باحثون من معهد الدراسات الإسماعيلية (IIS) يشاركون في مؤتمر عالمي للدراسات الشرق أوسطية
شارك عدد من الباحثين العاملين في معهد الدراسات الإسماعيلية (IIS) في المؤتمر العالمي الثالث للدراسات الشرق أوسطية (WOCMES), المنعقد في برشلونة في الفترة من ١٩- ٢٤ تموز ٢٠١٠. وكانت جامعة برشلونة المستقلة Universitat Autònoma de Barcelona. قد استضافت مؤتمر هذا العام. كما جرى إقامة معرض مصاحب للمؤتمر عرضت فيه مطبوعات معهد الدراسات الإسماعيلية.
وساهم عدد من باحثي معهد الدراسات الإسماعيلية بأوراق قُدمت إلى هيئة مختصة أدارها الدكتور جلال بدخشاني حول عصر ألموت: تطورات جديدة في دراسة التاريخ الإسماعيلي. وتعتبر فترة ألموت من أكثر الفترات أهمية في التاريخ الإسماعيلي، حيث غلّفتها سابقاً الخرافات والأساطير. وقدّم المؤتمرون ملخصات لمصادر أولية جديدة تتناول التاريخ الإسماعيلي وعلوم الدين والفلسفة التي كانت قد ظهرت مؤخراً ضمن مجموعات خاصة متنوعة. كما ناقشوا أدلة آثارية جديدة أيضاً تمَّ جمعها نتيجة الحفريات المتواصلة في قلعة ألموت.
ترأس الدكتور فرهاد دفتري هيئة المشاركين من معهد الدراسات الإسماعيلية التي ضمت كلاً من الدكتور بدخشاني، الذي قدم ورقة بعنوان حسن محمود كاتب وأشعاره في القيامة ( ديوان قيامة)؛ والدكتورة ناديا إيبو- جمال التي قدمت ورقة بعنوان استمرارية التقليد الإسماعيلي النزاري في فارس بعد سنة ١٢٥٦ – إعادة نظر؛ والدكتور فاروق ميثا , الذي تحدث حول مقاربات البحث الغربي لتعامل الغزالي مع الإسماعيليين: تواصل التحامل بوسائل أخرى؛ والسيد داريوش محمدبور الذي تحدث حول عين القضاة الهمداني والإسماعيليين.
وصفت الدكتورة إيبو- جمال في ورقتها كيف شكّلت سنة ١٢٥٦ خطاً تقسيمياً في تاريخ الإسماعيليين النزاريين في إيران. فكانت غارات جيوش هولاكو خان داخل أراضيهم، واستسلام الحصون في قوهستان ورودبار وجيردكوه، والاستيلاء على أبراج القوة الإسماعيلية في ألموت، واستسلام إمامهم ركن الدين خورشاه ووفاته اللاحقة، كانت كلها بداية لطور جديد في حياة الجماعة. وأصبحت حكايات التدمير والمذابح والقضاء المبرم على الإسماعيليين هي السائدة في معظم مواد المصادر حتى الزمن الحاضر. غير أن الدراسات الأخيرة في الجوانب الاجتماعية- السياسية والدينية والاقتصادية لتاريخ المغول أظهرت مسيرة هولاكو خان عبر الأراضي الفارسية وكأنها مسيرة ترميم وبناء لا مسيرة تدمير، ومسيرة إقامة وسكن لا مسيرة صراع. لذلك، يصبح من الواجب، في ضوء هذه الدراسات، إعادة النظر فيما جرى للإسماعيليين بعد إخضاع ألموت. وقدمت هذه الورقة كذلك إعادة تقييمٍ لكيفية سلوك الإسماعيليين في مسيرة حياتهم في إيران خلال القسم المبكر من الحكم المغولي. كما أعادت تفحّص أعمال الشاعر الفارسي والداعي نزاري قوهستاني، ولا سيما كتابه سفر نامه في محاولة لتشكيل صورة جماعة واصلت بقاءها على الرغم من الظروف السياسية والاجتماعية- الاقتصادية العدائية.
أما ورقة الدكتور فاروق ميثا فقد لخصت التوتر المشحون عقائدياً الذي ميّز البحث غير الإسلامي في مواقف الغزالي تجاه الإسماعيليين. وكان هذا التوتر قد أعقب دراسة غولدزيهر سنة ١٩١٦ لكتابات الغزالي المنحازة ضد الإسماعيليين. وقام الدكتور ميثا بمعاينة الجذور التاريخية والتصورات المفترضة لهذه المعارضة التي ساهمت بالنتيجة في استمرار السياسات المنحازة لمشروع الغزالي من خلال إما دعم مقولات الغزالي ( إغناز غولدزيهر وبرنارد لويس) أو الدفاع عن الإسماعيليين ( مارشال هدجسون وهنري كوربان ). وتستحضر هذه الحالة للأمور إلى النور طرائق أصبح فيها حتى البحث غير الإسلامي في تاريخ المسلمين الديني متشابكاً في بناء معياري من الرشدية والإلحاد في الإسلام. وتقصّت الورقة أيضاً التحديات التي استتبعت التمييز بين البحث الملتزم مقابل غير الملتزم في الدراسات الإسلامية.
وتقصّى داريوش محمدبور في ورقته الارتباطات القائمة بين عين القضاة الهمداني (١٠٩٩- ١١٣١) والإسماعيليين المعاصرين له، وهي الارتباطات التي لم تحظَ إلا بقليل من البحث حتى الآن. وتركّز الورقة على معاينة للرسالة رقم ٧٥ من كتابه مكتوبات، الذي عالج فيه الهمداني مبدأ التعليم للإمام وحاول تقديم قراءة مختلفة لهذه العقيدة الإسماعيلية النزارية المميزة بمصطلحات متفرّدة بالكلية. وتضمنت هذه الرسالة اقتباسات من قصيدة مشهورة للشاعر- الفيلسوف الإسماعيلي ناصر خسرو، لكن المؤلف لا يقرُّ بفضل الشاعر، الأمر الذي يرجح الافتراض بأنه كان على علم بالمشكلات التي تنجم عن الارتباط أو الاقتران بالإسماعيليين. وفي هذه الرسالة، انتقد عين القضاة بالتفصيل نقض الغزالي المتحامل لعقيدة الإسماعيليين في التعليم. وتوضح ورقة داريوش محمدبور كيف أن مقاربة الغزالي لعقائد الإسماعيليين هي ذات انحياز قوي بطبيعتها بينما يمكن اعتبار تقييم عين القضاة كتقييم معرفي لهذه العقيدة.
ومن المشاركين الآخرين من مجموعة معهد الدراسات الإسماعيلية الدكتور عمر علي- دو- أونثاغا, الذي قدم ورقة بعنوان إحراق الكتب العمومي في بغداد في القرن الثاني عشر: الصراع من أجل الرشدية وسوء مصير رسائل إخوان الصفاء؛ والدكتور ستيفن بيرج , الذي شارك بحديث حول السيوطي ومصادره.
ركّزت ورقة الدكتور علي- دو- أونثاغا على عدد من الحالات التي جرى فيها إحراق رسائل إخوان الصفاء بطريقة احتفالية علناً في بغداد في القرن الثاني عشر، وكذلك في السنوات ١٠٠٠ (في ظل السلطان السلجوقي بركياروق والخليفة المستظهر) و١٠٦٠ (في ظل المستنجد ووزيره الحنبلي عون الدين بن هبيرة) و١٠٩٢ (في ظل الخليفة الناصر ووزيره الحنبلي ابن يونس بدعم من ابن الجوزي). وأوردت الورقة وصفاً لاحتفالات الإحراق المهيبة التي نُظِّمت بهذه المناسبات. كما وضعت الورقة أيضاً عملية إحراق الرسائل في إطارها الديني والسياسي الأشمل، بما في ذلك ثورات النزاريين المتمركزين في ألموت في العام ١٠٩٠، ومسيرة الاحتلال الصليبي منذ سنة ١٠٩٩، إضافة إلى تضعضع السلاجقة والاستقلال المتزايد للخلفاء العباسيين عنهم منذ العام ١١١٧.
أما الدكتور بيرج فقد نظَّم جلسة مناقشة استكشفت استخدام المصادر في أجناس مختلفة من الأدب العربي، وهي تحديداً الصوفية والشعر والكتابات التاريخية والتفاسير. وقدم ورقة تفحّصت استخدام المصادر من قبل جلال الدين السيوطي في كتابه الدر المنثور في تفسير بالمأثور. وهدفت الورقة إلى فهم كيفية مقاربة السيوطي لمصنفات الحديث، واستكشاف ما إذا كان السيوطي قد " حابى " مصادراً بعينها، وكيفية تنوع ذلك ضمن النص. ومن خلال معاينة نوعية المصادر التي استخدمها السيوطي، يمكن تحقيق فهم أشمل للكيفية التي صنّف بها ذلك العدد الهائل من المجموعات والطريقة التي تمّت بها ممارسة البحث في الفترة المتأخرة من عهد السلطنة المملوكية.
إن المؤتمر العالمي للدراسات الشرق أوسطية (WOCMES) هو من تنظيم المعهد الأوربي للبحر الأبيض المتوسط (IEMed)، ويسعى إلى مخاطبة وتقصّي وتبادل المعلومات حول حالة الأدب والفنون في الدراسات الشرق أوسطية في أوسع معانيها. وفي هذا العام، جمع المؤتمر العالمي للدراسات الشرق أوسطية أكثر من ٢٧٠٠ باحثاً في الشرق الأوسط وشمال إفريقية والدول المسلمة لآسية الوسطى من أجل تبادل الأفكار وبناء وتقوية شبكات العمل الإقليمية لتحقيق مزيد من البحث في هذا المجال.