كان فريد الدين العطار (المتوفى عام 1221م) شاعراً صوفياً مسلماً من الطراز الأول في النصف الثاني من القرن الثاني عشر. كان تأثيره التكويني قد اعترف به خلفه الكبير جلال الدين الرومي. إن أكثر ما اشتهر به رائعته الأدبية ‘منطق الطير، أو مؤتمر الطيور’ التي ترجمت مراراً، و ما زال شعره يعتبر أنقى مثال عن الشعر الصوفي في اللغة الفارسية بعد شعر الرومي. وفي تميزه في عشقه الإلهي المثير والجذري فقد تم اقتطاف البعض من أبيات أشعاره الملحمية والغنائية مستقلة عن قصائدها كشعارات حقيقية يحتذى بها. وما تزال هذه التعابير البليغة الموهمة بالتناقض تحفظ عن ظاهر قلب ويصدح بها المغنون عبر إيران وأفغانستان وطاجيكستان وفي أي مكان تنطق به الفارسية أو تفهم، كما هو الحال في شبه القارة الهندية- الباكستانية.
لقد ألف العطار ستة أعمال هامة في الشعر وعملاً واحداً رئيسياً في النثر. يشمل عمله النثري الكبير موجزات تذكارية باللغة الفارسية لسير الصوفيين الشهيرين، يدعى ‘ تذكرة الأولياء’. وإذا كانت قصيدته الأقل شهرة (أسرار نامة) أي ‘كتاب الأسرار’ تجمع بين سلسلة من القصص السردية غير المترابطة، فإن أشهر قصائده الملحمية (منطق الطير)، التي كرست لقصة الطلب الروحي لثلاثين طائراً ليجدوا ملكهم الأعلى، السيمورغ. لقد صمم هذا العمل على طراز ‘رسالة في الطيور’، الذي ألفه شيخ صوفي آخر هو أحمد غزالي (المتوفي عام1126م)، مؤسس ‘مدرسة العشق’ في الصوفية، قبله بنصف قرن. إن هذه الرائعة الملحمية (التي خصصت لها خمس مقالات في الفصل الثاني من هذا المجلد) قد تمتعت أيضاً بتصرفات موسيقية ومسرحية في الغرب، بينما تبقى قصصها مواضيع صور شائعة في رسوم المنمنمات الفارسية. يصف كتاب العطار، "في الشدة" (مصيبة نامة)، الطريق الصوفي بمصطلحات أخرى متتبعاً رحلة السالك في الأفكار التأملية (سالكي فكرات)، عبر العوالم المعدنية والنباتية والحيوانية والإنسانية والملائكية. وفي أسئلته على طول الطريق, يلجأ إلى أربعين كائناً كونياً أو أسطورياً مختلفاً، كل بدوره من أجل المساعدة حتى توجه أخيراً إلى النبي محمد، الذي يعطيه الأجوبة التي يحتاج إليها لتضعه على الطريق الصحيح.
يروي كتاب العطار ‘إلهي نامة’ (الكتاب الإلهي) قصة الملك الذي يسأل أبناءه الستة عن أكثر شيء يرغبون به. جميعهم طلبوا أشياء دنيوية، فعرض الملك غرورهم من خلال سلسلة من الحكايا. ‘ كتاب المختارات’ (مختار-نامة) هو مجموعة من 2,000 رباعية قد رتبت في 50 فصلاً بناء على مواضيع روحانية مختلفة، ومجموعة قصائده (الديوان) تضم 10,000ثنائية تلحظ من خلال تصويرها المناظر المرئية والاستغاثات القلبية من الآلام والملذات عن طريق التنسك via mystica. هذه القصائد المرموقة لا تحفظ وحدة الموضوع فيها، بإعطائها عادة مجرد فكرة روحية واحدة، أو سلسلة من المفاهيم ذات الصلة من أول قصيدة إلى آخر بيت لأنها متقنة بشكل تقدمي فحسب، بل أيضاً من أجل التنسك الباطني والقيم الدينية غير الشائعة. أما نسبة ‘كتاب خسرو’ (خسرو- نامة)، وهو قصة رومنسية عن حب وقع بين أميرة بيزنطية وأمير فارسي، والذي يكاد لا يضم أي مضمون ديني، إلى الشاعر فقد رفضت على أنها تزييف بناء على أرضيات أسلوبية ولغوية وتاريخية.
كان لأعمال العطار أثراً بليغاً على كل من الجماعة الصوفية والجمهور المثقف لدرجة أن شهرته قد حلقت حالاً بعد وفاته. وأصبح يقلد بسرعة بحيث أنه يوجد الآن ما يقارب الثلاثة والعشرين عملاً منسوباً كذباً إلى العطار، التي أثبت الباحثون المعاصرون بأنها إما مزيفه أو مشكوك في مصداقيتها. وإذا أخذنا فقط أعماله المؤكدة بأنها له، فهي تشمل 45,000 بيت من الشعر، إنه انجاز لا ينسى.
غير أن أهم سمات أفكار العطار تكمن في حقيقة أن أعماله جميعها قد خصصت للتصوف، ومن خلال كل أعماله الأصيلة، لا يوجد حتى بيت شعري واحد لا يحمل مسحة صوفية؛ بل الحقيقة أن العطار قد كرس وجوده الأدبي بأكمله للتصوف. إنه واحد من أعظم الشخصيات في التقليد المجيد للشعر الصوفي الفارسي.