غوغل.. الهارب دائماً إلى الأمام!
لا يغادر غوغل معركة تحد حتى يلج أخرى، لكن قدر هذا العملاق البحثي على الإنترنت هذه المرة، لا أن يخوض حرباً طويلة غير مضمونة النتائج فحسب، وإنما أن يلاقيه على الطرف الآخر محاربون من ذلك الطراز الذي لا تنفع معهم الأنفاس القصيرة.
المعركة الجديدة التي لم تبدأ على الأرض بعد، أكملت حشودها على الجانبين، لكنها هذه المرة ستكون معركة «فكي كماشة» ستجرح محرك البحث الأشهر عالميا – بلا ريب- في موضع ما، وبقدر ما.
فمع حصول «مايكروسوفت»، عملاق البرمجيات العالمي، و«ياهو» المحرك الشهير على الشبكة، على موافقة الجهات الرقابية في كل من الولايات المتحدة وأوروبا للمضي في اتفاق شراكة لتطوير تقنياتهما في مجال البحث، تكون الشركتان الأميركيتان قد كشفتا عن نفسيهما باعتبارهما زندي الكماشة التي تنتظر «غوغل» بعد عامين يتطلبهما تنفيذ صفقة مشتركة تنطوي على تحويل محرك بحث «ياهو» إلى محرك «بينغ» الخاص بـ«مايكروسوفت».
الجنين الذي يتوقع تمخضه عن هذا الزواج المصيري بين محركي البحث، سيولد يافعا، فـ «ياهو» ذات التاريخ الطويل المدفوعة بشبح تراجع أسهمها جراء الفشل في تجديد اتفاقات إدماج أداتها البحثية في أجهزة الكمبيوتر، ستتلاقى مع «بينغ-مايكروسوفت» الذي ما فتئ يسجل ارتفاعا مطردا في شعبيته ضمن سوق البحث الأميركية، وسط جهود حثيثة لا توفرها الشركة الأم نحو دعمه بالميزات الجديدة منذ انطلاقه في تموز الماضي... بينما على «غوغل» أن يلاقي الاثنين معا.
على الطرف الآخر، لا تبدو معركة «بينع- مايكروسوفت» و«ياهو» سهلة، فبمجرد الاطلاع على ترتيب المواقع العالمية الأكثر استخداما، يتضح بجلاء الحضور الطاغي لأذرعة «غوغل» المحلية ضمن المراتب العشرين الأولى، بينما يستحوذ «ياهو» على المرتبة الرابعة، و«بينغ» على الثانية والعشرين.
لكن المعركة في بنيتها أكثر مصيرية بالنسبة لـ«غوغل»، عنها لدى مايكروسوفت التي ستخوض القتال على إحدى جبهاتها المهمة لكن ليست المصيرية، حيث سيبقى عمقها الإستراتيجي مستنداً إلى كونها عملاقاً للبرمجيات في العالم، بمعنى أن «غوغل» ستدخل الحرب بكل ما تملك على عكس مايكروسوفت التي ستخوضها بإحدى أذرعها.
طبيعة المعركة ومصيريتها بالنسبة لـ«غوغل» ستدفعها –كما عودتنا دائما- إلى محاولة الهروب إلى الأمام، وهذه إستراتيجية متوقعة لطالما مارستها «غوغل»، ولطالما وضعتها أمام أعداء جدد في كل مرة مارستها.
في الواقع، لم تنتظر «غوغل» كثيرا حتى أثبتت كلاسيكية طريقتها في خوض الحرب، فبعد أن داست على طرف كل من «آبل» في قطاع الهواتف الذكية، ومايكروسوفت في نظم التشغيل، وشركات الملاحة في منتجاتها المجانية لتحديد المواقع، ها هي قاب قوسين أو أدنى من تهديد مصالح عمالقة الاتصال التقليدي «سكايب، ايه تي اند تي، فيريزون كوميونيكيشنز» بإعلانها عن أنها ستسمح لمستخدمي خدمتها البريدية «جي ميل» بالاتصال بالهواتف المنزلية والهواتف النقالة مباشرة، بعد أن حافظت لوقت طويل على ضبط الفتيل مع هؤلاء عبر قصر خدماتها الهاتفية من جهاز كمبيوتر إلى جهاز آخر والدردشة عبر الفيديو.
بهذه الطريقة فقط، استطاعت «غوغل» الاحتفاظ لنفسها بلقب «المحارب الهارب أبدا إلى الأمام»، بينما لا يتضح ما إذا كان ذلك الهروب ناجماً عن شجاعة خارقة، أم إنه لا يتعدى اندفاعا قهريا يتغذى من جهل بمعادلة تفاهمات «الجنتلمان» التي يسجل لها وحدها الفضل في ضبط المصالح المتبادلة بين عمالقة الشركات.