في إطار البرامج التي تتبناها شبكة الاغاخان للتنمية التي تنتشر في أكثر من ثمانية وثلاثين بلدا في العالم، نفذت الشبكة العديد من الاعمال والنشاطات بالتنسيق مع وزارة الثقافة السورية كان أهمها مشاريع ترميم القلاع في كل من حلب ومصياف وقلعة صلاح الدين في اللاذقية.
وذلك من خلال برنامج دعم المدن التاريخية الذي تتبناه مؤسسة الآغا خان للثقافة بهدف الحفاظ على المواقع الأثرية المتميزة وإعادة تأهيلها بطريقة تحفز التنمية الاجتماعية والاقتصادية في المجتمعات المحلية المجاورة لمشاريعها، بالاستناد الى رؤية منهجية وعلمية تركز على دور المجتمعات الاهلية في انجاح عمليات التنمية المتعددة والحفاظ على استمرارها، ووفقا لاتفاقية التعاون من أجل التنمية الموقعة بين شبكة الاغاخان للتنمية والحكومة السورية التي صادق عليها مجلس الشعب عام 2002.
ضمن هذا الإطار،وانطلاقا من مبدأ تشجيع السياحة المستدامة، استقبلت الشبكة وفدا سياحيا بريطانيا قام بزيارة عدد من المواقع الاثرية السورية والاطلاع على اعمال الترميم التي تنفذها شبكة الآغا خان للتنمية بالتنسيق مع المديرية العامة للاثار والمتاحف، حيث زار الوفد المكون من سبعين سائحا قلعة مصياف واستمع الى شرح مفصل حول تاريخ القلعة والمراحل التاريخية المختلفة التي مرت بها وكذلك أعمال الترميم التي نفذتها الشبكة في هذا الموقع الاثري الهام ومحيطه العمراني والتجاري.
وقد أبدى الوفد اعجابه وتقديره الكبير للمعالم النادرة التي تحفل بها المواقع السورية بشكل عام، ولجميع الجهود المبذولة من قبل الحكومة السورية وشبكة الاغاخان للتنمية التي تعتمد في برامجها على تأهيل المجتمع المحلي في المواقع التاريخية وتنميته بحيث يصبح قادرا على القيام بعمليات التنمية من تلقاء ذاته وذلك من خلال توفير البيئة المناسبة لهذه العملية التي تكفل ديمومتها كجزء من حياة الناس في تلك المناطق.
آراء وانطباعات
ـ تقول ليزلي تمبرسون (سائحة من مدينة لندن):
لم أكن أعرف القلعة من قبل لكنني سمعت عنها الكثير وأحببت أن أشاهدها بعد انجاز عمليات الترميم التي تدل على جهود كبيرة بذلها القائمون هنا حتى اصبحت على الشكل الذي نراه الان، وأعتقد أن سورية بلد مليء بالكنوز التاريخية الهامة والمواقع النادرة التي تستحق المشاهدة والاكتشاف.
ـ مايكل ساندرز (متقاعد ومهتم بالاثار):
اعتقد ان اهم نقطة جوهرية يمكن الاشارة اليها هنا هي مقولة تنمية المجتمع ونشر الوعي لديه حتى يكون قادرا على العناية والاهتمام بآثاره، وهي فكرة اثارت اعجابي بشكل كبير ذلك أن الشبكة تركز على بناء المجتمع المحلي فيما يشبه الانطلاق من القاعدة الى القمة بعكس ما يحصل عندنا في الغرب عموما حيث يكتفون بصرف الاموال على اعمال الترميم دون الاهتمام بالجانب المعرفي لسكان المناطق المتاخمة للمواقع الاثرية، لكنني الان احاول ان أتعلم من تجربتكم هنا كي انقلها الى بلدي حيث يكون الخبراء هم ابناء المجتمع نفسه.. اعتقد ان المجتمعات المحلية في سورية حقققت نتائج لم تحققها مجتمعات انكلترا نفسها..
ـ أندريا نورث:
لقد تأثرت كثيرا بما رأيته من انجازات في قلعة مصياف، فما يفعله العمال والمهندسون رائع جدا ويدل على جهد وصبر وتحليل علمي دؤوب ومستمر، لذلك فانني احب أن أعود الى هنا بعد عدة سنين لأرى كيف تطورت منطقة القلعة وجوارها.
ـ مورا ويلكنز:
الشيء المميز في الاثار السورية انها تتموضع في الغالب على تلال وهضاب وهي نقطة يمكن ان تساعد كثيرا في فهم طبيعة هذه الاثار واستيعابها عبر اجراء مقارنات بين مختلف المواقع كقلعة الحصن القريبة من النماذج الاوروبية في البناء.. أقترح على المعنيين وضع مخططات تفصيلية للقلعة تشرح كل المواقع فيها حتى تكون دليلا للسائح يفهم من خلاله طبيعة هذا الاثر الهام.
مشروع الحفاظ على قلعة مصياف ومحيطها التاريخي
بدأت شبكة الاغاخان للتنمية اعمال الحفاظ على قلعة مصياف عام 2000 بالتنسيق مع المديرية العامة للاثار والمتاحف حيث تم اعداد برنامج شامل للترميم والتدعيم وذلك بهدف الحفاظ على الاستقرار الانشائي لهذا الموقع الاثري دون احداث أي تغيير في بنيته وعناصره الاساسية، وقد شمل الترميم جميع مستويات القلعة وجدران اسوارها الداخلية والخارجية ونفذت خطة لتحسين التصريف فيها، وقد قامت الشبكة بشراء عدد من العقارات المجاورة للقلعة والتي تقع على الشارع الغربي المحاذي لها وتم هدمها وازالتها وبالتالي كشف منظور القلعة من هذه الجهة وتحسين طريق الدخول اليها عبر الدرج الاساسي القديم والاطلالة الطبيعية المرتبطة مع الشارع الغربي المجاور للقلعة.
وتأتي أعمال الترميم هذه في اطار برنامج دعم المدن التاريخية التابع لمؤسسة الاغاخان للثقافة بالتعاون والتنسيق مع وزارة الثقافة السورية حيث شمل المشروع قلاع حلب ومصياف وصلاح الدين في خطة متكاملة تشمل تحسين البنية الانشائية للمباني وتطوير البيئات العمرانية ورفع مستوى المرافق السياحية وتدريب موظفي المديرية العامة للاثار والمتاحف على التوثيق واعادة التأهل.
ولاتقتصر الأعمال التي تقوم بها مؤسسة الآغا خان للثقافة على أعمال الترميم أو إعادة التأهيل للمواقع الأثرية بل تسعى بالتعاون مع صندوق الآغاخان للتنمية الاقتصادية وعدد من الوكالات والبرامج الأخرى التابعة لشبكة الآغا خان للتنمية إلى تطوير السياحة في المدن والمواقع القديمة من خلال خلق مشاريع اقتصادية سياحية تسهم في النمو الاقتصادي والمناخ الاستثماري الإجمالي في المنطقة. وتعتمد هذه المشاريع على استراتيجية تنمية المنطقة المستهدفة بشكل شمولي، مركزة على خلق وزيادة فرص العمل الاجتماعية والاقتصادية لسكان المنطقة المعنية، وتطوير المشاريع الصغيرة ومنح القروض الصغيرة والتدريب المهني والتعليم.
الجدير ذكره ان شبكة الاغاخان للتنمية هي مجموعة من البرامج والمنظمات الدولية التنموية اللاطائفية التي تهدف الى دعم وتحسين افاق التطوير الاقتصادي والاجتماعي في سورية وأكثر من ثمانية وثلاثين بلدا في العالم، والاسهام بعمليات التنمية في هذه الدول بشكل متكامل. وتتضمن المجالات ذات الاولوية في سورية كلا من التنمية الاقتصادية والتنمية المجتمعية والتنمية الريفية ودعم مفهوم الاعمال الريادية وتحسين جودة الخدمات الاجتماعية وتقوية مؤسسات المجتمع المحلي وحماية التراث الثقافي بما في ذلك تطوير السياحة المستدامة.. وتنتشر برامج الشبكة في سورية على امتداد ست محافظات هي حلب ودمشق وحماه واللاذقية والسويداء وطرطوس وهي تستهدف سكان الأرياف والمدن على حد سواء.
زيد قطريب
تشرين