منتدى الباحث الإسماعيلي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى الباحث الإسماعيلي

موقع شخصي وغير رسمي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» خمس رسائل إسماعيلية - تحقيق عارف تامر
نظريّة الحدس  Icon_minitimeالإثنين سبتمبر 11, 2023 8:10 am من طرف الاسماعيلي اليامي

» كتاب شجرة اليقين للداعي عبدان - تحقيق الدكتور عارف تامر
نظريّة الحدس  Icon_minitimeالإثنين سبتمبر 11, 2023 8:09 am من طرف الاسماعيلي اليامي

» منخبات اسماعيلية
نظريّة الحدس  Icon_minitimeالإثنين سبتمبر 11, 2023 8:08 am من طرف الاسماعيلي اليامي

» كتاب الطهارة للقاضي النعمان
نظريّة الحدس  Icon_minitimeالإثنين سبتمبر 11, 2023 7:27 am من طرف الاسماعيلي اليامي

» كتاب مصابيح في اثبات الامامة للداعي الكرماني
نظريّة الحدس  Icon_minitimeالخميس أغسطس 31, 2023 8:07 pm من طرف همداني

» كتاب سرائر وأسرار النطقاء لـ جعفر بن منصور اليمن /نرجو التدقيق
نظريّة الحدس  Icon_minitimeالخميس أغسطس 31, 2023 8:05 pm من طرف همداني

» كتاب نهج البلاغة للامام علي عليه السلام
نظريّة الحدس  Icon_minitimeالثلاثاء يوليو 11, 2023 9:48 pm من طرف ابو محمد الكيميائي

» ارحب بالاخ حسين حسن
نظريّة الحدس  Icon_minitimeالأربعاء يوليو 27, 2022 5:12 am من طرف الصقر

» كتاب دعائم الاسلام
نظريّة الحدس  Icon_minitimeالثلاثاء فبراير 01, 2022 6:16 am من طرف همداني

المواقع الرسمية للاسماعيلية الآغاخانية

 

 نظريّة الحدس

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
بائعة الكبريت
عضو ذهبي
بائعة الكبريت


عدد الرسائل : 75
تاريخ التسجيل : 09/10/2010

نظريّة الحدس  Empty
مُساهمةموضوع: نظريّة الحدس    نظريّة الحدس  Icon_minitimeالثلاثاء مارس 22, 2011 7:16 pm


نظريّة الحدس
في
فينومينولوجيا هوسّرل
الفصل الثّالث
القول في النّظريّة الفينومينولوجيّة في الوجود:
قصديّة الوعي* (ج1)



إنّ الوعي الّذي كنّا قد أثبتنا وجوده فيما سلف من فصل، هو تيّار في الزّمن. والحياة الواعية تحصل في الزّمن الباطنيّ الّذي هو يختلف عن الزّمن الكوني، أي زمن الطّبيعة. وتأسيس الوعي في الزّمن، وأيّ بنية للزّمن نفسه، وأيّ شيء الوعي الباطنيّ للزّمن و أيّ شيء التّاريخيّة الّتي تخصّ الوعي، فكلّ هذه المسائل كانت قد شغلت أيّما شغل هوسّرل في أبحاثه الفينومينولوجيّة، وإنّ الفحص عنها من شأنه أنّ يعين غاية الإعانة في بيان الظّاهرة الّتي كنّا قد كشفنا عنها آنفا لمّا قلنا : " كلّ المعاييش Erlebnisse هي واعية. " ( الأفكار 229). (1)
إلاّ أنّنا في هذا المبحث الّذي يُعنى قبل كلّ شيء بالحدس، فلا بدّ أن نضرب صفحا عن ذلك التّأسيس للزّمن الباطنيّ، وأن ننظر في الوعي و قد تمّ تأسيسه في الزّمن. (2) وهنالك سوف تترائى لنا خاصيّة في وجود الوعي، ألا وهي خاصّيّة القصديّة، أي خاصيّة أن كلّ وعي هو ليس فقط وعيا(3)، وإنّما أيضا هو وعي بشيء ما، وذو صلة بالموضوع. ولنا أن نبدأ من مفهوم أكثر عموما مفهوم " المعيش" الّذي يشبه، في بادئ الرّأي أن يكون، بنوع ما، غير لازم لمعنى القصديّة. (4)
" أريد بالمعيش، بأوسع المعاني، كلّ ما يوجد في تيّار الوعي، أي ليس فقط المعاييش القصديّة، والتّفكّرات الفعليّة والقويّة...، بل وأيضا كلّ ما يوجد من عنصر حقيقيّ في ذلك التّيّار وفي أجزائه المتعيّنة...؛ وكلّ عنصر عنصرحقيقيّ يدخل في تأسيس الوحدة المتعيّنة لمعيش ما قصديّ، فليس له في نفسه صفة القصديّة، على معنى صفة كونه وعيا بشيء ما (5). وذلك يتعلّق، مثلا، بالمعطيات ــ الإحساسات كلّها، الّتي لها تأثير أيّما تأثير في الحدس الإدراكيّ لشيء من الأشياء." (الأفكار 65 ) وقد زاد نصّ آخر، باعتماده على أمثلة، بيانا لِمَا ينبغي أن يُفهم بالإحساس. إنّها " معطيات اللّون، والصّوت والملاصقة... الّتي ينبغي ألاّ تلتبس علينا بعناصر الأشياء مثل اللّون والخشونة... الّتي إنّما هي مُتَمَثَّلَةٌ في حياة الوعي لِمَكَانِ تلك المعطيات. وكذلك الأمر أيضا بالنّسبة للانطباعات الحسّيّة انطباعات اللّذّة، والألم، والدّغدغة و غير ذلك، وأيضا اللّواحق الحسّيّة لدائرة الميولات." ( الأفكار 172 ) واعلم كذلك أنّ تلكم العناصر العارية من القصديّة هي تُلْفَى في كامل أصناف الوعي، وهي تكوّن فيها شِقًّا مخصوصا يوسم بالشقّ المادّيّ أو الهيولانيّ، الّذي هو موضوعٌ لفنّ فينومينولوجيّ، أي فنّ الهيولانيّة الّذي من شأنه أن يصف بنيتها.
الإحساسات

فهاهنا إذن إحساسات ـــ ( وهي عناصر تُدْعَى بالفنتسمات ) إذا تعلّق الأمر بالتّخيّل ) ـــ قريبة فاضح القرب من تلك العناصر البسيطة الّتي كان قد رام العلم النّفس الخبريّ أن يبني بها الحياة الباطنيّة (6). ولكن هناك فرق كبير بينها. فلنجتزأ أوّلا ممّا روينا هذا الكلام : " معطيات... لاينبغي أن تلتبس علينا بلواحق الأشياء مثل اللّون، والخشونة، وغير ذلك، الّتي هي مُتَمَثَّلَةٌ في حياة الوعي لِمَكَانِ تلكم المعطيات.( 7 ) " . وكما كان قد ذكر هوسّرل في موضع آخر، فالمعطيات الهيولانيّة الّتي تناسبها لواحق كيفيّة في الأشياء، هي تختلف كلّ الاختلاف عن تلك اللّواحق. وليس إلاّ لو كنّا قد جزمنا على ضِدٍّ من ذاك الجزم، كنّا سنكون بإزاء رجوع بيّن إلى التّصّوّر الحسّانيّ للوعي، وبإزاء إبطال بيّن للقصديّة، أو على الأقلّ، كنّا سنكون بإزاء رجوع إلى التّفرقة بين الموضوع الحقيقيّ، وظلّه في الوعي، أي الصّورة الذّهنيّة فلعمري، إنّما الموضوع ليس هو بجملة من " الإحساسات ". ونحن إنّما نخطأ لو ظننا بأنّ خصائص ما جديدة تضاف إلى " الإحساسات "، أو نظرة ما مغايرة يُنْظَرُ بها إلى محتويات الحياة تلك، هي من شأنها أن تجعل منها " مواضيع خارجيّة " (9). فهناك فرق في الطّبيعة بين الأحمر بماهو إحساس ذاتيّ ومعيش، والأحمر الموضوعيّ والمتمثَّل. " إنّ المعطيات ـ الإحساسات الّتي لها وظيفة تشكّلات Abschattungen اللّون، والملاسة، والشّكل، فلا بدّ أن نفرّقها من اللّون، والملاسة، والشّكل، بمجرّدها، على معنى، أن نفرّقها من كلّ لاحق لاحق موضوعيّ للشّيء. ف " التّشكّلات "، هي بالذّات ليست بمجانسة لِمَا يتمثّل بها، مع أنّها هي سَمِيَّةٌ له. إنّها تعني الحياة الواعية. ولكن، الحياة الواعية ليس لها من وجود إلاّ بما هي حياة واعية، وليس بما هي شيء مكانيّ (10). أمّا الموضوع الّذي يُعطي بالتّشكّلات فلا يمكن أن يوجد إلاّ بما هو مكانيّ ـــ ( وهو كذلك بالذّات ) ــ ولا يمكن أن يوجد بما هو حياة." (الأفكار 75 ـــ 76 )
ولا بدّ أيضا، حتّى نضادّ المعطيات الهيولانيّة بإحساسات أهل الحسّية من الإشارة بأنّ مبدأ الوحدة الخاصّ بتلك المحتويات الّتي تدخل تحت مفهوم " الهيولى " ليس الصّفة المحض خارجيّة صفة كونها متأتّية من الحواسّ، و هي الّتي كان قد ارتضاها أهل الخبرانيّة، وإنّما هي صفة باطنيّة ممّا يسوّغ لنا أن نطلق عبارة " الهيولى " على ما يتعدّى معطيات الحواسّ، ليشمل العاطفيّة والإرادة.(11) و لكنّ تيّار الوعي لا يأتلف فقط من شقّ هيولانيّ.
القصديّة

ويمكننا أن نتبيّن هنالك( 12)، فعلا محييا من شأنه أن يخلع على الظّواهر الهيولانيّة معنى التّعالي : فإنّما هذه الظّاهرات هي تدلّ على شيء ما من العالم الخارجيّ، وهي تُمَثِّلُهُ وتشتهيه وتهواه، وغير ذلك. وذلك الفعل هو عنصر، له، من وجه، ضرب وجوديّ يماثل ضرب وجود المعطيات الهيولانيّة، على معنى أنّه واع ومُؤَسَّسٌ في الزّمن الباطنيّ : و يعرف ذاته بذلك النّحو الضّمنيّ الّذي يخصّ المعاييش. ولكنّه، من وجه آخر، فهو الّذي يخلع على تيّار الوعي المعنى، وهو الّذي " يستقصد " شيئا ما مغايرا له، وهو الّذي يتعالى.
وهذا الموضوع الّذي يقصده الوعي بطريق التّعالي في القصد، ليس هو جزء حقيقيّا (13) في الوعي، وليس هو محتوى له كما قد تُنْزِلُهُ مثاليّة باركليّة. فهذه المثاليّة لم تميّز بين كيفيّات الموضوع ومعطيات الهيولى، وهي تنظر إلى مفارقة الموضوع بالإضافة للوعي بنحو مجرّد ظاهرة ذاتيّة. فالقصديّة، لدى هوسّرل، إنّما هي فعل تعال حقيقيّ والمثال نفسه لكلّ تعال تعال. ومن هنا، فنحن نصل إلى الفحص عن القصديّة الّتي ننوي التّفصيل فيها، لأنّ حقيقة وجود المعاييش لتعبّر عن نفسها هاهنا مثلما كانت قد بانت أنّها تعبّر عن نفسها في اتّصاف تلك المعاييش بكونها واعية . " (14) إنّما هي القصديّة الّتي تخصّ الوعي، على التّحقيق، وهي القصديّة الّتي، في نفس الوقت، من شأنها أن تسوّغ لنا أن نصف تيّار الوعي بأكمله بنحو تيّار من الوعي وبنحو وحدة من الوعي. (15) " ( الأفكار 168 ).
وعبارة الاستقصاد ينبغي أن تفهم هاهنا بمعنى أوسع ممّا نخلعه على عبارات مثل " قصد حسن "، أو " أن يقصد بأن يفعل كذا أو كذا ". بل هي تفصح عن هذا الأمر( الّذي قد لا يبدو في الأوّل، بِدْعًا البتّة )، وهو أمر أنّ كلّ فعل من أفعال الوعي فهو وعي بشيء ما : كلّ إدراك فهو إدراك لشي مُدْرَكٍ، وكلّ رغبة فهي رغبة في شيء مرغوب، وكلّ حكم فهو حكم ب" حال ما " نقول فيها شيئا، إلى غير ذلك. وعمّا قريب فنحن سوف نبرز الفائدة الفلسفيّة لتلك الخاصّية للوعي، وأيّ قلب عميق هي تأتي به لمقولة الوعي نفسها (16).
وقد قال هوسّرل في " الأبحاث المنطقيّة "، ليزيد تحقيقا لمقولة القصديّة : " حينما حال ما من الوعي يُعْطَى بنحو الحاضر، فإنّ العلاقة علاقة قصديّة بالموضوع تتحقّق، وتتحقّق في خاصّ جوهره (17)، وهذا ممّا أنوّه به. ومن ثَمَّ، فإنّ الموضوع يكون " حاضرا حضورا قصديّا "، لأنّ كلا الأمرين إنّما هما بمعنى.(18) " ( الأبحاث II 372 ــ 373 ) وهاهنا هناك مقولة لا تقبل الردّ وأولى، ربّما بانت لا معقولة لتصوّر طبيعانيّ للوجود، على أنّه وجود عاطل هو من الخلف أن نطلق عليه مقولة أن يتعالى تلك. وفي الأصل، فهذه الإشارة إنّما المقصود بها، على التّحقيق، هو الطّبيعانيّة النّفسيّة(19). فالقصديّة لدى هوسّرل لا ينبغي أن نأخذها على أنّها صفة من صفات الوعي، أي على أنّها خاصّيّة غير لازمة لضرب وجود الوعي، أي بأنّها مجرّد جهة من جهات محتويات الوعي. وإنّما القصديّة هي عين ضرب وجود الوعي.( 20)

التّعليقات :

1) تنقسم الفينومينولوجيا بحسب تاريخ تطوّرها إلى قسمين كبيرين؛ الفينومينولوجيا الوصفيّة ، وفيها كان قد انصبّ اهتمام هوسّرل على استنقاذ الموضوعيّة، ولا سيّما المعاني المنطقيّة والرّياضيّة من خيوط الذّاتيّة المتغيّرة الّتي سعت تأويلات نفسانيّة منطقيّة تذويبها فيها. والفينومينولوجيا المتعالية، وفيها خطى هوسّرل خطوة جديدة وخطيرة، لمّا استخلص الوعي من العالم بإدخاله مبدأ جديد وعلى غاية من الأهمّيّة في الفنومينولوجيا المتعالية وهو مبدأ الردّ أو الأبيخو. وهو مع هذه الأبحاث كان قد ظهر ماعبّر عنه هوسّرل بالتّأسيسيّة المتعالية، وهذه التّأسيسيّة قد انشعبت إلى شعبتين، تأسيسيّة الموضوع بمختلف قيمه الأنطلوجيّة بما هو مُتَعَلَّقُ الوعي أو كما يسمّيه هوسّرل بماهو معنى نوّاميّ. وتأسيسيّة الوعي بما هو سيّال زمنيّ مطلق الوجود والحقيقية. فمراد المصنّف إذن بقوله " وتأسيس الوعي في الزّمن .... " إلى آخر الكلام، فإنّما يشير به إلى التّأسيسيّة الذّاتيّة أو الوعييّة.
2) يريد أنّنا سوف لن نبحث في تأسيس الوعي، وإنّما في تأسيس الموضوع في الوعي الّذي هو نفسه إنّما يقتضي أن يكون الوعي مؤسّسا.
3) أي مادّة محضة، وإن كانت هذه المادّة الّتي هي الوعي، هي مادّة تخالطها أيضا الصّورة لكونه كما بيّنا هو هناك تأسيسيّة للوعي تتميّز عن تأسيسيّة الموضوع. (أنظر هوسّرل، دروس في فينومينولوجيا الوعي الباطنيّ للزّمن ).
4) معناه أن المعيش يبدو من حاله أنّه معنى أعمّ من معنى القصديّة، أي أنّ كلّ قصديّة فهي معيش، وليس يلزم الانعكاس بأنّ كلّ معيش فهو قصديّ. فقد ينفكّ إذن المعيش عن القصديّة، فيلزم أنّه قد توجد معاييش غير قصديّة.
5) يريد هوسّرل أنّ اتّصاف المعيش بكونه قصديّا أي بكونه متعلّقا تعلّقا بالذّات بموضوعه ليس له من جهة حقيقته الهيولانيّة ومن جهة ما يدخل في تكوينه في حقيقته المتعيّنة، وإنّما صفته تلك فهي له من جهة زيادة معنى، وهذا المعنى هو نفس القصديّة.
6) لقد كان هوسّرل قد انتقد انتقادا قويّا الخبرانيّة النّفسيّة الّتي اعتادت أن تبني العالم بأسره ابتداء من نفس محتوايات الاحساس الخامّ الموجودة في الذّاتيّة. فإذن وضع هوسّرل لمحتويات وعييّة زائدة عن القصديّة أليس هو ارتداد لنفس معنى الإحساسات المنسوبة لأهل الخبرانيّة ؟
7) جاوب هوسّرل على الشكّ المذكور بقوله أنّنا في نظريّتنا إنّما نميّز واضح التّمييز بين المحتوى الحسّي بما هو محتوى حقيقيّ للوعي، واللاّحق الموضوعي الّذي هو صفة للموضوع، وإن كان هذا اللاّحق مشروط في ظهوره بالمحتوه الحقيقيّ المشابه له. فالعيب الملازم لنظريّة الإحساسات الخبرانيّة إنّما يكمن خاصّ الكمون في كونها قد جعلت المحتوى الإحساسي هو عين اللاّحق الموضوعيّ.
Cool الموضوع الحقيقي هو الوجود في ذاته الّذي من شأنه أن يؤثّر في الوعي فيولّد فيه صورة ذهنيّة تكون وحدها في متناول الوعي، أمّا حقيقة الموضوع نفسه المولّدة لتلك الصّورة فتبقى ممتنعة امتناعا بالذّات عن أن تعرف.
9) لمّا كانت الخبرانيّة قد وضعت أنّ العالم هو عالم مبنيّ من نفس المحتويات الحسّيّة، فإنّه اعتاص عليها أمر أن العالم إنّما هو يظهر لنا بنحو ماهو موضوعيّ، أي بنحو ما هو غير أنا، كما يقول سارتر؛ فالمحتويات بمجرّدها لا يمكن أن تظهر إلاّ بنحو الذّاتيّة والباطنيّة. فحينئذ اضطرّ أهل الخبرانيّة أن يضعوا معانيا زائدة على محض المحتوى، كمعنى الحكم، أو قوانين التّنازع، وغير ذلك. ( أنظر سارتر، التّخيّل، الفصل الثّاني. وهذا الكتاب نحن بصدد انجاز ترجمة له سوف نصدرها عمّا قريب.)
10) أي أنّ ماهيّة الوعي بما هو وعي هو الوعي نفسه. ولذا فإنّ أيّ إدخال لمعان مكانيّة مردّها للموضوع الطّبيعيّ، فإنّه سيكون وقوعا في الخلف والشّناعة بحكم نفس ما تمدّنا به البداهة الأيدوسيّة، هذه البداهة الّتي تفيدنا بأنّ جوهر الوعي إنّما هو الوعي، وأنّ جوهر الطّبيعة هو الإمتداد. ( أنظر هوسّرل، أفكار مسدّدة من أجل فينومينولوجيا وفينومينولوجيا متعالية، المجلّد الأوّل، المقالة الثّانية، الفصل الثّاني. )
11) أي أنّ تعريف المحتوى الحسّيّ عند أهل الخبرانيّة يقوم على اعتبار أصله الخارجيّ، على معنى أنّه حسّيّ لكونه متأتّيا من الخارج الّذي هو الخارج الحسّيّ. وتقييد معنى الحسّ بالأصل الخارجيّ قد منع إطلاق معنى الهيولى على ما لايكون له محتوى خارجيّ مثل الأمور المعنويّة. فإذن إطلاق ذلك المعنى من معنى الخارجيّة من شأنه أن يسوّغ أن نطلق الهيولى على معان كالعاطفيّة والإرادة.
12) هنالك، أي في تياّر الوعي.
13) ليس هو جزء حقيقيّا، بمعنى ليس هو جزء مادّيّا في الوعي.
14) أي أنّ حقيقة المعاييش هي تتحقّق في معنى القصديّة مثلما كان قد بان فيما سلف أنّها تتحقّق في كونها واعية.
15) وذلك إنّما هو مرتبة القصديّة الأولى الّتي قلنا عنها بأنّها تؤسّس الزّمن الباطني أو الوعي الهيولانيّ. وفيما يلي هذه القصديّة تقوم قياما قصديّا ، وليس قياما حقيقيّا أو منطقيّا، قصديّة أخرى تضع وضعا أوّليّا وليس بتوسّط، الوعي أو الذّات في صلة بالعالم. وهو إنّما هذه القصديّة الّتي سوف يفصّل المؤلّف القول فيها.
16) فمن عظيم خصال هذه المقولة، كم سيبيّنه المصنّف فيما بعد، هي أنّه يشبه من أمرها أنّها قد حلّت حلّت شافيا مشكلة من أعوص المشاكل الّتي حيّرت الفلاسفة منذ ديكارت، وهي مشكلة كيف يمكن للذّاتيّة الّتي هي باطنيّة محضة أن تدرك العالم الّذي هو خارجيّة محضة. فالجواب لم يخرج من حلّين اثنين : إمّا أن نضع وجود عالم خارجيّ، والفكر يصير عرضا له، وبذلك يمتنع أن يكون العالم مُدْرَكًا. وهو حلّ النّظريّة المادّيّة. وإمّا أن نثبت وجود الفكر وجودا مطلقا، ولا يكون العالم نفسه إلاّ فكرة في الذّهن. وهو حلّ المثاليّة الغالية أي مثاليّة باركليّ.
17) معناه أنّ خاصّ جوهر الوعي هو أن يكون متعلّقا تعلّقا قصديّا بموضوعه. فالموضوع للوعي ليس لا لازما طبيعيّا له، و لا لازما منطقيّا، في معنى لزوم الإضافة مثلا، ككون الأبوّة تقتضي إقتضاء منطقيّا معنى البنوّة. وإنّما الموضوع هو لازم للوعي لزوما قصديّا، أو في لغة أنطلوجيّة قد لايرتضيها هوسّرل، الموضوع إنّما لازم للوعي لزوما وجوديّا.
18) أي أنّ تعلّق الوعي تعلّقا قصديّا بالموضوع، وحضور الموضوع نفسه للوعي حضورا قصديّا إنّما هما حقيقة واحدة أو هما معنى واحد.
19) التّأويل الطّبيعاني في الوجود هو التّأويل الّذي يردّ كلّ حقيقتة الوجود إلى معنى واحد وهو معنى الجوهريّة والقياميّة بذاته. وهذا المعنى اضطرّ أهل الطّبيعانيّة من أمثال الطّبيعانيّة النّفسانيّة أن يردّوا إليه كلّ أنحاء الموجودات، بما فيها الوعي الّذي هو لو نُظِرَ إليه في ذاته من غير إلباسه مقولات مستجلبة من التّأويل الطّبيعاني لبان بيانا قطعيّا و مطلق الصّدق بأنّ جوهره إنّما هو التّعالي . ( أنظر، للا طّلاع على نقد مستوف لتاريخ نشأة التّأويل المجوهريّ للوجود في الميتافيزيقا الغربيّة، أهمّ أعمال هايدغر، ولاسيّما مصنّف الوجود والزّمن، وبخاصّة الفصل الشّهير منه في نقده لديكارت.)
20) القصديّة ليست صفة في الوعي، على اعتبار أنّ الصّفة إنّما تقوم بالموصوف، إذ ينبغي أن يكون الموصوف متحقّقا حتّى تتحقّق الصّفة به. ولكن سبق تحقّقّ الموصوف قبل الصّفة يقتضي أن يكون ما يقوّم جوهر الموصوف هو غير الصّفة. فلو كانت القصديّة إذن هي صفة للوعي، لاقتضى ذلك بحسب ما بيّنّاه، أن يكون تحقّقّ الوعي في جوهره هو تحقّقّا مستغنيا عن معنى القصديّة، وهو محال، لأنّا كنّا قد أظهرنا أنّ نفس جوهر الوعي إنّما هو أن يكون قصديّا.




________________________________________________________________


نظريّة الحدس
في
فينومينولوجيا هوسّرل
الفصل الثّالث
القول في النّظريّة الفينومينولوجيّة في الوجود:
قصديّة الوعي (الجزء الثّاني)*


القصديّة وعلاقة الذّات بالموضوع

وهوسّرل يناقض أيضا نظريّة من شأنها أن ترى في القصديّة عنصرا آخر قائما بين العالم والوعي، أي رابطة ما. فحينما نتكلّم عن القصديّة، فالأمر لا يتعلّق ب" علاقة بين حدث من الأحداث النّفسيّة، يُوسَمُ بالحال الوعييّة، ووجود آخر حقيقيّ، يوسم بالموضوع؛ ولا أيضا يتعلّق بارتباط نفسيّ يتحقّق في واقعة موضوعيّة، بينهما الاثنين " (الأفكار 68 ) إذ، علىذلك التّقدير، فستكون القصديّة إنّما هي وسيلة من أجل بيان علاقة الوعي بالعالم، وجوابا عن السّؤال: " كيف يمكن للوعي أن يُدْرِكَ الموضوع الّذي هو مفارق له ؟ " وحينئذ، اللّهم إلاّ إذا لم نُضْطَرَّ لأن نرى في القصديّة مجرّد حلّ لفظيّ، فإنّ الكلام فيها سيكون مفاده أن نقبل بأنّ الوعي يوجد بنحو الجوهر، وأنّنا نجد فيه بنحو الصّفة له، القصديّة الّتي لها أن تسوّغ لتلك الذّات الجوهر أن تتّصل بواقعة أخرى. فلعمري، إنّما القصديّة ليست بالسّبيل الّذي بتوسّطه من شأن ذات من الذّوات أن تلتمس الاتّصال بموضوع يكون موجودا إلى جنبها. بل إنّ القصديّة هي عين ذاتيّة الذّات. ونفس جوهريّتها إنّما هي في أن تتعالى. فالمشكلة المتعلّقة بعلاقة الذّات بالموضوع إنّما تجب في أنطلوجيا جوهرانيّة تنظر إلى الوجود على نمط الشّيء القائم في ذاته. ولذلك كانت علاقته بكلّ ما هو غريب عنه أمرا أيّما محيّر. أمّا هوسّرل، فلكونه، كما كنّا قد رأينا، كان قد ضرب صفحا عن التصّوّر المجوهريّ للوجود، فقد استطاع إذن أن يُرِيَ أنّ الذّات ليست شيئا ما يوجد أوّلا، ثمّ إنّه يتّصل بالموضوع ثانيا. بل إنّ علاقة الذّات بالموضوع إنّما هي ظاهرة بحقّ أوّليّة، وفيها إنّما توجد ما نطلق عليه " الذّات " و " الموضوع " . ويشبه أن يكون لأنّ هوسّرل كان قد تبيّن من الأوّل أنّ جوهريّة الوعي هي القصديّة، فقد عارض مبدأ وجود " الذّات " بنحو جوهر الوعي، وهذه المعارضة هي بيّنة في الطّبعة الأولى للمجلّد الثّاني من " الأبحاث المنطقيّة ". إذ لا شكّ أنّه كان قد بان له أنّ فكرة الأنا، إنّما تفضي بالاضطرار إلى ألاّ نرى في القصديّة إلاّ مجرّد عرض لذلك الأنا الجوهر. وليس إلاّ في الأفكار فقط، قد استطاع هوسّرل أن يجمع بين اتّصاف الوعي بكونه شخصيّا، والقصديّة.

فالقصديّة إذن هي ليست فقط حلاّ لفظيّا لمشكلة قديمة، بل إنّها لتمكّن من أن نتخطّى المشكلة الموضوعة مشكلة علاقة الذّات بالموضوع.

القصديّة والمدرسيّة

وقصديّة الوعي هي أصل موضوع أخذه هوسّرل من برنتانو الّذي كان لم يغادر الحقيقة الخبرانيّة والطّبيعانيّة. وبرنتانو نفسه كان قد استعارها من الفلسفة المدرسيّة. فعلماء المدرسيّة كانوا قد تبيّنوا بأنّنا وإن لم نفصل في أمر وجود أو عدم وجود موضوع التّعقّل، وهو أمر من شأنه، لِمَكَانِ تصوّرهم المجوهريّ للوجود أن يعرض عنه شكّ خاصّ، فنحن يمكننا، بفحصنا للحقيقة الباطنيّة في الوعي فقط، أن نتحدّث عن علاقة بالموضوع في داخل نفس تلك الحقيقة، وإنّها لعلاقة تخصّ الوعي جوهر التّخصيص. وذلك الموضوع الباطنيّ للوعي كانوا قد سمّوه الموضوع الذّهنيّ، أو الموضوع القصديّ. وهذا الموضوع الذّهني الّذي يختلف، قطعا، عن الموضوع الحقيقيّ بالعدد، فليس هو إلاّ صورة له. من أجل ذلك لم يكن تصوّر الوعي قد بلغ بِدْعِيَّةَ ما بلغه لدى هوسّرل، بل إنّه قد بقي عندهم حقيقة مغلقة على ذاتها، والقصديّة قد بقيت ظاهرة باطنيّة فيه. لذلك فإنّ اتّصاف الوعي بالقصديّة ما كان قد بُلِغَ به إلى معنى التّعالي الحقيقيّ، وإنّما إلى تعال محض نفسانيّ. وحياة الوعي قد بقيت في وجودها جوهرا على مثال الشّيء المادّيّ، والقصديّة لم تكن مقوّمة لنفس ضرب وجوده. أمّا فائدة التّصوّر الهوسّرلي للقصديّة فيكمن في كونه كان قد وضع في صميم نفس وجود الوعي ما يصله بالعالم.

القصديّة والحياة اللاّنظريّة

لقد خصصنا إلى الآن القصديّة بكونها علاقة بالموضوع. وهذه الخاصّيّة لا تتعلّق فقط بحياة الذّهن المحض نظريّة. وبحقّ، فجميع أشكال الحياة، أي الحياة العاطفيّة والحياة العمليّة والجماليّة، فتختصّ بعلاقتها بالموضوع. " إنّ كلّ تقدير فهو تقدير لشيء ما ( القيميّة )، وكلّ شهوة فهي شهوة لحال شهويّة، وغير ذلك. وأن نفعل فيقصد ما يُفْعَلُ، وأن نحبّ فيقصد المحبوب، وأن نلتذّ، فيقصد الملذّ، إلى غير ذلك. " (الأفكار 168) ففي كلّ واحد واحد من تلك الأفعال " فهناك نظرة تصدر من أنا، وتقصد على نحو الشّعاع إلى الموضوع المُتَعَلَّقِ للوعي المذكور، أي إلى الشّيء، وإلى " حال الشّيء "، وهلمّ جرّا، فتحقّق الوعي به، على نحو مختلف غاية الاختلاف بحسب فعل فعل من الأفعال. " ( الأفكار 169)

إنّ ذيل هذا الكلام قد أبان عن ظاهرة أيّما عظيمة: " على نحو مختلف غاية الاختلاف بحسب فعل فعل من الأفعال ". فإنّه يريد أن يقول بأنّ القصديّة ليست أبدا هي هي، كائنة في جميع أشكال الوعي وهي الوحيدة الّتي لها وظيفة الاتّصال بالموضوع، أمّا الأعمال الّتي تُخَصُّ بكونها عاطفيّة أو إراديّة، أيّ الأعمال الّتي إنّما مرتبتها مرتبة الظّواهر المحض ذاتيّة، فإنّها تنضاف إلى القصديّة الّتي هي دائما هي هي. بل إنّ القصديّة نفسها لهي تختلف بحسب كلّ حال حال من تلك الأحوال. فالعناصر الإراديّة والعاطفيّة في الفعل إنّما هي ضروب أيّما مخصوصة لقصد شيء ما خارج عنه، أي هي ضروب مخصوصة في أن يتعالى. وقد أفصح هوسّرل عن ذلك بيّن الإفصاح في موضع غير ذلك الموضع: " إنّ نوع استهداف " مجرّد تمثّل" حال ما لموضوعه هو يختلف عن نوع قضاء حكم ما عليه بالصّدق أو الكذب. وكذلك أنواع الافتراض والشكّ والأمل، والخشية هي مختلفة أيضا... " ) الأبحاث المنطقيّة ( 368, 367II, )

ومع أنّنا سوف نزيد هذه الإشارات بيانا في الفصل المقبل، وإنّا لسوف نضطرّ لأن نضع بعض الشّكوك على تلك الإشارت، فإنّ ما أسلفنا ذكره لهو من الأهمّيّة بمكان حتّى نفهم القصديّة وحتّى نفهم، على الجملة، روح الهوسّرليّة. إذ قد بيّنّا بأنّ موضوع المعيش، لِمَكَانِ نفس ضرب وجوده بكونه موجودا معيشا، فله حقّ في الوجود، وأنّ الحياة الواعية ونفس ينبوع فكرة الوجود ليس هما إلاّ لشيئا واحدا. ونحن نرى الآن بأنّ هذه الحياة المتعيّنة فلا بدّ أن تُأْخَذَ في أشكالها كلّها، وليس في شكلها بما هي حياة محض نظريّة؛ ثمّ على جهة اللّزوم، فإنّ العالم الواقعي ليس هو بمجرّد عالم الأشياء المُتَعَلَّقِ للفعل الإدراكيّ (فعل محض نظريّ )، بل هو عالم المواضيع الماعونيّة والقيميّة. والخصائص الذّاتيّة للأشياء الّتي تجعلها ممّا تعنينا، وممّا نعزّها وممّا نخشاها أو نبغيها... فلا ينبغي أن نجرّدها من فعل إنشاء** العالم، ولا ينبغي أن نعزوها إلى انفعال " محض ذاتيّ " للإنسان العائش في العالم. فإنّها لكونها إنّما تُعْطَانَا في حياتنا بنحو مُتَعَلَّقَاتِ القصديّة، فلا بدّ أن نعدّها بنحو ما يدخل في حقيقة الموضوعيّة. ولنفهم حقّ الفهم : فدخول " القيمة " و " المراد "، وال"ماعونيّ " في حقيقة الموضوعيّة، لا يعني أنّها هي تُعْطَى في تمثّل نظريّ ما. بل إنّ فائدة مقولة القصديّة الهوسّرليّة إنّما تكمن في مالها من معنى عامّ غاية العموم : إنّما هي تفيد فقط هذه الحقيقة العامّة جدّا حقيقة أنّ الوعي يتعالى، وأنّه يقصد شيئا ما مغايرا له، وأنّه ذو معنى. ولكن " أن يكون ذا معنى " لا يساوي بالاضطرار أن يتمثّل. ففعل الحبّ له معنى، ولكن هذا لا يعني أنّه يشتمل على تَمَثُّلٍ للموضوع المحبوب مقترنا بإحساس محض ذاتيّ، مبرّأ من معنى. وإنّما خاصّة الموضوع المحبوب فيكمن، على التّحقيق، في أن يكون مُعْطًى في قصديّة حبّيّة، وإنّها لقصديّة لا تقبل الردّ إلى تمثّل محض نظريّ.

فالمحمولات القيميّة، والمحمولات العاطفيّة وغيرها، إنّما تدخل في وجود العالم، وهذا العالم ليس بمعنى " غير لازم " لمحض التّمثّل. فوجود كتاب ما، مثلا، لا ينحلّ البتّة إلى حقيقة وجوده هناك، قدّامنا، بنحو مجموع من الخصائص الفيزيائيّة؛ وإنّما الّذي يقوّم وجوده إنّما هو اتّصافه بكونه عمليّا وماعونيّا: فهو يُعْطَى لنا، بنوع يختلف، مثلا، عن الحجرة. فالحياة المتعيّنة الّتي هي ينبوع وجود العالم ليست هي بمحض نظريّة، وإن كان للحياة النّظريّة لدى هوسّرل المقام المصطفى. بل إنّها لحياة عمل وشعور، وحياة إرادة وحكم جماليّ، وحياة اهتمام وعدم اهتمام. ومن هناك، فإنّ العالم، مُتَعَلَّقَ تلكم الحياة، صحيح هو موضوع للتّأمّل النّظريّ، ولكنّه أيضا هو عالم مَبْغِيٌّ، ومحسّ، وعالم العمل، والجمال والخير، والقبح والشرّ. وكلّ هذه المقولات إنّما تُنْشِئُ بقدر سواء، وجود العالم، و تكوّن هيئاته الأنطولوجيّة بنفس القدر الّذي تكوّنه به، مثلا، المقولات المحض النّظريّة المكانيّة. وهنا نتبيّن واحدة من اللّوازم أيّما الظّاهرة للرّأي الهوسّرلي. فمن أجل ذلك، كما قد كرّرنا غير ما مرّة، وكما سوف نرى في الفصل الأخير من الكتاب، فإنّ وجود العالم ليس هو صورة خاوية من شأننا أن نوقعها على جميع مقامات الوجود. وذلك لأنّ الإرادة، والشّهوة وغير ذلك، إنّما هي قصديّات تُقَوِّمُ، مثلها مثل التّمثّل، وجود العالم و ليست بعناصر وعييّة عارية عن كلّ علاقة علاقة بالموضوع، ووجود العالم نفسه لذو هيئة ذات وفرة تختلف بحسب اختلاف المقامات.

القصديّة والقوّة

ويظهر ممّا سلف أنّ القصديّة هي مقوّمة لكلّ صور الوعي. ولكنّنا نحن لم ننظر إلى الآن إلاّ في الوعي البيّن، واليقظ، و" النّشط "، كما قد سمّاه هوسّرل. فلعمري، إنّما حياة الوعي لا تقتصر على ذلك الوضوح وذلك التّميّز الّذين يتحقّق فيهما الفعل بيّن التّحقّيق. فهل القوّة قصديّة ؟ لقد كان جواب هوسّرل بنعم. فالوعي القوويّ يصحّ هو أيضا بنحو " الوعي بشيء ما "، " وما وراء الوعي الفعليّ ليس بمحتوى من الوعي أو مادّة له مبرّأة من القصديّة، على مثال إحساسات معطاة بنحو الحاضرة، ولكنّها تكون فقيرة من كلّ أخذ موضوعي لها." ( الأفكار 169 ) بل إنّ ما وراء الوعي هو حقيقة موضوعيّة. فالفعليّة والقوويّة المختلفتان إنّما تقتضيان القصديّة، وإن هما إلاّ ضربان لها. فالانتباه، على رأي هوسّرل، لا يُنْشِؤُ فعلا مختلفا عن البقيّة، كما الإدراك هو مختلف عن الإرادة، وإنّما يُنْشِؤُ ضربا ممكنا لكلّ الأفعال. إنّه لا يغيّر القصديّة، ولا يبدعها، بل ، بنوع ما، إنّما هو " تغيير ذاتيّ " لها. لأنّ الانتباه إنّما يحكي في كلّ قصديّة قصديّة، نوع اتّصال الأنا بموضوعه. وفي فعل الانتباه، فالأنا يعيش بالفعل، ويكون فيه بنوع ما تلقائيّا وحرّا. وفي الأفعال الفقيرة من الانتباه، أي في القوّة، فالأنا لا ينشغل انشغالا أوّليّا بالأشياء المعطاة. ولا يكون قاصدا قصودا ناشطا وتلقائيّا الموضوع. ولنشر هاهنا بأنّ عبارات مثل " الأنا يعيش تلقائيّا "، و" الأنا ينشغل أو لا ينشغل بموضوعه "، فليس لها، بالقطع، إلاّ مدلول وصفيّ، يكون في باطن القصديّة.

وللتّلخيص، فإنّ الأنا أفكرّ الغير فعليّ، مثله مثل الأنا أفكّر الفعليّ، لهو " وعي بشيء ما ". والقصديّة لقد بانت بنحو جوهر الوعي نفسه. " إنّ مفهوم القصديّة، إذا فُهِمَ على هذا النّحو الأعمّ واللاّمحدّد الّذي كنّا قد تصوّرناه، فإنّه يثبت مفهوما أوّلا وظاهرا من أجل الابتداء في الفينومينولوجيا. والخاصّية العامّة الّتي يدلّ عليها ربّما بقيت مبهمة ما شِيئَ من الإبهام حتّى يدقّق فيها أحقّ التّدقيق؛ وربّما انشعبت إلى كثرة ما شِيءَ من كثرة من التّشكيلات الجوهريّة المختلفة؛ بل وربّما أيضا كان من الصّعب ما شِئَ من صعوبة أن نحقّق بطريق تحليل دقيق وبيّن أيّ شيء يكوّن باختصاص محض جوهر القصديّة، وأيّ تشكيلات متعيّنة هي تشتمل عليها في ذاتها بنحو المكوّنات وأيّ منها الغريبة عن طبيعتها الباطنيّة؛ فأيّا ما كان الحال، فنحن إنّما ننظر إلى المعاييش من جهة دقيقة وفصل بإطلاق، حينما نقرّ بأنّها هي قصديّة، وحينما نقول عنها بأنّها هي الوعي بشيء ما." (الأفكار 171)

القصديّة والهيولى

ولكنّ الفكرة القائلة بوجود شقّ هيولانيّ في سيّال الوعي، أي شقّ مبرّأ من القصديّة لابدّ أن تحييه القصديّة حتّى تخلع عليه معنى وتجعله يستقصد موضوعا خارجا عنه، أفليست هي من شأنها أن تعيدنا إلى التّصوّر القديم للوعي، حيث الوعي، إذ يُنْظَرُ إليه بنحو الجوهر القائم في ذاته، فله نسبة ما غريبة بالموضوع ؟ وحينئذ أفلا تكون القصديّة إنّما هي بمنزلة الجسر الّذي يصل الذّات بالموضوع، وهو ما يعارض الإثباتات الّتي كنّا قدأسلفنا ذكرها ؟

إنّ روح النّسق الهوسّرلي، وما لفكرة القصديّة فيه من مقام، ليتعارضان أبين التّعارض مع مثل هذه الفرضيّة.
فأوّلا، إنّ المعطيات الهيولانيّة، كما تبيّنه الإنشائيّة الهوسّرليّة للزّمن، إنّما تكون نفسها مُنْشَأَةً وتنشئها قصديّة أبطن خاصّة بالوعي كنّا نحن قد أسقطناها من بحثنا هذا. فباعتبار سيّال الوعي المنشأ، فإنّ الإحساس هو شيء ما مادّي، ولكنّ الإحساس لا يمكن فهمه إلاّ بما هو مُتَعَلَّقُ فعل إحساسيّ، أي فعل أشدّ بطونا وذو هيئة خاصّة أيّما خصوص. فإذن إنّما هناك قصديّة في باطن الوعي؛ وهذه القصديّة هي العنصر الأخير والأوّل في الوعي لا يوصف بكونه موضوع شيء آخر من الأشياء البتّة : " فلا بدّ أن نفهم الأخذ بمعنيين اثنين: الأخذ المنشَأ بنحو باطنيّ، والأخذ الّذي يدخل في الإنشاء الباطنيّ، وفي إنشاء أطوار السيّال الأصليّ؛ أي يدخل في إنشاء الأخذ الأولّ الّذي لا يكون هو مُنْشَأً. " ( في الوعي الباطنيّ للزّمن 444)

ولكن إذا كان اتّصاف الوعي بالقصديّة يشبه أن يكون لاشكّ فيه، وإذا كانت القصديّة الباطنيّة، بما هي واقعة أخيرة لا تنشأ، فإنّها تبدع وجودها نفسه، وإذا كان، على طريق اللّزوم، كلّ أصل موضوع حسّانيّ فمنهيّ عنه في مبدأ الإحساس لدى هوسّرل، فمع ذلك فإنّ المشكلة الأصليّة مشكلة علاقة الوعي بالعالم إنّما تبقى قائمة. إذ تلكم القصديّة الباطنيّة الّتي تخصّ الوعي بكونه واعيا، أفلم تكن كافية لذاتها ؟ والقصديّة الّتي تروم موضوعا ما مفارقا، أفيمكن أن تكون ظاهرة جديدة بالإضافة إلى الوعي ؟

إنّ هوسّرل ما ملّ أن يكرّر بأنّ جوهر الوعي نفسه إنّما القصديّة. إلاّ أنّه هناك نصّ في الأفكار يشبه أنّه يؤكّد عكس ذلك. فهوسّرل، لمّا أخذ في صوغ مفاهيم " الهيولى " والصّورة النّوازيّة أو القصديّة المحية لها، لم يكن قد فصل القول في مسألة إن كان ممكنا " وجود المادّة عارية من الصّورة أو وجود الصّورة عارية من المادّة ". فإذن، هو يشبه على الأقلّ، أنّنا لم نكن نرى ممتنعا أمر مفارقة الهيولى للقصديّة. ومع ذلك، فهذا النّص لا يقطع في الأمر غاية القطع بل إنّه قد أَبْقى المسألة معلّقة.

الباب التّاسع والأربعون من الأفكار

وهناك موضع آخر من الأفكار، يبدو لنا أكثر بيانا. فهوسّرل قد بسط فيه بنحو المكمّل الضّروري لتحليل وجود الوعي، الفرضيّة القائلة بممكنيّة وجود الوعي صفرا من العالم، أي وجود الوعي مُرَدًّا إلى محض الباطنية. وإنّ هذا الرّأي يوجد في الباب التّاسع والأربعين المشهور من الأفكار الّذي كان قد أهاج الكثير من الكلام فيه والنّعت بالمثاليّة. ونحن نعتقد كما اعتقد السّيّد هيرنغ بأنّنا لا ينبغي لنا أنّ نتّبع هوسّرل في رأيه ذاك. إلاّ أنّ معارضتنا لرأي هوسّرل ليس في المقام الأوّل لجزمه بأنّه ليس للأشياء إلاّ وجود ظاهريّ، وذاك جزم كان هيرنغ قد انشغل بالنّظر فيه. إذ نحن لا نعتقد أنّه ينبغي أن نطلب للأشياء وجودا غير تابع للوعي، وذلك لأنّ لاتبعيّتها، بحسب ما يقتضيه تأويلنا نحن، لا يفهم بنحو النّفي للوجود المفارق، وإنّما مفارقتها هو نفس خصوصيّتها. ولا نعتقد بأنّ الوعي هو محتاج للأشياء لأن يوجد، كما كانت الأشياء محتاجة للوعي. فنحن في هذا الموضع لعلى وفاق مع هوسّرل. على أنّنا، وإن كنّا نتّبع هوسّرل في هذا الأمر الأخير، فإنّما ذلك على التّحقيق، لأنّ الوعي ليس مفهوما لديه على نحو من شأن أن يكون للتّبعيّة واللاّتبعيّة بالإضافة للعالم معنى. فوظيقة القصديّة، على التّحقيق، إنّما أن تخصّ الوعي من حيث ما هو تلكم الظّاهرة الأولى والبديعة، حيث الموضوع والذّات المنتسبان للفلسفة القديمة ليس يكونان إلاّ تجريدين. على معنى، أنّه يشبه أنّه إن كان ليس ينبغي أن نتّبع المثاليّة الهوسّرليّة، فذلك ليس لكونها مثاليّة، بل لِمَكَانِ أنّها تظنّ ظنّا مُنْقِضًا لضرب وجود الوعي بما هو قصديّة.

وأيضا، فلا ينبغي أن نبتدأ من الباب التّاسع والأربعين من الأفكار، وكأنّه نصّ أوّليّ. و قد كان السّيّد هيرنغ قد نبّه إلى ذلك. وَلِمَكَانِ أنّنا كنّا نرى في هذا الباب نفيا للتّأثير الجوهريّ للقصديّة، فلسنا نختلف في القول بأنّ ذلك ليست تقتضيه البتّة سائر أعمال هوسّرل كلّها. بل ربّما يكون من الواجب أن نؤوّل ذلك الباب بلحاظ النّسق بأسره، ولاسيّما مع الالتفات إلى الدّخول الجوهريّ للقصديّة في النّسق. وحينئذ فسوف نتبيّن أنّه ربّما كان نصّ الباب التّاسع والأربعين، وإن هو قد وضع ممكنيّة وجود وعي من غير عالم، فلم يكن يقول قولا ظاهرا بأنّ سيّال الوعي يمكنه البتّة أن يخلو من كلّ قصديّة متعالية. بل قصارى ما يظهره ذلك النّصّ، إنّما ذلك السيّال ربّما لم ينشإ الوجود الّذي نسمه ب" العالم "، إذ هو وجود مفارق ذو بنية محدّدة. وممّا يجعلنا نميل أكثر لمثل هذا التّأويل هو إثباتات كالّتي وردت في الموضع الآنف الذّكر مكمّلة لبيان آخر يعرض أيضا فرضيّة التّدمير الممكن للعالم : " ... فلاشيء قد تغيّر بسبب ذلك في الوجود المطلق للمعاييش؛ بل إنّ هذه الأخيرة لهي مقتضاة من أجل كلّ تلك. " ( الأفكار 87 ) " فهي مقتضاة من أجل كلّ تلك "، فهذا الإثبات، أفليس مفاده أنّ تدمير العالم إنّما هو ظاهرة ذات معنى محصّل وتقتضي بالاضطرار الوعي الّذي بعدما أن يدمّر العالم ليبقى على السبيل اللّزوم، حاملا لمعنى المفارقة، وإن كانت هذه المفارقة هي مفارقة " العالم المدمّر " ؟

وكذلك فهناك نصّ، هو سابق للأفكار، ولكنّه هو نصّ فصل أيّما فصل، يؤكّد فيه هوسّرل بيّن التّأكيد باستحالة وجود الوعي من غير القصديّة. " إنّ منشأ مفهوم الحياة الواعية إنّما يوجد في الأفعال النّفسيّة، و إذا كان بلوغنا بهذا المفهوم إلى معنى أعمّ، كان قد أدّانا إلى مفهوم الحياة الواعية الّتي تشتمل أيضا على اللاّأفعال، فإنّ الارتباط باقتران ما من شأنه أن يصلها إلى أفعال، أي بوحدة الوعي لهي على غاية من الجوهريّة حتّى أنّه حيثما انعدم مثل ذلك الأمر، فلا يكون ممكنا البتّة أن نتحدّث عن حياة واعية." ( الأبحاثII ) وفي الأفكار توجد أيضا أحكام مشابهة لتلك على نحو ذي وضوح أقلّ.

الأنا
و إنّ وصفنا لهيئة الوعي والقصديّة لا يمكن أن يلفتنا عن أمر اتّصاف الوعي بكونه شخصيّا. فالحياة النّفسيّة ليست بسيّال غير ذي هوهويّة في الزّمن. بل إنّ المعيش هو أبدا معيش الأنا. وفي الأبحاث المنطقيّة، كان هوسّرل قد أنكر أن يكون الأنا عنصرا في القصديّات؛ فالأنا هوهو جماع القصديّات الّتي تملأ زمنا ما وتستكمل بعضها بعضا. أمّا في كتاب " الأفكار"، فقد زِيد أمر آخر، إذ الأنا قد بان هناك بنحو العنصر الأخير في حياة الوعي. فالأفعال بنوع ما هي تخرج من الأنا العائش في تلك الأفعال. و بحسب الضّرب الّذي يعيش به في الأفعال، يكون لنا أن نميّز القبوليّة من تلقائيّة الوعي والقصديّة. ففي الأفعال الّتي تخصّ بكونها منتبهة، مثل أفعال الحكم المبدع والتّأليف، والجزم والنّفي، فإنّ فعل الأنا، وتلك التّلقائيّة بصورها كلّها، إنّما ينبغي أن يتقيّد بها الوصف قبل كلّ تأويل. إذ في بَعْضٍ من تلكم الأفعال الّتي " تضع "، فالأنا هو يعيش، لا بماهو حاضر فيها حضورا انفعاليّا وإنّما بما هو مركز للإشعاع، و " بما هو ينبوع أوّلي لحدوثها ". (الأفكار 253، 189، 102.) ففي تلك الأفعال هنالك ضرب من " كن " للأنا.

وإن كان الأنا هو فاعل ومُتَبَيَّنٌ في الأنا أفكّر البيّن والفعليّ، فهو ليس بغير ذي علاقة بحقيقة القوّة الوعييّة، لمكان أنّه قد يكون، مُلْتَفِتًا عنها نوعا من الالتفات. بل إنّ نفس هذا الوجود ملتفتا عن، لهو يعيّن محصّل التّعين حقيقةالقوّة: إنّها حقيقة بالقوّة لكون الأنا ملتفتا عنها. ونفس الممكنيّة المختصّة بالأنا، أي ممكنيّنته بأن يلتفت عن ذلك الأمر وأن يعود إليه تارة أخرى، فهو يقتضي أن يكون ذلك الأمر متحقّقا جوهريّ التّحقّق في الأنا. فماوراء الوعي إنّما يوجد للأنا بنحو أمره هو، إنّه بنوع ما، أمر حرّيته.

فهوسّرل إذن قد أخذ بالقاعدة الكانطيّة القائلة " الأنا أفكّر، هو لامحالة يصطحب أبدا كلّ تمثّلاتي. " ( الأفكار 109)

وقد بقي الأنا في مصنّف الأفكار صورة خاوية ممتنعة عن التّحديد. وهذا التّصوّر قد تغيّر مع اكتمال فكر هوسّرل الّذي عسى المصنّفات القادمة أن تجعله في متناول الجمهور. ففي تلك المباحث، فلقد نُظِرَ إلى الأنا في وجهه المتعيّن، وهذه الأبحاث قد أسّست لمبدأ بيان فينومينولوجيّ لمسائل قديمة كمسألة الشّخصيّة ومسألة الملكة، وغير ذلك. إذ في تلك الأبحاث لم يعد الأنا يُردّ إلى نقطة فارغة، و إلى محض صوريّة تخرج منها الأفعال. بل إنّ الأنا قد صار يُعَدُّ بنحو الشّخصيّة في تلك الأفعال. فلا بدّ أن نترقّب ظهور تلكم المصنّفات حتّي نزيد ذلك الأمر بيانا أكثر.

واعلم أنّ ما يعنينا هاهنا، إنّما هو علاقة القصديّة بالأنا. فالأنا ليس بجزء حقيقيّ للتّفكير، مثل الإحساسات مثلا. وهو ليتجلّى بها بنوع أيّما مخصوص كان قد سوّغ لهوسّرل أن يرى في حضوره في الوعي بنحو " ضرب من المفارقة في باطنيّة الوعي ". " فالأنا المحض هو ليس بمعيش كسائر المعاييش، ولا هو بجزء منشؤ للمعيش. " (الأفكار 109)

إنّ ضرب اتّصال الأنا بفعله ينبغي أن يصير موضوع بحث وصفيّ فينومينولوجيّ. ولكن لنقل السّاعة بأنّه لا ينبغي أنّ تضلّنا هذه العبارة. " " الأنا يتّصل بفعله "، كما لو أنّ الأمر يتعلّق بعلاقة في العالم بين أشياء أو بعلاقة الوعي بموضوعه. " فهذه المفارقة في الباطنيّة إنّما هي بنية مخصوصة أولى."

ونحن لننوّه بمخصوصيّة هذه " المفارقة في الباطنيّة " حتّى ننبّه إلى أنّ مقولة الأنا لا تنال في شيء من قصديّة الوعي. والوعي لا ينقلب ثانية، باستجلابنا للأنا، إلى" جوهر يقوم بذاته "، ويكون محتاجا للقصديّة حتّى يتعالى، بل هو قصديّة قبل كلّ شيء. وليس إلاّ في صميم تلك الظّاهرة وبشرط أن نتقيّد بضرب تعاليه في الوجود كان يمكننا أن نميّز جهة ذاتيّة وجهة موضوعيّة، وأن نميّز الأنا والموضوع. فلا يمكننا الكلام عن أنا، وعن نقطة تخرج منها الأفعال، إلاّ بماهو خاصّية باطنيّة قصديّة.

ولنلخّص، فإنّ مقولة الأنا، فلِمَكَانِ أنّها توجد للذّاتيّة وجودا مغايرا لوجود المعطيات الهيولانيّة، فإذن إنّها لاتنافى البتّة مقولة القصديّة بما هي جوهر الوعي، بل إنّها لتقتضيها.





بائعة الكبريت








الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
طائر الشرق
عضو ذهبي



عدد الرسائل : 55
تاريخ التسجيل : 01/09/2008

نظريّة الحدس  Empty
مُساهمةموضوع: رد: نظريّة الحدس    نظريّة الحدس  Icon_minitimeالثلاثاء مارس 22, 2011 7:42 pm

الاخت بائعة الكبريت
شكراً جزيلاً
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سقراط
مشرف عام
سقراط


عدد الرسائل : 4740
تاريخ التسجيل : 06/03/2008

نظريّة الحدس  Empty
مُساهمةموضوع: رد: نظريّة الحدس    نظريّة الحدس  Icon_minitimeالأربعاء مارس 23, 2011 4:51 am

بسم الله الرحمن الرحيم
يا علي مدد
أختي الروحية الغالية بائعة الكبريت
مساهمة مميّزة...جهدٌ طيّب
بارككم المولى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
نظريّة الحدس
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الباحث الإسماعيلي :: ساحة الحوار والتلاقي الفكري-
انتقل الى: