أول من وضع علم النحو :
روى صاحب الأغاني (أبو الفرج الأصفهاني ) وغيره : أنّ أبا الأسود الدؤلي دخلَ على ابنته بالبصرة , فقالت له : يا أبتِ ما أشدُّ الحرّ . (رفعت أشدّ ) , فظنّها تسأله وتستفهم منه : أيُّ زمان الحرّ أشدُّ ؟ فقالَ لها : شهرُ ناجر , يريد شهر صفر ( أهل الجاهلية كانوا يسمون شهور السنة بهذه الأسماء ) ,
فقالت : يا أبتِ , إنّما أخبرتك ( وأتعجبُ) , ولم أسألكَ . ( فقال لها إذن فقولي : ما أشدَّ الحرَّ ! ) . فأتى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام , فقال: يا أمير المؤمنين ! ذهبت لغة العرب لمّا خالطت العجم , وأوشك إنْ تطاولَ عليها زمانٌ أنْ تضمحلَّ , فقال له: وما ذلك؟ فأخبره خبرَ ابنته , فاشترى مصحفا (صحيفة كتابة) بدرهم , وأملى عليه : ( الكلامُ كلُّهلا يخرجُ عن اسمٍ وفعلٍ وحرف جاء لمعنى ..... ) ثمَّ رسمَ له رسوماً فنقلها النحويون في كتبهم .
من أخبار النحويين : (أبو الأسود الدؤلي )
اسمه ظالم بن عَمْرٍ , وينتهي نسبه إلى كنانة , وكان من سكّان البصرة . وقد اختلف الناس في السبب الّذي دعا أبا الأسود إلى ما رسمه من النحو , فقال أبو عبيدة معمر بن المثنّى : أخذَ أبو الأسود عن علّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) العربيةَ , فكانَ لا يخرجُ شيئاً مما أخذه عن عليّ (ع) إلى أحد . حتّى بعث إليه زياد ( والي البصرة) : اعملْ شيئاً تكونُ فيه إماماً , ينتفع النّاسُ به , وتعرب به كتابَ الله , فاستعفاه من ذلك . حتّى سمعَ أبو الأسود قارئاً يقرأُ : ( أنّ اللهَ بريءٌ من المشركين ورسولُهُ ) بكسر ( رسوله ) , فقالَ : ما ظننتُ أنَّ أمرَ النّاسِ صارَ إلى هذا . فرجعَ إلى زيد , فقالَ : أنا أفعلُ ما أمرني به الأميرُ , فلبلغني كاتباً لقِناً يفعلُ ما أقولُ , فأُتي بكاتبٍ من عبدِ القيسِ فلم يرضَهُ , فأُتيَ بآخرَ , فقال له أبو الأسود : إذا رأيتني قد فتحتُ فمي بالحرف فانقط نقطة فوقه على أعلاه , فإنْ ضممتُ فمي فانقطْ نقطة بين يدي الحرف , فإنْ كسرتُ فاجعل النقطة تحت الحرف , فإنْ أتبعتُ شيئاً من ذلك غنّة , فاجعل مكان النقطة نقطتين . فهذا نقط أبي الأسود ( وهناك روايات كثيرة أخرى لهذا الخبر ) .
طرفة نحويّ:
جاء في كتاب البيان والتبيين للجاحظ , فالَ : مرّ أبو علقمة النحويّ ببعض طرق البصرة , وهاجت به مِرّةٌ , فوثبَ عليه قومٌ منهمْ يعضُّون إبهامه ويؤذنون في أُذنه , فأفلت منهم فقالَ : ما لكم تتكأكؤن عليّ كما تتكأكؤن على ذي جنّةٍ ؟ افرنقعوا عنّي . قال( أحدهم) : دَعَوهُ فإنّ شيطانَه يتكلّمُ بالهنديّة . وقالَ: وهاجَ بأبي علقمةَ الدَّمُ , فأتوه بحجّامٍ , فقالَ للحجّامِ : اشددْ قصبَ الملازم, وأرهفْ ظُبات المشارطِ , وأسرِعِ الوضعَ , وعجّلِ النزعَ , وليكنْ شرطُك وخزاً ومصُّك نهزاً , ولا تكرهَنَّ أبيّا , ولا تردَنَّ أتيّاً . فوضعَ الحجّامُ محاجمَه في جونه ( كيسه) ثمّ مضى .
وصية نحويّ :
أوصى أبو الأسود ابنَه , فقالَ : يا بُنيّ ! إذا جلستَ إلى قومٍ فلا تتكلّمْ بما هو فوقك فيمقتوكَ , ولا بما هو دونَكَ فيزدروكَ . وإنْ وسعَ الله عليك فابسطْ يديك , وإذا أمسك عليك فأمسكْ , ولا تجاودِ الله تعالى , فإنّ الله أجودُ منك.
قضاء نحويّ :
جاء في العقد الفريد , أنّه لمّا قدِمَ أبو الأسود الدؤلي على معاويةَ عامَ المجاعةِ , قالَ لهُ معاويةُ : بلغني يا أبا الأسود أنّ عليّ بن أبي طالب أراد أنْ يجعلك أحدَ الحكمين , فما كنتَ تحكمُ به؟ قالَ ( أبو الأسود) : لو جعلني أحدهما لجمعتُ ألفا من المهاجرين وأبناء المهاجرين , وألفا من الأنصار وابناء الأنصار , ثمّ ناشدتهم الله : المهاجرين وبناء المهاجرين أولى بهذا الأمر أم الطلقاء ؟ قالَ له معاوية : لله أبوك! أيُّ حَكَمٍ كنتَ تكونُ لو حكمتَ ! .