اعتدنا في العقود القليلة الماضية مشاهدة أفلام تتحدث عن فكرة السفر في الزمن أو قراءة روايات تستعمل في حبكتها الروائية نفس المبدأ. أناس يتنقلون من الحاضر إلى الماضي إلى المستقبل، يغيرون مسارات الأحداث الماضية فتتغير معها أحداث الحاضر وبالتالي المستقبل.
فكرة السفر في الزمن Time Travel هي إحدى الأفكار التي طالما شغلت عقول البشر. فلنتخيل إمكانية الانتقال إلى الماضي لمقابلة عظماء التاريخ أو لرؤية الأحداث الكبرى التي شكلت حاضر الإنسان اليوم أو لرؤية الواقع الذي كان موجوداً على كوكب الأرض حتى قبل وجود البشر؛ لمشاهدة الديناصورات تجول الأرض، أو أكثر من ذلك، فلنتخيل أنه يمكننا الانتقال إلى المستقبل لرؤية ما سيصبح عليه حال الإنسان.
ما مدى صحة هذا المفهوم؟ هل (من الناحية العلمية النظرية البحتة) يمكننا التنقل في الزمن؟ هل هذه الأفلام أو الروايات مجرد خيال علمي أم أن جزئيات بسيطة منها تعتمد – ولو بشكلٍ سطحي – على مفاهيم علمية؟
مفهوم الزمن:
علينا بدايةً تحديد معنى الزمن. حسب تعريف قاموس أكسفورد الإنجليزي The Oxford English Dictionary فالزمن هو "الامتداد المحدود أو الفراغ المُكوَّن من الوجود المستمر". في القاموس الانجليزي المتقدم Advanced English Dictionary، هو "المسار المستمر من التجارب التي تمر فيها الأحداث من المستقبل إلى الحاضر إلى الماضي". فبنظرنا إلى ساعة يدنا فإننا نرى عقرب الثواني يتحرك وبهذه الحركة فإنه يقوم بعدّ الثواني التي أصبحت في تعداد الماضي.
العالم الشهير كارل ساغان (Carl Sagan 1934-1996) يرفض فكرة أن الزمن هو امتداد أو تدفق؛ فهو يقول أنه "إذا كان الزمن هو تدفق أو امتداد، فمقارنةً مع ماذا سنعتبره متدفقاً أو ممتداً. الزمن لا يمكن قياسه بواسطة الأحداث ولا يمكننا قياسه بواسطة الزمن نفسه".
الزمن هو شيء لا يمكننا أن نلمسه أو نراه و لكننا نرى آثاره. يمكننا رؤية آثاره على أجسامنا؛ فهي تكبر ثم تهرم ثم تموت والأمر نفسه ينطبق على الكثير من الأشياء الأخرى.
الزمن هو البعد الرابع في الكون The Fourth Dimension of the Universe.
فالزمن إذاً هو هذا الفراغ الممتدة فيه الأحداث متحركة بإتجاه واحد هو المستقبل فالحاضر فالماضي. بكلماتٍ أخرى، فإن ما هو في الغد بالنسبة لشخصٍ ما هو المستقبل وعندما يمر اليوم ويصبح ذلك الشخص في اليوم التالي "الغد: بمفهوم الأمس" فإن مستقبله تحوّل بذلك إلى حاضره... وبمرور يومٍ آخر، فإن حاضره انتقل ليصبح ماضيه.
تحديد مفهوم السفر في الزمن:
بشكلٍ ما، فإن الإنسان يقوم بعملية السفر في الزمن طوال حياته. فكما ذكرنا سابقاً هو يتحرك في الفراغ الزمني باتجاهٍ واحدٍ منذ ولادته وحتى موته. إذاً بهذا المفهوم، السفر في الزمن هو حقيقة فعلاً.
لكن ما نتحدث عنه هنا هو الانتقال من لحظة معينة الآن والذهاب إلى لحظة انتهت في الماضي لنعيشها وكأنها الحاضر أو أن نذهب الى المستقبل فوراً دون انتظار عداد الزمن الطبيعي لحياة أيٍّ منا. هل هذا ممكن؟
هذه الأفكار كانت موجودة منذ الأزل، ولكن أول من جعل التفكير بها بصورةٍ علميةٍ ممكناً هو آلبرت آينشتين (Albert Einstein 1879-1955) في نظريتيه النسبية الخاصة والنسبية العامة. حيث أوضح لنا فيهما أنه بوجود إحداثيات هندسية مناسبة في الزمكان1 (Space-Time) أو وجود تحركات معينة في الفضاء، فإن السفر في الزمن باتجاه الماضي أو المستقبل يصبح ممكناً.
في نظريتيه اللتين غيرتا نظرتنا الى الكون ككل، يشرح لنا آينشتين أن الزمان والمكان هما وجهان لنفس الشيء كما أن المادة والطاقة هما وجهان لنفس الشيء، ومن الجملة الثانية حول المادة والطاقة، أمكن وضع المعادلة الشهيرة ²E = m c التي أوصلتنا إلى الاستفادة من الطاقة النووية.
في النظرية النسبية الخاصة، يؤكد آينشتين أنه لا يمكننا أبداً الوصول إلى سرعة الضوء أو، بالتالي، تجاوزها.
و لكن في نفس الوقت فإن النظرية نفسها تصرح لنا بأن الزمن يمر بشكل يزداد تباطؤاً كلما ازدادت سرعة الجسم المتحرك. فمثلاً، الساعة الموجودة على متن طائرة تتحرك بسرعة كبيرة ستكون حركة عقاربها أبطأ من عقارب ساعة أخرى ثابتة عند مراقبة كلتيهما من قبل مراقب ثابت. وهذا تم إثباته عن طريق استخدام ساعتين ذريتين توأمتين (أي تم ضبطهما على نفس التوقيت). تم وضع إحداهما على متن طائرة و الأخرى بقيت ثابتة على الأرض وعند انتهاء رحلة الطائرة تم أخذ الوقت من كلتيهما فوُجِد أن الساعة التي كانت على متن الطائرة تأخرت في توقيتها ببضع الأجزاء من الثانية.
إذاً فبزيادة سرعة جسم معين سيستمر الزمن لديه بالتباطؤ. وباستمرار هذا التباطؤ، وبوصول حركته إلى سرعة تقارب سرعة الضوء، فإن هذا سيجعل الزمن لديه يتوقف. وحسب العديد من العلماء، فمعنى هذا أنه عند التمكن من تجاوز سرعة الضوء، فإن عداد الزمن سيبدأ بالتحرك بشكلٍ عكسي. أو بكلماتٍ أخرى، سيبدأ بالعودة إلى الوراء في الزمن.
بهذا المفهوم، وبتجاوز سرعة الضوء، فإن السفر في الزمن باتجاه الماضي سيصبح ممكناً. الحديث هنا هو من الجانب النظري فقط. ولكن لماذا تؤكد النظرية استحالة الوصول إلى سرعة الضوء؟ ما المانع من أن نصل في يومٍ ما إلى السفر بسرعة الضوء أو نتجاوزها؟ ألم يتمكن الإنسان من تجاوز سرعة الصوت؟
نعم لقد تمكن الإنسان من كسر حاجز الصوت، لكن لا يمكننا فعلاً أن نقارن سرعة الصوت بتلك الخاصة بالضوء. سرعة الصوت في المعدل هي حوالي 1225 كم/الساعة أي أنها لا تتجاوز الـ 0.3403 كم في الثانية.. في حين أن سرعة الضوء هي حوالي 300000 كم/الثانية.
كذلك فبحسب معطيات النظرية النسبية، فإنه بازدياد سرعة حركة جسم معين فإن كتلته النسبية تزيد بشكلٍ طردي مع سرعته وبوصوله إلى سرعة الضوء، تصبح كتلته لانهائية مما يمنع امكانية الوصول إلى هذه السرعة مهما حاولنا.
لكن عند الحديث عن زيادة السرعة والوصول إلى سرعة الضوء و استحالتها، فإننا – حتى معلوماتنا الحالية – نقول باستحالة السفر إلى الماضي. لكن ما هي إمكانية السفر إلى المستقبل؟
المصاعب النظرية مع السفر إلى المستقبل هي أقل بكثير. والعديد من العلماء يؤكدون أنها (من الناحية النظرية) ممكنة.
العامل المهم هنا هو عدم قدرتنا على الوصول إلى سرعة الضوء مما يعني أنه عند تمكن شخص ما من السفرعلى متن مركبة فضائية بسرعة تقارب سرعة الضوء، كما هو مذكور سابقاً، فإن هذا يعني أن الزمن لديه سيتباطأ بشكل كبير جداً. هو لن يلاحظ هذا التباطؤ بنفسه؛ و لكن لو أمكن (بشكل جدلي) لشخص من الأرض أن يشاهده على متن المركبة و هو يربط حذائه، فستبدو هذه العملية للمراقب من الأرض وكأنها تستغرق دهوراً. وعند عودة المسافر إلى الأرض، قد تكون الرحلة بالنسبة له قد استغرقت أياماً قليلة ولكن على الأرض سيجد أن عشرات الأعوام وربما قرن أو أكثر من الزمان قد مرّ.
آلة الزمن:
في معظم الروايات التي تمت كتابتها حول مفهوم السفر في الزمن، كانت هناك دائماً آلة يصعد إليها المخترع و يحدد التاريخ الذي يريد التوجه إليه (سواء في الماضي أو في المستقبل) ثم يشغلها و ينطلق بها في الزمن.
العلماء يحدثوننا الآن عن الإمكانية النظرية للسفر في الزمن. لكن دون أية آلات.
العديد من النظريات تتحدث عن ظواهر طبيعية ستكون هي الوسيلة التي ستمكننا من الانتقال من زمن لآخر.
الثقب الأسود (Blackhole): عند وصول نجم ٍ ما – ذا حجم ٍ يزيد أربع مرات عن حجم شمسنا – إلى نهاية عمره باستهلاكه لكل وقوده النووي، يبدأ في الانهيار تحت ضغط وزنه. هذا الانهيار يُكوّن ثقبا ً أسودا ً.
للثقب الأسود حقل جاذبية شديد الفاعلية لدرجة تمنع أي شيء (حتى الضوء) من الإفلات. يمكننا تخيل شكل الثقب الأسود بتشبيهه بمخروط واسع من الأعلى و يضيق جداً من الأسفل حتى يصل الى نقطة. يعتقد العديد من الفيزيائيين أن دخول جسم معين في هذه النقطة سيمكنه من النفاذ منها إلى جانبٍ آخر قد يكون زمناً آخر أو كوناً آخر يسميه العلماء الكون الموازي Parallel Universe .
الثقب الدودي (Wormhole): أو ما يسمى بجسر آينشتين – روزين... بالاعتماد على معطيات النظرية النسبية التي تنص على أن كل كتلة تقوم بتقويس الزمكان Curving Space-time ، فإنه بوجود كتلتين متساويتين في نقطتين مختلفتين من الفضاء فإنهما تقومان بعمل تقوسين متماثلين في الزمكان وبالتقاء القوسين يتم تكوين نفق يوصل نقطة الكتلة الأولى بنقطة الثانية. هذا النفق هو ما يسمى بالثقب الدودي.
يعتقد الفيزيائيون أن هذا النفق، لو تم العثور عليه، سيكون أفضل آلة تنقل مركبة فضاء، مثلاً، من الأرض إلى مجرة تبعد عنا ملايين السنين الضوئية2 في زمن قصير جداً نسبياً. بإعطاء مثال عملي؛ النجم سيريوس Sirius الموجود على بُعد تسع سنوات ضوئية من الأرض ( أي حوالي 90,000,000,000,000 كم) سيكون من الصعب – إن لم نقل من المستحيل – أن يتمكن طاقم بشري من الوصول إليه طبقاً لسرعات السفر في المركبات الفضائية المعروفة اليوم. ولكن إذا تمكنا من العثور على ثقب دودي فإنه سيمكننا من الانتقال من الأرض إلى النجم سيريوس في أيام قليلة. ما علاقة كل هذا بالسفر في الزمن؟ لنتذكر دائماً أن زيادة السرعة في الحركة تؤدي الى الإنتقال بشكلٍ تلقائي إلى المستقبل.
المشاكل المنطقية للسفر في الزمن:
عند النظر الى إمكانية السفر الى الماضي، تظهر لنا (بالتفكير المنطقي) بعض المشاكل التي تسمى Paradoxes أو المفارقات وهي حقائق تناقض نفسها.
- فيما يسمى بمفارقة الجد Grandfather Paradox، لو تمكن شخصٌ ما من السفر إلى الماضي وقام بقتل جده قبل زواجه من جدته. في هذه الحالة لن يكون ممكناً وجود هذا الشخص من الأساس. فكيف كان ممكناً إذاً أن يذهب ليقتل جده حينما لم يكن هو موجودٌ أصلاً؟
- لو تمكن شخصٌ من الذهاب إلى الماضي السابق لولادته هو، فكيف يمكن له أن يكون موجوداً؟ على فرض أنه وُلد في العام 1948، فكيف له أن يكون موجوداً في العام 1910 بينما لم يكن هو موجودٌ أصلاً؟
- لو تمكن شخصٌ من العودة الى زمن الموسيقي باخ وأخبره أنه يعتبرمن الرجال العظماء في زمننا، وأعطاه يداً بيد كل السيمفونيات الموسيقية التي سيؤلفها في مستقبله (أي في مستقبل باخ نفسه). فيأخذ باخ المعزوفات و يعيد كتابتها بنفسه ناسخاً إياها من تلك التي قدمها له ذلك الشخص. في هذه الحالة، باخ لم يؤلف بعد هذه السيمفونيات هو قام فقط بنسخها. بذلك هل ستوجد سيمفونيات لم يقم أحد بتأليفها؟
المحصلة النهائية:
بعض العلماء يرفضون فكرة السفر في الزمن من أساسها و منهم العالم ستيفن هوكنغ Stephen Hawking (المولود في العام 1942) والذي يؤكد أنه إذا كان المبدأ ممكناً، فلماذا إذاً لا نرى حولنا الآن الكثير من المسافرين في الزمن Time Travelers القادمين من المستقبل لرؤيتنا و رؤية حاضرنا – الذي هو الماضي بالنسبة لهم؟
هذه الحجة تماثل نظرية الفيزيائي إنريكو فيرمي (Enrico Fermi 1901 –1954) القائلة بعدم وجود حضارات متقدمة (غير تلك الموجودة على كوكبنا) في الكون وإلا فلماذا إذاً لا نشاهدهم يأتون إلى كوكبنا بشكل دوري و دائم؟ لماذا لا نشاهد مركباتهم الفضائية تهبط على أرضنا؟
الحقيقة التي يركز عليها العالم الراحل كارل ساغان هي أن عدم وجود زوار من كواكب أخرى نراهم يهبطون بمركباتهم على أرضنا لا يعني على الاطلاق عدم وجودهم في الكون. هو يؤكد أن السبب يكمن في حقيقةٍ بسيطة جداً ألا وهي أن كوكبنا بالغ الصغر في وسط مليارات المليارات من الكواكب والنجوم الموجودة في مجرتنا وحدها. ناهيك القول عن الكون ككل.
وبالنسبة للمسافرين في الزمن، فهو يقول أن الاحتمالات عديدة، فربما يمكنهم السفر فقط باتجاه مستقبلهم وليس باتجاه ماضيهم. أو ربما يمكنهم السفر إلى الماضي ولكن فقط في الفترة التي اختُرعت فيها آلة الزمن وليس قبل ذلك؛ وبما أن آلة الزمن لم يتم اختراعها حتى الآن فهم لا يمكنهم القدوم إلى زمننا. أو ربما يكونون متقدمين عنا جداً في المستقبل (بتعداد مئات أو آلاف السنين) و هم لذلك – ببساطة – لم يصلوا إلى زمننا بعد.
ساغان يؤكد أن الاحتمالات كثيرة. لكن من الناحية النظرية، السفر في الزمن (على الأقل بإتجاه المستقبل) ممكن.
في رأي فيزيائيين آخرين فإن وجهة نظر هوكنغ تماثل وجهة نظر العديدين في الماضي الذين كانوا يقولون أنه بما أننا لم نر أي رجل يطير في السماء من قبل، إذاً من البديهي أن نقول أنه من المستحيل أن يتمكن أي رجل من الطيران في المستقبل. دون ذكر آراء العديدين فيما يخص الإفلات من جاذبية الأرض والتنقل في الفضاء والهبوط على سطح القمر.
نعود إلى النظرية النسبية فنقول أن السفر إلى المستقبل ممكن نظرياً و لا يمنعنا من الوصول إليه سوى القدرة على إنشاء وسائط سفر متفوقة آلاف المرات عن تلك التي نعرفها اليوم. السفر إلى الماضي – حسب قدر العلوم المتوفر لنا حتى هذه اللحظة – يبدو مستحيلاً.
لكن الإنسان بدأ في هذا المضمار منذ فترةٍ قصيرة جداً قياساً مع عمر وجوده على الأرض. المستقبل سيحمل الكثير من الإنجازات و النجاحات. والعلوم الفيزيائية لا تتوقف عن التطور يوماً بعد يوم.
_________________________
[1] الزمكان هو الكل المُكوّن من جميع إحداثيات الكون (ثلاثة أبعاد فضائية و بُعد واحد زمني).
[2] السنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة واحدة من توقيتنا الأرضي... هذه المسافة تعادل ما يقارب الـ 9,460,000,000,000 كم.
المراجع:
1- A Brief History of Time – Stephen Hawking
Bantam Books, 1996
2- Time Machines: Time Travel in Physics, Metaphysics and Science Fiction – Paul Nahin
Springer Verig New York, 1993
3- Cosmos – Carl Sagan
Random House, 1995
4- Advanced English Dictionary
JDictionary Compay, 2003-2005
5-
www.NewScientist.com