حرية الاختيار في الشيعية الإسماعيلية

حرية الاختيار في الشيعية الإسماعيلية

فرهاد دفتري وفقير م .هونزي. "الإرادة الحرة". في الموسوعة الإيرانية، المجلد 10، تحقيق إيشان يارشاتر، بييولوسيكا بيرسيكا بريس، نيويورك ، ص 202-205.

موجز

إن الآراء المختلفة حول حرية الأفعال الإنسانية مأخوذة من أقوال الإمام جعفر الصادق. لقد استنبطت المدارس الفكرية للمعتزلة والجحمية والإثنى عشرية آرائها حول الإرادة الحرة تبعاً لاعتقاداتها المتنوعة في الجبر، أو التفويز من أقوال الإمام جعفر الصادق. بينما أخذت الإسماعيلية الموقع الوسط بين الجبر المقيد والقدر المخير، وتؤكد على حاجة الإنسان الدائمة للهداية الإلهية.

في الشيعية الإسماعيلية

إن التضاد بين القدرية والإرادة الحرة كان دائماً جدلاً لاهوتياً مهماً تضمن نفحات سياسية في المجتمع الإسلامي خلال فترة الحكم الأموي. أما بالنسبة للإسماعيليين فقد تبنوا حلاً وسطاً في هذه المجادلات وقبلوا بالقضايا ذات الصلة بعقائدهم اللاهوتية. فمن ناحية، اعتنقت مجموعة من المدارس والحركات الإسلامية الاعتقاد القدري الذي سمي في البداية بالجبرية، معتقدين بأن أفعال الإنسان بالإضافة إلى الخير والشر أتت من قضاء الله وقدره. ومن ناحية أخرى، كان هناك أولئك الذين سموا بالقدرية من قبل معارضيهم الذين ربطوا بين حرية الإرادة الإنسانية ومسؤولية الإنسان الأخلاقية بأفعاله. لقد اعتمد كلاً من الجبرية والقدرية على آيات من القرآن الكريم لتدعيم آرائهما. وبحلول فترة الحكم العباسي، تبنى المعتزلة اعتقادات القدرية في إرادة الإنسان الحرة، وقالوا بأن الإنسان يستطيع أن يؤسس حقائق الدين بالاعتماد على العقل دون الحاجة إلى الهداية الإلهية. وبمعنى آخر قالوا بان الإله أظهر في الوحي الإسلامي الطريق الصحيح للمؤمنين للحصول على الخلاص والجنة كمكافأة لهم. ثم ترك حرية الاختيار للإنسان ليقرر فيما إذا أراد خيراً أو شراً. فمصير الإنسان يعتمد بشكل أساسي عليه ككائن حر وعقلاني.

ولكن وبشكل نهائي، رفض أغلبية السلفيين السنة الذين يمثلون الاتجاه السائد في الفكر الإسلامي القدرية وتبنوا شكل القدرية كما قدمتها الأشعرية.

إن النظرية الإسماعيلية الكلاسيكية في هذا الجدل اللاهوتي تعود إلى القرن الرابع / العاشر، أي الفترة الفاطمية المبكرة من التاريخ الإسماعيلي. وأقدم دليل على ذلك الموقف الوسطي يمكن أن يوجد في الأعمال المتعددة الباقية للداعي أبي يعقوب السجستاني ( انظر وولكر 1993، الصفحات 42-107) . بالإضافة إلى الآراء الوسطية المتشابهة في رفض كل من الجبرية والقدرية التي عرضها القاضي الفاطمي الأسبق، النعمان (المجالس ، الصفحات 82- 377) والداعي حميد الدين الكرماني( الورقات 52-151) والتي توّجت في كتابات ناصر خسرو( توفي بعد عام 465/ 1072). لقد استخدم هؤلاء المؤلفون الإسماعيليون إرثهم الشيعي الإمامي، وخاصة مذهب الإمامة الذي وضح حاجة البشرية الدائمة للهداية الإلهية في جميع المسائل الروحانية. حقاً، لقد كانت القاعدة الأساسية للشيعة الإماميين الأوائل بأن الإله يقدر مجرى الأحداث في أي وقت ولكن دون القضاء بها وبذلك لم يخلق الإنسان مؤمناً أو كافراً دون مسؤولية صنع قراراته.

فالموقف الإمامي نفسه، الذي يمثل الموقف الوسطي بين الجبرية والقدرية مشهود له بحديث منقول عن الإمام جعفر الصادق (ت . 148- 765) فيما يتعلق بالتضاد بين الإرادة الحرة والقدر، يقول الإمام: لا الجبر ولا القدر ولكن أمر بين أمرين. انظر الكليني، الصفحات 60- 159) . ويشير ناصر خسرو إلى هذا الحديث موضحاً موقفه الوسطي في هذا الجدال (1998، نص ، صفحات ، 74-75، ترجمة الصفحات 14-113).

لقد وضح المؤلفون والدعاة الإسماعيليون من العهد الفاطمي بشكل أكبر الآراء الإمامية المبكرة في الجدل حول أنظمة الفكر الغيبية المعقدة قائلين بأن مواقف كلاً من الجبرية والقدرية ترجع إلى سوء فهم القرآن بشكل صحيح، أي الحقائق الروحية الثابتة للدين. ومن خلال تأكيدهم على الفرق الأساسي بين الظاهر والباطن فقد تمكنوا من القول منذ البداية بأن حقائق الدين مخفية في الباطن وتفوق محدودية العقل البشري . وكنتيجة لذلك، فإن الإنسان لا يستطيع بمفرده وقدراته الخاصة أن يحيط بهذه الحقائق وأن يختار الطريق الصحيح للخلاص بشكل عقلاني حتى لو مُنح هبة العقل وكان حراً في اتخاذ قراراته. وتبعاً للاهوت الشيعي الإسماعيلي فإن معرفة الحقائق الدينية متاحة فقط لتلك السلطات الدينية المعصومة، أولئك الراسخون في العلم. إنهم وحدهم يستطيعون أن يفهموا بحق المعنى الحقيقي للقرآن والأوامر والتحريمات للقانون المقدس للإسلام (الشريعة) وأن يعملوا كمعلمين هادين ويستنبطوا من التأويل الرسالة الصحيحة للوحي الإسلامي. (القاضي النعمان، الدعائم، الصفحات 22-24، الكرماني الورقات. 134، 144-145. المؤيد في الدين الشيرازي، الصفحات 276، 453، 453، ناصر خسرو، وجه الدين، الصفحات 11-14 ، وولكر 1996، الصفحات، 26-83، دوسمت الصفحات، 350-377).

وفي عهد الإسلام كانت الهداية الموثوقة في أمور الدين ستصدر عن الرسول الكريم ثم عن وصيه الإمام علي والأئمة من ذريته والمعترف بهم من قبل الإسماعيليين حتى نهاية الزمان. لقد سبق ناصر خسرو أسلافه من الإسماعيليين في البحث في هذه القضية اللاهوتية ( انظر أيضاً ديوانه ، الصفحات 21-22، جامع الحكمتين، الصفحات 44-135، زاد المسافرين، خاصة الصفحات 86- 430). إن جميع المؤلفين الإسماعيليين الرئيسيين من العصر الفاطمي قالوا بأن مصير الإنسان غير مقدر بمعنى أنه مسؤول في الاختيار بين الخير والشر. ولكنهم دحضوا أيضاً موقف القدرية من خلال إيمانهم بأن الإنسان غير قادر على صنع قراراته الصحيحة بشكل عقلاني للارتقاء في المراتب الروحية للخلاص باتجاه معرفة الله ومعرفة أصله في الكون لأنه تنقصه المعرفة المرجوة. لذلك يحتاج الإنسان في كل عصر أو دور إلى معلمين هادين صادقين، منصوص عليهم إلهياً ومحميين - وتمثلت هذه الهداية في النبي محمد وإمام الزمان الحق من بعده. ولكن في حالتها التقليدية، بقيت النظرة اللاهوتية الإسماعيلية بالضرورة إلهامية أكثر من مجرد عقلانية، على الرغم من تعزيز البحث الذاتي عن المعرفة وأهمية البحث الفلسفي من قبل العديد من اللاهوتيين الإسماعيليين المتعلمين.

إن عجز العقل البشري عن معرفة الله والحاجة الدائمة إلى معلم صادق أعاد صياغتها حسن الصباح ضمن أحكام مبادئ التعليم أو التعليم الهادي والتي قدمت الأساس لكل تعاليم النزاريين الإسماعيليين في فترة آلموت والفترات اللاحقة.

كما عبّر نصير الدين الطوسي عن آراء مشابهة كانت تشير دائماً إلى الحل الوسطي في سيرته الروحية، السير والسلوك، (نص، الصفحات 4-5، 17-19، ترجمة، الصفحات 27-29، 47-50) والتي كتبها عندما كان في مجتمعات القلاع النزارية الإسماعيلية في إيران.

اقتباس :

ن جميع المؤلفين الإسماعيليين الرئيسيين من العصر الفاطمي قالوا بأن مصير الإنسان غير مقدر بمعنى أنه مسؤول في الاختيار بين الخير والشر. ولكنهم دحضوا أيضاً موقف القدرية من خلال إيمانهم بأن الإنسان غير قادر على صنع قراراته الصحيحة بشكل عقلاني للارتقاء في المراتب الروحية للخلاص باتجاه معرفة الله ومعرفة أصله في الكون لأنه تنقصه المعرفة المرجوة. لذلك يحتاج الإنسان في كل عصر أو دور إلى معلمين هادين صادقين، منصوص عليهم إلهياً ومحميين - وتمثلت هذه الهداية في النبي محمد وإمام الزمان الحق من بعده. ولكن في حالتها التقليدية، بقيت النظرة اللاهوتية الإسماعيلية بالضرورة إلهامية أكثر من مجرد عقلانية، على الرغم من تعزيز البحث الذاتي عن المعرفة وأهمية البحث الفلسفي من قبل العديد من اللاهوتيين الإسماعيليين المتعلمين.

نعم لابد من البحث الذاتي وأجمل اللقا تلك التي تجدها في رياض الهداية الإمامية المباركة
ويا علي مدد

باركك الله اخي مهند