علي نور الدين مشرف عام
عدد الرسائل : 3567 تاريخ التسجيل : 06/02/2009
| موضوع: التربية والتحديث الإثنين أغسطس 16, 2010 5:50 pm | |
| التربية والتحديث
ما هي قدرة التربية على التغيير ؟ ما طبيعة العلاقة بين التربية والمجتمع ؟ وأيهما أكثر تأثيراً في الآخر ؟ اعتقد (أفلاطون) أن التربية هي القادرة على صنع المدينة الفاضلة ، فالتربية هي التي تصوغ المجتمع ،
ورأى (روسو) و(بستالوتزي) أن المجتمع هو الذي يوجّه التربية ، ويحدّد مهامها ، وتبنّت الماركسية رأياً مشابهاً لهذا الرأي حين قالت بأن التربية انعكاسٌ للمجتمع ، أو إن البنية الفوقية (التربية) هي انعكاس للبنية التحتية (المجتمع) ، أما علماء الاجتماع الفرنسيون من أمثال (بورديو) و(باسرون) فقالوا : إن التربية تعيد إنتاج علاقات الهيمنة والنفوذ السائدة في المجتمع . والحقيقةُ أن كل ما هو تربويّ اجتماعيٌّ بالضرورة ، وتحديثُ التربية هو تحديث للمجتمع ، ويعني تحديثُ التربية بناءَ النزعة العقلية عند المتعلمين ، وترسيخَ الروح العلمية لديهم ، وتربيةَ الإنسان على قيم الإبداع والحرية والعقلانية واحترام حقوق الإنسان .
يرى (بورديو) أن الطبقة المسيطرة اجتماعياً تحاول عن طريق التربية إضفاء سمةِ الشرعية على علاقات القوة والنفوذ في المجتمع كبديل لسياسة العنف الظاهر الذي قد يُقابَل بعنف مضادّ وتمرّد شعبي يضرّ بمصالح الطبقة المسيطرة نفسها . إن هذا التبرير لعلاقات القوة عبر التربية يعمل على تكوين وعي مزيّف في المجتمع يحمي مصالح الطبقة السائدة ، ويجعل علاقات القوة والنفوذ التي تمارسها مشروعةً ، ويتحولُ التعليمُ في هذه الحالة إلى هراوةٍ لحماية مصالح الأقوياء ، حيث تتركز أهدافُه في إعادة إنتاج علاقات التفاوت واللامساواة في المجتمع .
يقترب (بولز) و(جينتس) من موقف (بورديو) هذا فيريان أن الطبقة المهيمنة اجتماعياً تروّج لمقولة الفشل التعليمي لأبناء الفقراء ، مقصيةً إياهم إلى أدنى دركات سلّم العمل باعتبارهم غيرَ مؤهلين للنجاح الدراسي وبالتالي للعمل الوظيفي .
أمّا فيما يتعلق بالتربية العربية وصلتها بالتحديث ، فإن الملاحَظَ أن عملية التحديث الاجتماعي التي تبنّتها حركة التحرر العربية في الستينيات اهتمت بالكم على حساب الكيف ؛ لأنها وضعت نصب عينيها فتحَ الباب أمام الجموع الغفيرة المحرومة من التعليم وتخليصَها من أمّيتها ، وقد أحدثت بهذا التوجه حَراكاً اجتماعياً ؛ إذ هيّأت أمام الطبقات الشعبية الفرص للترقّي في السلم الاجتماعي . لكنّ المآخذ على سياسة التعليم الجماهيري أنها لم تُعنَ بتحديث الرؤية في الأساليب وطرائق التدريس والغايات ؛ فسادت ثقافةُ الحفظ والتلقين على حساب ثقافة الحوار والإبداع والتفكير الناقد وإن تحقّق الاهتمامُ بتعليم أبناء الجماهير ، وتعبيرٍ عن نموذج الدولة الملتزمة بتقديم الخدمات الأساسية لشعبها في التعليم والصحة والإسكان والتوظيف . وفي ظلّ ثقافة الحفظ والتلقين غدا المعلمُ هو المهيمن في العملية التعليمية ، وتحوّل التلميذ إلى مجرّد متلقّ وتابعٍ مطيع ، وهو ما تماهى مع تغييب الحوار . ونتيجةً لثورة الاتصال والمعلوماتية والتطور التقني الهائل فُرضت أجندة تربوية جديدة على المؤسسات التعليمية تدعوها ، وعلى وجه السرعة ، إلى تغيير فلسفتها ومناهجها التعليمية وأساليب عملها ، خاصةً وأن مستجدّات مجتمع ما بعد الحداثة تتطلب تغييرات عميقة في البِنى والمضامين لتستوعب معطيات العالم الجديد . وبالنظر إلى مفهوم التربية الشاملة الذي يدعو إلى تفجير طاقات الفرد العقلية والوجدانية والمهارية والاجتماعية ، فإن التعليم العربي في معرض سعيه للتحديث التربوي ، ينبغي أن يتبنّى مفهوماً جديداً يُطلق عليه : (مفهوم المقاومة) ، وهو مفهوم يتجاوز التراكمَ إلى الفاعلية ، والاستيعابَ إلى الإبداع والإخصاب ، ويسمح بقيام تفاعل وعلاقة جدلية بين المتعلِمين والبيئة المدرسية ، وبالتالي فإن المعرفة المكتسَبة لدى التلاميذ تُستخدم من أجل تحررهم وممارسة إبداعهم . ويشرح (جوليان فراند) في كتابه (السياسة) مفهوم المقاومة فيردّه إلى علم الفيزياء ، حيث تتحدّد بالقوة كنشاط يعدّل حركة أو سلوك جسمٍ ما ، فكل قوة تعارضها قوة أخرى تقاومها أو تلغيها ، والقوة هنا كوسيلة ضرورية للتأثير الفعّال تختلفُ عن القمع الذي يحوّلها إلى عنف . إن مفهوم القوة لا يقتصر في آليات تطبيقه على المدرسة كنظام داخلي فحسب حين يعدّل العلاقات التقليدية الجامدة فيها لتسود علاقاتُ التفاعل الإيجابي بين الطلبة والمدرسين والإدارة ، بل يتعدّى ذلك ليعني انخراطَ المدرسة في الهموم السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع ككل ، فتسهم المدرسة العربية مثلاً في عملية تحرير الإرادة العربية لمواجهة التحدّي الصهيوني الأمريكي ، وتعزّز الإيمانَ بضرورة المستقبل التوحدوي العربي لمواجهة واقع التجزئة القطري . من هنا تأتي أهمية تطبيق مبدأ العدالة التعليمية ، وتمكين الفقراء والمهمّشين من الاستمرار في التعليم ، كما تنبع أهمية تبنّي نهج الإبداع كبؤرة مركزية للتعليم ؛ لأنه السبيل الوحيد لتحرير طاقات المتعلم ، بحيث تكون الحرية القيمةَ الضرورية لنموّه ، بل إن تعلّم الحرية وممارستها يغدو جزءاً من اكتساب المعرفة لديه .
إن التحديث التربوي لن يتحقق في ظل ثبات سياسات إعداد المعلم ، ولذا علينا التحول في سياسات إعداده من مفهوم المعلم الملقّن إلى مفهوم المعلم الميسِّر والموجِّه ، وكما يقول (جان بياجيه) : ما لم يتمّ إعداد المعلمين بالطريقة الملائمة فلن تُجدينا أحسنُ البرامج ، ولن تنفعنا أجملُ النظريات ؛ لأن المعلمين هم القادرون على إصلاح التعليم . مقطع القول : إن غاية التربية في ظلّ التحديث أن تسمح لكل فرد من أبناء المجتمع بتحقيق ذاته في إطار ثقافة ذات نزعة إنسانية . إن الصلة بما هو إنساني تجعل التربية أكثرَ من عملية تدريب مجردة لتكون عملية إنضاج مستمر . إ [b] | |
|
--- الطائر الفينيقي --- عضو بلاتيني
عدد الرسائل : 2838 تاريخ التسجيل : 23/08/2008
| |