| السمو والتميز: المنهج الرمزي في الفكر المسلم الإسماعيلي | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
مهند أحمد اسماعيل مشرف عام
عدد الرسائل : 4437 العمر : 49 تاريخ التسجيل : 09/07/2008
| موضوع: السمو والتميز: المنهج الرمزي في الفكر المسلم الإسماعيلي السبت أكتوبر 23, 2010 6:33 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد يا الله يامحمد ياعلي السمو والتميز: المنهج الرمزي في الفكر المسلم الإسماعيلي
البروفسور عظيم ناجي نسخة محررة من المقال الذي نشر في الأصل في ’مجلة الله والخلق: ندوة عالمية‘ حررها ديفيد ب. بوريل وبرنارد مكغين، جامعة نوتردام، ١٩٩٠، الصفحات ٣٠٤- ٣١٥. | |
|
| |
مهند أحمد اسماعيل مشرف عام
عدد الرسائل : 4437 العمر : 49 تاريخ التسجيل : 09/07/2008
| موضوع: رد: السمو والتميز: المنهج الرمزي في الفكر المسلم الإسماعيلي السبت أكتوبر 23, 2010 6:33 am | |
| موجز تستكشف هذه المقالة كيف طور كتّاب المرحلة الفاطمية من التاريخ الإسماعيلي خلال القرنين العاشر والحادي عشر>١ منهجاً للبحث سعى للتوفيق بين فهم السمو والطبيعة الفريدة للخالق مجسدة في المفهوم القرآني عن التوحيد مع نظرة تعتبر الخلق من فعل الله وفي الوقت نفسه متميز عنه. عمل هذا المنهج المتوافق مع السياق العام بين بعض مدارس المسلمين الفكرية الأخرى على تطوير أدوات استيعاب وفهم عقلانية يمكن تطبيقها على تعابير من النصوص المقدسة. كانت المشكلات التي تعاملوا معها مشابهة لتلك التي واجهها فلاسفة وعلماء دين مسلمين آخرين وكذلك نظرائهم اليهود والمسيحيين في تطوير صيغ متنوعة مع الفلسفة وبالتحديد بصيغها الأفلاطونية والأرسطية والأفلاطونية الجديدة. أصبحت وسائل البحث التي وجدت بوجود التراث الفلسفي العريق مصدراً وموئلاً مساعداً للمسلمين الذين التزموا بالسياق الرشيد، اختاروها بمحض إرادتهم خلال بحثهم عن تفسير الحقائق التي اعتقدوا بتضمن الوحي الإلهي لها. مكّنت العملية الإنعكاسية التي ولدها التفاعل بين هذين الإثنين العديد من فرق المسلمين من التعبير عن المواقف المميزة تجاه العلاقة بين العقل والوحي وذلك أدى بدوره إلى أن يتم تحديدهم بعدة توجهات دينية لاهوتية قيد التطور. على الرغم من أنه مع مرور الزمن أدت عوامل تاريخية وعوامل أخرى لظهور أحد التوجهات كمسيطر، إلا أنه من المهم أن ننوه أنه خلال هذه الفترة والتي امتازت بوجود المناخ الفكري المشترك والقضايا المشتركة ووجود السياقات الفكرية التعددية قد مكن من وجود سياق التبادل والتشارك الشامل فيما بين المسلمين وكذلك بين المسلمين وأهل الكتاب والتراث الكلاسيكي. لقد مكن هذا ’التبادل‘ أيضاً من حدوث النقاش ضمن إطار لغوي متفق عليه والذي كيّف الأدوات الفكرية للسياق وأتى ليمثل نقطة انطلاق للتعبير عن ’مذهب‘ توحيد لله وتفسيره كما في حالة الإسماعيلين | |
|
| |
مهند أحمد اسماعيل مشرف عام
عدد الرسائل : 4437 العمر : 49 تاريخ التسجيل : 09/07/2008
| موضوع: رد: السمو والتميز: المنهج الرمزي في الفكر المسلم الإسماعيلي السبت أكتوبر 23, 2010 6:34 am | |
| وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم. (القرآن ٢٧: ٣٠).
ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمةً طيبةً كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.( القرآن ١٤: ٢٤- ٢٦). | |
|
| |
مهند أحمد اسماعيل مشرف عام
عدد الرسائل : 4437 العمر : 49 تاريخ التسجيل : 09/07/2008
| موضوع: رد: السمو والتميز: المنهج الرمزي في الفكر المسلم الإسماعيلي السبت أكتوبر 23, 2010 6:34 am | |
| فهم السمو: أدوات التفسير
إن التأويل هو من أدوات تفسيرالنصوص المقدسة المرتبطة خصوصاً بالفكر الشيعي والإسماعيلي. أتى هذا المصطلح القرآني الذي يعني حرفياً الرجوع إلى الأول أو البداية ليعطي المدلول عن الشكل للسياق التفسيري.
يستنتج جين بيبن في تحليل الأصل الإغريقي لكلمة ’hermeneuein‘ ( فسّر)، بأن
الإستخدام العام للكلمة الآن يعني التفسير وإن مؤولي العصر الحالي يستخدمون الكلمة كمرادف لكلمة ’تفسير‘. ومع ذلك فإن المعنى الأصلي لكلمة فسّر والكلمات الأخرى ذات الصلة. أو على أية حال فإن المعنى الرئيسي للكلمة وغيرها من الكلمات المرتبطة لايعني ذلك مطلقاً بل على العكس حيث تكاد تعني العكس تماماً، حيث يمكننا أن نعتبر التأويل بأنه حركة للتغلغل في مقصد النص أو الرسالة٣.
كما تبين من الكتابات الإسماعيلية فإن الغرض والهدف من التأويل هو الوصول للفهم الأصلي للنصوص المقدسة من خلال الذهاب إلى ما وراء المعنى الحرفي والشكلي للنص ولكن دون رفض شرعية أو صدق القراءة الرسمية والتأكيد على أن الأهمية المطلقة والإجمالية لأي نص يمكن أن يتم إدراكها من خلال تطبيق التأويل فقط. إن هذه التأويلات من وجهة نظرهم متممة للتفسير الذي يشرح المعنى الشكلي في الفكر المسلم ولا تعكس تناقضاً في رؤية النص المقدس. فهي تشهد على الإستخدام الإلهي للغة بطرق متعددة وخصوصاً كما وُضّح في المثال السابق من الآيات القرآنية المذكورة أعلاه من خلال استخدام ’’المثل‘‘ واللغة المجازية. وهكذا فإن السياق التأويلي في الفكر الإسماعيلي يوسع معنى النص المقدس، كفروع الشجرة التي تمتد في السماء، لتمييز الظاهر الذي يمجد الخالق، ولكنه أيضاً يسعى لإدراك الجذور، لإستعادة وكشف ما هو غير ظاهر.
يستعرض الفيلسوف الفاطمي حميد الدين الكرماني (المتوفي عام ١٠٢١) في كتاباته للرسالة الدرية وراحة العقل حوار مقارنة بين الخطاب واللغة لشرح مفهوم الله والتوحيد، حيث أن اللغات تنبثق من الكلمات التي تشكلت من حروف تمكن الكلمات من الدلالة على معاني محددة. ولكن الكلمات واللغات شرطية ونسبية. وحيث أن الله مطلق وليس نسبي، فإن اللغة بواقع طبيعتها لاتستطيع تعريفه بشكل غير مشروط، آخذة بعين الإعتبار مايجعل الله مختلفاً عن كل الأمور النسبية. وهكذا فإن اللغة بذاتها غير قادرة على وصف عظمة الله بطريقة مناسبة. ولكن اللغة هي البداية لأنها الأداة الأهم لتحديد وتوضيح إمكانية وماهية الله. يدفع بنا واقع بشريتنا وامتلاكنا للعقل لنتسائل عن العامل الذي يأتي منه الوجود (أو الإبداع). وهكذا عندما يتكلم الشخص عن الله فإنه ليس بالضرورة يشرح ماهية الله ولكن يؤكد بأن الله حقاً هو الخالق لكل الأشياء التي يستخدمها الإنسان لشرح خلق الله.
ووفقاً للكرماني فإن الصيغة اللغوية الأفضل لهذه المهمة هي اللغة المجازية. تمكن هذه اللغة التي تستخدم الإستعارة والتشبيه والرموز الشخص من إدراك الإختلافات وتمييز الفروقات من خلال طرق لا يسمح الإستخدام الحرفي للغة بها. ويمكن أيضاً أن تقود للبحث عن معاني جديدة وتطوير الأدوات الضرورية لتشخيص هذه المعاني الجديدة. يملك التأويل، والذي يفهم كعملية مجازية، القدرة على أن يربط المعاني بأصلها، إن ذلك لايعطي المعنى الجذري لكلمة تأويل فقط ولكن أيضاً يشرح الهدف الديني الذي من أجله استخدمت هذه العملية الرمزية كرحلة لفهم الله. يبدأ هذا الفهم بتأويل كلمات القرآن التي تشير إلى الله بأنه ’’المثل الأعلى‘‘ وهكذا يعطي الشرعية لإستخدام اللغة المجازية. خلال هذا المعنى تستخدم اللغة المجازية نظام خاص من الإشارات، والتي يُظهر التطبيق المناسب للتأويل معناها المطلق | |
|
| |
مهند أحمد اسماعيل مشرف عام
عدد الرسائل : 4437 العمر : 49 تاريخ التسجيل : 09/07/2008
| موضوع: رد: السمو والتميز: المنهج الرمزي في الفكر المسلم الإسماعيلي السبت أكتوبر 23, 2010 6:35 am | |
| التعبير عن السمو: الله ما وراء الوجود واللاوجود
إن التعبير عن ما أشار إليه ديفيد برل ’’بقواعد الألوهية‘‘٥ والتي هي ضمان تمييز الله عن العالم هو أيضاً نقطة الإنطلاق المشتركة للصياغة الإسماعيلية لمفهوم التأويل والمفهوم الإسلامي لله الواحد الأحد الذي لا شريك له.
كان أبو يعقوب السجستاني (المتوفي عام ٩٧١) أحد أسلاف الكرماني وربما أكثر علماء الدين الإسماعيليين شهرة. تمكننا كتاباته والتي اعتمدت على كتابات إسماعيلية سابقة من إدراك الموقف في سياق الحوار الأكبر في القرن العاشر بين علماء الدين المسلمين والفلاسفة. يدحض السجستاني ويستثني هؤلاء الذين هم خارج نطاق الدين التوحيدي كالمشركين بوحدانية الله وعبدة الأصنام، ثم يصنف الباقين إلى أولئك الذين ينسبون لله سمات ينسبها الله لنفسه في كتابه ولكن لا يرغبون بالتكهن عن هذه السمات بلا مبرر، وأولئك الذين يؤيدون بنقاشاتهم التكهنات ويرغبون بنفي سمات الطبيعة البشرية لله ولذلك يعتقدون بأن الله لا يمكن تحديده أو وصفه ولا تشخيصه ولا رؤيته وهو ليس بأي مكان. ويستنتج بأنه ليس ثمة أي من هذه المواقف يسمح للشخص بأداء العبادة الصحيحة المستحقة لله ولا تسمح هذه المواقف بالتعبير عن السمو بطريقة مناسبة. يقول السجستاني:
إن من يزيل خصائص وأسماء وصفات الخالق يقع في التجسيم المخفي، كذلك فإن من يصفه ويشخصه فإنه يقع في التجسيم الصريح. (السجستاني، المقاليد، ترجمه هونزاي، الصفحة ٦٩)
يسعى السجستاني لدحض أتباع المعتزلة والسمات الوصفية بشكل خاص حيث يناقش بأن الرجوع للسمات الأساسية من خلال تخليد الإزدواجية بين الماهية والسمات سيؤدي إلى تعدد السمات الأبدية. ويناقش أيضاً إلى حد أبعد بأن نفي الصفات المحددة (المعرفة، القوة، الحياة، الخ) لايمكن استمراريته حيث أن البشر لديهم جزء أيضاً من هذه السمات إذا تم إنكارها فإن هذا النفي غير مكتمل لأن الإنكار يأخذ في الإعتبار الميزات المادية للخلق (المخلوقات) وليس الكينونات الروحية (المبدعات). ويناقش بأنه إذا تبنى الشخص طريق النفي فإن هذا يجب أن يكون نفياً كاملاً وذلك بإنكار السمات المادية أو الروحية عن الله وذلك من خلال اعتباره ما وراء الوجود (ايس) واللاوجود (ليس).
يفترض السجستاني من خلال صياغة هذا المفهوم الشامل للتوحيد ثلاثة علاقات ممكنة بين الله وخلقه: يمكن أن يشبه الله خلقه بشكل كامل أو بشكل جزئي أو لايشبههم على الإطلاق. من أجل إثبات التميز الكلي الذي يدل عليه مفهوم التوحيد فإن العلاقة الثالثة مناسبة بشكل أكثر والتي تقتضي التميز المطلق أو الكلي عن كل أشكال الخلق . يقسم كل الكائنات مستنداً إلى الآية القرآنية ’’له الخلق والأمر‘‘(٧:٥٤) إلى (١) أولئك الذين يمكن تحديدهم بالزمان والمكان أي ’المخلوقات‘، (٢) أولئك الذين تم خلقهم أو إبداعهم من خلال فعل الأمر ’دفعة واحدة‘ والتي هي ماوراء الزمان والمكان وتدعى ’المبدعات‘. تمتلك الأولى السمات بينما الثانية هي ذاتية الوجود بشكل كلي. لذلك فإن التعبير عن السمو الحقيقي وإدراكه (التنزيه) يجب أن ينكر كلاً من:
لاوجود لتنزيه أكثر عظمة ونبلاً من ذلك الذي ننزه به مبدعنا (الخالق) بإستخدام هذه الكلمات والتي يعاكس فيها النفيان، ’النفي‘ و’نفي النفي‘، بعضهما البعض. (السجستاني، المقاليد، ترجمه هونزاي، الصفحة ٧٠)
وهكذا فإن النفي الأول ينأى بالله عن كل ما يمكن له امتلاك السمات. والثاني عن كل ماهو مجرد من السمات وهو حذر لتجنب اقتراح بأنه حتى ذلك الذي ليس له سمات محددة أو غير محددة هو الله. من خلال وصفه فإن الله ما وراء الإثنين، مقدماً الله على أنه لا يمكن على الإطلاق معرفته وأنه بدون أي صفات.
إن مفهوم التوحيد يقدم للمسلم مشكلتين بشكل مباشر: الأولى تتعلق بكيفية عبادة الشخص لله، والثانية إذا كان الله حقاً يسمو عن خلقه فكيف أتوا للوجود؟ إن ’’قواعد الألوهية‘‘ التي تأكد التميز والتفريق تؤدي بالفكر الإسماعيلي إلى ’’سلّم المعاني‘‘ والذي من خلاله يصبح السمو الظاهر من خلال الخلق معروفاً. | |
|
| |
مهند أحمد اسماعيل مشرف عام
عدد الرسائل : 4437 العمر : 49 تاريخ التسجيل : 09/07/2008
| موضوع: رد: السمو والتميز: المنهج الرمزي في الفكر المسلم الإسماعيلي السبت أكتوبر 23, 2010 6:36 am | |
| تجلي السمو: الخلق والمعرفة
من بين الإتهامات الأكثر خطورة تجاه عقيدة ’’الخلق‘‘، أي إعتبار الخالق سبباً رئيسياً للخلق من خلال فعل الخلق الخاص، أنها تفترض التعقيد المنظم من خلال الإله المعقد وهذا ما يسعى الإنسان لتفسيره. إنها العلاقة بين الخالق والمخلوق والتحول الذي يفرضه هذا من خلال حدث التغير بحد ذاته وهذا ما يشكل العقدة الفكرية الأعظم التي يتوجب على اللاهوت العقلاني أن يأخذ بها.
لقد ناقش البعض بأن علم اللاهوت الإسماعيلي وخاصة كما ظهر في أعمال السجستاني بأنه يدخل علم الكون التجلّي (مشابهاَ بذلك لبعض أوجه الفكرة الرواقية) في الإطار الأفلوطيني من أجل تشكيل خلق بديل. تتمثل نقطة البداية لهذا الخلق الجديد بعقيدة الإبداع (مستمدة من القرآن ٢:١١٧). بصيغته الفعلية فإنه يعني ’’النشوء الآني‘‘ ممثلاً كما وضح الراحل هنري كوربان ’’نشوء الخلق البدائي‘‘ ليشرح المفهوم في القرآن عن أمر الله اللامحدود(كن!). ولذلك فإن الإبداع ضمناً ليس فعل محدد من الخلق، ولكن الحالة الحوارية التي من خلالها يتم تأكيد العلاقة بين الله وخلقه- إنه يعبرعن عملية البداية ويعرض مرحلة تطور اللاهوت من ظهور التميز في الخلق. من خلال جعله الخلق ينبثق كنتيجة لعملية الإنشاء (الإبداع)، يأمل السجستاني في الإبقاء على تمييزه بين الله والخلق بجعل ’الأمر‘، والذي هو تعبير الله الأبدي لإرادته، نقطة نهاية المنشأ. وضمن هذا المعنى، يعلق كوربن مرة أخرى: ’’إن الفلسفة الإسماعيلية الأساسية ليست هي بميتافيزيقية الكون (الوجود) سواءً الحالي أو المستقبلي‘‘٦ ويمكن قول ذلك للتعبيرعن التمييز بين الله والخلق بشكل أكثر وضوحاً من فكرة الإنبثاقية المرتبطة بأفلوطين.
يسعى الكرماني لإقصاء وجهة النظر الإسماعيلية عن التوقعات الإنبثاقية، وكذلك يحاول حل مايعتبره غموضاً في صياغة السجستاني عن طريق المناقشة بأن عملية الإنبثاق ومصدرها لا يمكن أن تكون متباينة، بالمعنى الدقيق للكلمة. يستشهد بشكل مماثل بالضوء المنبثق من الشمس والصادر من المنبع الشمس ويشارك الجوهر الذي ينبثق منه، حيث أنه لا تختلف نقطة الإنبثاق عن مصدرها جوهر الشمس. ومن ثم فهي مرتبطة، وليست متطابقة، بكونها مجتمعة في الوجود، ولايمكن منطقياً تصور أحدها دون الآخر. لايمكن أن ترتبط هكذا علاقة تبادلية مع الله، إذا أنه من أجل أن نتصور أن الوجود منبثق عن الله فإن ذلك يقتضي التعدد في مصادره وهذا يشكل جوهره. ومن ثم فبالنسبة للكرماني، فإن الطريقة الوحيدة المطلقة التي يمكن من خلالها تمييز الخلق والتوحيد هي وضع تعريف أكثر وضوحاً لتلك الأشياء التي نشأت من خلال الإبداع، والتي يطلق عليها الوجود الأول أو العقل الأول. ويقول:
إنها لم تكن موجودة، ثم قدمت إلى حيز الوجود عن طريق الإبداع والإختراع، لا من شيء، ولا على أي شيء، ولا في شيء، ولابشيء، ولا لشيء، ولا مع أي شيء. (الكرماني، راحة العقل، ترجمه هونزاي، الصفحة ١٦٥)
مثل الرقم واحد، والذي يحتوي على جميع الأرقام الأخرى، والتي تعتمد عليه لوجودها. ومع ذلك، فهو مستقل ومنفصل عنها، وهذا هو المصدر وسبب كل التعددية. ومن أجل إقامة وحدانية العقل الأول، يشير الكرماني إلى ما قاله الحكماء القدماء:
منذ الوجود الأول، والذي هو السبب الأول، لاشي يأتي للوجود سوى وجود واحد... ولايحرك المحرك الأساسي إلا واحد، حتى ولو تحرك بواسطته الكثير. (الكرماني، راحة العقل، ترجمه هونزاي، الصفحة ١٦٦)
لقد استخدم الكرماني حجج القدماء لتأكيد وجهة نظره، ومع ذلك كان سريعاً لينأى بنفسه عن وجهة النظر التي تقول بأن جميع هذه الصفات يمكن تطبيقها على الله، لأجل ذلك سيقوض فكرته بالإصرار على تفوق الله المطلق. إلا أن هذه الصفات يمكن أن تنطبق فقط على العقل الأول، والذي في مخططه الآن يمثل المصدر الذي يجمع بطبيعته الوحدة والكثرة (جامع الوحدة والكثرة). وفي هذه المرحلة، السابقة للزمان والمكان، كانت الصفتان الأوليتان في العقل الأول، ولكنهما تشملان البعد المزدوج الذي يربط العقل الأول بالتوحيد، فضلاً عن الدور الذي يمكن من خلاله أن تتجلى قدرته الخَلقية. أما بالنسبة لله، فإن العقل الأول موجود لتقديسه.وهذا التقديس من قبل العقل الأول يعكس الجانب الأسمى لبعده المزدوج ويشكل تأكيداً لخلقه وتمييزه عن الله. ومن ناحية أخرى، يولد التقديس حالة من السعادة والهناء من خلاله، والتي تنتج العقول الفعلية والمحتملة، والتي بدورها تصبح الأسباب التي أدت إلى خلق العوالم المادية والروحية اللاحقة. يميز الكرماني في العقل الأول بين التعدد والتنوع.على الرغم من أن الأشكال داخل العقل يمكن أن يقال أنها متعددة، إلا أنها لا تملك حتى الآن هذا الجانب، نظراً لعدم وجود التنوع أو التمايز داخل العقل. يرمز القرآن للعقل الفعلي’’بالقلم‘‘، وللعقل المحتمل ’’باللوح‘‘ وهذه استعارات للشكل والمضمون على التتالي. يناقش السجستاني في محاولاته لحل المشكلة في تفسير القدرة المزدوجة للعقل الأول من حيث الشكل والتعددية بدعوته للتمييز بين مفهومي التعدد (الكثرة) والتنوع (التفاوت). وفيتوسيع نطاق المماثلة للقلم، والذي يحتوي على جميع الأشكال اللاحقة للتعبير في الكتابة- الحروف والكلمات والأسماء- قبل أن تظهر في هذا الشكل المتفاوت، يحاول أن يناقش أنها جميعها هي واحدة داخل القلم. وأيضاً، هذا التفرد لا يشبه أياً من الأشكال التي تظهرلاحقاً في الشكل المكتوب. وبالتالي، كل حرف، وقبل ظهوره، لا يمكن تمييزه عن بقية الحروف ’’الموجودة مسبقاً‘‘ داخل القلم. يوضح محمد علي باي بشكل مثير للإهتمام في تحليله للسجستاني في نظرية المعرفة حيث يجعل دور العقل مماثلاً لدور البذرة التي يتطورمنها الكون في شكليه الروحي والمادي. ويشير هذا التشبيه، المستمد من علم الأحياء، إلى وجود عملية تجلي العقل في المجال الطبيعي، ومشاركته في الزمن. تشير هذه النظرة عن الخلق إلى أن عملية الخلق والتطور تنطوي على مساهمة العقل بإعتباره المبدأ ’’الحيوي‘‘ في الكون متجلياً تدريجياً في الأشكال المادية والروحية. تسمى هذه العملية التي يحدث من خلالها الخلق ’بالإنبعاث‘.يوظف الكرماني، على سبيل المثال، اثنين من التشبيهات لتوضيح هذه العملية، أحدها من النظام الطبيعي، والآخر يتعلق بالعلاقات الإنسانية: انعكاس أشعة الشمس في المرآة ، واحمرار خدود الحبيب عند رؤية المحبوب. وهنا يقابل مفهوم الإنبعاث مفهوم الفيض. المثال الأول، صورة الشمس في مرآة أو بركة من الماء، هو مجرد تمثيل للأصل، وظهوره بهذا الشكل يمكّن من تقفي أثره إلى الأصل. تناسب هذه الرمزية الشعورالديني المركزي في تأكيد الإسلام على التمييز بين الله والخلق.’تتجلى‘ بقية العقول، واحد من الآخر، مؤديةً إلى خلق الفضاءات والنجوم، والعالم المادي، بما في ذلك البشر.
وبإختصار، فإنه يمكن القول أن عملية الخلق تتم على عدة مستويات. يمثل الإبداع المستوى الأولي، والإنبعاث المستوى الثانوي- أحدهما يتجاوزالتاريخ، والآخر يحييه.العوالم الروحية والمادية ليست متفرقة، حيث أن المادة والروح تتحد تحت جنس أعلى وفق الصياغة الإسماعيلية. ولذلك فهي تتطلب فئات لغوية ومنطقية مختلفة للتعريف، لأنها تمثل العناصر كلها، والفهم الحقيقي لله يجب أن يأخذ خلقهفي الإعتبار أيضاً. وإن هذا التركيب حاسم في كيفية ارتباط العقل البشري في النهاية بالخلق وكيف يصبح أخيراً أداةً لإختراق سر الله المجهول المتضمن في صياغة التوحيد عبر التاريخ.
عندما فسر المؤيد في الدين الشيرازي (المتوفي عام ١٠٧٧) الآية القرآنية ’’إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ‘‘ (٧:٥٤)٧، كان مهتماً بإظهار أن ’’الأيام‘‘ جاءت وبشكل مجازي للدورات الست الكبرى من النبوة، ويمثل كل منها رحلة إلى الله.وجودها في الوقت المناسب ليس وظيفة ذات أولوية أو أسبقية، ولكن بكل بساطة يتبع بعضها البعض الآخر، مثل الليل والنهار. يستفيد المؤمنون في كل من دورات النبوءة هذه من المعرفة التي تساعد في فهم التوحيد. هناك تصور لنوعين من النبوءة عند السجستاني، الروحية والمادية. الأولى مرتبطة بالعقل البشري، والثانية بتاريخ البشرية الوارد في الرسائل التي نقلت عن طريق الأنبياء المختلفين. جاء هؤلاء الرسل لتأكيد أن مايعرفه العقل البشري مسبقاً، وبقبول الناس للرسالة فإنهم يتحققون من صواب وصحة الرسل عبر التاريخ. بذلك فإن العقل الفعلي يتحقق من صحة ما يقدمه له العقل المحتمل.
على مستوى أعلى فلسفياً، بالنسبة للكرماني يتطلب فهم التوحيد أن يعرف المؤمنون أنه يجب أن يتم ’’تحليل‘‘ العقل الأول، وتجريده من الألوهية. يعكسالإبداع ومن ثم الإنبعاث القوس ’’النازل‘‘ من الدائرة، حيث أن أمر الله يخلق العقل الأول، الذي يتجلى بعد ذلك من خلال الموجودات المتعاقبة وصولاً إلى العقل البشري.يمكن النظر لعبادة المؤمنين على أنها القوس الصاعد، حيث أن كل وحدة تؤدي إلى العقل الأول هي مجردة من الألوهية حتى اكتمال العملية في الوصول إلى واحد في حد ذاته. نستشهد في هذا السياق الخاص بحديث للنبي محمد: ’’إن المؤمن هو الموحِد والله هوالموحَد‘‘-لأن المؤمن أو المؤمنة يجردون العقل الأول من الألوهية، والله، لأن الله خلق العقل الأول كرمز للواحد. فمن الممكن للعقل البشري أن يدرك هذا لأن الله يقدم المساعدة للعقل البشري من خلال رسله ’’المزدوجين‘‘، ممكناً إياهم من الوصول إلى أدوات رسمية في اللغة والطقوس الدينية، وكذلك تلك التي تعكس القدرة الروحية والفكرية للمعرفة.
بدأت هذه الدراسة بالتركيز على الطريقة الرمزية في التعبير كوسائل حاسمة لإدراك كلمة الله وخلقه.وربما يكون من المناسب أن تختتم الدراسة بسرد من القرآن وتفسيره في الكتابات الإسماعيلية.
تشكل قصة آدم القرآنية في الفكر الإسماعيلي بما تشمله من خلقه وسقوطه ثم ظهوره من جديد، ما سماه هنري كوربن ’’بالدراما في السماء‘‘. في القرآن الكريم، علم الله آدم ’’الأسماء كلها‘‘(القرآن ٢:٣١) وبقي في المملكة السماوية حتى قام بالعصيان الذي تسبب في هبوطه إلى الأرض. يُرجع تأويل هذه القصة آدم إلى الروح الإنسانية؛ أما المعرفة- ’’الأسماء‘‘- التي وهبت له فهي استنارة من العقول الأولية والثانوية. كان وضعه الإلهي نتيجة للنعيم المتولد من عبادته الصحيحة وإيمانه، وهذا دليل على إدراكه لمعنى التوحيد الحقيقي والذي وصل له من قبل العقلين الأعلى منه. يضفي السقوط عنصراً من الإنفصال بإتجاه العالم البدئي، حيث أن خطأ آدم يكمن في فشله بالثبات على إيمانه بأبدية الوجود الأولي للعقول التي سبقته. إن الرفض بالإعتراف بمكانتهما هو خرق لشهادة التوحيد الصحيحة.ويؤدي الإثم إلى تدني المكانة.وبالتالي فعليه حتى يستعيد مكانته السابقة أن يجتاز كل مراحل ’’السقوط‘‘ التي مر بها لإستعادة ’’الجنة‘‘. تغدو رحلة العودة متمثلة بجهد الإنسان في الوصول ’للتوحيد‘ من خلال التجرد المتتالي، وفي كل مستوى، عن العناصر التي يمكن أن تُنسب بطريق الخطأ إلى المبدأ المذكور أعلاه. إنه بالعودة إلى البداية فإن آدم، والذي يمثل هنا البشرية جمعاء، يستعيد وضعه الأصلي.يغدو الكون أداة للتنقية و’’المسرح‘‘ الذي يجري ضمنه الكفاح. يشيركوربن إلى أن مشاعر الحنين والندم التي تشعر بها الروح تغدو عناصر تنشيط تمثل العودة إلى الماضي الفردوسي و’’التحول نحوه‘‘. يمثل الزمن بُعد الخلق الذي ظهر بعد تشكل الكون، وهو دوري الطبيعة ويمثل النموذج الأصلي للعالم البدئي الذي وجد فيه آدم لأول مرة.
أزيلت اللغة القريبة للشعرية في هذا التحليل التأويلي من لهجة الكتابات الأولية للسجستاني والكرماني، إنها تمثل الدور المحوري للعملية المجازية في اكتشاف ومنح احتمالات جديدة لإعادة صياغة المعاني الدينية. يقترح كوربننقلاً عن نصير الدين الطوسي (المتوفي عام ١٢٧٤)، الذي كتب خلال فترة ألموت من التاريخ الإسماعيلي:
يتوجب عدم الخلط بين القدوم لهذا العالم وبين الوجود المادي في عالم الوجود، فهو قبل كل شيء طريقة فهم هذا الوجود. فالقدوم لهذا العالم .... قد لايملك أي دلالة أو معنى سوى تحويل واقعه المجازي (المجاز) إلى واقعه الحقيقي (الحقيقة) | |
|
| |
مهند أحمد اسماعيل مشرف عام
عدد الرسائل : 4437 العمر : 49 تاريخ التسجيل : 09/07/2008
| موضوع: رد: السمو والتميز: المنهج الرمزي في الفكر المسلم الإسماعيلي السبت أكتوبر 23, 2010 6:41 am | |
| ملاحظة لم تحرر العديد من الكتابات الإسماعيلية عن العصر الفاطمي بعد، ولم يتم دراستها في سياق الدراسات الحديثة.ولكن بدأت الدراسات التي أجريت مؤخراً بجعل المزيد منها متاحاً لنا. بالنسبة للسجستاني والكرماني، تمت الإستعانة بشكل رئيسي بدراستين حديثتين: محمد علي باي، ’أبو يعقوب السجستاني و’’كتاب سلم النجاة‘‘ ‘: دراسة في الأفلاطونية الإسلامية الحديثة ( أطروحة دكتوراه، جامعة هارفارد، ١٩٨٣)؛ وكذلك ف. م. هونزاي، ’مفهوم التوحيد في فكر حميد الدين الكرماني‘ (أطروحة دكتوراه، جامعة ماكغيل، ١٩٨٦). وأطروحة أخرى لبول ووكر، ’أبو يعقوب السجستاني وتطورالإسماعيلية الأفلاطونية الحديثة‘. (أطروحة دكتوراه، جامعة شيكاغو، ١٩٧٤)- ولقد كان للعديد من مقالات المؤلف المستندة إلى الأطروحات فائدتها. يوجد إحصاء شامل للأدب الإسماعيلي في كتاب آي. ك. بونوالة، ’فهرس الأدب الإسماعيلي‘ (ماليبو: ناشرون أندريا، ١٩٧٧). لمعلومات عن الإسماعيلية، راجع كتاب دبليو. مادلونغ،’ ’’الإسماعيلية‘‘،موسوعة الدين‘، المجلد(٧) ؛ و عظيم نانجي،’ ’’الإسماعيلية‘‘ في روحانية الإسلام: المؤسسات‘، حرره إس. هـ. نصر (نيويورك: شركة النشر كروس رودس، ١٩٨٧)؛ و’المساهمات الإسماعيلية في الثقافة الإسلامية‘، حرره إس. هـ. نصر (طهران: ١٩٧٧). | |
|
| |
مهند أحمد اسماعيل مشرف عام
عدد الرسائل : 4437 العمر : 49 تاريخ التسجيل : 09/07/2008
| موضوع: رد: السمو والتميز: المنهج الرمزي في الفكر المسلم الإسماعيلي السبت أكتوبر 23, 2010 6:41 am | |
| المصدر معهد الدراسات الإسماعيلية تحياتي | |
|
| |
| السمو والتميز: المنهج الرمزي في الفكر المسلم الإسماعيلي | |
|