموية
لاتشكل سلسلة فنادق سيرينا مشروعاً استثمارياً سياحياً فحسب، فلطالما لعبت هذه الفنادق، التي عادة تقام في مناطق
فقيرة ومحدودة الموارد وتفتقر للكثير من الفرص، دوراً تنموياً هاماً ضمن الوسط الذي تعمل فيه. وكان البعد البيئي في كل حالة حاضراً، فالهدف الرئيس من إقامة هذه الفنادق هو تقليل الأثر البيئي إلى الحد الأدنى وزيادة المكاسب الاجتماعية والاقتصادية إلى أقصى حد. ففي تنزانيا، على سبيل المثال، تم إجراء أربع دراسات حول الأثر البيئي قبل بدء العمل في المشاريع. وحملت هذه التقويمات سلسلة فنادق سيرينا على تبني إجراءات لضمان استخدام أكثر كفاءة للماء. وفي فندق سيرينا في زنجبار تستخدم معدات خاصة لحرق النفايات من أجل توليد الطاقة للفندق، الأمر الذي انعكس إيجاباً على المحيط البيئي للفندق والمنطقة. وفي مارا بكينيا، بعد حريق مدمر في إحدى الغابات، ساهم الضيوف والنزلاء في الفندق في زراعة 000 200 شجرة، لإعادة إحياء المكان. وقد ساعدت تلك الإجراءات سلسلة سيرينا على الفوز بالعديد من الجوائز البيئية بما في ذلك شهادة تقدير من الكوكب الأخضر. كما تعتمد سلسلة فنادق سيرينا أساساً على توظيف وتأهيل الخبرات المحلية، وتضع استثماراً قوياً في الدورات التدريبية المحلية بهدف تطوير الكفاءات المحلية في هذا المجال.
وبعد إنشاء أكثر من 22 منشأة سياحية حول العالم والتي يعد أهم مكوناتها الحفاظ الشديد على خصوصية المكان واحترامه بكل تفاصيله، أصبح لدى السلسلة مجموعة من الزبائن الأوفياء الذين يتنقلون ضمن هذه الفنادق للإطلاع
على نشاطات الشبكة ضمن السياقات التي تعمل بها. ويرى اسماعيل أن شريحة الزوار التي تعودت على زيارة هذه الفنادق حول العالم هي على دراية بكثير من الثقافات ومن المهتمين بحضارة الشعوب ولديهم الرغبة في الاحتكاك بها بطريقة مختلفة. كما أن نزلاء فنادق سيرينا هم من المتابعين الدائمين للمشاريع الجديدة والتي يعتزل إطلاقها، وبالتالي فأنهم مهتمون بالاطلاع على واقع الأمكنة أثناء عملية الترميم ورؤية المكان قبل وأثناء وبعد الانتهاء من العمل فيه، والمتابعين لهذا الأمر يتوفر لديهم إعلان دوري على المشاريع الجديدة وبالتالي فأنهم سيزورون سورية ويشاهدون الأنشطة المتوافقة مع هذه المشاريع.
وأكد علي إسماعيل "لاتشكل هذه الفنادق بشكل أساسي فرصة استثمارية على خارطة شبكة الآغا خان للتنمية، بل تنظر إليها الشبكة كواحدة من المشاريع الهامة التي سوف تساهم إلى حد كبير بتعزيز دور شبكة الآغا خان للتنمية في عملية التنمية المستدامة في هذا البلد".
(دي برس – ربى القدسي )