لا يمكن أن تقتصر دراسة الأخلاق الإسلامية على الكتاب المقدس وحكمه التقريري الملازم له حتى ولو توسع إلى التفسيرات الأكاديمية في العلوم المتسلسلة من القانون والفلسفة إلى العلوم الطبيعية. إن الأهمية الأساسية لهذه العناصر بديهية، لأنها تقدم مبادئ ومناقشات وقصصاً يمكن أن تكون غير محدودة زمانياً في قوة تأثيرها. مع ذلك فإن الدور المركزي للأخلاق الإسلامية عموماً في القرآن وجملة أقوال وأفعال النبي، السنَة، ملازم للمبدأ الأساسي، المبدأ الذي يبرز تكرار التأكيد بأن "الإسلام طريقة حياة". إنها فكرة المكانة التاريخية لحياة النبي محمد، مع تسلسل أحداث الكفاح الموثقة توثيقاً جيداً لتبليغ الرسالة النبوية التي تنشد المثل الأخلاقية لا بطريقة مجردة بل بطريقة عملية.
مع ذلك فهناك المسلمون وغير المسلمين ممن يفضلون دائماً التعامل مع النصوص الدينية على أنها تحمل معاني أحادية وثابتة، وحياة النبي محمد بصفتها قريبة من التفسير الخلاق الذي يميز بغنى المراحل التاريخية الإسلامية المتنوعة بصفتها تاريخاً موحداً للإسلام. تثمر هذه الرؤية، بمعرفة مسبقة كافية، خاصة الروح المميزة للأمة التي تُحدد مسبقاً بأنها جملة من القوانين المقدسة، بعضها يجد طريقه عبر الفقه والبقية عبر الشريعة الأوسع بصفتها تعبيراً مقرراً للإسلام. وتطبيق هذا الروح على التحديات اليومية التي تواجه مسلماً ما هو بالتالي فعل الإرادة، ولو أن التمييز مهمٌ بقدر ما تعتبر المبادئ ذات الصلة محددة.
ليس أولئك وحدهم الطائفة الدينية "الأصولية"– من الأفضل أن يشار إليهم على أنهم إسلامويون سياسيون – التي تتبنى هذا الرأي، بأن الفعل الإنساني والعقل يخضعان لأفعال الأمر. من عجائب التقادير، أن هذا الموقف الفكري الأيديولوجي يتبناه عدد ضخم من الشارحين "للإسلام" الذين هم، مثل الإسلامويين، لا يحبذون التعاطي مع تعقيدات تعدد العوالم الإسلامية، التاريخية والمعاصرة، والنصية والاجتماعية، والصراطية والمارقة وجميع الأطياف الواقعة بين ثنائياتٍ من هذا القبيل. قلما كان ذلك الاتجاه المحبط بارزاً كما هو اليوم، في أعقاب أحداث 11أيلول عام 2001. فإن قضايا العنف السياسي المتعبة والتسامح ورابطة الفرد والجماعة، حتى تحديات الهندسة الوراثية (الحيوية) الجديدة، قد عولجت أيضاً بضجة وكأن للمشاكل الأخلاقية المطروحة حلولاً جاهزة تحتاج فقط إلى الكشف عنها في الكتاب المقدس.
بين الأعباء الأساسية لهذه الدراسة الادعاء بأن الحافز الذي يجعل الأخلاق الدينية عموماً والأخلاق الإسلامية خصوصاً حقلاً مثيراً للدراسة وسط تقدم الحداثة العلمانية. وهذا لا يتعلق باستكشاف كيف ينسب المرء الحافز والمسؤولية لفاعل في الأخلاق (عندما يقارن بالقانون مثلاً)، ويقلل من كل ما يتعلق بعلم تشكيل الدافع النفسي في مواجهته مع الفعل الأخلاقي الاجتماعي الخاص. تلك هي حقول واسعة ولا خلاف فيها وذات صلة تستوجب الاهتمام الذي تستحقه. ما اخترت معالجته، وهو معالج هنا، هو مشكلة أساسية في مقاربات السلوك الأخلاقي الحديث الذي يتقبل الانقسامات البسيطة بين الدافعين "الديني" و"العلماني"، وهو ليس فقط بين المسلمين: إنه يتعلق بالسؤال، لماذا التصرف تصرفاً أخلاقياً؟ إن الإجابة المنسجمة عن ذلك السؤال تحتاج أن يأخذ المرء بالحسبان أفكاراً متنوعة عن "الخير" في أوضاع خاصة وعامة واجتماعية- سياسية وعلمية وماضية وحاضرة. إن السؤال فيما إذا كان فعل ما خطأً أم صواباً متأصلاً باعتباره قضية أساسية، وبناء مقاربة ماعليه من حيث الرؤى الدينية والعلمانية هي مقاربة قصيرة النظر وضبابية. عند التشبث بإطار علماني متصلب، يعطي هذا اهتماماً قليلاً من البداية للخطابات النظرية والناحية العملية اللذين تجلبهما صلات التقارب الدينية إلى الخيارات الأخلاقية التي يتخذها الأفراد بالفعل.
وعلى قدم المساواة فإن إطاراً مرجعياً متصلباً لداعية الحكم المطلق سواء أكان دينياً أم علمانياً لشئ ما فيما إذا كان موروثاً خاطئً يعطي اهتماماً قليلاً لتعقيدات الدافع الإنساني الذي يتولى أحكام من هذا القبيل في العالم الحقيقي. إنه يخفف من تفاعل العقل مع الدين أو الالتزام بلا شيء أكثر من الانقياد السلبي ضمن رأي ضعيف ودخيل للعالم. يوجد كلا الإطارين بالنسبة للبعض، بالطبع، لكنهما لا يكادان يتمكنان من رواية القصة كاملةً.
وهكذا في البحث، لإنصاف الحقائق المتنازعة والمتعددة، تجرأ المؤلف في الفقرة الافتتاحية على الاهتمام بمجموعةٍ من الحالات الاجتماعية التي تطورت فيها الأفكار الإسلامية عن الخير وهي اليوم منتشرة بما فيها الطب وعلم البيئة. إن السؤال كيف ولماذا تؤخذ تلك التصورات بجدية هو الخيط الأساسي الذي يربط الأوضاع ويؤمن الإستمراريات الناتجة واستحداثات التقليد والعقل. ثم، يركز العمل بنجاح على ثلاثة مجالات بارزة لكنها متداخلة- من المدنية والإنسانية والحكم – مجالات تلزم انتباهنا بمصطلحات تقريرية وتجريبية على السواء. ذلك لأنها تستدعي أفكاراً أساسية معاصرة مثل حقوق الإنسان، وحكم القانون والثقافة المدنية حيث أفكار الخير فيما إذا كانت خاصةً روحيةً أو أحكاماً أخلاقية معينة تلتف بقوة. إن الاهتمام بتلك الأفكار كما هو بالفعل مع تاريخ الأخلاق عموماً، يحتاج أيضاً إقراراً بالتداخل المستمر للرؤى "الإسلامية" مع تلك التي هي من تقاليد أخرى، علمانية وتسليمية – والتي جعلت كل ما هو أكثر ضرورة اليوم غارقاً وسط العولمة وتشتت حضور المسلمين الهائل عبر الحضارات.
سعى المؤلف للبحث فيما وراء المصادر والسياقات التي تلقى عادة اهتماماً في دراسات من هذا القبيل، وبالتالي تتضمن الأبحاث إحالات إلى التعبيرات الثقافية مثل الروايات والسينما والفنون الجميلة الرفيع حيث تُجسد الأفكار