منتدى الباحث الإسماعيلي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى الباحث الإسماعيلي

موقع شخصي وغير رسمي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» خمس رسائل إسماعيلية - تحقيق عارف تامر
إسلام اليوم بين تراثه و العولمة Icon_minitimeالإثنين سبتمبر 11, 2023 8:10 am من طرف الاسماعيلي اليامي

» كتاب شجرة اليقين للداعي عبدان - تحقيق الدكتور عارف تامر
إسلام اليوم بين تراثه و العولمة Icon_minitimeالإثنين سبتمبر 11, 2023 8:09 am من طرف الاسماعيلي اليامي

» منخبات اسماعيلية
إسلام اليوم بين تراثه و العولمة Icon_minitimeالإثنين سبتمبر 11, 2023 8:08 am من طرف الاسماعيلي اليامي

» كتاب الطهارة للقاضي النعمان
إسلام اليوم بين تراثه و العولمة Icon_minitimeالإثنين سبتمبر 11, 2023 7:27 am من طرف الاسماعيلي اليامي

» كتاب مصابيح في اثبات الامامة للداعي الكرماني
إسلام اليوم بين تراثه و العولمة Icon_minitimeالخميس أغسطس 31, 2023 8:07 pm من طرف همداني

» كتاب سرائر وأسرار النطقاء لـ جعفر بن منصور اليمن /نرجو التدقيق
إسلام اليوم بين تراثه و العولمة Icon_minitimeالخميس أغسطس 31, 2023 8:05 pm من طرف همداني

» كتاب نهج البلاغة للامام علي عليه السلام
إسلام اليوم بين تراثه و العولمة Icon_minitimeالثلاثاء يوليو 11, 2023 9:48 pm من طرف ابو محمد الكيميائي

» ارحب بالاخ حسين حسن
إسلام اليوم بين تراثه و العولمة Icon_minitimeالأربعاء يوليو 27, 2022 5:12 am من طرف الصقر

» كتاب دعائم الاسلام
إسلام اليوم بين تراثه و العولمة Icon_minitimeالثلاثاء فبراير 01, 2022 6:16 am من طرف همداني

المواقع الرسمية للاسماعيلية الآغاخانية

 

 إسلام اليوم بين تراثه و العولمة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مهند أحمد اسماعيل
مشرف عام



عدد الرسائل : 4437
العمر : 49
تاريخ التسجيل : 09/07/2008

إسلام اليوم بين تراثه و العولمة Empty
مُساهمةموضوع: إسلام اليوم بين تراثه و العولمة   إسلام اليوم بين تراثه و العولمة Icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 04, 2009 11:56 am

إسلام اليوم بين تراثه و العولمة

Professor Mohammed Arkoun


هذه نسخة منشورة أخذت من مقالة ظهرت أصلاً في كتاب فرهاد دفتري (محقق) التقاليد الفكرية في الإسلام، لندن: ا.ب.توريس بالتعاون مع معهد الدراسات الإسماعيلية، 2000، ص179-221.
إسلام اليوم بين تراثه و العولمة Articles
موجز


ما هي القوى التي تقوم بصياغة إسلام اليوم؟ هل نحن متجهون نحو الاعتقاد بأن مشروع الديمقراطية الرأسمالية هو أكثر أشكال الفلسفة والممارسة الاجتماعيتين ملاءمة للمجتمعات المسلمة؟هل ثمة نماذج ومسارات وأطر معرفية أخرى صالحة للعمل ؟ ما هي العلاقة بين العولمة والتراث والحداثة في السياقات الإسلامية؟ في هذا المقال الموسَع، يتصدّى المؤلف لهذه الأسئلة من خلال ثلاثة مفاهيم رئيسية متداخلة يضعها أمام التحليل النقدي: الإسلام اليوم والإسلام كتراث حي وظاهرة العولمة.


الكلمات الرئيسة

دراسات إسلامية، دراسات قرآنية، أرثوذوكسية، إسلامي، الأصولية، الرأسمالية، الجهاد، الإسلام السياسي، الراديكالية، الدين، تراث، الحداثة، ما بعد الحداثة، العولمة، الديمقراطية، محلي، عالمي، علوم، علم المعرفة، دراسات دينية، علوم اجتماعية، علم الإنسان (أنتروبولوجيا)،علم الاجتماع ( سوسيولوجيا)، تاريخ، فلسفة، معنى، سلطة، نظر(عقل)، معتقد، إيديولوجيا، الثورة الإسلامية، الإسلام المعاصر.





إسلام اليوم بين تراثه و العولمة Pdf_iconDownload PDF version of article 341 KB


مقدمة


" في التفاصيل يختبئ الشيطان"

يشير عنوان هذا المقال إلى ثلاثة ميادين من التساؤلات والتحليل النقدي: إسلام اليوم ؛ التراث الحي الذي يرجع إلى زمن ظهور الدعوة الإسلامية 610-630 و 66؛ وظاهرة العولمة. وهدفي من إدراج هذه المواضيع المعقدة في عملية تمحيص نقدي واحدة هو فصل الواقع الضمني الذي نعيشه ولم يتم التطرق إليه من قبل ، في كل من هذه المجالات الثلاثة من تجربة الفرد والفعل التاريخي، بأية طريقة ممكنة، عن الأمور الظاهرة التي تثير المشاكل، ويجري التفكير فيها للمرة الأولى أو يعاد النظر فيها من خلال المنظورات التي فتحتها الظاهرة الجديدة، ظاهرة العولمة.

ولأسباب منهجية ومعرفية تتضح لاحقاً في سياق هذا البحث، سأبدأ بتعريف السياق الجديد الذي أنتجته قوى العولمة ومن ثم سأتصدى لمسائل إسلام اليوم والموروث الإسلامي.

جدول المحتويات

1. ما هي العولمة؟

  • العولمة في التطبيق
  • الحيز المشترك للفلسفة و الديمقراطية
  • فلسفة العولمة
  • مصالحة الفلسفة و الدين


2. هل يتعارض إسلام اليوم مع العولمة؟

  • الحداثة، الدين، الدنيوي
  • التصور الاجتماعي
  • الحداثة الفكرية


3. إعادة النظر في الإسلام مواجهاً تراثه

  • المعنى التفاوضي، والخطاب التفاوضي
  • تمثيل الحقيقة


4. نحو تعريف لإسلام اليوم

  • الإسلام والسياسة في عالم ما بعد عام 1945
  • التفاهم مع إسلام اليوم


5. الديالكتيك المحلي والعالمي

  • اللغة والأسطورة والنشاط العلمي، فترة النبوة والعبء التاريخي
  • فترة القوة (الإمبراطورية) والكتابات التاريخية للمسلمين
  • إعادة التفكير/ إعادة كتابة التاريخ
  • تركة فترة القوة
  • النهضة؟
  • التركات الاستعمارية
  • النزعة الشعبية


6. مكانة المعنى في المجتمع البشري

  • حالة الإسلام
  • الخطاب القرآني والخطاب النبوي
  • خطاب العلمانيين الثوريين
  • التشابهات الشاردة


7. مقاربة الموروث في السياق الإسلامي

  • نحو نقد العقل( النظر) الإسلامي
  • الحقيقة القرآنية والإسلامية
  • المدونة الرسمية المغلقة
  • عودة إلى الجهاد والعالم المجهول
  • إدارة التاريخ و عناصره.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مهند أحمد اسماعيل
مشرف عام



عدد الرسائل : 4437
العمر : 49
تاريخ التسجيل : 09/07/2008

إسلام اليوم بين تراثه و العولمة Empty
مُساهمةموضوع: رد: إسلام اليوم بين تراثه و العولمة   إسلام اليوم بين تراثه و العولمة Icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 04, 2009 11:57 am

. ما هي العولمة؟

حتى الفترة بين عامي 1960-1970 لم يكن الفكر البشري يعرف عن العالم، أو العوالم بصيغة الجمع، سوى فكرة واحدة محددة. هذه الفكرة بحد ذاتها قد غذّت عدداً كبيراً من الأبحاث التي تفاوتت إنتاجيتها الروحية الفنية و العلمية حسب بيئاتها الثقافية وأحداثها التاريخية. وهكذا، فإنه مع كوبرنيكوس وغاليليو وكبلر يكون المرء قد انتقل"‘من عالم مغلق إلى كون لانهائي". وما كان يدعى لمدة طويلة بالعلاقات الدولية لم يعد يغطي إطلاقاً مفهوم العولمة ، أي القوى الفاعلة والحقائق التي يقوم الأفراد و المجتمعات باكتشافها أو اختبارها في الوقت الحاضر.

إن العولمة تقلق كل التقاليد الثقافية والدينية والفلسفية والقضائية-السياسية ؛ وحتى الحداثة التي صدرت عن حركة التنوير لم تنج منها. ولهذا السبب، ومنذ الثمانينات من القرن العشرين، يتحدث بعض المحللين والمفكرين والباحثين، لا سـيّما في الولايات المتحدة، عما يسمونه " ما بعد الحداثة ". وإني أفضل أن أتجنب هذا المصطلح، الذي يشير إلى مفهوم تم وضعه بشكل سيء قليلاً، مما يجعلنا في المسار التاريخي الخطي الذي بدأ في أوروبا الغربية خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر. وترغم العولمة الأوروبيين أنفسهم على التكلم عن الحدود والتأثيرات العكسية لحركة التنوير التي سمحت، من بين الأشياء الأخرى، ببناء دولة الأمة العلمانية والديمقراطية الليبرالية، ويسرت تقدم البحث العلمي، والتحول من التحالفات العشائرية والعرقية والعقائدية إلى تحالفات تعاقدية تنظمها دولة القانون. و بالمسير الثابت نحو إقامة الاتحاد الأوروبي، يجتاز المرء مرحلة تاريخية جديدة في تنظيم وتوسيع فسحات المواطنية، التي هي بنفس الوقت أساس الحياة الديمقراطية وهدفها. وتقوم دولة الأمة الآن بعملية تحقيق مهمتها في أوروبا وذلك بوضع المجتمعات المدنية، المتحررة قضائياً بشكل كاف، في مكانها الصحيح لتعمل كشركاء فاعلين ضروريين في دول القانون. غير أن عبور هذه المرحلة التاريخية يثبت أنها صعبة وغير مستقرة كالمرحلة التي جعلت الممالك ذات القانون الإلهي المطلق تصبح ممالك دستورية وجمهوريات ديمقراطية. إن المشاكل تنشأ، في الحقيقة، من تنوع الثقافات الأوروبية ورؤيتها للعالم التي رافقت الولادة البطيئة والصعبة للدولة - الأمة، مما يكشف عن حدودها الضيقة، واستبعادها الثقافات الأخرى من العالم، وتخوفها المرضي مما هو أجنبي، وعن عنفها الكامن، الجاهز دائماً لممارسته ضد الأجانب، مهما كانوا قريبين جغرافياً(كما كانت الحالة في الحروب الفرنسية-الألمانية).

لقد حققت قوى العولمة الاقتصادية والمالية والتكنولوجية تفوقاً وأولوية في عملية التاريخ، وهي تختطف من المثالية المجردة قيمها الروحية والفلسفية والأخلاقية والسياسية والقضائية، وتزداد قواعدها ومركباتها المادية المتينة وضوحاً بشكل مضطرد. ومع ذلك، تستمر المثالية السياسية في البحث عن ملاذ لها في الخطاب القومي، كما يمكن ملاحظة ذلك في مقاومة نهوض الإتحاد الأوروبي الذي بدأ على أنه ليس أكثر من منظومة بسيطة تشكلت لتنظيم إنتاج الفحم والفولاذ. إن الإدعاءات بالخصوصية القومية، والمصداقية والاستثنائية تقيد التقدم نحو مراجعة الكتابات التاريخية الوطنية، و الأطر الفكرية في تفسير القيم وإعادتها إلى مكانتها الصحيحة. والنموذج الذي قدمته الأمم " الماضية" إلى مستعمراتها السابقة، التي أصبحت " أمماً ناشئة " بدون مرحلة انتقالية، يقدم " حججاً " خطيرة إلى الدول – الأمم - الحزبية التي تولت السلطة في هذه البلدان خلال الأعوام 1950-1970 في شروط معروفة لدينا، والتي تدير برامج في "البناء القومي" على السياق الجديد الذي أحدثته العولمة. هذه الملاحظة يجب أن تدخر من أجل تقويم أفضل لدور الإسلام وتراثه في التوترات المتصاعدة بين دول – الأمم - الحزبية تلك والمجتمعات التي لا يؤخذ في الحقيقة بناؤها الديمقراطي وتطلعاتها الشرعية نحو ممارسة الديمقراطية بعين الاعتبار.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مهند أحمد اسماعيل
مشرف عام



عدد الرسائل : 4437
العمر : 49
تاريخ التسجيل : 09/07/2008

إسلام اليوم بين تراثه و العولمة Empty
مُساهمةموضوع: رد: إسلام اليوم بين تراثه و العولمة   إسلام اليوم بين تراثه و العولمة Icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 04, 2009 11:58 am

العولمة في التطبيق

منذ انحلال الإتحاد السوفييتي كقوة جغرافية- سياسية، والولايات المتحدة تمارس سيطرة فوقية على كل قوى العولمة. وبدلاً من أن يغذي الأوروبيون، بما فيهم روسيا وتوابعها السابقون، المنافسات، يطلبون التحالف، والاتفاقيات والتعامل مع الولايات المتحدة. وهكذا، يتم الشعور بعبء هذه الفوقية عند الشعوب والأمم التي ما تزال في مرحلة التحرر والتوحيد. وحتى "حق الشعوب في تقرير مصيرها،" الذي غذى العديد من الأوهام في مجال التحرر الوطني أيام الحرب الباردة، أصبح رعونة إيديولوجية في وجه الحروب الأهلية الشعواء التي مزقت الكثير من المجتمعات الواقعة في قبضة النزعات القومية والفردية ثم انزلقت فجأة في الليبرالية الضارية لما يسمى العالم الأكبر( التي سأشرحها في المقطع التالي). وقد قام هذا الأخير باختراع مفهوم جديد، " الدعم الإنساني للشعوب المعرضة لخطر الإبادة،" الذي هو مجرد مفهوم غامض وخدّاع كسلفه. لكن قوى العولمة الاقتصادية والمالية لم تعد تهتم بالدعم الإنساني اليوم أكثر مما كان يهتم به المستعمرون البرجوازيون الرأسماليون في القرن التاسع عشر حول تحرير نسائهم، أوالطبقات العاملة، أو، من باب أولى، تحرر الشعوب المستعمرة. إن الدعم الإنساني، وحقوق الشعوب،وحقوق الإنسان، والمواعظ الديمقراطية تشكل جزءاً من مجموعة براقة من الشعارات السياسية، تتكيف مع كل تجمع جيوسياسي من قبل أولئك الذين يديرون عمليات العولمة ويجعلونها في مصلحتهم. وهكذا تكون "النخبة" - الذين يعتقدون أنهم كانوا يعطون المضمون الحقيقي لهذه الشعارات بالالتزام، خلال الأعوام1960-1970، بسياسات التنمية الاقتصادية في إطار "التعاون" و"الدعم التنموي" – قد ولـّدوا، مع شركائهم السياسيين والاقتصاديين في الغرب، عودة سريعة إلى ما يدعى بالثورة الإسلامية، تدعمها الطبقات الاجتماعية المهمشة التي كانت تندمج بشكل سيء في دوائر معزولة من الحداثة الضيقة جداً، ومحرومة (حتى في حالة القرويين الريفيين والبدو الموطنين قسراً) من لغاتها، وثقافاتها، وتوازناتها البيئية، ورموز عاداتها وثوابتها التراثية – تماماً كالحرمان الذي عاناه الفلاحون الأوربيون مع تصاعد ضغوط الثورة الصناعية ، ولكن، في حالتها، مع فترات انتقال طويلة ومؤسسات متكاملة بشكل فعال. لقد نشرت العولمة على نطاق كوكب الأرض استراتيجيات غزو الأسواق وتزايد المستهلكين والتزاماتهم دون أي اعتبار لتراجعهم الثقافي، وبؤسهم الفكري، وقمعهم السياسي، والمآسي الاجتماعية والعبودية الفردية الناجمة عن هذا " التغيير غير المتكافئ" الذي طالما تعرض للشجب دون جدوى. إننا نعرف كيف تؤدي استراتيجيات العولمة إلى اتفاقيات بين الدول ودبلوماسية لتدفق السلع مقابل استيراد المواد الخام من جهة، ودأب وسائل الإعلام، من جهة أخرى، على شجب السياسات الأحادية، والتعصبية المتخلفة لتلك الدول المعترف بها بالذات على أنها دول شريكة ومحاورة محترمة.

لعلنا نلاحظ هنا مفهوماً سياسياً هامَاً قلَما تعرض له المحللون وكادوا ألاَ يدخلوه في مواضيع الحملات الانتخابية في أكثر الأنظمة الديمقراطية تقدماً. انه يخص الجهل المنظم الذي يبقى المواطنون فيه بعيدون عن كل شيء يخص الدبلوماسيات بين الدول. إن ما يسمّى بالسيادة الشعبية لا يستطيع ممارسة أي نوع من أنواع السيطرة على العلاقات الدبلوماسية، التي تقع في الأهليـّة الحصرية لرؤساء الدول ووزراء خارجيتهم. وهكذا، فإن المسؤوليات عن الصراعات كالتي وقعت في الجزائر ورواندا وزائير وإيران والسودان والبوسنة، الخ.، لا تقدم بشكل مخادع فحسب إلى أولئك المواطنين الأكثر قدرة على القيام بالتحاليل القضائية والتاريخية والأخلاقية، بل يتم تشويهها عن قصد بالنقمة السهلة التي تتولـّد ضد الجرائم والاغتيالات والدمار التي ما فتئت وسائل الإعلام تسلط الضوء على بشاعتها يومياً. وعلى هذا الصعيد، تكون أكثر التحاليل صواباً وأكثر التعليقات تسويغاً قد وضعت جانبًا بالتوجه المتكرر إلى " الحجة" المتعلقة بأمن الدولة ضد" ثرثرة" المفكرين المثاليين.

وهذه الوظيفة التي تؤديها الديمقراطية مقبولة بشكل خاص في المجتمعات المدنية لأنها تميل في المقام الأول إلى الدفاع عن "المكاسب الاجتماعية" والتي هي بحد ذاتها من نتاج العولمة. وهذا ما يعلل تطوير فكرة الإضرابات وممارستها ضمن الإتحاد الأوروبي بالإنابة – إضراب كل قطاع أو فئة حرفية، بدعم غير مشروط من قبل العمال الذين يشعرون بنفس القدر من التهديد بفقدان الفوائد المكتسبة، وعلى رأسها وظائفهم. وهو وضع بعيد الشبه عن حدود التبسيطية المرسومة بالصراع الطبقي؛ لكن أنانية المجتمعات المدنية، المدعومة بالضرورة من قبل حكوماتها، تحل محل أنانية الطبقات السابقة، مما يؤدي إلى تفاقم عدد الخاضعين للاستغلال والإقصاء من جانب قوى العولمة، لا سيما حين ينطوي الأمر على إزاحتهم من مكانهم الصحيح. وهكذا، يجد المرء ، مرة أخرى، علاقة بين القوى تشبه تلك التي بين الدول –الأمم المُستعمِرة والشعوب المُستعمَرة حتى عام 1945.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مهند أحمد اسماعيل
مشرف عام



عدد الرسائل : 4437
العمر : 49
تاريخ التسجيل : 09/07/2008

إسلام اليوم بين تراثه و العولمة Empty
مُساهمةموضوع: رد: إسلام اليوم بين تراثه و العولمة   إسلام اليوم بين تراثه و العولمة Icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 04, 2009 11:59 am

الحيز المشترك للفلسفة والديمقراطية

يجب الاعتراف بأن وضع العالم الراهن، وخطى العولمة المتشددة يولد من التمزقات والتوترات والتناقضات والصراعات الجماعية أكثر مما ولـّده تصدير مجتزءات الحداثة المادية إلى المستعمرات في القرنين التاسع عشر والعشرين. فلا الباحثون والمنظِرون من أعلى المستويات المعرفية والكفاءة، ولا الجيوش الجرارة من مديري الشركات المتعددة الجنسيات، ولا السياسيون الذين يحتكرون استخدام ‘العنف الشرعي’ (كما يقول ماكس ويبر) يدرجون في تحليلاتهم وتوقعاتهم واستراتيجياتهم التنموية المشاكل الحقيقية وحاجات وآمال أولئك الناس المحرومين من التمثيل الصحيح ، ومن إمكانية التعبير المباشر عن الرأي وإمكانية التحرر. إن المضامين الفلسفية لهذه العملية العالمية من التغيير، والتي تتعلق بالبحث العلمي بقدر ما تتعلق بالمبتكرات التكنولوجية والتوسع الاقتصادي، لم تحدث كمعايير حاسمة عليها أن توحي بالقرارات على كافة المستويات في مجالات النشاط كافة. وهذا لأن الفكر الفلسفي بحد ذاته قلما تحركه الحاجات الملحة لإعادة النظر في الروابط الأساسية التي تجمع بين الفلسفة والديمقراطية. إني أشير هنا إلى التقرير المعبر جداً بعنوان الفلسفة والديمقراطية حول العالم، الذي وضعه روجر بول دروا بطلب من اليونسكو، عن الحالة الراهنة لتدريس الفلسفة في الدول الأعضاء. ونادرة هي الدول التي أدخلت أو عززت أي تدريس جدي للفلسفة في المرحلة الثانوية. وفي السياق الإسلامي، فإن التراث الفلسفي الغني الذي تطور من القرن الثامن وحتى وفاة ابن رشد عام1198، قد فـُقِد منذ القرن الثالث عشر. وهنا نجد كيف يعرف دروا سمات ‘الحيز المشترك’ الأساسي للفلسفة و الديمقراطية: كلاهما يجلب " علاقة تأسيسية"بالخصائص التالية:

1. الكلام: لأن الفكرة لا توجد إلا حين تـُصاغ بكلمات وتُشرح وتـُطرح للمناقشة، والنقد والمجادلة من جانب الآخرين: هذه الملاحظة تنطبق على الفكر الفلسفي كما على المواقف السياسية في الديمقراطية.

2. المساواة:لأن المرء لا يسأل الآخرين " بأي حق" يتدخلون في الجدال؛ ولا يطلب منهم بأي شكل أن يكون لديهم أية سلطة أو تفويض؛ يكفي أنهم يتكلمون ويجادلون. [ إنني أعدل في ملاحظة دروا على الشكل التالي: في منظور العولمة، لم يعد مواطنو دولة معينة فقط هم الذين يشاركون في النقاش السياسي؛ فلأول مرة في الفلسفة منذ قدماء الإغريق، تجد البشرية كافة تهتم بالنقاش السياسي بقدر ما تهتم بالنقاش الفلسفي حول الموضوع، ولا سيما الشروط المؤسسة للشرعية السياسية في الأنظمة المحلية وحكم الكوكب المأهول]

3. الشك: بما أن اليقين الفوري قد تزعزع، فقد أصبح من الضروري، للتأكد من أن الباب مفتوح للبحث عما هو حقيقي وللمناقشة العامة للموضوع، ألاّ يبقى المرء في عالم من الإجابات والمعتقدات، بل عالم من الأسئلة والبحث.

4. التأسيس الذاتي: لأن ما من قرار خارجي يأتي لخلق المسرح الفلسفي أو المجتمع الديمقراطي، ولا توجد سلطة تشرعها " من الخارج"، ولا شيء يضمنها " من الأعلى"؛ فهي تتلقى قدرتها من ذاتها فحسب ولا تخضع لأي سلطة لا يكونون هم مصدرها.’1

سأعود إلى الفحص النقدي لهذه التعاريف عندما أقوم بمقارنة وضع الثيولوجي- السياسي الذي تطرق إليه آر.ب. دروا مع الفلسفي- السياسي الذي لا ينفصل عن حداثتنا. هذه المقارنة لا بد منها للإشارة إلى عدم الترابط والمفارقات التاريخية والأوهام في الخطاب الإسلامي المعاصر عن الإسلام والديمقراطية. لكنني سأضع أولاً ثلاث ملاحظات تمهيدية:

فلسفة العولمة

1. في الخامس والعشرين من شباط (فبراير)1795 عرف جوزيف لاكانال الثورة الفرنسية على أنها هذه " اليوتوبيا التثقيفية" التي تهدف إلى " وضع حد لعدم المساواة في التنمية مما يؤثر على قدرة المواطنين على الحكم"2. وفي الحقيقة، فإن التعليم الفلسفي الذي نظمته الجمهورية كان وما زال يعطى في المؤسسات العامة والخاصة بإعانات مالية من الدولة. وربما كان هذا التقليد الفرنسي قادراً على توليد تذوق للتأملات النظرية؛ ومع ذلك لا يسع المرء أن يقول أن الفكر السياسي في فرنسا والسمة الحالية للديمقراطية ذات الأسلوب الفرنسي بأنها تتسم أكثر منها في أي مكان آخر بالاتجاه الفلسفي الذي تم تعريفه للتو. إن الضرر الأصلي يأتي، دون شك، من السيطرة المحكمة التي تمارسها الدولة الجمهورية العلمانية بالمعنى الفرنسي، منذ تأسيس المدارس التقنية والثانوية. وفي القرن السابع عشر، دافع بنيديكت سبينوزا عن حق الناس في أن " يعلّموا (الفلسفة) جهاراً، على نفقتهم الخاصة وعلى حساب سمعتهم."3

2. في منظور العقل السياسي، الذي يـُستعان به للتحكم بجميع عمليات العولمة من أجل المصلحة الحقيقية والثابتة لكل شخص- فرد- مواطن، أصبح من الضروري للمجتمع والنظام أن يثبتا وجودهما ويعيدا تحديد الشروط اللازمة لإيجاد موقف فلسفي معولم بشكل متماسك. بهذا المعنى سأقوم بفحص الإسهام الذي يمكن للفكر النقدي أن يقدمه لهذا المشروع في سياقات إسلامية واقعية.

3. إن مفهوم الشخص- الفرد- المواطن الذي قدمته الآن يستحق الحديث عنه بشكل مطول في المنظورات التي فتحها علم الإنسان (الأنثروبولوجيا ) لاستكشاف جميع الثقافات وتحليلها تحليلاً نقدياً، وليس فقط الثقافات "العظيمة" التي كان لها في أزمنة مختلفة من التاريخ أو لا يزال لها بعض الهيمنة. بعبارة أخرى، لم يعد الاتجاه الفلسفي الكلاسيكي كافياً لإعادة النظر، مع كل المواءمة الوصفية و التفسيرية التي تتطلبها العولمة، في وضع الشخص و الفرد و المواطن في حيـز سياسي وقانوني و ثقافي – وهو حيز لم يعد يقتصر على الدولة- الأمة، وبات أقل منه في المجتمعات الدينية كالأمة التي تحاول الحركات الإسلامية إقامتها كنموذج عالمي للعمل التاريخي.

أكثر ما أخشاه هو ألاّ تحظى الدعوة للفلسفة والأنتروبولوجيا الثقافية والتاريخ النقدي للثقافات- خارج جميع الأطر المهيمنة لتحقيق الوجود الإنساني- باهتمام يـُذكر، وربما أقل مما يوجد في سياق الدولة-الأمة، من جانب المؤسسات الاقتصادية والمالية والسياسية، ومن الممثلين الرسميين في المؤتمرات الدولية الكبيرة، ومن الدعاة المختلفي الألوان الذين يسهمون في تسريع خطى العولمة. وهؤلاء الفاعلون جميعاً يفتقرون إلى التهيئة الكافية ليمهدوا مكاناً صحيحاً للمضامين الفلسفية للمسؤوليات التي يفضلون القيام بها بنفس القدر من الفعالية التي لدى الخبراء. والمرء يتبع فيها مشروعاً تاريخياً من ترقية القيم الديمقراطية وتوصيلها إلى كل الشعوب والمجتمعات في العالم بقدر أقل من غزو الأسواق الجديدة للبضائع الاستهلاكية التي لم تعد تجد مشترين كفاية في الأسواق المتخمة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مهند أحمد اسماعيل
مشرف عام



عدد الرسائل : 4437
العمر : 49
تاريخ التسجيل : 09/07/2008

إسلام اليوم بين تراثه و العولمة Empty
مُساهمةموضوع: رد: إسلام اليوم بين تراثه و العولمة   إسلام اليوم بين تراثه و العولمة Icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 04, 2009 12:00 pm

المصالحة بين الفلسفة والدين

حتى لو وافق المرء على فحص فلسفي وأنثروبولوجي للمسائل الناجمة عن اتساع العالم الأكبر، يبقى من الضروري في المقام الأول العمل نحو خروج عقلاني محتم من إطار الفكر الموروث عن الميتافيزيقيا الكلاسيكية. وقد ظل هذا الأخير رهين التداخلات المتكررة، على الرغم من بذل جهود جبارة كانت توهنها دائماً التوترات الجدلية بين المواضيع اللاهوتية والمقولات الفلسفية. إن ما يسميه علماء الاجتماع " عودة الديني" يسهم، حتى في أكثر المجتمعات علمانيةً، في عرقلة الجهود المبذولة لإيضاح الفوائد الخاصة بدين ما وفلسفة ما والتي يمكن تطويرهما من دون الجدل العنيف ومن دون التنافس بالمحاكاة، وفقاً للروح العلمية والنظم المعرفية الجديدة التي تأتي من علم الأحياء واللسانيات وعلم الرموز وعلم النفس والعلوم الاجتماعية-الإنسانية، و من دراسة المشكلات التاريخية. وبكلمات أخرى، إن نشر عملية العولمة الاقتصادية والتكنولوجية والمالية يجري في مناخ من " الفكر الجاهز" حيث تقف الأزمات في دراسة الإنسان والمجتمع على طرفي نقيض من التقدم المذهل للمعرفة التكنولوجية التي صادرتها على الفور الرغبة في السلطة والربح.

إن ذلك كله يظهر الحاجة إلى التعبير بوضوح عن الموقف الفلسفي ونوع النشاط المعرفي اللذين يجب أن يرافقا العولمة في الوقت الحاضر كممارسة تاريخية ملموسة. وبدون تجاهل، أو تقليل من أهمية المراجع الإغريقية للفكر الفلسفي، أو رحلة هذه المراجع وانتشارها داخل المجال التاريخي الأوربي، سيدرك المرء المسافات الفاصلة بين المواقف المتصلة بأماكن ثقافية واجتماعية وسياسية محددة، والمواقف المتصلة برؤى العالم التي أُعلنت على عجل بوصفها عالمية. ولطالما فكر علماء النحو والمنطق واللسانيات بهذا التوتر: من المناظرة الأولى بين النحوي الصيرفي وعالم المنطق متى بن يونس في القرن العاشر في بغداد، إلى التحليل التنويري لبنفنسيت الذي تناول المقولات الأرسططالية المشروحة باللغة اليونانية والمقولات اللغوية, يدرك المرء فكرة أن الموقف الفلسفي الذي يمكن جعله عالمياً هو بالضبط ذلك الذي يغذي بانتظام معضلة التوتر بين المحلي والعالمي. كذلك، فإن غرس الحس العالمي في المحلي قد نقش بطريقة قوية أو ضعيفة، في كل تجربة لغوية. وقد نما هذا التوتر في صورة موضوع تأملي، كالإنسانية في الكتابات التي أنعشت مواضيع أدبية جميلة حتى الحرب العالمية الثانية. وليس سوى الأنثربولوجيا الاجتماعية والثقافية الحديثة من أعطى البيانات الثابتة الخاصة بكل بنية اجتماعية- ثقافية في الزمان و المكان المحددين، بينما تقوم بوضع كل صنف محلي في سياق عالمي من الحقائق السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية. وما دامت الفلسفة والأنثروبولوجيا تدرّسان كفرعين تخصصيين متميزين، تبقى التداخلات الكثيرة في الأنثروبولوجيا من جانب الفلاسفة عرضية وسطحية، بينما لم يكن علماء الأنثروبولوجيا دائماً قادرين على تجاوز المرحلة الإثنوغرافية في ممارستهم العملية.4 ونتناول هنا أيضاً المسألة الهامة؛ مسألة إصلاح نظم التعليم لتكييفها في كل مكان وفقاً لمقتضيات العولمة.

2. هل إسلام اليوم مغلق في وجه العولمة؟

قام عالم سياسي أمريكي يدعى بنيامين ر. باربر مؤخراً بترقية المفهوم القرآني والإسلامي عن الجهاد إلى مرتبة الشخصية القطبية للتاريخ المعاصر، المرتبطة جدلياً بـ العالم الأكبر،أي العولمة الجارية كما تبدو من منظور الولايات المتحدة وأوربا الغربية5. والمؤلف ليس مهتماً على الإطلاق بالجهاد لكي يندد بتوسع الإسلام من خلال " الحرب المقدسة"، أو ليطرح نظرية جديدة عن " الحرب العادلة"، وهي مفهوم لاهوتي صاغه القديس أوغسطين منذ زمن بعيد وظهرثانية في أوائل التسعينات من القرن الماضي من قبل الرئيسين بوش و ميتيران أثناء حرب الخليج. إنه يعتبر، وهو على صواب، أن العنف الذي يمزق الكثير من المجتمعات التي تدعى بالمسلمة ( وأنا أفضل، خلافاً للعادة المتبعة في كل الدراسات الإسلامية وفي آداب العلوم السياسية، استعمال عبارة " المجتمعات التي تكيّفت مع الواقع الإسلامي"، وهو ما سأوضحه لاحقاً) ينمّ ليس عن أزمات داخلية خطيرة فحسب، بل أيضاً عن الاحتجاج الذي تشترك فيه كافة المجتمعات، وحتى في الغرب، ضد القوى العمياء للعولمة المسماة بـ العالم الأكبر،التي تتسم باقتصادها السوقي ونظامها النقدي وتكنولوجيتها ووسائل إعلامها وثورتها المعلوماتية التي تمسُّ العمل وأوقات الفراغ والهندسة الجينية...الخ. ويعترض هذا الاحتجاج على العنف البنيوي المنتشر في العالم بفعل أُناس مجهولين من صانعي القرار يتسمون باللامسؤولية الأخلاقية وبالعنف المادي القاتل. وهو رفض جذري تحت اسم القيم التراثية والدينية، وغير مانع لوسيلة العمل الفعال التي تتحصل من الحداثة المادية. إن لفظتي الجهاد والعالم الأكبر تعبران عن خلل غير معقول بين اللفظ والمعنى لم يجر تحليله بعد في المنظورين النقدي والعرفي المحددين أعلاه. فهما مفهومان يواجهان أحدهما الآخر بأسلحة غير متكافئة إطلاقاً، وبأهداف مختلفة، وكلاهما ينجح في عرقلة المشروع الديمقراطي لتحرير الشروط الإنسانية. وكي يدافع عن الديمقراطية، يحشر باربر التعارض بين الجهاد والعالم الأكبر: الأول يريد أن يحيي القوى المبهمة لعالم ما قبل الحداثة مثل " الألغاز الدينية، والمجتمعات المتفاوتة في المراتب، والتقاليد الخانقة، والخدر التاريخي" بينما يذهب الثاني إلى ما وراء الحداثة بالإصرار على وضع السوق فوق حقوق البشرية وتطلعاتها الروحية.

الحداثة والدين والدنيوي

وبالوصف السلبي للقطبينً، يبقى العالِم السياسي في الإطار المعرفي لعقل التنوير، بينما تقوم العولمة بإجبارنا على مراجعة الأنظمة المعرفية الموروثة عن أنماط العقل التي تحترم قواعد نظرية المعرفة النقدية التاريخية. وهكذا، تكون النعوت المطبقة على عالَم ما قبل العالم الحديث سديدة إذا ما توقف المرء عند خطاب الحركات الأصولية المعاصرة، ولكنها لن تكون صائبة إذا كان المرء يشير بها إلى الثقافة الإنسانية (أدب) التي أنتجتها البيئة الحضرية في العالم الإسلامي من القرن التاسع وحتى القرن الحادي عشر. فقد استبق العقل الفاعل في تلك الثقافة كثيراً من الأعمال النقدية والمواقف المعرفية التي أدت لاحقاً إلى تطور النزعة الإنسانية لعصر النهضة، وضخمت بعد ذلك سبب التنوير في أوربا. وحرك هذا الأخير الفرس والأتراك والمسلمين بوجه عام، لا لتوسيع مجالهم المعرفي بدرجة ذات معنى فحسب، ولكن بالدرجة الأولى لشن حربهم ضد العدو الرئيسي في ذلك الوقت: سيطرة رجال الدين. وفي القرن التاسع عشر الاستعماري، نشأ نوع من علم التاريخ والإثنوغرافيا وعلم النفس وعلم الاجتماع يتسم عموماً بمعرفية تصفها الأنثروبولوجيا العصرية بأنها أيديولوجيا السيطرة. إن جدلية الجهاد مقابل العالم الأكبر وإن تكن مغرية في خيارها القاطع لديمقراطية إنسانية،إلا أنه يمكن تطبيقها في العالم أجمع، ولا يمكن الاحتفاظ بها لمشروع وضع تاريخ نقدي للفكر في منطقة البحر الأبيض المتوسط، يشمل مخاطرات المعنى وإرادات القوة التي أصبحت واضحة هناك منذ بداية أول ظهور للدعوة الإسلامية في الفترة الممتدة من العام 610 إلى العام 632. إن إسلام اليوم يحتاج، عملياً، لأن يتجاوز احتجاجات الجهاد العقيمة، التي غالباً ما تكون خطيرة، ليجمع في وقت واحد ما بين مكاسب الحداثة الإيجابية والفرص الجديدة في التحرر السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي التي فتحتها العولمة – حيث يجب فهم الأخيرة على أنها امتداد للمشروع التاريخي للحداثة وعلى أنها تصحيح لأخطائه ومظالمه أيضاً.

إذا كانت الحداثة مشروعاً ناقصاً يتضمن العزم على دفع الشروط الإنسانية إلى الوراء حتى إلى ما وراء حدودها، فعليها أن توجه العولمة نحو تكامل أفضل للقيم التي أصبحت غريبة بسبب التعارض المنتظم بين رؤى الأديان التقليدية والتصنيفات الإيديولوجية للأديان العلمانية. ونتيجة لهذا النزاع، كانت الأصوات العلمانية الصادرة عن الأنبياء والقديسين واللاهوتيين والفلاسفة والفنانين والشعراء والأبطال قد أخذت تتهمش بلا هوادة، وتسقط قيمتها وترتد إلى ماضٍ أصبح من اختصاص الضليعين في علم التاريخ. إن مجتمعاتنا تنتج قادة كبارا في الصناعة ، ومصرفيين يعملون بسرية، وأبطالاً ونجوماً رياضيين يولدون حماسة عابرة، وباحثين من ذوي الاختصاصات العلمية العالية؛ إلاّ أن أولئك الناس جميعاً لا يملكون لا الوقت الكافي ولا مصادر الإلهام الضرورية لخلق قيم عقلية وروحية للاستنفار على المستوى الذي يكون فيه النظام الاقتصادي للإنتاج والتبادل يلتزم بمستقبل الكوكب البيئي ونوعية الحياة البشرية. لقد امتنعت قصداً عن ذكر السياسيين هنا لأنهم مستمرون في كل مكان بخذلان الناس الذين من المفترض أن يكونوا قادة لهم – ولم أذكر الفساد والزعماء المفسدين، ولا الطغاة المتعطشين للدم ولا الجائرين والمتحجرين والمستبدين الذين يتمتعون بالإجلال والاحترام الصادر عن " رؤساء الدول".

لا تنطوي هذه الملاحظات على أية رغبة في جعل الماضي أخلاقياً ولا في الحنين إليه بمقارنته بالحاضر في المجتمعات المتطورة أو النامية؛ بل المقصود منها التعريف مع الدقة بالوظائف الجديدة التي تخصصها قوى العالم الأكبر التي لا تقاوم لإسلام اليوم الحاضر. ويستمر الأخير بأن يضمن للكتل الاجتماعية، المحرومة من الحريات و الراحة المحجوزة لجماعات محددة، أملاً ممزوجاً بالتوقعات التقليدية بالخلاص الأبدي، وإمكانية الحصول على الكرامة الأخلاقية مع مواجهة ودودة مع إله القرآن العادل والرحيم، واعتقاد بالوعد في عدالة وشيكة الحدوث يحققها لهم زعماؤهم الرائعون، وبديلاً "حديثا" لفكرة الإمام المهدي القديمة. أو انه يتطلب طاعة الفرض بالقضاء بالحرب المقدسة والعادلة (الجهاد)على كل "الفراعنة" الذين يعيثون في الأرض فسادا.ً
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مهند أحمد اسماعيل
مشرف عام



عدد الرسائل : 4437
العمر : 49
تاريخ التسجيل : 09/07/2008

إسلام اليوم بين تراثه و العولمة Empty
مُساهمةموضوع: رد: إسلام اليوم بين تراثه و العولمة   إسلام اليوم بين تراثه و العولمة Icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 04, 2009 12:01 pm

الخيال الاجتماعي

إن علماء التاريخ- الاجتماع- الأنثروبولوجيا لن يعددوا، كما فعلت للتو، جميع هذه العناصر النفسية- الاجتماعية- السياسية المكونة لما لم نعد نسميه أملاً، بل تمثيلات للخيال الاجتماعي. ويستعيض المرء عن المصطلح الديني – السياسي المألوف لدى مؤمني الأمس واليوم، بمصطلح المحلل الناقد الذي يرى أن المجتمعات تـُنتج الأديان كأيديولوجيات. ومتى ترسّـخت هذه الأيديولوجيات في رموز معيارية، تصبح بدورها المؤثّر في المجتمعات. وما من شك في أن هذه المسلمة المعرفية، إذا ما استقرت، تسمح لمرة بتفكيك تركيبة سيكولوجية مشتركة يجتمع فيها العقلاني والخيال والحقائق المستذكرة، التي يكون معظمها مستظهراً غير مكتوب وتختلط في تعابير الإيمان والسلوك. لكن، ما دام هذا التحليل التوضيحي لا يصل إلى الفاعلين بدرجة تدفعهم إلى إعادة البناء بصورة أفضل في ظل سيطرة تركيبة سيكولوجية مرتبطة بالنظم الدينية عن طريق المعتقدات والممتنعات، فإن نظرية الدين "العلمية" ستعمل كحد عقلي وثقافي وسياسي في المجتمعات التي تـُقام فيها ضمنياً ( كما هو الحال في الجمهوريات العلمانية) أو علانية كعقيدة للدولة ( كما في الجمهوريات الاشتراكية والشعبية الملحدة). ويفهم المرء، بالتالي، لماذا تخسر الدولة العلمانية الليبرالية في المرونة الفلسفية ما تكسبه في الحياد القانوني، في حين تحتقر الدولة الدينية الاثنين معاً. وإن استبعاد المؤسسات العامة الفرنسية كلّ تعليم يتعلق بتاريخ الأديان المقارن والفكر الديني، يبّين بوضوح ما أعنيه بالمرونة العلمية والفلسفية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المسألة ذات الجوهر الفلسفي والسياسي لم تناقش بعد في إطار الاتحاد الأوربي بهدف اقتراح برامج أكاديمية جديدة للتفكير في احتياجات المجتمعات المتعددة الثقافات وفي مقتضيات المعارف العلمية المتكيفة في آن معاً مع تقدم العولمة.

الحداثة الفكرية

لكن يجب ألاَ تشرد بنا التأثيرات الشاذة لهذه الأخيرة عن التطورات التاريخية المبنية على التجربة الإيجابية للحداثة الفكرية.إذا كانت الأديان والفلسفات العظيمة ما فتئت تعلّم أن الإنسان روح، فعلى المرء ألاَ ينسى أن الروحانية وعلم الوجود والتناسخية واللاهوتية ونظريات الماهية والجوهر ما هي إلا اشتقاقات عقلانية أو تصورات خطرة كمشتقات العولمة وتصوراتها في الوقت الحاضر، فيما يتعلق بالطبيعة الحقيقية للجنس البشري. واستناداً إلى الإسلام المعاصر ، سأحاول أن أثبت أن العمل الذي يفرضه الوضع التاريخي للعولمة يكمن في الذهاب فلسفياً وأخلاقياً وقضائياً ومؤسساتياً إلى ما وراء نظم الاعتقاد واللااعتقاد المتوارثة بدرجات متفاوتة عن الماضي، باتجاه تحسين السيطرة على الطاقة المتوفرة لدى الإنسان لتغيير الإنسان.

3.إعادة النظر في الإسلام وهو يواجه تراثه

إن النهوض بالمفهوم الإسلامي حول الجهاد إلى مرتبة مستوى الحركة التاريخية لمقاومة العالم الأكبر لا يمكن أن يكون أساساً لإسلام اليوم إذا أريد له، كما يدعي، أن يحقق دور النموذج البديل الخاص بالغرب من أجل إنتاج أنظمة حكم أكثر عدلاً ومجتمعات أفضل تكاملاً. إن ادعاء الغرب بأنه يبقى النموذج المرجعي الفريد لكل الأنظمة والمجتمعات المعاصرة غير مقبول أيضاً طالما أن الشروط المحددة أعلاه لم تتحقق بشكل دقيق إلى درجة خلق الشعور الآسر، بين كل المراقبين والعاملين، بمديونية معنى تمنعهم من الغلو. كذلك، لا يستطيع المرء أن يدخل مديونية المعنى إلا إزاء الفاعلين الاجتماعيين الذين هم، كالأنبياء والقديسين والأبطال والمفكرين والفنانين، قادرون أن يمثلوا بسلوكهم وأن يعرضوا بخطاب يصل إلى أكبر عدد ممكن، النماذج الوجودية التي تشجع الآخرين على محاكاتها بحرية. ويميل الفرد، في الوسط الغربي الديمقراطي والعلماني، الذي تحميه دولة القانون المقرونة بدولة الرفاه، إلى أن يكون نموذجاً لنفسه بنفسه فيصبح شيئاً فشيئاً عاجزاً عن التعرف على مديونية المعنى في الدين أو الفلسفة أو الأمة أو الجماعة أو بطل التحرير أو المفكر أو الشاعر. وفي السياقات الإسلامية، فإن المديونية بالمعنى نحو القرآن على أنه كلام الله، ونحو النبي بصفته رسول الله، و السلف الصالح الذي كُـلّف بالأمانة ونقل الرسالة الصادقة المؤسسة لكل الحقائق والأفكار الصالحة وكل المعايير الصحيحة، تستمر في لعب دور قوي جداً بحيث لا يبقى هناك مكان لتبني، أو حتى مجرد احترام لفكرة أو مؤسسة أو ابتكار أو شخصية لا يمكن دمجها في نظام من التعريف و التقويم التي من خلالها يتم تخليد مديونية المعنى. إن اللهجة الاجتماعية والسياسية التي سادت منذ الاستقلال عن الحكم الاستعماري قد عززت، رغم الفاصل الزمني من عام 1950-1960، التشكيل السيكولوجي الذي افترضته مديونية المعنى هذه. إن سياسة العودة إلى التراث و الاحتفاء بالإسلام كأحد مكونات الهويات القومية قد أضعف إمكانيات أدوات تحديث الفكر والمؤسسات لمصلحة الدين الذي اجتث من أصوله التاريخية وسياقاته العلمية المعاصرة. وإذاً، ليس نادراً أن نصادف "عقلانيين" وأكاديميين ومديري مشاريع كبيرة ومصارف وإدارات متشابكة يتفادون كل مداخلة انتقادية في المجال "المقدس" ومجال تقديس النصوص والمعتقدات المؤسسة الخاصة بمديونية المعنى هذه التي ينهار بدونها النظام الاجتماعي.

المعنى التفاوضي، الخطاب التفاوضي

سيوضح المحلل النقدي أن الخطاب كله هو الحامل للرغبة بالسلطة لأنه يسعى لمشاركة الآخرين في عرض المعني الذي ينطق به كل متكلم. وكلما خالف اقتراحي مجال المعنى المشغول مسبقاً من قبل غيري من الفاعلين الاجتماعيين، أصبح النزاع أكثر خشونة وأدى ألى العنف؛ وإذ ما دخل المجال الأسطوري أو الرمزي لسردهم التأسيسي، عندئذٍ تصبح الحرب "المقدسة" و" القدسية" و" العادلة" و" الشرعية" حتمية. ولذلك، فإن أكثر الجمهوريات علمانية لها حساباتها التأسيسية، وسياساتها الرمزية و" مواقع ذاكرة" خاصة بها تـُقيمها كتاباتها التاريخية التي يتم الاحتفال بها رسمياً ودورياً. ففي هذه الممثليات الجماعية التي تقدست عبر الزمن تأخذ الهوية الوطنية جذورها؛ وهنا تتشكل "القيم" التي تضفي الشرعية على ما يحدث دورياً من الانفعالات الثورية والتضحيات الكبيرة والسلوك البطولي. إنني عن قصد أستخدم هذه المفردات الأخلاقية- السياسية، التي منها تحاك المواعظ والحوارات الرسمية، للتذكير بأنه على هذا المستوى من إنتاج المعنى واستهلاكه، تكون التداخلات بين الديني والسياسي، وبين المقدس والمدنس، والروحي والزمني، من الثبات والاستمرارية بحيث يكون من المضلل الوقوف عند الموضوع للفصل بين الكنيسة والدولة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مهند أحمد اسماعيل
مشرف عام



عدد الرسائل : 4437
العمر : 49
تاريخ التسجيل : 09/07/2008

إسلام اليوم بين تراثه و العولمة Empty
مُساهمةموضوع: رد: إسلام اليوم بين تراثه و العولمة   إسلام اليوم بين تراثه و العولمة Icon_minitimeالثلاثاء أغسطس 04, 2009 12:05 pm

ويوجد تتمة على الرابط
http://www.iis.ac.uk/view_article.asp?ContentID=101219
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مهند أحمد اسماعيل
مشرف عام



عدد الرسائل : 4437
العمر : 49
تاريخ التسجيل : 09/07/2008

إسلام اليوم بين تراثه و العولمة Empty
مُساهمةموضوع: رد: إسلام اليوم بين تراثه و العولمة   إسلام اليوم بين تراثه و العولمة Icon_minitimeالخميس أغسطس 06, 2009 12:21 am

وأحببت أن أذكر أن صابرينـا أ. بندعلي وهي خريجة في برنامج الدراسات العليا للدراسات الإسلامية والإنسانيات
قدمت بحثـاً عنوانه "الإسـلام بين المـاضي والحـاضر: مشـكلة السنوات الكبيسـة"، كـجزء من مجموعة دراسـات حـول "التعددية في الإرث الإسـلامي القديم". وتبحث في دراسـتها في أثر المنع المعتقد أنه وارد في القـرآن على الدمج بين السـنة القمرية والسـنة الشـمسيـة، وأثـر ذلـك عـلى التماسـك الاجتماعي وهوية المجتمعات المسـلمة الجديدة.
متابع معكم
ياعلي مدد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
إسلام اليوم بين تراثه و العولمة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» خطاب سمو الأمير آغاخان في مؤتمر البر الوطني/إسلام آباد
» الثقـافة والذاكـرة في إسلام العصـر الوسيط : مقالات في تكريم ويلفيرد مادلونغ
» حدث في مثل هذا اليوم 16 /9
» اليوم ..
» تفاحة في اليوم !!!

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الباحث الإسماعيلي :: شبكة الآغاخان ... عطاء إنساني مطلق-
انتقل الى: