سعادة الحاكم العام،
أصحاب السعادة،
المشاركون في المؤتمر
سيداتي وسادتي:
أشكر سعادتكم لدعوتكم إياي كي أعرض بعض الأفكار في الجلسة الختامية من مؤتمر القيادة والتنوع.وفي هذه المناسبة أيضا أود أن أشكر سعادتكم و حكومة كندا للترحيب واللطف والاحترام الذي قدمته لي.
خلال محاضر جلسات المؤتمر ،كان لديكم حظ جيد ،للاستماع لأناس ذوي مقامات عالية و معرفة واسعة من كندا ومن الخارج. لذلك فإنني أنشد اهتمامكم وكرمكم بينما أنا أتحدث إليكم بكثير من التواضع و بخشية ليست قليلة.
لم أرضَ اليوم أن أتحدث عن الكنديين وعن كندا ،لأنكم قد أتممتم للتو عددا كبيرا من الزيارات لأجزاء مختلفة من بلدكم المحبوب ، وككنديين فإنكم تعرفون عنه أكثر بكثير مما أعرفه أنا ، حيث شعر أن من الممكن أن أساهم بشيء قيم في مناقشاتكم وتأملاتكم اليوم وذلك بخصوص كندا والعالم النامي.
إنه لسرور وشرف أن أخاطب قادة كندا الشباب الذين يمثلون مسارات مختلفة من الحياة الوطنية, إضافة إلى تنوعها الاجتماعي والثقافي والإقليمي، وإنني بشكل خاص, سعيد في هذه المناسبة لأنكم كنتم تستكشفون معاً جانباً هاماً من دَور القيادة :كيف يمكن للقيادة السياسية والمدنية أن تساعد على المحافظة على الأخلاق والتمسك الفعال في الحياة العامة التي قد أقامتها كندا بنجاح كبير، والمبنية على أخلاقية احترام الكرامة الإنسانية، إن هذا التماسك يدرك الاختلاف ويبني عليه، ويفعّل روحاً من التسوية والإجماع في السياسات العامة والتشريعية، ويرسم خطوطاً تحدد مساحة صحية لدور
المجتمع المدني كحصن متين، بل وأساسي، بالنسبة للعملية الديمقراطية.
لدى كندا تجربة في الحكم يبقى معظم العالم في حاجة ماسة جدا لها. إنه عالم ذو خلاف ونزاع متزايدين يساهم فيه بشكل كبير إخفاق المجموعات العرقية أو القبلية أو الدينية أو الاجتماعية في
بحثها عن مساحة عامة للتعايش المتآلف واتفاقها على ذلك.
إن هذا الوضع من النـزاع وعدم الاستقرار يشكل مخاطرة شديدة بالنسبة للعلاقات المستقبلية بين
العالم الصناعي والعالم النامي. إن الحرب الباردة الثنائية الأقطاب والمؤدية إلى الشلل, والتي أثرت على ملايين الناس في العالم النامي قد زالت. إن القضية الجديدة التي تتطلب اهتمام المجتمع العالمي هي الحاجة إلى خلق دول مستقرة ذات اقتصاد متماسك ذاتياً, وأشكال حكم مستقرة وشاملة .
إن معظم اهتمام العالم منصب دوريا على الظاهرة المسماة "الدول الفاشلة". ولكن أحد التهديدات العالمية التي تواجهنا اليوم، بغض النظر عن الحرب النووية أو الإيدز، الشاغلة للبال أكثر من غيرها ليست الدول الفاشلة .إنه إخفاق الديمقراطية. إن الصورة العالمية في بداية القرن 21 هي قصة الديمقراطيات الفاشلة في العالم الإسلامي، وفي أمريكة اللاتينية وفي أوروبة الشرقية وفي جنوب الصحراء الأفريقية.
توجد حقيقة مروعة اليوم وهي أن أربعين بالمئة تقريبا من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ذات
ديمقراطيات فاشلة. ولذلك فإن المخاطرة الأعظم بالنسبة للغرب نفسه ولقيمه تكمن في تراكم الديمقراطيات الفاشلة. وذلك بدوره سوف يسبب تيارات عميقة من التوتر بين المجتمعات, هذا إن لم يكن صراعاً بينها. إنه أمر أساسي، لمصلحة الغرب بخاصة، أن يقر لنفسه أن الديمقراطية يمكن أن تكون هشة كأي شكل آخر من الحكم البشري.
إنه أمر أساسي أن يطرح السؤال، في كل موقف وطني وضمن أي مجتمع: "إذا كانت الديمقراطية مخفقة، فلماذا الأمر هو كذلك ؟" إن كل مسعى يجب أن يبذل ليساعد على تصحيح الوضع، بدلاً من الإشارة المتكبرة إلى الدول الفاشلة. وحسب معلوماتي ، فإن الديمقراطية يمكن أن تفشل في أي مكان, وأي زمان، وفي أي مجتمع - كما حدث في عدد من الحالات المعروفة جيداً والموثوق بها جيداً في أوروبة منذ عهد قريب لا يتجاوز الخمسين عاما .لأن من البديهي في أوروبة وفي سائر أنحاء العالم، أن لا ينتج مجرد وجود الأحزاب السياسية والانتخابات حكومات مستقرة أو قيادات كفؤة.
توجد ثلاثة مفاهيم تبدو لي أساسية لخلق ديمقراطية تساعد على الاستقرار وتقويه في سائر أنحاء العالم، بما في ذلك شعوب أفريقية وآسية الذين عملت معهم في الماضي. وهذه المفاهيم هي الكفاءة والجدارة، والتعددية, والمجتمع المدني. وبشكل خاص، سأسأل ما هو الدور الذي يمكن أن تقوم به كندا، مستفيدة من نبوغها الوطني في خلق أو إغناء هذه الأسس العظيمة للديمقراطية في العالم النامي؟
إن بيانا حديثا للأمم المتحدة حول الديمقراطية و يشمل 18 بلداً من أمريكة اللاتينية يعيد الإلحاح على فضائل الديمقراطية في تقدم التنمية البشرية، ولكنه يحذر أيضاً أن الدخل الراكد للفرد والتفاوت المتزايد في الوصول إلى الحقوق المدنية وكذلك إلى الدخل، جميعها تولد شكا وضجرا وقلاقل أهلية. وهكذا فإن التقرير يؤكد مفهوما أساسيا ستعرفونه بديهياً, وبينته تجربتي في العمل في العالم النامي, عقداً إثر عقد؛ إن الاهتمام الأساسي واليومي للناس في كل مكان هو نوعية حياتهم، والتي هي مرتبطة بشكل وثيق بمجموعة قيمهم. وعندما يلتفت التقريرإلى الحلول، فإنه يعترف بحقيقة هامة: "توجد علاقة هامة بين المواطنة و منظمات المجتمع المدني، والتي هي ذات دورٍ أساسي في تعزيز الديمقراطية، وفي إشراف الحكومة وفي تطوير التعددية."
إن اهتمامي بهذه المواضيع من التنمية والحكم ينبع من دوري كقائدٍ وراثي روحي - إمام – للجماعة الشيعية الإسماعيلية المسلمة. فالإسماعيليون متنوعـون جداً ثـقـافـياً، حيث يـنـتـشـرون عبر العالم كأقليات غالباً, في أكثر من خمس وعشرين بلداً، في آسية الجنوبية والوسطى، وفي الشرق الأوسط وفي جنوب الصحراء الأفريقية. و في العقود الحديثة أسسوا أيضاً حضوراً هاماً في كندا والولايات المتحدة الأمريكية أوروبة الغربية. ومنذ استلامي لهذه المهمـة باعتباري الإمام التاسع والأربعين في عام 1957، فقد أخذت أهتم بتطوير الإسماعيليين والمجتمعات الأوسع التي يعيشون فيها. إن اهتمامات الإمامة بالتنمية توجهها الأخلاقيات الإسلامية، التي تربط الدين بالمجتمع.و على هذا المبدأ أسست شبكة الآغاخان للتنمية، وهذه الشبكة من الوكالات قد أخذت تنشط طويلاً في العديد من المناطق في آسية وأفريقية لتحسين نوعية الحياة للجميع الذين يعيشون هناك. وهذه المناطق هي أوطان لبعض أفقر السكان وأكثرهم تنوعا في العالم.
إن حضورنا الطويل في الميدان يعطينا الرؤية التي تؤكد أن التقييم المفصل الذي قامت به الأمم المتحدة في أمريكة اللاتينية، بأن الديمقراطية لا يمكن أن تعمل بشكل معقول بدون شرطين أساسين.
الأول, هو مجتمع صحي مدني. إنه حصن أساسي يزود المواطنين بقنوات متعددة يمارسون من خلالها بفعالية كلاً من حقوقهم وواجباتهم في المواطنة. وحتى لو كان على مستوى بسيط جداً، فإن المجتمع المدني القوي وحده هو من يستطيع أن يؤمن للسكان الريفيين المعزولين وللفقراء الحضريين المهمشين إمكانية معقولة من المعاملة الإنسانية, والأمان الشخصي، والعدالة، وغياب التمييز العنصري، واغتنام الفرص.
والشرط الثاني هو التعددية. والتعددية تعني أن أناسا من خلفيات واهتمامات متنوعة، يجتمعون في منظمات ذات نماذج وأهداف متـنوعة، لأجل أنواع وأشكال مختلفة من التعبير الخلاق، فالتعددية قيّمة وتستحق دعم الحكومات والمجتمع ككل.
إن رفض التعددية سائد عبر العالم ويؤدي دوراً هاماً في توليد نزاعات هدامة. وهناك أمثلة عن ذلك منتشرة عبر خريطة العالم: في آسية، والشرق الأوسط، وفي أفريقية، وفي أوروبة، وفي الأمريكيتين. ولم تنج قارة من مآسي الموت، ومن التعاسة ومن اضطهاد الأقليات. هل هذه الأوضاع ذات الخطورة العالية متوقعة؟ إذا كان الجواب ’نعم‘،فما الذي يمكن فعله بخصوصها، لتطويق المخاطرة بان يصبح رفض التعددية الشـرارة التي ستـشعل النـزاع البشري؟ أليست مسؤولية القيادات، في جميع أنحاء العالم، أن تبني قاعدة معلومات حول هذه الأوضاع وتفكر في استراتيجيات لمنعها؟ لأنني أعتقد بعمق أن ضميرنا الجماعي يجب أن يقبل أن التعددية ليست أقل أهمية من حقوق الإنسان و ذلك لضمان إحلال السلام والديمقراطية الناجحة ونوعية حياة أفضل.
إنني متفائل بأن بأنه يمكن القيام بالكثير من العمل البنّاء، وسأذكر مثالا واحدا –فقط مثالاً واحداً من منظور أربعين عاما من تجربة وكالات شبكة الآغاخان للتنمية –وحيث أن التنمية الحريصة والمتأنية لمؤسسات المجتمع المدني قد ساعدت على خلق المقدرة لتنظيم التعددية وتشريعها.
في شمال باكستان، والذي كان ذات يوم من أفقر المناطق على الأرض بدأت تعمل شبكتنا لأكثر من 20 عاما مع CIDA وكالة التنمية الكندية العالمية كشريك أساسي معنا. إن جماعات ريفية معزولة ومهملة ،من خلفيات عرقية و دينية مختلفة – شيعة وسنة وغير مسلمة – قد جاهدت لترفع مستوى المعيشة الشحيح, فتزرع ملكيات صغيرة في بيئة قاسية من هذه الصحراء الجبلية. وغالبا ما كانت العلاقات بين هذه الجماعات عدائية. وكان التحدي بالنسبة للشبكة هو خلق عملية تنموية مستمرة وشاملة تستطيع أن تتشارك فيها معا جماعات متنوعة وأن تسعى لإيجاد حلول مشتركة للمشاكل العامة.
ولتلخيص عقدين من العمل في شمال باكستان، فإنه قد تم تأسيس أكثر من 3,900 منظمة قروية، تشمل مجموعات ذات تمثيل واسع ومعالجات معينة في مجالات كمساعدة النساء، واستخدام المياه والادخار والتسليف .إن نوعية حياة 1,3 مليون نسمة يعيشون في بيئة ريفية، ويمثلون الأكثرية من سكان آسية وأفريقية، قـد تحسنت بشكل ملحوظ. وقد ازداد دخل الفرد بمعدل 300% , والادخار قد ارتفع، وتمَّ تحسن ملحوظ في تعليم الذكور والإناث، وفي الصحة الأساسية، والمأوى, والنظافة والوعي الثقافي. وقد تحاور الخصوم السابقون وعملوا معا من أجل خلق برامج وأنظمة اجتماعية جديدة في شمال باكستان وحديثا في طاجكستان. وقد حلَ الإجماع حول الأمل بالمستـقـبل محل النـزاع الذي توّلد عن اليأس وعن ذكريات الماضي.
إن هذه التجربة الصغيرة مع الديمقراطية الغضة، ومع المجتمع المدني والتعددية قد أبرزت لكل من اشترك فيها الأهمية الكبيرة للكفاءة والتقدم من خلال الجدارة. وفي صميم مفهوم الجدارة توجد فكرة المساواة في الحصول على الفرص. إن المواطنين الذين يملكون إمكانيات،أيا كان المجتمع الذي ينتمون إليه, سيدركون مدى إمكانياتهم فقط إذا كان لديهم سبيل إلى التعليم الجيد والصحة الجيدة وإمكانيات للتقدم من خلال المشاريع. وبدون هذه المعادلة، لا يمكن للجدارة أن تتطور.
إن المجتمع الآمن و المتعدد يتطلب جماعات مثقفة وواثقة بكل من هويتها وعمق تقاليدها الخاصة, وتقاليد جيرانها. يجب أن تكون الدول الديمقراطية مثـقـفـة إذا أرادت أن تعبر عن نفسها بكفاءة, وعلى ناخبيها الوصول إلى آراء مدروسة حول القضايا الكبرى التي هي موضع رهان. وقد تكون أعظم عثرة في وجه التعددية والديمقراطية ،بالرغم من ذلك ،هي الثغرات الموجودة في ثقافة السكان المعنيين.
يوجد شاهد مثير وهو التخمينات غير الواعية حول الصراع بـين العالم الإسلامي والآخرين. إن الصراع، هذا إذا كان هناك مثل هذا التصادم الحضاري الواسع، إنه ليس تصادم ثقافات وإنما صراع وجهل. كم من القادة حتى في الغرب، سواء أكانو في السياسة أو الإعلام أو في المهن الأخرى التي تصوغ الرأي العام بطرقها الخاصة، يتطور إدراكهم إلى أن السبب التاريخي المتجذر للصراع في الشرق الأوسط كان نتيجة للحرب العالمية الأولى؟ أو أن المأساة الكشميرية هي تركة استعمارية لم يتم حلها، وأن كليها ليس له علاقة بالدين الإسلامي؟ إلى أي مدى يدرك الرأي العام أن اتنشار المقاتلين في أفغانستان بالنيابة عن كلا الطرفين في الحرب الباردة, هو عامل رئيسي للكوارث المأساوية في تاريخها الحديث؟ إن هذه القضايا ،التي تمس الآن حياة جميع مواطني العالم ،بكل بساطة لا تعالج على أي مستوى من التعليم العام في أكثرية البلدان الغربية.
إن مناهج العلوم الإنسانية في العديد من المؤسسات التربوية في الغرب قلما تبرز الفلاسفة والعلماء والفلكيين والكتاب المسلمين العظماء من العصر الكلاسيكي للإسلام، كابن سينا والفارابي والكندي وناصر خسرو والطوسي. إن هذا النقص في المعرفة والتقدير لحضارات العالم الإسلامي هو عامل رئيسي يلون الإعلام المقلوب، وذلك بالتركيز على النقاط السياسية الساخنة في العالم الإسلامي والإشارة إلى بعض المنظمات على أنها إرهابية وإسلامية أولا, والتلميح فقط، هذا إن حصل، إلى أصولها الوطنية أو أهدافها السياسية.
لا عجب أن الصورة المرعبة للإسلام كصخرة متماسكة وصلبة، شديد الخصومة لقيم الغرب، أو أسوأ من ذلك، كمنبت للعنف، هذه الصورة تكمن خلف تصويره على أنه معارض للتعددية و غير قادر عليها. وتبرز هذه الصورة مباشرة في وجه الاحترام الذي يمنحه كتاب الإسلام العزيز لأتباع الأديان التوحيدية، داعيا المسلمين للتعامل معهم بألطف أسلوب وبحكمة. إن التاريخ مفعم بالشواهد حيث كان المسلمون يودعون أغلى ممتلكاتهم، و حتى أفراد من أسرهم، في رعاية المسيحيين وإن رغبة المسلمين في التعلم من المعرفة اليهودية في مجالات الطب وفن الحكم ومجالات المعرفة الأخرى تـتـمثـل جيداً في المكانة الرفيعة التي نالها الباحثون اليهود في بلاط الأئمة – الخلفاء الفاطميين في مصر.
إن النزاهة الفكرية والمعرفة العظيمة ضروريتان, هذا إذا فهمت الأوضاع الحالية المتفجرة على أنها نزاعات موروثة أثارتها الاختلافات العرقية والديموغرافية، والجور الاقتصادي والأوضاع السياسية التي لم تحل – لا أن تفهم على أنها خاصة بالعالم الإسلامي –.يوجد مثال ممتاز لما هو مطلوب، لتوجيه المشاعر الوطنية وكذلك لتوجيه السياسة الخارجية في هذا الزمان المحفوف بالمخاطر هو التقرير الحديث للجّنة البرلمانية والذي يدعى باسم ’استكشاف علاقات كندا مع بلدان العالم الإسلامي‘. أتمنى لو كان لدينا وقت للتعليق على عدد من الملاحظات في التقرير، ولكن في جملتة الافتتاحية الأولى التي تبدأ بما يلي: ’إن التشابك والتنوع الفعالين للعالم الإسلامي .....، يضع التقرير نغمةً من التوازن والحكمة يلون مقترحاته. إنه يركز على التاريخ والتعليم والحاجة الماسة للتواصل و المعرفة العامة في ملاحظة أن: ’فهم التأثيرات الإسلامية على سياسات الحكومة والدولة، وعلى العلاقات الاجتماعية والاقتصادية، وعلى الأعراف الثقافية و على الحقوق الفردية والجماعية و ما شابهها، تذهب بالضرورة إلى أبعد من مسألة أطراف الأقلية العنيفة المتطرفة للنشاط الإسلامي.‘ إنني آمل بحرارة أن توجد الوسائل القادرة على بعث الحياة في الاقتراحات البناءة لهذا التقرير الراقي، حيث أن الحاجة عظيمة لمثل هذه الأصوات العقلانية.
إنه أمر ملح أن يكتسب الغرب فهما أفضل للعالم الإسلامي، الذي هو كما يلحظه التقرير ومجموعة فخمة متنوعة من الحضارات التي مازالت مستمرة في التطور، تلبية للتأثيرات الاجتماعية المتعددة: زراعية وريفية، اقتصادية وحضرية، علمية وفلسفية، أدبية وسياسية. وبالضبط مثل الديانات العظيمة الأخرى، فإن العالم الإسلامي لا يمكن فهمه من خلال عقيدته فقط، ولكن كصورة متكاملة تاريخها مرتبط بشكل وثيق مع تاريخ العالم اليهودي-المسيحي.
في هذا الوضع من صراع الجهل بين العالم الإسلامي والغرب، فإن مثال كندا في مدها الجسور هو الدعم الذي تقدمه CIDA وكالة التنمية الكندية وجامعة ماك ماستر لكلية التمريض في جامعة الآغاخان. ولم تقتصر هذه الشراكة على تغيير صورة التعليم التمريضي ومهنة التمريض في باكستان، وإنما لها أيضا تأثير هام في كينيا وتـنـزانيا وأوغندا وأفغانستان وسورية وذلك من خلال تقديم فرص مهنية جديدة ومحترمة للنساء في هذه البلدان.
إن كندا في موضع فريد تقريبا يؤهلها لتوسيع مجال اهتمامها بالعالم النامي و ذلك بالعرض الواسع لتجربتها في الحكم الإنساني لدعم التعددية، ولتنمية المجتمع المدني وأسس الجدارة و الكفاءة ليعمل بها. فعلى سبيل المثال، مؤسسات المجتمع المدني الأولية والناشئة وطنياً في البلدان النامية بحاجة إلى مساعدة خبيرة وذلك لتقوية مقدراتها في الإدارة وتخطيط البرامج وتنفيذها. وفي استجرار التمويل, وفي الدراسة الذاتية والتقويم. وتتطلب المساعدة في مجالات أخرى كتحديد المسؤولية والمعايير التي تقيس النجاح، وكذلك كيف يمكن تمويل قطاع ما مع المحافظة على استدامته. ويسعدني أن أشير إلى أن هذا هو الهدف المعلن لحكومتكم .يقول رئيس الوزراء بول مارتان في حديثه في مجلس العموم: ’إن إحدى الطرق المميزة التي تستطيع كندا من خلالها مساعدة البلدان النامية تكمن في تقديم الخبرات والتجربة الكندية في العدالة والفدرالية وفي الديمقراطية التعددية.‘
لقد أسست كندا، من خلال حياتها عبر تاريخها ومواجهتها للتحديات، مؤسسات قوية للمحافظة على ديمقراطيتها تشكل مجتمعكم المدني المتعدد المظاهر والمتين ركنه الأساسي .تقدم كندا للعالم مثالا لتشابك المجتمع المدني وبذلك يتعزز بالجدارة من كل شرائح شعبها. ولهذا السبب، فأنتم قادرون على تسخير أفضل ما لدى الجماعات المختلفة لأن مجتمعكم المدني ليس محدودا بلغة أو عرق أو دين معين .
إن هدفي ليس إحراجكم بصورة وردية زاهية جداً للموزاييك الكندي كما لو أنه خال من أي توتر. ولكنكم تملكون التجربة ،و الهيكلية المغروسة في الحكمة ،و الوسيلة الأخلاقية للمقدرة على الحصول على معالجة تحديات نسيجكم الاجتماعي والسياسي.
إن الإمامة الإسماعيلية تسعى إلى الإلحاح على أن يعيش الناس في بلدان يكون فيها الخطر على الديمقراطية في حده الأدنى، وتسعى للاستفادة من تجربة الديمقراطيات الراسخة، والتي لديها مجتمع مدني نابض بالحياة، والتي هي شديدة الإحساس تجاه الاختلافات الثقافية وفعالة في تحسين نوعية حياة مواطنيها. وإن كندا تشكل مثالاً ممتازاً لهكذا بلد. ولهذا السبب ،تؤسس شبكة الآغاخان للتنمية في أوتاوا ما سيعرف بمركز التعددية العالمي.
إن هذا المركز المدني و اللاطائفي سيتهم بالتعليم و البحث وسيدرس أيضا تجربة التعددية عمليا. وبالاستفادة من الخبرات الكندية، و العمل جنباً إلى جنب مع الحكومات والمؤسسات الأكاديمية والمجتمع المدني، سيسعى المركز إلى خلق بيئات تشريعية وسياسية ممكّنة. وسيكون تركيزه الخاص على تقوية المقدرة الوطنية بالنسبة للبحث والتحليل السياسي بخصوص التعددية، بينما يقدم أيضا تنمية تربوية ومهنية وبرامج توعية شعبية.
سيداتي وسادتي :
كما حاولت أن أبين ،توجد أسباب قوية وراء قدرة كندا على ممارسة قيادتها للعمل على حماية التعددية وإغنائها وضرورة أن تقوم بذلك. إننا نعيش في كوكب مزدحم مع موارد متناقصة، ومع ذلك فإننا نشترك في مصير عام. إن أي ضعف أو ألم في أي ركن لديه ميل سريع نوعا ما لينشر نفسه عبر العالم. إن عدم الاستقرار هو أمر معد! إنما كذالك فالأمل فيكم – أنتم يا قادة اليوم والغد – أن تحملوا شعلة ذلك الأمل وتساعدوا على تشارك هبة التعددية .
شكراً.