يهدف برنامج التنمية الريفية إلى مساعدة الناس على إدارة واستخدام الموارد بطرق تعينهم على زيادة دخلهم وتحسين نوعية حياتهم بصورة إجمالية. وبما أنّ هناك اتّكالاً كبيراً على الزراعة (حيث تعتمد بين 60% و70% من عائلات سلمية، على سبيل المثال، على الزراعة كمصدرها الرئيس للدخل)، فإنّ برنامج التنمية الريفية يوفّر المساعدة التقنية للمزارعين وسكان الريف لتحسين عائداتهم الاقتصادية وتنويع مصادر دخلهم. وتتضمّن المشاريع أنظمة الري بالتنقيط وبالرذاذ وطرائق أخرى لإدارة المياه وتنويع المحاصيل والمواشي وسبل أخرى لزيادة إنتاجية الأرض في البيئات التي تتسم بشحّ المياه.
كفاءة المياه
|
تحميل الوثيقة PDF التنمية الاقتصادية
|
تواجه سورية مشكلة متنامية في ندرة المياه نتيجةً للموارد المائية المحدودة، والتي يتقاسمها سكّان يتزايدون بسرعة، ويفتقدون إلى الاستخدام والإدارة الأمثل للمياه، وبناء عليه يتوقع في غضون السنوات القليلة المقبلة أن تصبح سورية بلداً "فقيراً بالمياه", حيث ستتدنّى حصّة الفرد الواحد في السنة لتقلّ عن 1.000 متر مكعّب. وتعتبر منطقة سلمية، الواقعة في محافظة حماه في المنطقة الوسطى، واحدةً من أشدّ المناطق المتأثرة بحدّة بشح المياه، إذ أنّ الحامل المائي في بعض المناطق كان في حالة انخفاض بواقع متر واحد في السنة خلال ربع القرن المنصرم.
بما أنّ جزءاً كبيراً من سورية يتّصف بمناخ شديد الجفاف، فإنّ ندرة المياه هي قضيّة هامّة. ومما زاد في حجم المشكلة، هو البنية التحتية المتواضعة لإعادة توزيع المياه في سورية والطلب المتنامي على المياه. ويسعى مشروع إدارة المياه إلى تحسين إدارة المياه على مستوى الحقل عبر زيادة كفاءة المياه وذلك بغية زيادة الدخل.
فمع ازدياد الضغوط على موارد المياه، واجه القطاع الزراعي في سلمية معاناة، وأضحى هذا القطاع بشكل خاص في وضع خطير بما أنّ الغالبية العظمى من السكان تعتمد على الزراعة كمصدر هام للدخل. و على مدار السنوات الخمس والعشرين الماضية، تضاءل حجم المساحة المروية بأكثر من النصف، وجفّ حوالي 60% من الآبار. وكون معظم المحاصيل الزراعية بعلية، كالقمح والشعير والعدس وتزرع في أشهر الشتاء الباردة الرطبة (بين تشرين الثاني [نوفمبر] ونيسان [أبريل])، يتطلّع العديد من المزارعين، لاسيما في الجزء الغربي من منطقة سلمية، حيث معدّل الهطول المطري أعلى، إلى زراعة الخضراوات المروية لتأمين دخل مكمّل أثناء أشهر الصيف الحارة والجافة. أمّا في المناطق الواقعة إلى الشرق، فإنّ المواشي تتمتّع بأهمية أكبر والري، في الواقع، محظور في بعض المناطق.
تتباين المحاصيل الصيفية التي تزرع في المنطقة تبايناً هاماً- بما في ذلك، على سبيل المثال، الخيار والبصل والبطيخ- ويحتاج عدد من الأشجار كالفستق الحلبي والزيتون واللوز للري في الصيف. ويستخدم المزارعون بصورة تقليدية الري بالراحة أو الري السطحي حيث يتمّ سحب المياه من الآبار ثم يجري ضخّها إلى خزّانات حاملة فوق سطح الأرض ويتمّ توجيهها عبر أقنية ترابية إلى الحقول والبساتين. وهذه الآبار الإفرادية غير مسجّلة دوماً لدى الحكومة كما أنّه نادراً ما تجري مراقبتها. ورغم وجود قيود على حفر آبار جديدة، فمن الصعوبة بمكان تطبيق هذه السياسة. وأحد التحدّيات الكبيرة فيما يتعلّق بإدارة مصادر المياه في قرى سلمية هو أن المزارعين يعتبرون آبارهم كمصادر خاصة رغم أنهم يتشاطرون الحامل المائي مع جيرانهم.في واقع الأمر، يقوم العديد من المزارعين بالسحب المفرط من مصادر المياه استناداً إلى خوفهم من أنّهم إذا لم يستخدموا مياههم فسيتمّ استخدامها من قبل جارٍ لهم. وبما أنّ مصادر المياه "مجانية" وتكاليف سحبها متدنّية، فإن الوضع يزداد تفاقماً. وواقع الحال هو أنّ الإدارة المجتمعية لمصادر المياه أو توثيقها إما محدودين أو معدومين بالمرة، رغم وجود إجماع عام بين صفوف السكان بشأن استمرار انخفاض مستوى الحامل المائي.
الري الحديث
يستخدم 85% من المزارعين في سورية الري التقليدي من أجل إرواء زراعاتهم، الأمر الذي يؤدّي إلى تكاليف عالية وإنتاج متدنٍّ و ضغط متزايد على مصادر المياه المحدودة أصلاً. وفي سائر أنحاء الشرق الأوسط، بصورة عامة، بدأ المزارعون بتبنّي أساليب ري جديدة محدّثة كالري بالتنقيط والرذاذ الأكثر كفاءة بكثير من طرق الري بالراحة. ففي نظام الري بالتنقيط، يستخدم النبات 90 % فأكثر من المياه في حين أن كفاءة الري تنخفض لما دون 60% عند استخدام الري السطحي.
وفي سلمية، يعمل برنامج التنمية الريفية (وهو أحد مبادرات مؤسسة الآغاخان) على تصميم أنظمة ري حديثة للمزارعين الذين فاق عددهم الـ150 منذ العام 2003.
يقوم نظام الري المحسّن بسحب المياه من البئر وإرسالها مباشرةً للنباتات موزّعاً إيّاه بما يقلل من الهدر، وإضافة إلى ذلك، أجري العديد من التحسينات كاستخدام نظام حقن الأسمدة القابلة للذوبان، على سبيل المثال، والتي ينتج عنها، رغم كلفتها الأعلى من الأسمدة الحبيبية، تمثّل أكبر لها من قبل النبات (في الحقيقة تكون الزيادة بواقع ضعفين). أما الأساليب الأخرى فتشتمل على تغطية خطوط الزراعة بشرائح بلاستيكية ليس من شأنها أن تقلّل التبخّر فحسب بل إنّها تساعد على مكافحة الأعشاب الضارة مانعة بذلك ضياع الماء والسماد القيّمين الذين كانت الأعشاب ستستهلكهما.
وبالنسبة للمزارعين، فإنّ هذه الأنظمة الجديدة لا تتمخّض عن إنتاج أكثر، وبالتالي زيادة في الدخل، فحسب وإنما تتمتّع بفوائد مضافة جمّة كتقليل اليد العاملة وتخفيض تكاليف الوقود (من أجل ضخّ الماء) والتخلّص من الحاجة لبناء الخزانات ذات التكلفة العالية. وهكذا، عند تركيب أنظمة الري بالتنقيط من أجل الخضار الصيفية كالبطيخ والباذنجان والخيار والبندورة (الطماطم) والكوسا، بين جملة أخرى من هذه الزراعات، يستطيع المزارعون غالباً استعادة تكاليف شبكة الري المحسّنة خلال دورة جني واحدة.رغم هذه المكاسب الواضحة، فإن العديد من المزارعين لم يقوموا بتبنّي أنظمة الري بالتنقيط وغالباً ما يعود ذلك إلى التكلفة أو الافتقار للخبرة الفنية أو ربّما عدم الثقة بالتقنية الجديدة. وعلاوةً على ذلك، فإن قلّةً من المزارعين ذوي القدرة فقط يتبنّون التقنية في قرية واحدة الأمر الذي يحدّ من الفائدة الجماعية الناجمة عن إحداث استقرار في الحامل المائي.
الفطر هو من المحاصيل الواعدة التي تستطيع زيادة الدخل وتقليل استهلاك المياه في الوقت نفسه. حيث تساوي قيمة الكيلوغرام الواحد من الفطر ضعفي قيمة الكيلوغرام الواحد من القطن غير أنّه يستهلك 99% مياهاً أقل. وتنتج سلمية في الوقت الحاضر 15% فقط من الفطر الذي تستهلكه. وهكذا يوفّر إدخال الفطر من قبل برنامج التنمية الريفية كمحصول بديل المياه ويساعد في تلبية الطلب المحلّي.
مواشٍ جديدة
من الأمثلة على تطبيق مبادرات جديدة لزيادة الإنتاجية هي تربية الماعز الشامي. حيث أنّ ثمن رأسين من الماعز الشامي يعادل ثمن بقرة واحدة. وبما أنّها تلد بمعدّل مرّتين أكثر مع ولادة توأمين على الأقل في كلّ حمل، فإنّ قيمتها السعرية تعادل خمسة أضعاف قيمة الماعز العادي. كما تستهلك الماعز الشامي كميّات أقلّ من الطعام وتحتاج إلى زمن رعاية أقلّ وتدرّ حليباً أكثر. ويعمل البرنامج بالتعاون مع وزارة الزراعة على تأمين هذه الماعز إلى القرويين الأكثر فقراً لزيادة دخلهم.
تجربة فريتان </FONT>
|
تحميل الوثيقة PDF العمل الجماعي لتوفير الماء وزيادة الدخل
|
قامت شبكة الآغاخان للتنمية بإطلاق عدد من النشاطات لمواجهة هذا الوضع بهدف إحداث استقرار في الحامل المائي دون التأثير سلباً على دخل المزارعين. وفي ضوء الطبيعة المشتركة لملكية الموارد المائية الجوفية، يلعب العمل الجماعي دوراً مركزياً في ضمان ممارسات استخراج مستدامة. ففي العام 2005 أٌطلق مشروع تجريبي مدعوم من قبل مؤسسة الآغاخان ووكالة الآغاخان للقروض الصغيرة. حيث قام المشروع بمنح قرض جماعي من أجل الري المحدّث للخضار الصيفية، الأمر الذي شكل محفّزاً للعمل لمزارعي فريتان، وهي قرية تبعد 20 كيلومتراً عن بلدة سلمية. وتمخّض التبنّي الجماعي للتقنيات الجديدة عن زيادة في الغلّة بواقع 60%، وعلاوةً على ذلك، تمخّض عن استجرار أقلّ للمياه الجوفية وزيادة في كفاءة المياه. والنموذج مصمّم كي يكرّر من قبل تجمّعات أخرى في أنحاء المنطقة.
العمل الجماعي وتجربة فريتان
إن تشكيل مجموعات لإدارة موارد المياه بشكل جماعي هي مسألة حاسمة للإدارة المستدامة لهذا المورد. بيد أنّه من غير المرجّح أن يحدث دون وجود حوافز.
تضمّ قرية فريتان، الواقعة في وسط المنطقة، 40 منزلاً ويبلغ عدد سكّانها 300 نسمة. أمّا معدّل الهطول المطري السنوي فيها فيبلغ 250 مم . وقد قدّمت شبكة الآغاخان للتنمية قرضاً جماعياً لتمكين كافة المزارعين الراغبين، من ذوي الأراضي المروية في قرية فريتان، من التحوّل إلى نظام الري بالتنقيط في مشاريع خضرواتهم الصيفية التجريبية. وفي حين كان هناك شكّ في البداية، إلا أنّ 17 مزارعاً يملكون ما مجموعه خمسة هكتارات من الخضار الصيفية شاركوا معاً. وقد تمّ إقناعهم من خلال أمرين، الأول هو الخبرة الفنية التي يقدّمها برنامج التنمية الريفية والأمر الثاني هو حسم مقداره 20%، على معدّات الري، تمّ التفاوض عليه مع المورّد بسبب حجم المشتريات. أمّا المزارعون الوحيدون الذين لم يشاركوا، فقد كانوا من أولئك الذين يملكون أنظمة ري محدّثة أو الذين لم تكن لديهم آبار. وقام برنامج التنمية الريفية بتصميم أنظمة الري بالتنقيط، كما قدّم قرضاً بقيمة 200.000 ليرة سورية (قرابة 4.000 دولار أمريكي) لشراء المستلزمات وتركيبها. وتفاوتت أحجام القروض بين 5.000 ليرة سورية (100 دولار أمريكي) و 18.000 ليرة سورية (360 دولار أمريكي) حيث اعتمد ذلك على مساحة الأرض والمعدّات التي يحتاجها كل مزارع؛ إلا أنّ المجموعة كانت مسؤولة بصورة جماعية عن إعادة تسديد القرض. وبلغت مدّة القرض 12 شهراً برسم خدمة قدره 1.5% شهرياً يترتّب على الرصيد وذلك لتغطية التكاليف الإدارية. وبدلاً من أن يملي الأمر على المجموعة، ترك برنامج التنمية الريفية القرويين في فريتان يتملّكون هذه الجمعية الجديدة لمستخدمي المياه. وقد انتقوا قائداً لإدارة القرض ومحاسباً لجدولة الأموال والمدفوعات المطلوبة. ومن خلال الإدارة الفعالة والغلّة الجيدة, تمكّنت المجموعة بنجاح من تسديد القرض والنفقات الإدارية في الوقت المحدّد وهذا الإنجاز كان مثار إعجاب بحدّ ذاته. ومع ذلك، فإنّ النجاح الحقيقي للمشروع كان في الجمع الثنائي بين زيادة الدخل والاستخدام المحسّن (والمخفّض) لمصادر المياه. وزيادةً على ذلك، تدوم أنظمة الري بالتنقيط حوالي خمس سنوات على الأقل وربما عشرة، ممّا يحقّق المزيد من الأرباح للمزارعين لمدّة تتجاوز فترة تركيب أنظمة الري وتسديد ثمنها.
وقد علّق قائد المجموعة قائلاً "بالنسبة لنا الماء بأهمية الدخل، وفي هذا العام وبوجود أنظمة الري بالتنقيط ما زالت هناك عدّة أمتار من المياه متبقّية في آبارنا". كما أبدى مزارع ملاحظة بالقول "أنّه لولا المجموعة لما كان قد خاطر وحيداً بتحديث شبكة الري لديه". وعلّق مشاركون آخرون أيضاً على كيفية مساعدة أنظمة الري بالتنقيط في "توازن الحامل المائي". ومن المقدّر أنّ المزارعين قد استخدموا مياه الري بنسبة 30% أقلّ هذا العام من أجل ري محاصيل خضراواتهم الصيفية. وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، كان المشروع يقوم بقياس الحامل المائي في فريتان الذي يظهر اليوم ميلاً للاستقرار بل حتى أنّه يتصاعد في العام 2005 في شهر أيلول (سبتمبر) مقارنة بالسنوات السابقة. وفي حين أنّه مازال من المبكر جداً الحكم على التأثير الكامل لمجموعة الري بالتنقيط على الحامل المائي، فإنّه يبدو أن التبنّي الجماعي للمزيد من التقنية الكفؤة يقوم بإحداث فرق.
لم تساعد أنظمة الري بالتنقيط الجديدة المزارعين على استخدام أقلّ للمياه فحسب، وإنما أدّت أيضاً إلى زيادة في الدخل. فقد زادت المجموعة من مردودها الإجمالي بواقع 60% تقريباً، وقام العديد من المزارعين كذلك بزراعة أكثر من محصول واحد، الأمر الذي لم يكن ليكون ممكناً لولا الري بالتنقيط، فقد زرعوا في آن واحد نباتات منتصبة (الباذنجانيات) مثل الفليفلة مع نباتات زاحفة (القرعيات) مثل البطيخ والخيار.
ورغم الانخفاض الحاد في سعر البطيخ بسبب جملة من العوامل الإقليمية، فإنه مازال بوسع المزارعين أن يحققوا ربحاً جيداً. وبسبب أنظمة الري المحسّنة، تدنّت مستلزمات المزارعين من اليد العاملة بواقع 50% كما تدنّت تكاليف المحروقات بنسبة ملحوظة قدرها 64%. وفي واقع الأمر، كان المزارعون سيخسرون مالاً في المتوسط لو أنّهم استخدموا الري السطحي بالراحة في العام 2005 جرّاء التكاليف العالية وتدّني المردود. وهذه العوائد ليست مجرّد أرباح بل عوائد لأراضي المزارعين واليد العاملة والإدارة.أحد أهم العوائق أنّ بضعة مزارعين قاموا بزراعة محاصيل شرهة للمياه كالقطن، والثاني هو زيادة المساحة المزروعة بالخضار الصيفية ممّا أدّى إلى زيادة أكبر في استهلاك المياه. وتعمل مؤسسة الآغاخان عن كثب مع المزارعين حيث سوف يتمكّنون من ملاحظة العواقب الوخيمة لهذه الممارسات. ومن أجل حمايتهم من الآثار السلبية لتقلّبات الأسعار، يجري تشجيع أعضاء المجموعة على تنويع زراعاتهم لتتجاوز الشمام والبطيخ.
نحو المستقبل
يعتبر النموذج الذي طبّق في فريتان مجرّد خطوة أولى نحو تحسين إدارة المياه وزيادة الدخل في سلمية. وبسبب تجربة فريتان، شاهدت القرى المجاورة الحقول الناجحة واستفسرت من مزارعي فريتان حول المشروع. ويقوم برنامج التنمية الريفية حالياً بالعمل على توسيع البنية ذاتها إلى 15 مجموعة في 12 قرية خلال العام 2006. وسيكون الهدف المقبل هو الري بالتنقيط لبساتين الزيتون الذي قد يتمخّض عن توفير أكبر في المياه في الهكتار الواحد وتغطية المزيد من الهكتارات. كما يجري أيضاً اختبار أنظمة مرشات الرذاذ الدقيقة (المكروية) لتأمين ري متمّم لمواسم القمح والشعير الشتوية. وستراقب مؤسسة الآغاخان الوضع عن كثب لترى أيّاً من هذه التداخلات سينجم عنه ريوع أكبر وتوفير في الماء للمزارعين.بمساعدة من شبكة الآغاخان للتنمية، تمكّن القرويون في فريتان من تحقيق مكاسب هامة وتحسين إنتاجية أرضهم وإدارة مواردهم المائية بل وربّما تقديم نموذج يحتذى به للآخرين في المنطقة