حكـــايــــات الأطفــــال . .
في شـــعر ســــليمان العيــــــسى
منذ
أدرك الإنسان العالم من حوله شغف بالحكايات التي تنقله إلى عوالم أخرى،
فوقع أسير الدهشة التي تأخذه بعيداً بأجنحة الخيال، حيث يتعرف على أشياء
جديدة لم يعهدها من قبل، ويخالط هذا النوع من القص المصادفات التي تضفي
على الحبكة الكثير من الأحداث المشوقة، التي قد يختلط فيها الواقع بالسحر،
وتتعدد أبطال الحكايات من ملوك وأميرات، وساحرات شريرات، وفرسان شجعان،
وحيوانات تتحدث بطلاقة، وأشياء لها قدرات خارقة، والأسطورة ليست بالمحصلة
إلا حكاية فنية لها خصوصيتها، فهي قد تجنح نحو المقدس، حيث تروي الأسطورة
ما يدور من أحداث بين الآلهة، أو بينها وبين البشر، فقد لجأ الإنسان في
أطواره الأولى إلى الأسطورة محاولاً تفسير العالم، الذي لم يستطع فهمه
ومعرفة أسراره وخباياه، كما تشترك الأساطير في تقديم مغامرات أبطالها من
العظماء، وحتى الأديان لجأت إلى القصة لتقدم لعامة الناس الحكمة بطريقة
مبسطة لسهولة حفظها وتوريثها لنشر مفاهيم معينة يجب اقتفاء أثرها في
الحياة اليومية، ولم تنجوا القصص من سطوة الأيديولوجيات، التي تهدف إلى
نشر معتقداتها بين الناس بأيسر السبل، لهذا ترافق القص منذ نشوء واستمرار
الحضارة البشرية حتى وقتنا الراهن، ولكن باختلاف الأساليب، فلم تعد
الحكايات والأساطير نتاجاً جماعياً مشتركاً، بل حصيلة ثقافية فردية بعد
انقراض القص الشفهي وشيوع التدوين والكتابة.
والأطفال كالكبار تشدهم
الحكايات، التي تحوي المتعة والتسلية أيضاً، وإن لم يفطنوا إلى الخبرات
الحياتية التي تتضمنها، وبذلك تبدو هذه الحكايات كتدريب أولي للصغار
لاستيعاب الحياة بأفراحها وأتراحها، لهذا اتسع الاهتمام بأدب الأطفال في
العصر الحاضر، فتخصصت فيه نخبة من الأدباء. والشعراء بدورهم حرصوا على
الاقتباس من القصص ليضمنوها قصائدهم، ولا سيما شعراء الأطفال الذين خبروا
أهمية القص على صعيد الشكل والمضمون. لا شك أن من أهم شعراء الأطفال في
الوطن العربي، هو الشاعر الكبير «سليمان العيسى»، الذي حرص على تضمين
قصائده الطفلية الكثير من القصص المحببة للأطفال، إضافة إلى معادلته
الشعرية، التي ترتكز على: المفردات المألوفة دون أن يمنع هذا من استخدام
بعض المفردات اللطيفة، وإن لم تكن متداولة أو شائعة بين الصغار، وتقديم
الأفكار النبيلة التي تزرع في الطفل منذ سنواته الأولى محبة المساعدة
والتعاون، فضلاً عن الصورة الشعرية الموحية، التي تترك في نفس الطفل أثراً
جميلاً يرافقه طيلة حياته، مع مراعاة الجملة الموسيقية القصيرة المناسبة
للإنشاد، فالطفل سرعان ما يحفظ القصيدة المغناة قبل أن يفهم جميع معانيها
ودلالاتها.
ولأن الأبطال في القصة أحد مكوناتها الأساسية حرص «العيسى»
على اختيار أبطاله من واقع الطفل وإكسابهم الصفات المحببة إلى الصغار، دون
إغفال تقديم النصيحة بطريقة غير مباشرة، فكانت الشخصيات من الدمى،
والحيوانات، والنباتات، والجمادات.
ولم يغفل «العيسى» الحدث وهو أحد
عناصر القص، لهذا اختار أحداثاً قريبة من عالم الطفولة، تنوس بين الخيال
الممتزج بالواقع، والحلم المتعالق مع المحسوس، إضافة إلى توفر عناصر
المتعة والتسلية، دون إغفال الفائدة في الآن ذاته. ونجد أغلب قصائد ديوان
«أراجيح تغني للأطفال» مصدرة بمقطع نثري يروي فيه «العيسى» للطفل القصة
المتخيلة، التي خرجت منها القصيدة، وأورد على سبيل المثال مقدمة قصيدة
«رسالة اعتذار»، التي صدرت بالمقطع التالي «أرسل الظبي الصغير شادن
الرسالة الشعرية الآتية إلى عفراء يحييها، ويعتذر لها من التهام شجرتها
الجميلة خطأ، ويدعوها إلى زيارته في البرية» ص30، كما يحفل الديوان
بالكثير من القصص الشعرية القريبة من أفكار الأطفال ومشاعرهم، فالشاعر
يحدثهم عن الطفل الذي يلعب بالطائرة الورقية، والأيل الذي يتغنى بجمال
الغابة، والفيلة التي تتراشق بالماء، والأب الذي يغني لولده الصغير،
والمخلوقات الفضائية التي زارت الأرض، والطفلة التي تنشد للطيور، والثعلب
الذي ينكر إلصاق صفة الاحتيال به ويزعم حبه لضحكات الأطفال، والطفل الكسول
الذي رافقته الأميرة في رحلة شيقة فصار نشيطاً يهوى العمل، والسمك الذي
يسبح بمرح في الحوض، والطفل الذي زار الريف فرأى الحيوانات فلم يعد
يخافها، والجمل الذي أرسل رسالة للطفلة ليشكرها على رعايتها له بعد فقدان
أمه.
وأختار مقطعاً قصيراً من قصائد الديوان يلخص المقولة العامة لهذه الدراسة المختصرة:
(القصة الطريفة
ليست سوى خيال
أسطورة ظريفة
وجودها محال
لكننا نحبها
ونقرأ الخبر
ونستطيب كل ما
فيها من الصور) ص19.
ديوان
«أراجيح تغني للأطفال» للشاعر الكبير «سليمان العيسى» جدير بأن يكون في
مكتبة كل أسرة تحرص على إنشاء أطفال يحبون الشعر، الذي يسمو بالروح، ويهذب
النفس، وينمي الفكر، وما أحوجنا إلى تنشئة جيل جديد يحرص على القراءة في
زمن طغت فيه الثقافة السطحية، التي تعتمد على البث التلفزيوني، والتلقي
السلبي دون مشاركة فعالة حقيقية في إنتاج المعرفة.