شاب في عمر الزهور.. في الثانية والعشرين من عمره ..
يعمل حداداً .. تعرّف على صاحب مخزن قرب محله .. شاب في مثل عمره .. أو أكبر قليلا ً .. تصادقا .. أخبره الجار عن حالة النشوة
والانشراح التي تصيبه عندما يتعاطى ربع غرام من الهيروئين .. ينسى تعبه وهمومه..
قدّم له جزءاً منها ليجربها ..
جربها .. فأعجبته ..
وهكذا .. بدأ يغرق في بحر له أول ماله آخر .. في بحر المخدرات والتعاطي ..
إلا أن ثمن الهيروئين الذي أدمن عليه كبير .. والكمية التي أصبح يحتاج إليها تجاوزت الربع غرام .. وأصبحت غراما يوميا .. والغرام ثمنه حوالي الألف ليرة سورية وأحيانا أكثر ..
وبدأ ثمن الهيروئين يثقل كاهله ..
وبدأت نتائج تعاطي الهيروئين تضرب أوصاله وتفكيره ..
عرض عليه الجار الصديق قائلاً:
ـ ما رأيك لو تسافر إلى لبنان وتشتري كمية من الهيروئين لي ولك , ونوفر مبلغاً لا بأس به من المال .. بدل شراء المادة من السوق هنا .. فهناك أرخص وأكثر ..
ـ ولكني لا أملك النقود اللازمة للشراء ..
ـ سأمدّك بها .. وأعطيك خمسين ألف ليرة سورية لشراء الكمية المطلوبة ..
ـ ولكنني لا أعرف لبنان .. ولا أعرف أين اتجه وممن اشتري؟؟
فسّهل له الجار الوفي الموضوع بأن كتب له عنوان التاجر واسمه / لقبه طبعا/ ورقم هاتفه .. وقال له : اذهب ..
وهكذا كان.. وتمت عملية الشراء وفق ما ذكره له جاره تماما في لبنان .. فاشترى الهيروئين ووضعه في جيب سترته الداخلي وركب باص العودة .. تجاوز الحدود ..
وعند مدخل حلب .. صعدت دورية من عناصر مكافحة المخدرات إلى الباص .. فسألت عنه .. وذكرت اسمه تحديداً .. توجهت إليه وفتشته .. فعثر العناصر على كيس الهيروئين في جيب /جاكيته/ الداخلي ..
وهناك ..
أدلى بأقواله الفورية .. أفاد فيها الحقيقة كاملة .. وكما ذكرها لي تماماً عندما زرته في سجن حلب المركزي .. وكرر إفادته الفورية أمام السيد قاضي التحقيق معترفا بما أسند إليه .. كذلك .. أمام السيد رئيس محكمة الجنايات بعد أن جرى اتهامه بجناية تهريب المخدرات وتعاطيها ..
تأثر رئيس المحكمة بالشاب الواقف أمامه .. بمنظره .. طوله .. عمره ..
كان ينظر إلى أوراق الاضبارة .. ويرفع عينيه إلى وجه الشاب الواقف أمامه .." لماذا يا بني ؟"
بهذه الكلمات بادره بها قبل أن يسأله عن أقواله ..
سكت الشاب .. ولم يتفوه بكلمة واحدة ..
أعاد السؤال عليه .." لماذا يا بني ؟" ماذا تقول بالجرم المسند اليك ؟"
الله يلعن الشيطان وأولاد الحرام .. هذا ما رّد به عليه .. مكررا أقواله أمام قاضي التحقيق .
صدر القرار بإدانته بجناية تهريب المخدرات وتعاطيها وبالاعتقال المؤقت لمدة عشرين عاما .. وكانت هذه هي عقوبة الجار الذي اتهم معه وحوكم معه أيضا .
طعنت بالحكم .. كذلك طعن المتهم الثاني .. الجار الوفي .
صدّق القرار بالنسبة لموكلي .. لاعترافه بالجرم في كافة مراحل التحقيق والمحاكمة ..
ونقض بالنسبة للجار .. حيث أوضح القرار الناقض أنه لم يضبط مع المتهم الثاني أية مادة .. كما أنه أنكر ما نسب إليه في كافة مراحل التحقيق والمحاكمة .. وتــّم اتهامه بناء على أقوال موكلي فقط.. ولأن الحيازة في جريمة تهريب المخدرات هي الركن الأساسي والجوهري في الجرم .. أعيدت الاضبارة إلى محكمة الجنايات لإتباع النقض ..
وأعلنت المحكمة براءة الجار مما أسند إليه ..
أحيانا ...يتدخل القدر في حياتنا ليقلبها رأساً على عقب ..
وأحياناً أخرى .. يكون الجهل سبب البلاء .. والفقر والجهل معاً سبب كل جريمة وسبب كل بلاء..