«أتريدون أن تردوا الناس جميعاً إلى واجباتهم الفطرية ابدؤوا بالأم إذاً..وسوف تدهشكم النتائج](جان جاك روسو) [/
[size=16]ماذا يحصل عندما يتعلق الإنسان بوالدته لدرجة أنه يقضي حياته حاملاً كلماتها العذبة في ذاكرته، ناثراً عبقها الخاص في ثنايا روحه. رغم أنها ومنذ لحظة ولادته تسلمه إلى مخاطر الحياة، واهناً ، ضعيفاً، متقلباً تحت رحمة كل ريح تجتاح حياته، يعوزه الطموح والاستعداد للمستقبل؟..
[size=16]أيضاً، ماذا يحصل عندما تطلقه إلى نور الوجود ليخطف القدر وجودها أو ربما لتغادره غير آبهة إلا بمصلحتها ورغباتها ولاسيما إن لم يكن ذلك بعد طلاقها من والده، بل بعد أن تصبح أرملة تترك أطفالها في مهب التشرد وترحل إلى حيث بإمكانها أن تحيا كما يطيب لها من المغريات..
[size=16]لا شك أن هذا الإنسان سيخلد للهدوء منعزلاً إلى ذاته وأفكاره وأحلامه التي وحدها تجعله يرنو إلى تذوق مسرات الحياة، وهو إن امتلك الموهبة الكفيلة بصقل حياته، فإنه يحتاج للكثير من الألم والمعاناة والتشرد والحرمان إلى أن يثير زوابع عبقريته الفجائية التي لا يمكن التكهن بها إلا بعد أن يقدم الكثير من إبداعاته التي لابد وأن تتضمن أو توصم أو تختصر رغبته الباقية أبدا، وهي البحث عن دفء العاطفة التي حرم منها...
[size=16](جان جاك روسو)- الذي ،لم يتنبأ بالنتائج التي أعقبت شهرته وعبقريته اللتين فرضتا عليه دون التماس منه قضى حياته يتيم الأم وكان في حالة بحث دائم عن امرأة تمنحه دفء العاطفة، ودون جدوى...
[size=16]نعم، دون جدوى فهو وبعد أن توفيت والدته (سوزان برنارد) بتأثير آلام المخاض يوم ولادته، انعزل مع والده الذي ربّاه على قراءة القصص الرومانسية التي كثيراً ما جعلته يذرف الدموع.
[size=16]المرأة التي أحبها غيرت حياته وأذهلته عندما وجد فيها ما يبحث عنه من دفء الأمومة، خدعته رغم عشقه وإخلاصه الشديد لها ما جعله يبدأ ترحاله متشرداً من مكان إلى آخر، يقضم الألم وحيداً ليرحل دون أن يشبع من دفء العاطفة التي بحث عنها طوال حياته، ودون أن يحتوي قلبه الذي توقف عن النبض، خلجة حب حقيقية، صادقة، بحث عنها دون أن تروي ظـمأ روحه...
[size=16](كازانوفا) المغامر الذي كان كاتباً في الظل، كان مهووساً بالنساء اللواتي هن في ضعف عمره، وليس المراهقات فقط.. فامرأة واحدة لا تكفيه ولا قيمة لحياته على موائد القمار والخمر دون وجود كثيرات حوله...فلماذا؟..
[size=16]يبدو أن نشأة (كازانوفا) من أب مجهول وأم سيئة السمعة، أثرت في شخصيته بشكل جعله يتماهى مع القوة القاهرة للأمومة، دون أن يكون له الدعم الكافي للانفصال عنها، من هنا، بدأ بالانتقال من حياة إلى أخرى راغباً بالحصول على لقب يؤهله للسيادة ويمحو عنه كونه (ابن زنا)..
[size=16]إنه لقب (نبيل) أو (فارس) الذي حصل عليه ولم تتوقف لعنة ولادته المشبوهة عن ملاحقته، ما أوقعه في علاقة غرامية مع عشيقة أحد اللوردات. هذه العلاقة قادته إلى سجن الأبدية، أو السجن الرصاصي وهو من أعتى وأحصن السجون الإيطالية التي قضى فيها سنوات قبل أن يتمكن من الهرب، ليسترسل في الغرام حتى نهاية حياته التي عاشها بحلوها ومرّها لينصرف أخيراً إلى الكتابة رافضاً الرحيل قبل أن يترك أثراً يخلده في ذاكرة البشرية، مثلما كانت والدته قد أبت الرحيل قبل أن تترك كل الأثر في حياته...
[size=16](بودلير) الشاعر الفرنسي الذي لم يكن براض حتى عن نفسه معتبراً أنه كريه ورديء الخلق، أحب والدته وأخلص لها وتعلق بها مردداً: إن حب الأم ثابت لا يتبدل.
[size=16]لكن، وبالرغم من هذا الحب المتدفق فإن والدته (كارولين) أهملته وتخلت عنه وتزوجت ضابطاً وسيماً كان يصبو إلى مراتب عليا مثلما إلى التفريق بين بودلير وأمه التي رغب بعد وفاة زوجها أن يحل محله.
[size=16]إنه قدر بودلير أن تمهر حياته كلها بالإهمال، موت والده وخيانة والدته وانصرافه إلى حياة التشرد بين الصداقات الخائبة والنساء الرخيصات والدائنين والمرابين.
[size=16]أصيب بمرض الزهري نتيجة علاقة بائسة لكنه رغم إقدامه على التهام الأفيون لم يتوقف عن كتابة الشعر وأنتج الكثير من الأعمال كان أهمها وعلى مر العصور ديوانه (أزاهير الشر)..إنها الأزاهير التي نشأت بعد مرارة حياته وحرمانه من الحنان إضافة إلى الكبت والحرمان والتشرد والمرض.
[size=16]رغم كل شيء..«أنا أحيا بحنانك، أنت لي وحدي» كلمات كتبها بودلير لأمه ذات يوم وبقيت معه طوال حياته، يحفظها في جيوبه مثلما في إبداعاته التي كانت في حالة بحث دائم عن دفء الأمومة.
[size=16]يبقى أن نقول، كم من مبدع وعظيم رحل وبقيت أنامله تنقب في خفايا الحياة عن أحضان تلملم وجعه وغربته..منهم عاش مشرداً ومنهم أصيب بالجنون، البعض امتنع عن الزواج وآخر عاث فساداً..
[size=16]أيضاً هناك من وصم بفيلسوف التشاؤم -إنه شوبنهور- الفيلسوف الذي فاق تشاؤمه شهرته لأسباب كان أولها وأشدها تأثيراً في حياته وكتبه والدته التي دفعته يوماً عن درج منزلها بسبب غيرتها من شهرته التي غطت على شهرتها ككاتبة قصة ، ما جعله يغدرها، حاملاً كل الحقد عليها وعلى الأنثى عامة بكل ما قد تمنحه من حب...
[/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/color][/size][/color][/size][/font][/size][/font]