المواقع الرسمية للاسماعيلية الآغاخانية | |
|
| .. ),,( عزيز نيسين ),,( .. | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
المحامي ليث هاشم وردة مشرف المنتدى القانوني
عدد الرسائل : 1590 العمر : 45 Localisation : إذا أردت أن تحكم مصر طويلا فعليك باحترام مشاعر الناس الدينية واحترام حرمات منازلهم. وصية نابليون لكليبر تاريخ التسجيل : 11/05/2008
| موضوع: .. ),,( عزيز نيسين ),,( .. الأربعاء مايو 14, 2008 10:25 pm | |
| كان في قديم الزمان .. بلد , الغربال في التبن , والجمل دلاّل,والجربوع حلاق , و أنا في حضن امي اهتز , وبكري مصطفى شيخ الاسلام, والجاويش انجلي قائد عام
, وكركوز رئيس وزراء, وكان حاكم سلطان ,البلاد التي كانت تحت نفوذ هذا السلطان أشرقن شمس الحرية عليها , واخضوضرت شجرة الديمقراطية في تربتها .. الخير كثير
والراحة أكثر , سكانها لا هم لهم ولا غم . راحت ايام جاءت أيام , حل فيها -وقاكم الله – قحط لا يوصف . الذين كانو يأكلون الكثيرواللذيذ أصبحوا محرومين حتى من كسرة الخبز اليابس . وجد السلطان ان المجاعة ستفتك بالرعية فبحث عن طريق للخلاص . أطلق المنادين في انحاء البلاد , دارها بلدة بلدة , قرية قرية , حارة حارة , كان القرار الذي نادى به
هكذا : – يا أهالي البلد !الحاضر يعلم الغايب ! كل من قدم خدمة للسلطنة أو نفعا للوطن , فليسرع الى القصر ليقدم له مولانا السلطان وساماَ. نسي الناس جوعهم, حرمانهم , همومهم , ديونهم ,مصاريفهم ... وهرعوا الى السلطان هائمين بأوسمته .. فلكل وسام حسب حجم خدماته .. وسام المرتبه الاولى مطلي
بالذهب, وسام المرتية الثانية بماء الذهب , وسام المرتية الثالثة بالفضة , وسام المرتبه الرابعة بالقصدير ,والخامس توتياء والسادس تنك وهكذا .. وهكذا فلاوسمة انواع ..
الذاهب يحصل على وسام والآيب يحصل على وسام وبقي الحال على هذا حتى انه , من فرط صنع الاوسمة , لم يبق في بلاد السلطان ذاك شيء من خردة الحديد او توتياء
او تنك .. وكيف ان (الجنجل ) المعلق في رقبة البغل يصدر باهتزازه صوتا (شنغر شنغر )هكذا أخذت الاوسمة تهتز على السطور المنفوخة كالمنافيخ. سمعت بقرة عن الاوسمة ,شنغر شنغر, تقرقع على صدور الناس , وان السلطان يمنح قاصديه اوسمه , ففكرت : – الوسام في الواقع من حقي انا ! ووضعت في ذهنها فكرة الحصول على الوسام. وبالرغم من كون عمودها الفقري وقفصها الصدري ناقبين , وانها تطب على الارض كمن يزحف زحفا , فقد حضرت الى باب القصر ركضاَ ,قالت لرئيس البوابين : – اخبرو السلطان بأن بقرة تريد مقابلته . أرادوا صرفها فبدات تخور : – لا أخطو خطوةواحدة من أمام الباب قبل ان أواجه السلطان ! أرسلوا للسلطان : – مولانا , بقرة من رعيتكم تسأل المثول أمامكم . لتات لنرى باية حال هي هذه البقرة ! قال السلطان : – خوري لنرى ما ستخورين به ! قالت البقرة : – مولاي , سمعت بانك توزع أوسمة اريد وساما . فصرخ السلطان : – باي حق ؟ و ماذا قدمت ؟ ما نفعك للوطن حتى نعطيك وساما !؟ قالت البقرة : – اذا لم اعط انا وساما فمن يعطاه ؟؟؟ ماذا اقدم الانسان بعد كل هذا ؟ تأكلون لحمي وتشربون حليبي وتلبسون جلدي . حتى روثي لا تتركونه .. بل تستعملونه فمن اجل
وسام من التنك ماذا اعمل ايضا ؟؟؟ وجد السلطان الحق في طلب البقرة فأعطاها وساما من المرتبة الثانية . علقت البقرة الوسام في رقبتها وبينما هي عائدة من القصر , ترقص فرحا َ, التقت البغل : – مرحبا يا اختي البقرة ؟ – مرحبا يا أخي البغل! – ما كل هذا الانشراح ؟من اين انت قادمة ؟ – شرحت البقرة كل شيء بالتفصيل , واذ قالت انها أخذت وساما من السلطان , هاج البغل , وبهياجه , وبنعاله الاربعة , ذهب الى قصر السلطان : – سأواجه مولانا السلطان ! – ممنوع الا انه وبعناده الموروث عن ابيه , حرن وتعاطى على قائميه الخلفيين .أبى التراجع عن باب القصر. نقلوا الصورة الى السلطان فقال : – البغل ايضا من رعيتي , فليأت ونرى ؟؟ مثل البغل بين يديه . أخذ سلاما بغلياًَ , قبّل اليد والثوب, ثم قال أنه يريد وساما فسأله السلطان : – مالذي قدمته حتى تحصل على وسام ؟؟ – آ ... يا مولاي.. ومن قدم أكثر مما قدمت ؟ ألست من يجمل مدافعكم وبنادقكم على ظهره أيام الحرب ؟ألست من يركب اطفالكم وعيالكم ظهره أيام السلم ؟؟ لولاي ما
استطعتم فعل شيء أصدر السلطان اذ راى البغل على حق قرارا : اعطوا مواطني البغل وساما من المرتبه الاولى وبينما كان البغل عائدا من القصر بنعاله الاربعة , وهو في حالة فرح قصوى .. التقى بالحمار . قال الحمار : – مرحبا يا ابن الاخ قال البغل : – مرحبا ايها العم . – من اين انت قادم والى اين انت ذاهب ؟ حكى له البغل حكايته قال الحمار : – ما دام الامر هكذا سأذهب انا الاخر الى سلطاننا وآخذ وساماً! وركض بنعاله الاربعة الى القصر . صاح حراس القصر : داه .. جي .. لكنهم لم يستطيعوا صده بشكل من الاشكال , فذهبوا الى السلطان : – مواطنكم الحمار يريد المثول بين أيديكم . هلا تفضلتم بقبوله ايها السلطان ؟؟ قال السلطان: – ماذا تبغي يا مولطننا الحمار ؟ فاخبر الحمار السلطان رغبته . فقال السلطان وقد وصلت روحه الى أنفه : – البقرة تنفع الوطن والرعية بلحمها وحليبها وجلدها وروثها , واذا قلت البغل , فانه يحمل الاحمال على ظهره في الحرب والسلم , ومن ثم فانه ينفع وطنه , ماذا قدمت انت
حتى تأتي بحمرنتك وتمثل أمامي , دون حياء , وتطلب وساماً؟ .. ما هذا الخلط الذي تخلطه ؟ فقال الحمار وهو يتصدر مسرورا ً: – رحماك يا مولاي السلطان. ان اعظم الخدمات هي تلك التي تقدم اليكم من رعاياكم الحمير , فلو لم يكن الالوف من الحمير مثلي بين رعيتكم , أفكنتم تستطيعون الجلوس على
العرش ؟هل كانت استمرت سلطتكم ؟ احمد ربك على كون رعيتكم حمير مثلي تماما , ومن ثم على استمرار سلطنتكم ! أيقن السلطان أن الحمار الذي أمامه لن يرضى بوسام من التنك كغيره فقال : – ايه يا مواطني الحمار, ليس عندي وسام يليق بخدماتكم الجليلة , لذا آمر بأن يقدم لك عدل من التبن يوميا في اسطبل القصر . كل كل .كل جتى تستمرسلطنتي. | |
| | | المحامي ليث هاشم وردة مشرف المنتدى القانوني
عدد الرسائل : 1590 العمر : 45 Localisation : إذا أردت أن تحكم مصر طويلا فعليك باحترام مشاعر الناس الدينية واحترام حرمات منازلهم. وصية نابليون لكليبر تاريخ التسجيل : 11/05/2008
| موضوع: ستربتيز. ل عزيز نيسين الأربعاء مايو 14, 2008 10:39 pm | |
| كيف يسمح بوجود الصحف في بيت ينمو فيه الاطفال وكم من الدماء افسدوا لنا... ابني الكبير في الصف الثاني, البنت في الاول, والصغير مازال في البيت. في يوم الاحد كانت الاسرة كلها مجتمعة. وفي ايام الاحاد. كنا نستلم خمسة صحف اما في ايام العمل فثلاث. ـ جدتي, ماذا تعني ستربتيز؟ سأل الولد. كانت الجدة تكوي البياضات في الغرفة نفسها. ـ اخرس. من اين تعلمت هذه الكلمة! يجب وضع الفلفل في فمك على هذه الكلمة! يأتي بكل سخافة انهالت امي على الولد. ـ لم آت بشيء, هكذا يكتبون في الجريدة... نجمة الستربتيز... اجاب الولد. ـ اخرس, قلت لك!.. صاحت والدتي وسحبت الجريدة منه. ـ ليس هكذا, قلت لوالدتي سيستفهم الولد بهذا الشكل اكثر. على السؤال يجب الجواب.. ـ هذا الذي كان ناقصا! قالت والدتي... واحدة في مثل سني تشرح لولد ماتعنيه كلمة ستربتيز. عندها توجه اليّ الولد بالسؤال: ـ بابا, ماذا تعني ستربتيز؟ ـ هات الجريدة لارى جلب الجريدة.. صورة معبرة. عندما بدأت اشرح المشهد عما تعنيه الكلمة اقترب الصغيران الاخران. ـ هل ترون هذه الصورة... اذا قامت المرأة هكذا بخلع ارديتها رداء وراء الاخر يسمى هذا (ستربتيزاً). المرأة في الصورة تخلع ارديتها تريد الذهاب الى النوم. ـ والاولاد الا يعملوا ستربتيز؟ سألت ابنتي. ـ لا.. الفتيات فقط لماذا؟ ماذا اجيب؟ ـ الشباب لا يخلعون ارديتهم هكذا.. البنات فقط. ـ هل سأعمل انا ستربتيزاً؟ ـ هذا ايضا!.. صاحت الجدة ـ انت لن تعملي يابنيتي... قلت لها. ـ لماذا؟ الست فتاة؟ ـ يا مجنونة مازلت صغيرة.. تكبرين وتعملين... قال لها ابني مقالة العارف. ـ جدتي هل كنت تعملين ستربتيزاً؟ سألت البنت جدتها فجأة. ـ علمهم... علمهم قالت لي امي بحنق وخرجت من الغرفة الى المطبخ هازة رأسها. مساء وعلى العشاء, كان مفترضا ان يأتينا ضيوف ثلاثة من أصحابي مع زوجاتهم مخرج, مهندس ومدير عام. منذ زمن بعيد وأن اميل للسينما لذا فقد كوّنا مجموعة سينمائية, والاجتماع من اجل بحث امور العمل. كان علي ان اكتب السيناريو, المدير العام والمهندس وعدا بتمويل المشروع, زوجة المهندس تلعب الدور الرئيسي في الفيلم, والمخرج لاخراج الفيلم. متعاونين بهذا الشكل كنا نرغب بإنتاج فيلمنا الاول بأقل التكاليف. التم الضيوف. كنا لا نزال جالسين الى الطاولة والبحث يجري. كان الاطفال في الغرفة ايضا. فجأة اسمع ابني الاكبر يسأل زوجة المخرج, وهي راقصة سابقة: ــ خالتي.. هل تستطيعين ان تعملي ستربتيزاً؟ ستظن حتما بأن نحن الذين علمنا الولد... اسكت.. اصمت. اشرت اليه مضطربا ــ لقد قرأ اليوم في الصحيفة هذا قلت لهم مكشراً. ــ ولكن بابا لماذا يخلعون الملابس بهذه الطريقة. اسرعت زوجتي بإخراج الطفل من الغرفة. واخذنا بالتحدث حول الفيلم. فجأة برز ابني في غرفة الضيوف والجريدة في يده متوجهاً فوراً الى زوجة المخرج: ـ خاله, ماذا تعني كلمة (بيت عمومي)؟ توجد هنا صورة... انظري... ـ تعال الى هنا ـ قلت له فورا تعال ـ لاشرح لك انا... (البيت العمومي). ومن اجل انقاذ الموقف قلت موجهاً الحديث للضيوف. ــ طفل... اولاد فضوليون.. يقرؤون كل ما يرونه في الصحيفة ويستفهمون عن كل شيء.
ــ هيا بابا... بسرعة. ــ البيت العمومي هو بيت عادي ولكنه عمومي.. ـ وهل بيتنا عمومي!
ابتسم الضيوف ـ لا اجبته بيتنا خصوصي... ـ لم افهم شيئاً, ولكن ماذا تعني (بيت عمومي)؟ ـ سأقول لك غدا... اذهب الان الى اخيك واختك... في هذه المرة دخلت الصغيرة والملحق بيدها وقالت لنجمة السينما: ــ خالتي. اقرأي ماذا تقول هذه الخالة... ــ اية خالة؟ قرأت في الصحيفة اسم نجمة سينما شهيرة تقول: (الطريق الى المجد يمر عبر سرير المخرج( ــ ترهات جرائد سخيفة قالت زوجة المخرج. ــ بابا ولكن لماذا يمر الطريق عبر السرير؟ ــ يا ابنتي الا تنامين احيانا مع ماما في السرير؟ ــ ولكن الا يوجد لنجمة السينما سرير خاص؟ ـ يوجد, يوجد... يوجد ولكن احيانا مثلا تتأخر على الباص او تمرض... هبت زوجة المهندس واقفة. ـ نحن نستأذن. ـ مازال الوقت باكرا جدا؟ الى اين؟ والعشاء؟ أنا مستاءة قالت زوجة المخرج. ـ عدم المؤاخذة... مستاؤون مني؟ من ولد غير واع يسأل عن معنى البيت العمومي؟ تغيرت القسمات على وجوه الجميع فجأة. نهضت ايضا زوجة المدير العام. ـ نحن ايضا... آن اوان الذهاب. ـ ياسادة ارجوكم... ارجو عدم المؤاخذة... اذا كان اطفالنا...
قام الضيوف وخرجوا بهدوء. حسن ان الامر انتهى عند انهيار مشروع الفيلم. استاء اصدقائي الثلاثة مع زوجاتهم ومنا ومن بعضهم. اما زوجتي فقد رتبت علقة جيدة للاولاد, وبالكاد استطعنا تخليصهم من بين يديها
ـ هذا ليس تربوياً... منذ ذلك اليوم وانا لا اسمح للصحف دخول بيتي اقوم بقراءة الجرائد اثناء العمل واجلبها الى البيت سرا لتقرأها زوجتي ليلا على السرير.
لن تستطيع الجرائد التسلل الى بيتنا... لن تستطيع... ! | |
| | | المحامي ليث هاشم وردة مشرف المنتدى القانوني
عدد الرسائل : 1590 العمر : 45 Localisation : إذا أردت أن تحكم مصر طويلا فعليك باحترام مشاعر الناس الدينية واحترام حرمات منازلهم. وصية نابليون لكليبر تاريخ التسجيل : 11/05/2008
| موضوع: أنا لا أحب التملق . ل عزيز نيسين الأربعاء مايو 14, 2008 10:42 pm | |
| دخل إلى المركز الصحفي الذي أعمل فيه، و كنا يومها بحدود تسعة صحفيين, و كانت المرة الأولى لذلك لم أعرفه، و مما زاد استغرابي أن جميع أصدقائي هبّوا واقفين، لذلك و بشكل لا شعوري وقفت. نكزني أحد أصدقائي قائلاً: - هيه.. انتبه, إنه كاظم بيك! ارتعبت كثيراً حتى ظننت أن قلبي هوى إلى ركبتي، كيف لا ؟!! و هو ذاك المليونير الذي يملك الملايين، عدا عن ذلك فهو صاحب هذا المكتب الصحفي... --اجلسوا.. صرخ كاظم بيك بأعلى صوته. جلس الجميع استجابة لأوامره عدا شوقي أفندي ظلّ واقفاً، فمن الجدير ذكره أن شوقي أفندي هو رئيس التحرير. --هيا اجلس فأنا لا أحب التملق. - على رأسي يا بيك، لنجلس إذا كانت هذه رغبتكم. إلا أنه ظل واقفاً كالقصبة، و الأنكى من ذلك أنه ضمّ كلتا يديه فوق بطنه و لوى عنقه على كتفه. من المعروف عن كاظم بيك كرهه الشديد للتملق والمتملقين / برافو / أحييه على هذا الموقف الرائع. تفرست في وجه شوقي أفندي دون أن يشعر بي لأنه كان منشغلاً بتحريك عنقه الملوي مبدياً إعجابه بكلمات كاظم بيك، لم يكتف بذلك، بل راح يكرر كلماته المعهودة، " نعم, هذا واجب مقدس على كل واحد منا" . صرخ كاظم بيك و بأعلى صوته: -- هيا اجلس في مكانك..؟ - نعم يا سيدي سأجلس و أنفذ كل ما تأمرون به. لكن هذا الصفيق بقي واقفاً و لم يجلس. ما هذه الصفاقة و الوقاحة! كاظم بيك يأمره بالجلوس و يقول له إنه لا يحب التملق و المداهنة بينما هذا يقف حانياً عنقه على كتفه مردداً نعم يا سيدي و أمرك يا سيدي، و لكن، آخ لو كنت بجانبه لدققت عظامه و صرخت في وجهه بأعلى صوتي: لم لا تجلس أيها المعتوه... غضب كاظم بيك من هذا الموقف و صرخ ثانية.. --لم لا تجلس, أنا لا أحب التملق و لا حتى المتملقين، هيا اجلس و تابع عملك!... مرة أخرى راح يكرر نفس العبارات " على رأسي يا سيدي، تأمر أمر, سأجلس " و كذلك ظل واقفاً دون حراك. شده كاظم بيك من هذا الموقف حتى أنه لم يستطع الحديث إلينا و لا حتى الانصراف لقد لجمه تصرف هذا المعتوه و ما كان إلا أن يغير طريقة تعامله مع شوقي أفندي، و بذلك راح يحدثه بكل لطف ومودة: --لم لا تجلسون يا عزيزي، تفضلوا بالجلوس يا صديقي، أرجوكم اجلسوا و لا تزعجوا أنفسكم. أجابه شوقي: -أستغفر الله يا سيدي، عذابكم راحة لي يا سيدي، أتمنى أن لا أقصر أمام شخصكم الكريم. لم يستطع كاظم بيك تحمل هذا الموقف, و ما كان منه إلا أن أطلق ضحكة مجلجلة ملؤها التهكم و السخرية و قال له: --اسمكم الكريم شوقي أليس كذلك!!! -نعم يا سيدي. أستغفر الله يا سيدي، أرجوكم يا سيدي، لم أفعل شيئاً بعد. تأجج الغيظ في داخلي و راحت رغبة عارمة تمزقني و تدفعني كي أصفعه على وجهه و أمسكه من خناقه و أرفعه و ألقيه في مكانه. كثيراً ما كان أصدقائي يحدثوني عن شخصية شوقي أفندي هذا، و الجدير بالذكر أنني حديث العهد في هذا المكتب و لم يمض على تعييني أكثر من شهر. -- لم لا تجلس يا أخي!... - أستغفر الله يا سيدي، إن الجلوس يسيء الأدب لشخصكم الكريم، لذا أستميحكم عذراً بالسماح لي بالوقوف لأنه يريحني و يجلب السعادة و الطمأنينة إلى قلبي. كان شوقي أفندي يستجدي كاظم بيك بالسماح له بالوقوف بصوت أقرب ما يكون إلى البكاء, و عندما لم يتمكن كاظم بيك من إجلاسه استدار نحونا و قال: -- أنا لا أحب التملق و لا المتملقين، أفهمتم ؟! اسمعوا جيداً، عندما أدخل ثانية لا تقفوا لي فهذا يزعجني، فمن الأجدر بكم متابعة العمل. استدار و خرج من الغرفة غاضباً. تبعه شوقي أفندي مردداً ديباجته التي باتت معهودة للجميع: " نعم يا سيدي على رأسي يا سيدي" . في فرصة الغداء راح كريم يعبّر لي عن استيائه و تذمره من شوقي أفندي: _ يوه، كم هو متملق! فأنا لم أصادف بحياتي متملقاً مثل هذا و لا حتى سمعت عن ذلك. - يوه ه ه ... لا تقل ذلك، صحيح أن مجد التملق الشرقي قد ولّى دون رجعة و لكن هذا لا ينفي عدم وجود تملق غربي أوربي. من المعرف عنه، بأنه يبدأ بحديثه بشكل دائم بأنه لا يحب التملق و المداهنة. إنك لا تعرف ماهية التملق الغربي، و إلا لعرفت الفرق بين التملق الغربي و الشرقي. على كل إنسان و خاصة الأغنياء جمع عدد من المتملقين حولهم، مسكين كاظم بيك يملك كل هذه الأموال و البيوت، و العزب، و السيارات، و الزوجات و العشيقات، و مع ذلك تجده بائساً لا يحب الحياة, لماذا ؟.. لأنه لم يستطع جمع عدد من المتملقين، عندما تسمعه يقول: " لا أحب التملق " فإنه يقصد بأنه لم يستطع العثور و لا على واحد منهم، إنني أحزن عليه كثيرا,ً مسكين كاظم بيك، قل لي ماذا تعمل السكرتيرات لدى الأغنياء في أمريكا، بالطبع يتملقن لكن، على الطريقة الغربية. _ لقد أثبت لي يا كريم بأنك ضليع في علم التملق. - نعم ، لقد تعرفت على علومه و تبحرت في فلسفته، و قريباً إن شاء الله ستسمع أشياء كثيرة... و بالفعل لم يمض على حديثنا هذا فترة طويلة حتى ارتفع راتبه و أصبح بحدود ثلاثمائة ليرة علماً أن أجره الشهري كان مثل أجري بحدود المائتين لأنه بدأ العمل قبلي بثلاثة أشهر. لقد أدت هذه الزيادة غير الطبيعية إلى ضجة و بلبلة و سخط بين أوساط العاملين القدامى و الذين تجاوزت خدمة البعض منهم السنتين. ليثرثروا ما شاء لهم فإن راتبه ارتفع إلى الأربعمائة ليرة أي أنه يساوي خمسمائة ليرة، و عيّن مديراً للمكتب، بينما أصبح شوقي أفندي معاوناً له. لم يعد كريم كما كان، فمجيئه إلى العمل كان نادراً، مرة في الأٍسبوع أو مرتين، فيما بعد ارتفع راتبه إلى سبعمائة و خمسين ليرة، هكذا كان يزداد راتبه و بذلك تزداد الهوة في علاقتنا، بينما راح الأصدقاء في المكتب يطلقون عليه لقب البيك، و بالأخص صاحبنا مدير المكتب السابق شوقي أفندي, فقد كان يقف أمام كريم مزرراً جاكيته و مردداً: " يا سيدنا,أدام الله شخصكم الكريم." راح كريم بمرافقة كاظم بيك في سفراته الأوروبية، و ذات مرة ارتفع راتبه إلى الألفي ليرة بعد عودتهما. و بعد فترة أخرى إلى خمسة آلاف، و الغريب في الأمر أن لا أحد يعرف طبيعة عمله، البعض يقول إنه معاون كاظم بيك و الآخر يقول إنه سكرتيره أو وكيل أعماله. و لكن المعروف للجميع أنه كان ينوب عن كاظم بيك أثناء غيابه. صديقي كريم _ و الذي أعرفه تماماً _ شخص لا يتسم بأية سمة غريبة، لا ذكاء خارق و لا ديناميكية غير طبيعية و لا حتى مكانة علمية, شخصية كانت غير مفهومة بتاتاً و حتى أنها غامضة و لم يفهمها أحد سواي، لأنني أعرف تماماً كيف صعد السلم الوظيفي، و كيف تسلم مناصب عدة, كل هذا تم عبر التملق الغربي. لكنني لم أتعرف على كنه هذا التملق، لكن فيما بعد تعلمت أبجديته تماماً، كاظم بيك غني جداً كما أسلفت، يملك خمس أو ست مؤسسات و من بينها المكتب الذي أعمل فيه. ذات يوم و بمناسبة مرور عقدين على تأسيس المكتب قدم لكل واحد منا مكافأة بحدود أجر شهر، كذلك أقام حفلة ساهرة في أفخم فنادق المنطقة. في هذه الأمسية بالذات تعرفت على سر نجاح كريم، و كيف استطاع استيعاب مبادئ التملق الغربي. جلس كريم بجانب كاظم بيك، إذ كان لا يبعد عني, فبيني و بينه ثلاثة أشخاص, لذلك كنت أسمع حديثهما بشكل جيد، أو بالأحرى أتقصد سماعهما بشكل جيد، في نفس الوقت كنت أراقب تصرفات و سلوك كريم، عندما وقف كاظم بيك كي يشرب بصحة الحاضرين، أمسكه من يده و قال: - لا يجوز!... إنه مضر بصحتك. -- لا، لا يهم، أجابه كاظم أفندي، قدح واحد فقط. رد عليه كريم بقسوة و عجرفة: -لا يجوز يعني لا يجوز، و إذا كنت راغباً بذلك، اشرب، فلن أكون مسؤولاً بعد ذلك عن صحتك. أعاد كاظم بيك القدح و تكوم في كرسيه ثانية، و بعد هنيهة قال: -- الجو حار جداً في هذه القاعة الخانقة، هيا افتحوا النافذة.. قفز متملقنا الشرقي _ شوقي أفندي _ نحو النافذة, إلا أن صراخ كريم جمّد الدم في عروقه. " - لا تفتح النافذة!!" و التفت بعد ذلك صوب كاظم بيك قائلاً: - ماذا تفعل؟... و الله أنت كالأطفال, لقد عرقت يا روحي و لا يجوز أن تتعرض إلى لفحة هواء و إلا ستمرض. رد عليه كاظم بيك: -- لا ، لم أعرق. - كيف لم تعرق، و هل أنا لا أعرف ذلك. هكذا عدل كاظم بيك عن فتح النافذة بتناول كوب ماء، مدّ يده كي يملأ الكوب و إذ بكريم يؤنبه أشد تأنيب. - آه ه ه ه ! أجننت يا كاظم بيك ؟. -- لا، لا شيء أرغب بشرب كأس ماء.. التفت كريم أفندي يمنة و يسرة و كأنه يستطلع شيئاًُ ما, و بعدها قال: -الله. الله. ما هذا التصرف، لمّ لمْ تقل لي أنك راغب بكأس ماء ؟… غارسون كأس ماء بسرعة... كريم أفندي هذا، كان يحاول بكل السبل لجم حركة كاظم بيك، أما كاظم بيك فكان يستمع إلى توجيهاته و هو مطأطئ الرأس، حتى أنه في بعض الأحيان يتدلع كطفل صغير. --أرجوك يا كريم أفندي، أرغب في شرب قدح واحد فقط. -ألم أقل لك يا روحي يا عيني لا يجوز, ألا فكرت بصحتك. كريم أفندي كان متناقض المواقف, فقبل لحظات رفض أن نفتح النافذة, و الآن يقول لكاظم بيك: - الجو خانق هنا و الحرارة عالية، أليس كذلك يا كاظم بيك ؟ -- يوه ه ه .. لا لست متضايقاً من شيء. - نعم أنت متضايق فأنا أعلم بذلك، هيا افتحوا النافذة. ارتمى متملقنا الشرقي نحو النافذة كي يفتحها مردداً عبارته التملقية والتي اعتدنا عليها.." تأمرون يا سيدي ". استشاط كاظم بيك غضباً من هذا التصرف و صرخ فيه: -- دع النافذة، النادل هو الذي سيفتحها. - على رأسي يا سيدي، تأمرون، سأجلس لا تغضبوا يا سيدي. التفت كاظم بيك نحو كريم و سأله عن إمكانية تدخينه سيجاراً واحداً فقط. أجابه كريم: -السيجار يجر سيجاراً، و أنت اليوم دخنت أربع لفافات، كم طلبت منك ألا ترتدي هذه البذّة البنية في مناسبات رسمية كهذه، و الله " نبت الشعر على لساني ", كم أنت عديم الذوق، و الله لو أبتعد عنك لمدة دقيقة واحدة فقط لقمت بحماقات جمة. أجابه كاظم بيك بلهجة طفولية مدلعنة: --لقد نسيت. التفت كريم إلى الحضور و قال لهم: - كاظم بيك مثل الطفل، أنتم لا تعرفونه. تدخل متملقنا الشرقي قائلاً: - أمان يا ربي، ما هذا الكلام أستغفر الله، استشاط كاظم بيك غضباً و صرخ فيه: -- أيها المتملق، نعم أنا مثل الطفل, و لو لم يكن كريم بيك و عنايته الفائقة لكنت فارقت الحياة منذ فترة طويلة. نظر كريم إلى ساعة يده و قال: - هيا يا كاظم بيك لقد حان موعد النوم. أجابه كاظم بيك لاوياً عنقه: -- لنجلس قليلاً يا كريم. -لا يجوز لقد أصبحت التاسعة و النصف, و كي نصل البيت نحتاج إلى نصف ساعة على أقل تقدير، هذا يعني أننا تأخرنا و يجب أن تكون في سريرك الساعة العاشرة. و عندما همّا بالذهاب أمسك كريم أفندي القدح كي يدلق بمحتوياته في جوفه، عند ذلك لم أتمالك أعصابي و صرخت به: _ ما هذا ؟.. ماذا تفعل.. هاه ؟!! إنني أراقبك, هذا هو القدح الخامس, إنك لا تعير صحتك الاهتمام الكافي, هيا ضع القدح. أخذ كريم يتزلف لي قائلاً: -هذا القدح فقط, أرجوك. _ سأسمح لك هذه المرة، و لكن إياك و التكرار. وضع يده على كتفي و سحبني جانباً و قال: - برافو.. لقد استطعت التمييز بين التملق الشرقي و الغربي، كم من الدروس التي يجب استخلاصها عن كثب، تصور أننا لا نجيد حتى التملق الغربي, كم راتبك الشهري ؟ _مئتان و خمسون ليرة. - حسناً اعتبره خمسمائة ليرة، و غداً ستصبح رئيس قسم، و شوقي هذا سيصبح معاوناً لك. في هذه الأثناء دنا شوقي من الباب و أخذ يتملق كاظم بيك كعادته، " الله يطيل عمرك، كم كنا ذوي حظ وفير بمشاركتنا لمائدتك." صرخت به: _ابتعد عن طريقي أيها المتملق، لقد أهنت التملق. هيّا ابتعد حتى لا تراك عيناي. | |
| | | | .. ),,( عزيز نيسين ),,( .. | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |