افتتاح مفوضية الإمامة الإسماعيلية
في أتاوا – كندا , 6/ 12 / 2006
مقال : بقلم ماريا كوك
جريدة أتاوا سيتيزن ,كندا
منذ ست
سنوات , عرض الأغا خان على المهندسين تحديا غير معهود تمثل في إنشاء مقر له في
أوتاوا , عاصمة كندا يشتمل على المواصفات التالية : أن يكون البناء شفافا ونصف
شفاف , ويبعث على السرور والتحيرة والغموض , ويوحي بالأمور الباطنية والسماوية .
كانت الميزانية له مؤثرة , والمطالب ملحة : بناء مدهش بتكلفة / 54 / مليون دولار
تم افتتاحه رسميا اليوم .
وتقدم
ماريا كوك , التي تحدثت حوله مع المصممين والبنائين وجالت على البناء , فيما يلي
وصفا حول كيفية انجازه .
في تشرين
الأول 2002 , استلم المهندس الياباني المشهور
( فوميهيكو
ماكي ) , رسالة غير معهودة في مكتبه في طوكيو . كتبت الرسالة بالنيابة عن الأمير
أغا خان الرابع الزعيم الروحي لخمسة عشر مليونا من المسلمين الإسماعيليين في
العالم . الأغا خان , وهو الاسم الذي يعرف به هذا الزعيم , كلف المهندس ماكي بوضع
تصميم للبناء في أوتاوا , وهو البناء الأول في العالم الذي يمثله ويمثل شبكة الأغا
خان للتنمية التي تقدم الدعم للمشروعات الثقافية و الإقتصادية و الإجتماعية في
الدول النامية . تشتمل الرسالة المؤلفة من ثلاث صفحات والمرسلة من مقره خارج باريس
, على رؤيته حول البناء " الهدف المبين فيها – كمل قال الأغا خان – هو تأسيس
بناء يخلق عند الناظر الدهشة حول كيفية اجتماع عناصر البناء المختلفة , والأسطح
المتباينة المتصلة ببعضها البعض , ودغدغتها لأحاسيس العين " , مقترحا على
المهندس ماكي أن يستلهم الفكرة من حجر الكريستال , البلور المعدني , بشكله النقي
والمتعدد الألوان . توضح الرسالة إن مقاطع البلور الصخري
( الكريستال ) تسمح بالشفافية ونصف الشفافية ,
فتسبب عند العين إحساسا بالمسرة وبالحيرة معا بسطوحها الداخلية المتصلة بزوايا
مختلفة , خالقة إحساسا بالألغاز البصري . وبكلمة أخرى, يجب أن يكون البناء غامضا
وله صفة الباطنية إلى حد ما عند النظر إليه ,ولاينبغي أن يكون واضحا بل كالأثير
السماوي , ولا أن يكون جليا , بل من الصعب اجتلاءه . السيد ما كي ابن الثمانين
عاما يتمتع بذخن ثاقب وشخصية متواضعة : إنه عصري يجمع مابين الثقافتين الشرقية
والغربية في أعماله العمرانية الدقيقة , ويعلم أن ذلك ليس بالأمر السهل وبالرغم من
أن أعماله اشتملت على مشروعات عالمية عديدة , منها ناطحة سحاب في نيويورك , لكنه
لم ينفذ أية مشروعات في كندا . فالموقع بالنسبة للمفوضية لم يكن مجهزا والمناخ قاس
للبناء . كيف سينجز عمله بالدقة والحرفية التي اشتهر بها ؟ ثقافة البناء في أمريكا
الشمالية تختلف عن غيرها في أوروبا وأسيا , وهو يفضل السرعة والإقتصاد فيما يخص
الصنعة والمتانة . وقد قرأ السيد ماكي ومساعده البالغ من العمر / 47 / عاما رسالة
الأغا خان وأعاد قراءتها . لقد انجذبنا بجمالية أفكارها وفي الوقت نفسه جاهدا
لمعرفة معناها والمقصود منها , وبعدها وضعها السيد ماكي في مصنف بلاستيكي على
مكتبه . قال عنها السيد كاميموتو إنها لم تكن رسالة ذات بعد واحد , لقد وجدتها ذات
طبيعة رؤيوية وشاعرية مفرطة تتطلب قدرا كبيرا من الخيال المبدع . لم تكن هذه
الرسالة من النوع الذي يتلقاه المرء ويضعه في مصنف جانبا . لقد أخذنا نسخا عنها
ووضعناها على مكاتبنا لنعود إليها مرارا . إن عملنا يتطلب منا تحويل أفكارها إلى
تصميم عمراني , الفكرة صدرت عن الأغا خان , وبدأ فضول الناس يتنامى : من هو الأغا
خان , ولماذا يقيم بناء في أوتاوا ؟ إنه مولود في جينيف في سويسرا , ويحمل الجنسية
البريطانية , ويقسم وقته بين فرنسا وسويسرا . لقد تمت مقارنته بالدلاي لاما زعيم
بوذية التيبت , وكذلك بجورج سوروس , الملياردير والمحسن العالمي . في مقال نشر عام
/ 2002 / في جريدة بريطانية جاء فيه : " يبدو أن الأغا خان من عالم آخر تماما
, إنه مواطن عالمي من صنف خاص ليس بالضبط من أفراد عائلة مالكة , ولكنه أكثر من
إنسان ... رجل كل مكان ولكنه لم يأتي من مكان ... رجل أعمال , رياضي , مشغول جدا ,
محسن , شبه دبلوماسي بدور غير محدد في الأزمة القائمة بين الإسلام والغرب . "
يتمتع بثروة شخصية ورثها عن عائلته , ولديه استثمارات خاصة . ويمول أتباعه مؤسساته
الإنسانية التي تنفق حوالي / 600 / مليون دولار سنويا في إفريقيا وأسيا والشرق
الأوسط ...
تعود
صداقته مع كندا إلى السبعينيات من القرن الماضي , عندما رحبت حكومة / بيير ترودو/
بالإسماعيليين الذين طردوا من أوغندا
( مع بقية
الأسيويين في عهد الجنرال عيدي أمين ) . وأصبح عددهم اليوم في كندا نخو / 80 / ألف
. البناء الجديد الذي يفتتح اليوم مؤلف من طابقين , ويقوم بوظيفة دنيوية لا دينية
. سيكون مقرا رئيسيا لمؤسسة الأغا خان في كندا , الوكالة التي لا تستهدف الربح
بنشاطاتها , وتقوم بدعم المشروعات الإنمائية الإجتماعية وإفريقية . يشتمل البناء
على مكتبة ومكاتب إدارية , وكذلك على مقر إقامة ومكتب يستخدمهما الأغا خان خلال
زياراته لكندا . في أيار 2002 , طار السيد ماكي من طوكيو إلى مطار أوتاوا , وتابع
مباشرة إلى موقع البناء ... لقد اشترته مؤسسة الأغا خان لكندا , وتعادل مساحته
هكتارا واحدا , من مفوضية العاصمة الوطنية سنة 2000 بمبلغ / 5.24 / مليون دولار
... وبالتدريج – قال السيد ماكي – حاولنا تحويل الفكرة إلى مخطط . وفي الغالب ,
تتطلب الهندسة المعمارية بحثا طويلا إلى نوع من التصورات الصحيحة . .. فكر السد
ماكي إن البلور الصخري (الكريستال ) هو الرمز . له سطح قاس جدا يجب أن يعكس النور
لقد جلب معه خاتم زوجته الماسي إلى المكتب ليظهر تأثير الضوء , ودرس المهندسون
عينات من البلور الصخري الياباني . قال السيد كاميموتو: ماكان موضع اهتمامنا كان
سريع الزوال ومتغير باستمرار . وما تمت ملاحظته هو شفافية تامة في بعض المواضع
وغباشة في مواضع أخرى ,. ومن ثم توجد أعداد لانهائية من المواضع نصف الشفافة .
والطريقة التي ترى النور يتفاعل فيها من زوايا مختلفة لا تراها في جسم , بل ترى
النور يتراقص ضمنها . لقد فكرنا إنها قد تكون هي روح البناء التي طلب منا تقديمها
. عندما نال السيد ماكي جائزة / بريتزكر / لعام 1993 , الجائزة الأعلى شرفا , قالت
لجنة التحكيم : " إنه يستخدم الضوء بطرقة متقنة لخلق شعور بالبلور الصخري . "
وقد تخيل البناء مغطى بعدد متنوع من أشكال الزجاج . فالواجهات الرئيسية ستكون
مكسوة بنيو باريز أبيض , وهو مادة زجاجية متبلورة تشبه المرمر الصقيل الصافي اللون
الناعم . لقد صنع في اليابان , وتعكس ذراته الألوان المحيطة . وقال السيد ماكي عنه
إنه يعطي حافة قاسية جدا وصفات طبيعية , ولكنه يجعل البناء عاكسا للضوء . قال
السيد كاميموتو , إن الجدران الجانبية ستكمن مرتبة بقطع متعاقبة من الزجاج الشفاف
ونصف الشفاف , وسيشتمل البناء على بهو مفتوح عال وواسع مغطى بقبة من الزجاج غير
المتماثل ., لقد كان من المهم جدا قبول وفهم روح الكريستال لخلق تجربة انفعالية
وتأملية إلى حد ما عند اكتمال البناء . في 27 كانون الأول قدموا المخطط إلى الأغا
خان ومستشاريه في مقره بإيجليمونت , فرنسا وقال السيد كاميموتو , لقد شعر الأغا
خان إن الرؤية العامة كانت قريبة جدا مما
كان متصورا . من هنا كانت نقطة البدء لبسط عملية التصميم . لاحقا طار الأغا خان
إلى أوتاوا للموافقة على التصميم ولشكل النهائيين , حيث سيشغل البناء مساحة
/ 8.570 / م2 . الإحتفال الرسمي بافتتاح البناء
حدث اليوم . وقد حضره رئيس مجلس الوزراء من بين 350 ضيفا . هل سيكون الأغا خان
مسرورا بهذا البناء ؟ قال السيد ماكي لقد حاولت تحقيق رؤيته بجعله بناء حديثا
ومعاصرا , وإنه يشتمل على ملامح إسلامية معينة وبخاصة في الداخل . إن التنظيم
الأساسي للبناء مأخوذ من تراث العمارة الإسلامية . فالسّاحة المركزية – كما لاحظ
السيد كاميموتو ، شبيهة بالساحة المركزية في قصر الحمراء في اسبانيا ، الّتي تعود
إلى القرن الرّابع عشر .
ومن الخارج
, يتصف بالهيبة و السكون و الوقار . وما إن تدخل إلى الداخل حتى تحس بشعور
الإكتشاف للبهو الواسع و المفتوح تحت القبة و الفناء الواسع . المكان مملوء بالضوء
و تراقص الظلال من السقف المغطى بالزجاج . عن يمينك يدخل النور من الجدار الزجاجي
ليرتطم بالسقف و من ثم يرتد إلى الأرض . هذا القول عن الزجاج و نصف شفافيّته
المتنقلة و السطوع و الوضوح الذي يضفي على البناء مسحة من الحيوية هو جواب السيد
ماكي عن الصورة المتخيّلة عن الكريستال , رمز الإستخدام و الجمال المقترح من الآغا
خان . إنّ حجر الكريستال هو مكافئ لتلك الخصال التي جرت في عروق أجداد الآغا خان ,
الفاطميين الذين أسسوا القاهرة عام 969 م منذ أسبوعين تفقّد السّيّد ماكي بناء
المفوّضيّة , فقال عنه : " لقد جاء بأفضل ممّا توقّعت . وهناك ثلاثة مشاريع أخرى
قيد البناء في كندا : المركز العالميّ للتّعدّديّة في أوتاوا لتقوية السّياسة
والتّشريع لدعم العالم الثّالث ، و متحف الآغا خان في تورنتو المصمّم من قبل ماكي
و مساعديه , والّذي سيضمّ مجموعات نادرة من الفنّ الإسلاميّ , و المركز
الإسماعيليّ في تورنتو "
يتبع من المصدر المنقول منه