قلاع الإسماعيليين-النزاريين في إيران وسوريا
في عام 483/1090، قام الإسماعيليون الإيرانيون بقيادة الحسن بن الصباح بالاستيلاء على قلعة آلموت، التي تقع في منطقة جبلية بعيدة من مقاطعة رودبار في شمال إيران.
خلال المئة والخمسين سنة التالية نجح الإسماعيليون في السيطرة على أكثر من 200 قلعة كبيرة وصغيرة في إيران وسورية مع مستوطنات في البلدات والقرى المجاورة، وبذلك استطاعوا إقامة دولتين لهما حكم ذاتي في هاتين المنطقتين. وعلى الرغم من عداوة الحكام المحليين وتهديدات الصليبيين والمغول الموجودين في المنطقة، فقد استمرت الدولة النزارية حتى عام 654/1256 عندما استسلمت قلعة ميمون دز. ولكن القلاع الإسماعيلية المتجمعة حول القدموس فقد قاومت السقوط حتى 671/1273.
إن الخلاف حول الخلافة بعد الإمام الفاطمي المستنصر (ت. 487/1094) قد قسّم الإسماعيليين بشكل دائم إلى جماعتين متميزتين، دعيتا فيما بعد بالإسماعيلية النزارية والمستعلية. إن إمامة المستعلي الذي تقلد الخلافة الفاطمية قد أقرت بها مؤسسة الدعوة الرسمية في القاهرة، إضافةً إلى الجماعات الإسماعيلية في مصر واليمن وغربي الهند. ومع ذلك فقد كان الوضع مختلفاً تمماً في الأقطار الشرقية حيث لم يعد للفاطميين أي نفوذ سياسي
.
وبحلول عام 487/1094 برز الحسن بن الصباح (ت. 518/1124) كقائد للإسماعيليين في بلاد فارس حيث قدّم دعمه للأخ الأكبر للمستعلي: نزار لأنه الإمام الحق. وبعد أن فصم علاقاته مع الحكم الفاطمي ومركز الدعوة في القاهرة، حاز الحسن بن الصباح على دعم الإسماعيليين في العراق وفي بعض أجزاء سورية وفيما بعد في آسية الوسطى. وكانت المناطق المنتشرة للدولة الإسماعيلية تتألف من رودباك ومنطقة كبيرة من بلاد فارس وكذلك القسم الجنوبي من جبل بهراء في سورية.
ومع أن مناطق الدولة الإسماعيلية كانت منفصلة عن بعضها بسبب المسافات البعيدة، إلا أنها حافظت على تماسك متميز وعلى إحساس بالوحدة داخلياً وتجاه العالم الخارجي. وكانت رودبار المقاطعة الواقعة في شهرود العليا في شمالي فارس هي مقر الدعوة منذ عام 1090 عندما استولى الحسن بن الصباح على ألموت.
حافظ الإسماعيليون في سورية على استقلالهم حتى عام 671/1273 حيث استسلمت آخر قلعة للسلطان المملوكي بيبرس (ت. 675/1277). وكانت أهم قلعة في سورية هي قلعة مصياف مع أن قلعة الكهف كانت هي على الأغلب مقر إقامة القائد الإسماعيلي سنان رشاد الدين (ت. 589/1193). وبقي هذا المعقل كموقع عسكري حتى العهد العثماني وهُدم مع بداية القرن التاسع عشر. وكانت مجموعة القلاع الموجودة حول القدموس مركزاً إسماعيلياً هاماً أيضاً ويتضمن قلعة الخوابي والرصافة وقلعتي المينقة والعليقية.
وتقدم القلاع الإسماعيلية الكبرى أمثلة متميزة من القوى العسكرية لتؤكد أنه على الرغم من التضاريس الصعبة، كانت القلاع تحصل على إمدادتها من الطعام والماء بشكل جيد، ولذلك كانت قادرة على الصمود لأشهر عديدة أمام الحصار الطويل حتى لو امتد لسنوات. يذكر المؤرخ الجويني (ت. 681/1283) بإعجاب كبير في وصفه لتدمير المغول لقلعة آلموت المستودعات الأرضية الواسعة التي بناها الإسماعيليون والصعوبات التي واجهها المغول في تدميرهم لتحصينات القلعة. وبنيت بعض القلاع الإسماعيلية كآلموت على مواضع محصنة مسبقاً.
وتم بناء قلاع أخرى بشكل كامل. ويبدو أن العبقري بوزرك أوميد الذي كان وراء بناء وتنظيم القلاع الإسماعيلية قد استقر مع الحسن بن الصبّاح وخَلَفَهُ (ت. 532/1138). وأعاد أوميد بناء قلعة لامسار وهي أكبر القلاع الإسماعيلية ولها نظام تخزين للمياه معقد وفعال جداً. وحيثما وُجِد منحدر هضبة محصنة كبيرٌ بما يكفي، كان يؤسس بشكل جيد مجمع لمياه المطر. وفي بعض الحالات الأخرى، كموقع قلعة سرو، كان يوجد بالإضافة إلى مجمع المياه داخل القلعة الرئيسية، تمديد للمياه بالقنوات من قلعة أصغر على بعد 2 كيلو متر، بحيث تبرز تقنيات هندسة المياه ذات المهارة العالية التي استخدمها الإسماعيليون.