صحيفة البعث العدد رقم \ 13223 \ ليوم الثلاثاء تاريخ 28 \ 8 \ 2007
http://www.albaath.news.sy/user/?id=107&a=9125 اقتصاد السوق الاجتماعي... المفهوم والمرتكزات
منذ انتصار الثورة الاشتراكية في روسيا 1917 تبلورنظامان سياسيان في العالم، الأول النظام الاشتراكي ويعتمد على الملكية العامة لوسائل الانتاج والتخطيط المركزي، وتلعب الدولة دور رب العمل، والثاني: رأسمالي ويعتمد على الملكية الخاصة لوسائل الانتاج والحرية وبإدارة الاقتصاد، وتلعب الدولة دور المنظم للعمليات الاقتصادية، وتكون غالباً معبّرةً عن سياسات القوى الاقتصادية الفاعلة وتخضع لتجاذباتها سياسياً.
وبين هذين الأنموذجين الاقتصاديين نشأ خط ثالث زاوج بينهما فأقام الملكية العامة مع الخاصة والتخطيط المركزي مع الليبرالية الاقتصادية وتأسست نماذج كثيرة في كل دولة، حسب ظروفها، ومع ذلك لم يحتفظ الأنموذجان الأصليان بصورتهما السياسية والاقتصادية ، فقد طبق كل نظام بعض أفكار النظام الآخر، ففي بريطانيا اضطرت الدولة الى الخروج من بعض أزماتها الى اقتطاع حصة من الناتج القومي ومن أرباح الرأسماليين.
ووزعتها على العاطلين عن العمل، وفي فرنسا عمدت الدولة الى الاحتفاظ ببعض الصناعات الهامة وبعض المؤسسات الإعلامية، وتأسست قطاعات حكومية كبيرة موازية للقطاع الخاص لضمان عدم احتكارها ونزع فتيل الأزمات الاجتماعية كقطاع الصحة والتعليم وبعض الصناعات الثقيلة والعسكرية.
كما ان النظام الاشتراكي استعار بعض آليات السوق، وطبقها في بلاده حتى إن لينين... دعا الى الاستفادة من البرجوازية الصغيرة مثل بيع المفرق والتجزئة والخضار والفواكة.. نظراً لضرورة المعالجة السريعة لهذه المسائل والتي يعجز عنها القطاع الحكومي الذي يحتاج الى وقت اطول بسبب البيروقراطية، كما ان النشاط الزراعي يتعارض مع طبيعة الدولة.
وهكذا نشأ في الدول الغربية المتقدمة نظام أُطلق عليه اسم اقتصاد السوق الاجتماعي، فالطبقة الرأسمالية قدمت تنازلات للطبقة العاملة خشية الأفكار الاشتراكية، وصنعت مجتمعاً متقدماً وحافظت على مستوى جيد للشعوب الغربية، واستطاعت الافلات من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها الرأسمالية، وبعد ان فشلت التجربة الاشتراكية وسقوط الاتحاد السوفييتي في عام 1991، وازدياد حمى المنافسة الاقتصادية بين الدول بسبب العولمة الاقتصادية وانفتاح الحدود بين الدول.. أعادت الطبقة الرأسمالية الضغط على الطبقة العاملة بذريعة المنافسة وتخفيض التكاليف، وبات العمال يسمعون النغمة هذه من الذين كانوا يدافعون عنهم في الأمس، وباتت الحكومات والعمال يتعرضون للابتزاز من الشركات العملاقة التي اندمجت في كارتيلات محدودة لتخفيض الأجور والرسوم الجمركية، وعملت الحكومات في أوضاع لا تُحسد عليها فمن جهة تريد استثمارات لمكافحة البطالة التي أصبحت أرقامها مقلقةً... ومن جهة أخرى لا تدفع الشركات رسوماً كافية للتعويض لهذه الدول عن التلوث البيئي واستنزاف خيراتها .
واعتماداً على تجربتها من ثورة آذار 1963 وما تخللها من عقبات، وبناءً على دراسة الواقع الاقتصادي والاجتماعي اختارت سورية نهج ما يُسمى باقتصاد السوق الاجتماعي، الذي اقرّه المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث العربي الاشتراكي في حزيران 2005.
ويُعرّف الدكتور عبد الله الدردي، نائب رئيس الوزراء، اقتصاد السوق الاجتماعي بأنه منظومة سياسية اجتماعية، تم تطويرها على مدى عقود في اوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية نتيجة التحّول الفكري في ذلك الحين، وأوضح ان قيام السوق الاجتماعي يعتمد على آلية السوق في العرض والطلب، وعلى حرية الدخول والخروج لجميع الفاعلين في السوق بكفاءة وتكافؤ فرص ومساواة في الحصول على المعلومات والتسهيلات، وان اقتصاد السوق اقتصاد شفاف ومنافس ومتاح العمل فيه للجميع، وهذا ما يؤدي الى عدم الاحتكار وانخفاض الأسعار للمواطنين وافضل الخدمات موضحاً ان دور الدولة في اقتصاد السوق الاجتماعي هو دور الموجه والمتصرف وهو لا يقل عن دورها في الاقتصاد المركزي... فالاقتصاد السوري يحتاج الى جملة من الاصلاحات والتغيرات والتشريعات لاستكمال الانتقال الى اقتصاد السوق، كذلك تهيئة الارضية المناسبة والكوادر التي تؤمن باقتصاد السوق.
إن اقتصاد السوق الاجتماعي ليس مرحلةً انتقالية للوصول الى اقتصاد السوق الحر، بل هو منظومة ثالثة تقول: إن الدولة لن تتخلى عن مهامها الاقتصادية والاجتماعية وهو ليس تغليب الاجتماعي على الاقتصادي، بل هو جعل الاقتصادي، في خدمة الهدف الاجتماعي.
ويرتكز اقتصاد السوق الاجتماعي على ثلاثة محاور:
1ـ المنافسة في ضرب الاحتكار ومقوماته، فالاحتكار يؤدي الى الركود الاقتصادي.
2ـ تكافؤ الفرص في الدخول والخروج الى السوق والحصول على المعلومات والتسهيلات.
3ـ تدخل الدولة عندما تعجز آليات السوق عن القيام بدورها.
ولتفعيل اقتصاد السوق الاجتماعي لابد من عدد من الإجراءات:
1ـ ضرور تحديد المسؤوليات والمهام لكل قطاع وبلغة الارقام، لا تحتمل التأويل والاجتهاد.
2ـ رفع معدلات النمو.
3ـ تعظيم مردودية الانتاج ومكافحة الهدر والفساد.
4ـ تفعيل دور الفعاليات الاقتصادية حكومة- قطاع عام- قطاع خاص- مشترك.
وقد أشار السيد الرئيس بشار الأسد في خطاب القسم للولاية الدستورية الثانية امام مجلس الشعب في 17/7/2007 إلى ذلك مبيناً مفهوم السوق الاجتماعي بشكل واضح لا لبس فيه، إذ قال: «وتم إقرار مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي الذي يفتح المجال واسعاً أمام المبادرة الفردية والاحتكام الى آليات السوق في إطار قيادة الدولة للعملية التنموية وادارتها لحركة النشاط الاقتصادي، وتهيئتها البيئة التنظيمية المحفزة في ضوء استمرار الدولة في أداء دورها راعياً حقوق الشرائح الشعبية بما يتضمنه ذلك من تحقيق العدالة الاجتماعية ومكافحة الفقر والبطالة، وتدعيم شبكات الأمان الاجتماعي».سالم الشيحاوي
::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::