قال تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
{ شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } * { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَٱلآنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّليْلِ وَلاَ تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَٰكِفُونَ فِي ٱلْمَسَٰجِدِ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }
و قد جاء في تفسير الشيخ محي الدين ابن عربي:
{ شهر رمضان } أي: احتراق النفس بنور الحق { الذي أنزل فيه } في ذلك الوقت { القرآن } أي: العلم الجامع الإجمالي، المسمّى بالعقل القرآنيّ الموصل إلى مقام الجمع - هداية للناس إلى الوحدة باعتبار الجمع { وبينات من الهُدى } ودلائل متصلة من الجمع والفرق، أي: العلم التفصيلي المسمّى بالعقل الفرقاني - فمن حضر منكم في ذلك الوقت، أي: بلغ مقام شهود الذات { فليصمه } أي: فليمسك عن قول وفعل وحركة ليس بالحق فيه { ومن كان مريضاً } أي: مبتلى بأمراض قلبه من الحجب النفسانية المانعة من ذلك الشهود { أو على سفر } أي: في سلوك بعد ولم يصل إلى الشهود الذاتيّ، فعليه مراتب أُخر يقطعها حتى يصل إلى ذلك المقام { يريد الله بكم اليسر } بالوصول إلى مقام التوحيد والامتداد بقدرة الله { ولا يريد بكم العسر } أي: تكلف الأفعال بالنفس الضعيفة العاجزة { ولتكملوا العدّة } ولتتمموا تلك المراتب والأحوال والمقامات الموصلة. ولتعظموا الله وتعرفوا عظمته وكبرياءه على هدايته إياكم إلى مقام الجمع { ولعلكم تشكرون } بالاستقامة أمركم بذلك.
{ وإذا سألك عبادي } السالكون الطالبون المتوجهون إليّ، عن معرفتي { فإني قريب } ظاهر { أجيب دعوة } من يدعوني بلسان الحال والاستعداد بإعطائه ما اقتضى حاله واستعداده { فليستجيبوا لي } بتصفية الاستعداد بالزهد والعبادة، فإني أدعوهم إلى نفسي وأعلمهم كيفية السلوك إليّ، وليشاهدوني عند التصفية، فإني أتجلّى عليهم في مرائي قلوبهم لكي يرشدوا بالاستقامة، أي: لكي يستقيموا ويصلحوا.
{ أحلّ لكم } أي: أبيح لكم { ليلة الصيام } أي: في وقت الغفلة الذي يتخلل ذلك الإمساك المذكور في زمان حضوركم { الرفث إلى نِسَائكم } التنزّل إلى مقارفة نفوسكم بحظوظها إذ لا مصابرة لكم عنها لكونها تلابسكم وكونكم تلابسونها بالتعلق الضروري { علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم } باستراق الحظوظ في أزمنة تلك السلوك والرياضة والحضور { فتاب عليكم وعفا عنكم } { فالآن } أي: في وقت الاستقامة والتمكين حال البقاء بعد الفناء { باشروهنّ } في أوقات الغفلات { وابتغوا ما كتب الله لكم } من التقوى والتمكن بتلك الحظوظ على توفير حقوق الاستقامة والقيام بما أمر الله به من العبودية والدعوة إليه { وكلوا واشربوا } أي: كونوا مع رفقها { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } حتى تظهر عليكم بوادي الحضور ولوامعه وتغلب آثاره وأنواره على سواد الغفلة وظلمتها، ثم كونوا على الإمساك المذكور بالحضور مع الحق حتى يأتي زمان الغفلة، لولا ذلك لما أمكنه القيام بمصالح معاشه ومهماته. ولا تقاربوهن في حال كونكم معتكفين مقيمين حاضرين في مساجد قلوبكم وإلا لتشوّش وقتكم بظهورها.
نسأل الله عز وجل الهدى والتقى والعفاف و الغنى لنا ولجميع المؤمنين
و الحمد لله رب العالمين