الموضوع نقلاً عن الانترنيت
أربع سنوات من عمري قضيتها في دراسة الفيزياء. أربع سنوات .. نقيس فيها الأطوال الموجية وكمية الاشعاع ونحل معادلات شرودنجر. أربع سنوات من طاعة الاساتذة و رهبة الدرجات . أن نضع السالب بدل الموجب في المعادلة الموجية ليشطب لنا الاستاذ درجة الامتحان كاملة.
بعد التخرج، وقد حملنا معنا شهادة البكالريوس، أسأل زميلاتي: ماذا نعرف عن الفيزياء وهل فهمنا منها شيئا؟
عندما أفتح كتاباً مثل كتاب
“موجز تاريخ الزمن” لستيفن هوكنج أو كتاب
“أحلام الفيزيائيين بالعثور على نظرية نهائية جامعة شاملة” لستيفن واينبرغ أو كتب
بول ديفيس، أتساءل: لو كان مدرسونا عرفوا الفيزياء كما كتبها هؤلاء بكل بساطة وخيال وذكاء، لو لم ندرس الفيزياء كأرقام جافة ومعادلات وحسابات روتينية، هل كنا تخرجنا علماء أو مدرسين قديرين؟
بمقارنة كتاب ستيفن هوكنج
“موجز تاريخ الزمن” بالأربع سنوات من دراسة الفيزياء، أرى أن ستيفن يرسم بكتابه لوحة غاية في الجمال متناسقة مفهومة كانت حلا للغز قطع مبعثرة من المعادلات والموضوعات التي لا تتصل ببعضها هي حصيلة سنوات الدراسة.
إن كتاب ستيفن هوكنغ الذي نشر لأول مرة عام 1987 يعد من أهم الكتب التي كتبت للقارئ العام و أصبح الكتاب الاكثر قراءة بعد الانجيل ومسرحيات شيكسبير.
في هذا الكتاب الذي يقدم له
كارل ساغان و هو عالم فضاء ومن اشهر الكتاب العلميين، يبدأ ستيفن هوكنغ في الفصل الاول
“العالم كما نراه” بتتبع تطور أفكار الفيزياء مرورا بنيوتن و النظرية النسبية و ميكانيكا الكم و اكتشاف ظاهرة توسع الكون.
ثم ومن الفصل الثاني يبدأ بتوضيح أهم الأفكار الثورية التي غيرت نظرة العلماء إلى العالم وغيرت مفاهيم الفيزياء. ففي فصل الزمان والمكان يتتبع تغير مفهوم المكان عندما أصبح نسبيا على يد نيوتن ثم أصبح الزمن نسبيا لدى آينشتاين. ثم يشرح كيف أصبح الزمكان شي متحرك و ديناميكي و يوضح أهم المفاهيم الثورية التي جائت بها النظرية النسبية.
أما فصل
الكون المتوسع، فيبين فيه تطور مفهوم العلماء للكون والفضاء وتطور الأرصاد الفلكية و اكتشاف ظاهرة توسع الكون التي تعني أن الفضاء ليس في حالة سكون ولكنه متحرك متوسع. و يبين بكل بساطة من أين جاءت فكرة الانفجار الأعظم.
ويأتي الفصل الرابع مخصصاً لمبدا الارتياب – اللا يقين – و ميكانيكا الكم و ماهي الافكار الثورية التي جاءت بها.
وأذكر أننا عندما درسنا ميكانيكا الكم ومبدأ اللايقين - المبدأ الذي يغير مفهومنا عن الحقيقة ويقضي بمبدأ الارتياب ووضع الاحداث في دائرة الاحتمال والامكان - درسنا هذا المبدأ بخوف لأنه يُخشى منه أن يؤثر على ثوابتنا وعقائدنا فتَحول إلى ثوابت وأرقام هي كل شغلنا في حل هذه المعادلات. ومع أنه يذكر عن أن آينشتاين أنه ظل رافضا لفكرة اللايقين بمقولته التي اشتهرت عنه أن الرب لا يلعب بالنرد، إلا أن الفيزياء الحديثة تقوم على هذا المبدأ وما الاختراعات والتقنية الحديثة إلا نتيجة لمبدأ اللايقين.
أما فصل
الجسيمات العنصرية وقوى الطبيعة فهو عن تطور مفهوم العلماء للذرة ومكوناتها و الجسيمات المتناهية الصغر و القوى الأربع التي تحملها الجسيمات حاملة القوى.
اما الفصل السادس و السابع فعن
الثقوب السوداء وهو مجال عمل ستيفن هوكنغ و فيه يشرح الثقوب السوداء باسلوب واضح و دقيق.
ويأتي بعده فصل اصل العالم ومصيره و يتكلم عن أفكار العلماء عن أصل الكون وما هو مستقبله والنظريات التي يضعها العلماء لتفسير أصل الكون.
ينتقل بعده الى فصل
سهم الزمن الذي يبين فيه أن قوانين الفيزياء لا تميز بين الماضي والمستقبل وأنه توجد ثلاثة أسهم زمنية هي سهم يتجه باتجاه الفوضى ويسمى الترمودينامي و السهم النفساني و هو الذي يجعلنا نتذكر الماضي لا المستقبل و السهم الكوني وهو الاتجاه الزمني للعالم في توسعه.
والفصل الأخير يتحدث عن توحيد الفيزياء و محاولة العلماء للوصول
لنظرية واحدة صالحة لتفسير كل ما يحدث في العالم . و يعرض نظرية
الأوتارالفائقة بكل سلالسة وهي النظرية التي يأمل العلماء ان يجدوا بها النظرية النهائية الموحدة في الفيزياء.
أما كلمة الختام فهي تحفة بحد ذاتها يمكن ان نأخذ منها هذه اللفتات:
في محاولة الاجابة عن هذه الاسئلة نتبنى بضعة تصورات للعالم. و على شاكلة تصور أنه برج من السلاحف لا ينتهي في اسفله و يحمل الأرض المنبسطة في قمته، تقدم نظرية الأوتار الفائقة صورة أخرى . إنهما كلتيهما نظريتان في شأن العالم، رغم أن الثانية أعقد في رياضياتها من الاولى و أكثر دقة . إن كلا منهما تفتقر إلى البراهين التجريبية . إذ لم يشاهد أحد قط السلحفاة التي تحمل الأرض على ظهرها ، كما لم يشاهد أحد أيضا وترا فائقا . لكن النظرية السلحفاتية فاشلة كنظرية علمية لانها تتنبأ بان الناس يمكن أن يعانوا سقوطا من حافة العالم ، وليس هذا متفق مع التجربة، رغم انه يمكن ان يتخذ مظهر تفسير لحوادث الاختفاء المزعومة في مثلث برمودا.
ويقول:
لكن العلم أصبح ،بعد حلول القرن التاسع عشر، تقنيا و رياضيا أكثر من اللازم بالنسبة للفلاسفة و لكل امرئ آخر ما عدا نخبة المختصين . وبذلك قلّص الفلاسفة دائرة اهتمامهم لدرجة ان قال فيهم أحد كبار الفلاسفة في عصرنا، ويتغنشتاين :”لم يعد للفلاسفة من ولع الا بتحليل اللغة “.
يا له من انحطاط بعد التقاليد الفلسفية من أرسطو إلى كانط !
ويختتم ستيفن هوكنغ كتابه بقوله:
إذا كشفنا نظرية مكتملة فستصبح ذات يوم مفهومة في خطوطها العامة لدى كل الناس، لا حكرا على العلميين. و عندئذ سنكون جميعا ـ من فلاسفة و علماء و حتى من رجال الشارع ، قادرين على الإسهام في مناقشة حول مسائل الكون و وجودنا. واذا وجدنا الاجوبة الصحيحة فسيكون نصرا ختاميا للعقل البشري.لماذا لا تكتب الكتب العلمية والأكاديمية بهذه البساطة وستيفن نفسه يأسف أن كتابه الأول كان معقدا بالنسبة للقارئ العادي.
يقول:
“لا أوصي بقراءة كتابي الراهن – موجز تاريخ الزمن – بالعودة إلى ذلك الكتاب – كتاب بنية الزمكان في المدى الواسع – للاستزادة من العلومات، لأنه كتاب عالي التقنية صعب الفهم، إلا أنني آمل أن أكون قد تعلمت منذئذ أن أكتب بلغة أيسر على الفهم.” ؟
لقد أصبحت كتب ستيفن هوكنج بدأ من كتابه موجز تاريخ الزمن و كتابه الثقوب السوداء وكتابه الكون في قشرة جوز كتبا محبوبة منتشرة لدى القراء بشريحتهم الكبرى رغم أنها تتكلم عن نظريات معقدة وجديدة، وليس ذلك فحسب، بل يرجع إليها المختصون كمصادر ذات ثقل في المحتوى.
ستيفن هوكنج هذا تم إخباره في مطلع العشرينات من عمره بإنه لن يعيش أكثر من سنتين وذلك لاصابته بشلل بسبب عاهة عصبية. وقد أصبح عاجزا عن الكلام بسبب التهاب رئوي، وأصبح لا يستطيع التفاهم والتواصل إلا من خلال أجهزة وحواسيب صممت لتكون على مقعده المتحرك. إن هذا العقل الجبار المحبوس في هذا الجسم المعاق يعتبر من أهم العلماء في الفيزياء الذين تكلموا عن نظريات نشأة الكون والانفجار الأعظم والثقوب السوداء وهو اليوم يشغل مقعد كرسي الرياضيات في جامعة كامبريج وهو المنصب الذي كان يشغله اسحق نيوتن.
يجوب ستيفن هوكنج العالم بكرسيه المتحرك وأجهزة التواصل ليتحدث ويحاضر عن آخر الأفكار والنظريات والمعادلات وهو شخصية مرحة وعقلية مرنة يعلن عن استعداده لتغيير أفكاره لمجرد أن يتضح له أنه كان يوما على خطأ.
إن من أكبر جرائم العلماء وكتاب العلوم أنهم لم يتعلموا طريقة الكتابة التي تصل بهم إلى القراء وربما كانوا لا يفهمون بدقة ما يكتبون وهذا يذكرنا بمقولة الفيزيائي ريتشارد فاينمن من أن عدد من يفهم فيزياء الكم في العالم قد لا يتجاوز أصابع اليد والواحدة.