مقدمة
كان أبو حنيفة النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيون التميمي، والذي يعرف باسم القاضي النعمان (المتوفى عام 363هـ /974م) ومؤلف كتاب ’افتتاح الدعوة ‘ من أبرز مؤسسي التشريع الفاطمي ومؤرخ رسمي لدى الفاطميين. لقد دخل في خدمة أول الخلفاء الفاطميين الإمام المهدي بالله (297-322هـ/909-934) في إفريقية (حالياً تونس وشرقي الجزائر)، وقام بخدمة الخلفاء الأئمة الأوائل في مناصب متنوعة لفترة تقارب الخمسين سنة حتى وفاته. لقد بلغ أوج حياته العملية في عهد الخليفة-الإمام المعز لدين الله (342-365هـ/953-975م) الذي بإشرافه المباشر قام بتاليف ’كتاب دعائم الإسلام‘ الذي يمثل ذروة ما قام به من جهد دام خمسين سنة في وضع التشريع القضائي الفاطمي، وقد عرف على أنه القواعد الفقهية للقضاء التشريعي للدولة الفاطمية، وما زال يعتبر واحداً من المصادر الأساسية للقانون الإسماعيلي عند بعض الطوائف المستعلية حتى يومنا هذا. وعندما انتقل الخليفة-الإمام المعز إلى مصر عام362هـ/973م ، إثر الفتح الفاطمي لتلك البلاد، رافقه النعمان واستمر بخدمة الإمام-الخليفة المعز حتى وفاته في القاهرة بنهاية شهر جمادى الآخرة عام363هـ/27 آذار 974م.
ويعتبر النعمان أيضاً مؤسس علم التاريخ الفاطمي. إن مؤلفه التاريخي الكبير ’افتتاح الدعوة ‘ الذي تمت كتابته في عهد الخليفة- الإمام المعز يعتبر أهم مصدر أولي يضم وصفاًً مفصّلاً عن تأسيس الحكم الفاطمي في شمال إفريقية. كما يروي عن المراحل المتتالية للدعوة الإسماعيلية: قيامها في اليمن تحت إدارة الداعي ابن حوشب، وتدريبه الأولي للداعي أبي عبد الله الشيعي، ومهمته بين قبيلة كتامة البربرية، وحملاته العسكرية، وسقوط دولة الأغالبة وظهور الخليفة الإمام المهدي في إفريقية. ويروي المؤلف هذه الأحداث مستخدماً مصادر تراجمية وأرشيفية عن نشأة الفاطميين في إفريقية. يخصص ’افتتاح الدعوة‘ بضعة صفحات للحديث عن هجرة الإمام المهدي إلى المغرب وأسره في سجلماسة. ويتتبع المؤلف بإيجاز التوقفات المتتالية في رحلة الإمام المهدي مما يسمح لنا بالتأكد من النص الإسماعيلي السابق ’ سيرة الحاجب جعفر‘حيث تبدو نسخته عن هجرة الإمام المهدي أكثر تفصيلاً. إن افتتاح الدعوة يحدد السياق التاريخي لهجرته ويوضح اختياره لهذا الموطن الجديد الذي تحدد بشكل خاص مع ارتفاع حظوظ أبي عبد الله.
يقدم كتاب الإفتتاح معلومات قيمة عن بعض الأمراء الأغالبة، وخاصة آخرهم ’ زيادة الله‘ الذي حكم من عام 290-296هـ/903-909، وكذلك عن بعض الشخصيات الهامة الذين مارسوا أنشطة عسكرية ومدنية في دولة الأغالبة، مكملاَ بذلك معلومات موجودة في مصادر أخرى. و أبرز ما فيه أنه يلقي الضوء على نشاط بعض الذين ناصروا أبا عبد الله والذين لعبوا دوراً رئيسياً في دعوته، والذين لم تحتفظ المصادر عنهم سوى بعض المعلومات السطحية. إنهم قبائل كتامة الذين اعتنقوا الدعوة منذ البداية وأصبحوا من أعمدة إدارتها.
وكتاب ’ الافتتاح‘ له نفس الأهمية من حيث التاريخ الإجتماعي والسياسي لإفريقية عند ظهور الفاطميين. فهو يتحدث بالتفصيل عن الأحوال التي كانت سائدة في كتامة حيث تأسست الدعوة. لقد كانت ديارهم في منطقة جبلية نائية كان فيها نفوذ الأغالبة عليهم إسمياً فقط. كانت كتامة تمثل عدة عشائر لم تكن تقر بأي سلطة لغير زعمائها. وقد وفرت حالتهم هذه أرضاً صالحة لدعوة أبي عبد الله. لكن أبو عبد الله لم يكن قادراً على حشد كتامة كلها إلى قضيته. فبينما قدمت له بعض العشائر الدعم الفوري، هب غيرهم بقيادة زعماء يشعرون بالغيرة على سلطتهم ضده. وحول هذه المرحلة المضطربة للدعوة بين بني كتامة يقدم ’الإفتتاح‘ تفاصيل عن صراعات أبي عبد الله ضد التحالف القبلي المعادي له والذي تحول بالنهاية إلى صالحه، مما سمح له أن يبسط سلطته على كتامة بأكملها، والتي أصبحت بعدها ذراعه الأيمن في حملاته العسكرية التي انتهت بتأسيس السيادة الفاطمية في شمال إفريقية.