أوبتيكا (بصريات), بطليموس, رؤية, حنين بن إسحاق, الكندي, إقليدس, ابن الهيثم, علم الفلك, الحضارة الإسلامية, ابن سينا، نصير الدين الطوسي, إقحام, كتاب المناظير (علم البصريات), علم القياس.
إنّ البصريات, كنظام علمي يستكشف طبيعة ومسلك الرؤية والضوء, تعود أولى جذوره المنهجية إلى أطروحة إقليدس الأساسية البصريات (المتوفى 300 ق.م) والتي نظمها بطليموس مؤخراً تنظيماً هندسياً (المتوفى 165). ووفقاً لهذين الباحثين المتعددي الثقافة فإن الرؤية تنجم عن انبعاث أشعة الضوء الفعلية من العين، حيث تأخذ تلك الأشعة شكل مخروط ذروته مركز العين وقاعدته على سطح الأشياء المرئية. لقد أعادت هذه النظرية البصرية الاعتبار لوصف أفلاطون في روايته تيماوس حيث قيل أن الرؤية ترجع إلى نار الروح غير المستهلكة والتي تزود العين بضوء ينبعث في الهواء المحيط لتقابل المواد المضاءة. كما تمّ تأكيد هذه الصورة في تشريح جالينوس (المتوفى عام 200) للعين حيث قال إن الرؤية تحدث بسبب روح العين التي تمر عبر قنوات العصب البصري المضيئة وتشع على البيئة الخارجية كشعاع ضوء ينتقل بسرعة هائلة. كما أدلى هيرون الإسكندري (المتوفى عام 75) في عمله كاتوبتريكس (الانعكاس) بملاحظة مشابهة فيما يتعلق بسرعة الضوء. إن نظريات "الانبعاث" الرياضية تلك للرواية تناقض تعليلات "الانبعاث الداخلي" للبصر كالتي تطرّق لها أرسطو في كتابه دي أنيما (مسلك النفس) حيث قال مناقضاً بأن الإدراك البصري ينجم عن تقديم شكل الجسم المرئي بدون مادته للعين. ومع أن قنوات انتقال الأوبتيكا (البصريات) اليونانية لإقليدس كانت غير محددة فقد حُفظت النسخة العربية تحت عنوان كتاب إقليدس في اختلاف المناظير. أما بالنسبة لنص بطليموس فهو معروف من مصدره اليوناني في حين أن ترجمته العربية قد اقتبست من أجزاء الترجمات اللاتينية فقط. وربما تعود أوائل الأعمال عن البصريات في الإسلام إلى الدراسات "الجالينوسية" لحُنين بن اسحق ( المتوفى عام 873) وتفسيرات الكندي لأوبتيكا إقليدس, حيث تم الإبقاء على الأخيرة باللاتينية تحت عنوان دي اسبيكتيبوس (البصريات) وتوجيهها بتأملات فلسفية أكثر من الأبعاد الهندسية.
إنّ كتاب المناظير الهامّ ( البصريات: 1027) لابن الهيثم (المتوفى 1039) من أبرز الإنجازات في علم البصريات حيث قد تمت ترجمته أخيراً للاتينية دي اسبيكتيبوس (البصريات) عام (1270) وكان له تأثير هام على طي المنظور التقليدي في تاريخ العلوم في العصور الوسطى والفنون في عصر النهضة. ولقد عاش وعمل في ظل رعاية السلالة الحاكمة الفاطمية ومقرّها القاهرة. وكان باستطاعة ابن الهيثم من خلال جمع النتائج من القدماء التغلب على الخلاف الرئيسي بين علماء الرياضيات والفيزياء حول طبيعة الرؤية. ولقد نظّم ابن الهيثم رواية الانبعاث الداخلي للرؤية من خلال برهنة أن الرؤية تنجم عن دخول إشعاعات الضوء للعين بهيئة نموذج مخروطي افتراضي رافضاً الادعاء القائل بأنَ الرؤية تتم عن طريق انبعاث شعاع ضوء من العين.علاوة على ذلك فقد استكمل كتابه "البصريات" بـ(رسالة في الضوء) الذي درس تناثر إشعاع الضوء عند عبوره بطبقة شفافة بشكلٍ متوازٍ. كما جسّدت كتاباته حول البصريات استكشافات بصرية للانعكاسات على مرايا مسطحة وكروية واسطوانية ومخروطية وبشكل قطع مكافئ. كما أنه دمج دراسة العدسات والتكبير مع علم البصريات ونوّع من فرضياته النظرية والتجريبية بالاختبارات المنظمة والتركيبات التجريبية. ويشكل انكسار الضوء أيضاً موضوعاً رئيسياً في كتابه البصريات الذي ساعده على استكشافاته في علوم الفلك والأرصاد الجوية.
على الرغم من أن تقليده البصري كان قد دُرس ودُمج بشكل شامل ضمن الزخم الأوروبي اللاتيني العلمي لكنه وللأسف واجه فترة من المقاطعة الطويلة للانتقال داخل الحضارة الإسلامية في القرون الوسطى. وسُجلت مشاركة مماثلة في التحقيقات البصرية لابن سينا (الفيلسوف والفيزيائي الشهير المتوفى عام 1037) في مناصرته النقدية لنظرية أرسطو للرؤية التي صنّفت البصريات على أنها فرع من علم الفيزياء بدلاً من الرياضيات. ومع ذلك فقد قدّم ابن سينا تفسيراً بديلاً لظاهرة قوس قزح بما يخالف كلياً عمل أرسطو (الأرصاد الجوية).
وباتباعه تقليده, كتب الباحث وعالم الفلك الشيعي نصير الدين الطوسي (المتوفى عام 1274) تعليقاً على إقليدس في أوبتيكا لم يظهر فيه علامات إدراك للكتابات البصرية لابن الهيثم. بيد أن أكثر تقدّم ملحوظ في البصريات يُعزى بصدق إلى تنقيح المناظير لكمال الدين الفارسي( المتوفى عام 1320) الذي بنى على نتائج ابن الهيثم ونشرها. كما راجع كمال الدين تفسير الطبيعة وقوس قزح والهالة لابن الهيثم مستعيناً بكتابات ابن سينا. ولقد أثبت كمال الدين فرضيته مستخدماً البنى الهندسية لبيان كيف ينتج قوس القزح من انكسار الضوء الساقط على قطرات المطر عن طريق تمثيل هذه العملية بشكل تجريبي على مرور الضوء عبر وعاء كروي مملوء بالماء. وفي أعقاب هذا النهوض الأخير في البصريات الكلاسيكية فإن دراسة الرؤية في العالم الإسلامي لم تحرز أي تقدم أكثر من مجرد خلاصات للمصادر السابقة المتشابهة المحتوى.