مـوجـز
القرآن هو الكتاب الأساسي للمسلمين حول العالم. ومع ذلك، فإن الكثير من الأعمال الأدبية التي كتبت حول القرآن خلال العصر الحديث، وبصورة خاصة في لغات المسلمين الكبرى غير العربية ليست متوفرة بسهولة لدى الجمهور العريض. هذه خصوصاً حقيقة ثقافة المسلمين القرآنية في اندونيسيا. وقد كتب ونشر الكثير حول القرآن ومواضيع أخرى ذات صلة بالإسلام في إندونيسية باللغة الباهسية (اللغة الرسمية لأكثر من 12 بالمئة من سكان العالم المسلمين)، لكن القليل منها أمكنه أن يصل لقراء من غير الإندونيسيين.
هذا الكتاب يبحث في مواجهة هذه الفجوات بتوفير نموذج متاح للجمهور الناطق بالإنكليزية من خلال مقالات وموضوعات قرآنية لمفكرين من إندونيسية. المجلد يشدد على تنوّع الأصوات لكي يقدم "صورة خاطفة" للموضوعات المتعلقة بالقرآن في إندونيسيا اليوم. إن العديد من المقالات ليست بالضبط نماذج للتفسير التقليدي، بل إن هذه المقالات هي محاولات من قبل مؤلفين لزج القرآن بالحياة المعاصرة. فالبعض عالج قضايا نظرية بينما البعض الآخر بحث في مشكلات عملية. وبالنتيجة فإن هذه المجموعة تعكس الاهتمام والمقاربات لجيل جديد من الباحثين المسلمين الإندونيسيين. وتبقى المقالات جزءاً من الجهود الخلاقة بين المسلمين الإندونيسيين ليعرضوا أفكاراً جديدة ويؤكدوا أن الإسلام والقرآن متوافقان مع طموحات المسلمين الإندونيسيين اليوم.
مقاربات القرآن في إندونيسية هي بالطبع متصلة بتطور كل من إندونيسية والعالم الإسلامي في كل مكان، كمصر وشبه القارة الهندية. فقد اكتُشفت أفكار جديدة في تلك المناطق وأصبحت بسرعة متاحة في إندونيسية. بصورة خاصة في النصف الثاني من القرن العشرين. ومع ذلك، برغم التأثيرات والتغيرات الخارجية، فالسياقات الفكرية والسياسية والاجتماعية الخاصة بإندونيسية جهزت القاعدة الأساسية لتطوير طرق مبتكرة وحديثة للقرآن في الجزء اللاحق من القرن العشرين.
المقالات تقدم تنوعاً في اتجاهات الفكر الإسلامي في إندونيسية، من التقليدين وصولاً إلى المحدثين التوفيقيين والمحدثين الجدد. وتتضمن الموضوعات المدروسة تاريخ التفسير القرآني ومساهمات أركان التفسير القرآني أمثال –همكا- وقريش شهاب؛ والتأويل وإعادة صياغة الشريعة الإسلامية وقضايا كفاح المرآة لنيل حقوق متساوية؛ وحقوق الإنسان؛ والعلاقات ما بين الأديان؛ والاستخدام وعدم الاستخدام للرموز القرآنية.
في الفصل الأول من الكتاب، يضع البروفيسور الفخري أنطونيو جونز مشهداً لبقية الكتاب. فبالنسبة للعقود الأربعة الماضية، أسهم البروفيسور جونز بصورة كبيرة في فهم أدب التفسير لدى المجتمع الماليزي. ففي فصله هذا يقدم رؤية شاملة للأبحاث التفسيرية في إندونيسيا المعاصرة، التي تواكب تطور تقليد التفسير إلى وقتنا هذا مقدماً في كتابه سياقاً تاريخياً لأكثر النقاشات عمومية.
في الفصول الثلاثة اللاحقة يبحث الكتاب جوانب التفسير والترجمة في عمل ثلاثة مفكرين إندونيسيين مهمين ومثيرين للجدل في بعض الأحيان وهم (همكا وقريش شهاب وهـ. ب. ياسين). وفي الفصل السادس يتحدث توفيق عدنان أمل وسمسو ريزال بنجابين حول ندرة دراسات التفسير في إندونيسية ومحدودية الطرق التقليدية للتفسير. ثم يتحول الكتاب نحو استخدام القرآن في الحياة اليومية. وفي فصول كل من لوكيتو وماركوس ونصير ومود زاكير وعزرا يعالج المؤلفون بصورة مباشرة بعض القضايا الصعبة في إندونيسية اليوم، المتضمنة الإجهاض واستخدام الآيات القرآنية في السياسات المعاصرة. وفي الفصل الأخير، المرحوم نوركوليش مجيد (ت. 2005)، يبحث موضوع التعددية الدينية في ضوء القرآن، فمن وجهة نظره، على الجنس البشري أن يقترب من الله بإتباع الصراط المستقيم، إذ هو وفقاً للقرآن الطريق المشترك لكل الديانات النبوية. وبما أن الله هو الينبوع الوحيد الذي يسعى إليه كل المؤمنين جاهدين فلا ينبغي أن يكون هناك تعارض أو تمييز بين هؤلاء الذين يتبعون تقاليد دينية مختلفة، فكلهم بالأساس يجب أن يُعتَبَروا على الصراط المستقيم. هذه النظرة للتعددية الدينية، كما فسّره مجيد، تكتسب أرضية في إندونيسية لدى دوائر المحدثين الجدد، مع أنها مازالت تلاقي تحدياً من العديد من الباحثين التقليديين.
بالنتيجة فإن الكتاب هو بمثابة مجموعة من المقالات، بعضها يدل على إطلاع واسع أكثر من غيره، وتقصد إلى إظهار مجموعة المجالات التي يُدْرَس ويُفهم ويستكشف فيها القرآن في إندونيسية المعاصرة. وهناك عدد من القرّاء من بين الجيل الشاب الأحدث في إندونيسية المنفتحين على مثل تلك الكتابات. وهؤلاء بصفة خاصة من ذوي الفكر التحرري. هذا الجيل ولد في الأعوام 1970 – 1980، ويشمل الذين تأثروا بالمحدثين الجدد الأوائل أمثال نوركوليش مجيد، وهؤلاء كانوا باحثين بارزين تدربو في معهد الدولة للدراسات الإسلامية (IAIN) وحديثاً جداً ارتبط هؤلاء مع توجيه "الإسلام المتحرر". وإحدى القضايا ذات النقاشات الحامية في إندونيسية هي قدرة الإسلام على مواجهة التحديات المطروحة بوساطة الحداثة. فبافتراض أن أكثرية المؤيدين حماسة لقدرة الإسلام على إمكانية الحوار حول قضايا الحياة المعاصرة موجودة لدى الجيل الشاب من المسلمين الأكثر تحرراً وانفتاحاً، فالمتوقع هو أن المفكرين سيبقون بريئين في محاولاتهم ليظهروا هذه القدرة.
السبب الكامن لتلك المقاربات الخلاقة للقرآن في إندونيسية هو أنه، بالإضافة إلى الدرجة العالية من التسامح الديني في إندونيسية، فإن المثقفين غالباً ما كانوا أحراراً في تجربة الأفكار الخلاقة في ميدان التنافس الديني. والسبب الآخر قد يكون أنه برغم أن ثقافة المسلمين في أجزاء متعددة من إندونيسية الحديثة اليوم تعود لعدة قرون، فإن هذه الثقافة أقل تجذراً في التقليد المتواصل منها في أجزاء أخرى من العالم الإٍسلامي، وهذا يسمح بدرجة عالية للمرونة والسيولة في الثقافة، وبالقياس لذلك فالمرء بإمكانه أن يكون حراً بفهم القرآن بطريقة أكثر إبداعاً. وأيّاً كان السبب فدليل هذا الإبداع يمكن أن يوجد في مقالات هذا الكتاب، الذي سوف يسهم في فهم أعظم لبعض جوانب الفكر الإسلامي في الأمة الإسلامية الأكثر كثافة في العالم.