انعقد الملتقى الأدبي الثالث في جمعية أصدقاء سلمية يوم الخميس 27 ت2 وكان محور الملتقى حول اللغة العربية بين الفصحى والعامية , بخطى تتسم بالجدية والمسؤولية انعقد هذا الملتقى ويوماً بعد يوم بدأت تظهر الجهود المبذولة من قبل المهتمين بالشأن الثقافي في جمعية أصدقاء سلمية حيث توافد على هذا الملتقى عدداً كبيراً من المختصين ومن المتذوقين للغة العربية ولكنوزها الدفينة في محيطها الكبير , بدأت الجلسة بعرض موجز لآخر أخبار الأدب والثقافة محلياً وعالمياً من قبل الصديق كريم وردة ثم افتتح المحور الشاعر الصيدلي (ميرزا ميرزا ) فقدم عرضاً لإشكالية استخدام اللغة العربية ضمن النشاطات والحوارات والمحاضرات الثقافية مع ما يحمله عصرنا الحالي من متغيرات وتكيف لغتنا العربية الحية مع هذه المتغيرات وانتقل بعد ذلك للحديث عن الوصول إلى صيغ تحفظ قواعد اللغة وسلامة النطق في إيصال الفكرة من المتحدث إلى المتلقي وفي هذا الصدد عرج على اللغة التي تنتشر وتسيطر على صحافتنا الالكترونية (لغة الشات) بشكل ملفت وقد أصبحت شائعة بشكل كبير .ثم انتقل المحور إلى الأديب الباحث (ظافر النجار ) حيث قدم دراسة شاملة وتكثيفية للموضوع بعنوان اللغة العربية بين الفصحى والعامية , وكما عودنا الباحث (النجار) فإنه قدم عرضاً رائعاً ظهر جلياً جهده فيه حيث تميز بالدقة والحرفية في هذا المجال فبدأ عرضه بتعريف اللغة كأداة للتعبير والتفكير وكيف تكون معطى اجتماعي تاريخي حيث شبهها بالكائن الحي الذي ينموا تبعاً للحالة الحضارية وكيف تموت فيها مفردات كما تموت خلايا الجسم فتزول منه , ثم انتقل إلى إشكالية الازدواجية في اللغة بين العامية والفصحى وكيف إن العامية ماهي إلا انزياحا لغوياً عن اللغة الأم حيث نسبة الأنزياحات تتعلق بقوة ونوعية المؤثرات التاريخية والجغرافية ففي ظل الازدهار تتقلص الإنزياحات وتسود اللغة الواحدة , ثم عاد بنا إلى الوراء فاستنتج حسب توفر الوثائق بأن اللغة بدأت تستكمل سماتها وهويتها الناجزة كلغة للثقافة إلى أن أصبحت لغة القرآن الكريم حيث وبفضله بقيت تحافظ عليها حتى الآن خلافاً لأغلب لغات العالم. وتابع بأنه لم يكن للعرب لهجة واحدة بل لهجات ولكن ازدياد الروابط والعلاقات المادية والمعنوية زاد من التقارب وسرع من ذلك الأسواق التجارية والثقافية والأدبية وكانت أقوى اللهجات آنذاك لهجتي (الحجاز و تميم )إلى أن حسم القرآن الأمر حين ورد بلهجة قريش الحجازية التي احتفظت بآثار استيعابها وتمثلها للهجات الأخرى وقد ورد في القرآن الكريم ألفاظ ليست قليلة تدلل على التأثر بأربعين لهجة أحصاها أبو بكر الو اسطي , وتابع رأيه فأظهر محاولات تسويق اللهجات العامية القطرية كبدائل للغة العربية في ظل التقهقر العربي حيث بات الدفاع عن الذات والهوية يستنجد بالماضي الزاهي مقدساً فيه حتى سلبياته راجياً العودة من خطر الانقراض إلى الطفولة السعيدة والتي باتت مطلقة الكمال بالنسبة لمجتمع مهدد لا بهويته فقط بل بوجوده ولكن مجرد يوتوبيا فالحياة لا تتبنى أحلام العاجزين , طبعاً نحن نعتز اليوم وغداً بأسلافنا المجتهدين الذين أعطونا إرثاً غنياً على صعيد اللغة والقواعد لكنهم غير معنيين بإيجاد حلول لمشاكل اللغة ولماذا نتكئ عليهم ولا نتجاوزهم , في العصر العباسي تكاثرت حلقات اللغويين والنحويين المجتهدين وصولاً إلى نشوء مدارس لغوية معرفية كمدرستي الكوفة والبصرة حيث كانت مدرسة الكوفة بحق ثورة على منطق النحو واستياء السليقة من الجمود إلى أن أحبطت لتؤخذ اللغة بالتلقين والتعليم المدرسي لا بالفطرة والطبيعة .
على ضوء ذلك يتساءل الباحث ألا يمكننا إعادة النظر بالقواعد بما يخدم سلاسة اللغة وسهولتها وقابلية استمرارها وتجاوبها مع الحياة العملية الجارية ؟؟ ما يعني قطع الطريق على نمو اللهجات وإعادتها إلى دورها الهامشي الطبيعي , ودفعاً للتوهم والدعوات العبثية قول : مقابل الفصحى لاتوجد عامية عربية لاتوجد عامية عربية هناك عاميات وهي لا تختلف من قطر للآخر بل من مدينة لأخرى لا بل هناك أكثر من عامية ما بين المدينة الواحدة وريفها وهي في الأصل انحراف وحيدان عن الفصحى بالدرجة الأولى .
يبقى السؤال يحاصرنا : هل نحن أمام شكل من أشكال اغتراب اللغة ؟؟ وماذا نقول عن فترات الانقطاع والاغتراب الإجباري للغة الأم في سياق سياسات (التتريك والفرنسة وما شابه ) حيث سيطرت اللغات الأعجمية بالإكراه على الدواوين والمؤسسات العامة المتحكمة والمؤطرة للعلاقات الاجتماعية حيث أصبح الحديث باللغة العربية مجرد واجب ديني أو قومي أو ترف ثقافي محظور ؟؟
مما يفسر سقوط الكثير من المفردات البديلة في حاضنة اللهجات العامية ,في النهاية يصل الباحث إلى نتيجة حل برأيه ممكن أن يدفع بلغتنا إلى مراتب اللغات المعاصرة ويتفوق عليها فيقول: ومع تحسسنا لمسؤولياتنا كل في موقعه وعلى قدر استطاعته نشعر إن المسؤولية أكبر من إمكانية أي فرد أو أفراد وبالتالي لابد من تحمل المؤسسات (الفوق وطنية و القطرية ) لمسؤولياتها وتفعيل الكفاءات والإمكانيات المتوفرة وبمشاركة علماء النفس والاجتماع والصوتيات لتخليص اللغة من إرث الجمود ولإيجاد معجم عصري للغة العربية يوازي (لاروس –الفرنسي و أكسفورد - البريطاني ) إضافة إلى معجم تاريخي يتتبع تاريخ استعمال وتطور المفردات والمعاني .
ويختم بشاهد للمتنبي العظيم : أنام ملء جفوني عن شوا ردها ويسهر الناس جرّاها ويختصم
مايعني أن مهمة الأديب هي الخلق والإبداع والتناغم مع إيقاعات الحياة دون حفظ القواعد والنحو اللذين يحاولون قياس الإبداع بمساطرهم العتيقة غافلين أن مهمة النحوي هي الجري وراء الأدب لفهمه وتمثله وبالتالي استنباط ما يمكن استنباطه من قواعد ,لا الادعاء الفارغ بقيادته والوقوف أمامه كعائق مما يجعلنا نستنتج أن صراع النحات مع الأدب هو صراع القواعد الثابتة مع الحياة المتحركة مع التنويه والجزم بأن الأدباء المتمكنين من لغتهم والمتميزين ثقافياً ومعرفياًهم من يعول عليهم تفتيح طاقات اللغة وإغناء زخمها التعبيري والتجديدي في حين أن الجهلة والمدعين لن يزيدوا اللغة إلا ارتباكاً وفقراً ولو تحت يافطة الحداثة والتحديث .
ولعل من حق لغتنا علينا أن نذكر بأن حروفها الهجائية تستطيع أن تلد / 12 / مليون كلمة , في حين أن المستعمل منها لا يتجاوز / 80 / ألف كلمة حسب إحصاءات الدكتور صبحي الصالح .
12 Dec 2008