علي نور الدين مشرف عام
عدد الرسائل : 3567 تاريخ التسجيل : 06/02/2009
| موضوع: للأدب أحاديث تطول ولاتنتهي, وخاصةً الشعر. السبت يناير 30, 2010 11:37 am | |
| للأدب أحاديث تطول ولاتنتهي, وخاصةً الشعر, فمنذ القديم ماينفكً النقّاد والكتّاب يتناولون بالدراسة والنقد والتصنيف كافّة الشعر العربي في جميع فنونه ومناحيه التي خاض فيها الشعراء الأولون منذ العصر الجاهلي حتى العصر الإسلامي, وعلى اتساع المساحة الزمنيّة له منذ عهد الرسالة حتى عصر النهضة في القرنين التاسع عشر والعشرين.
والمتتبع لدراسات الشعر العربي في جميع عصوره, لايبتعد عن التّصنيف الذي اتّبعه الدارسون للشعر من حيث توزيعه إلى فنون معروفة –وصف الديار- البكاء على الأطلال- وصف الإبل والخيل- الغزل- المديح- الهجاء- الرثاء.. وفي العصر العباسي ومابعده تناول بعض الشعراء وصف البيئة والطبيعة مثل الديارات وأماكن اللهو, ومجالس الشراب وماتحويه من غناء وجوارٍ وخمر, كان ذلك حسب معطيات العصر الذي عاشه الشاعر, وحسب رفاهية المجتمعات في كثير من فترات الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي وصل إليه شعب المنطقة التي وجد الشاعر فيها.
لكن سوق الشعر بشكل عام بقيت تمدح وتستجدي أصحاب النفوذ وأصحاب السلطة وأغنياء المرحلة, في سبيل الكسب المادي وتحسين الحالة المعيشية للشاعر المادح, تلك كانت طبيعة الحياة الأدبية التي عاشها الشعراء بشكل عام. حتى إذا دخلت المجتمعات العربية في عصر النهضة الحديثة وبدأ التماس الثقافي مع حضارة الغرب وثقافته من خلال الترجمات لأعمال الشعراء الغربيين, ومن خلال الاطلاع على أعمالهم الشعرية التي ترتبط ببيئتهم, وتقليد بعض مضامينها الإيديولوجية مثل -القومية- الاشتراكية الديمقراطية... والتي بدأت تذوب,وتزول من الساحة بحكم التطور والتبدل المستمر في معطيات التحوّل الحضاري, وكذلك من خلال الاطلاع على مدارسهم الشعرية مثل الرومانسية والكلاسيكية وغيرها, والتي كانت أسماؤها جديدة على تفتّحنا الحضاري بعد سبات دام عدة قرون كان أشبه بممر إلزامي على فكر شعوب المنطقة التي استيقظت بإندهاش على مايحيط بها من تفتح وحرّية.
بدأ شعراء العربية يتململون في مواقعهم الأدبية, وبدأ التقليد الشعري للشعراء الماضين, وظهرت إمكانات مبدعة في كثير من أقطارنا العربية, ولكنها لم تكن بمستوى ماتعانيه الجماهير من فقر وتخلّف وأمية, نتيجة ترسبات الماضي.
ظهر شعراء كباراً امتازوا بالديباجة المتينة واللغة الرفيعة المستوى, والإبداع الشعري الجيد, والبعيد عن التكسب على أبواب السلاطين والحكّام, كما كان في السابق –وظهر بعدهم مباشرة جيل آخر, أحسّ بمعاناة التخلّف والفقر والانحطاط الثقافي, واطلع على بعض الثقافات التي أفرزت عندهم تفتحاً على حضارة الآخر, والتي نهضت في ظل حريّة ساعدتها على الإبداع, بينما جيل المحاولة الناهض لم يستطع وبشكل عام أن يبدع إلا بعد الهجرة والرحيل الى مناطق تظللها الحرية بعيداً عن القمع والقهر وحظر الممكن من الشعر والأدب, وبقي كثير من شعراء العربية يكتبون وهم بعيدون عن مواقع إقامتهم الأساسية. فكان ذلك بمثابة منفى لهم, يحنّون منه الى الديار والى الحرية والى المستوى الحياتي اللائق الذي يطمحون إليه. ونلاحظ ذلك عند جيل شعراء وأدباء المهاجر الأمريكية, كما نلاحظ ذلك عند كثير من شعراء التجديد الذين أفرزتهم ظروف منتصف القرن الماضي السياسية والاجتماعية والاقتصادية. حيث عانى الشاعر وبشكل حاد من ظروف التخلّف والقلق السياسي. وماتزال رواسب هذه المعاناة متواجدة حتى الآن. وتنعكس على أعمال كثير من الشعراء والأدباء المعاصرين الذين يعيشون هذه المرحلة القلقة. فالشاعر بشكل خاص يحمل حساسية مفرطة تجاه مايحدث حوله من قهر وظلم وعدوان.
يظهر ذلك في كثير من أعماله الشعرية. لأن الكاتب يلجأ لكتابة موضوع مطّول في الأدب أو القصة حتى يُعبّر من خلال قطع المسافة الطويلة في الكتابة عن معاناة جيله أو وطنه والرسام الفنان قد يرسم لوحة تعبر عن لقطةٍ واحدة مما تعانيه أمته, ولايستطيع أن يشير بشكل واسع أكثر مما تقدر اللوحة على استيعابه. أما الشاعر فقادر على أن يدغدغ آلام أمته وأن يعبّر عن معاناة جيله وشعبه في قصيدة واحدةٍ تختزل صورة الحدث وتكثف المضمون كي يعطيك صورة واضحة عما يعتمل في وجدانه تجاه الحدث أو الأحداث, وبذلك يستطيع أن يوضح لك الكثير.
| |
|