إن فنون مدينة القاهرة هو الدراسة الأولى بحجم كتاب عن الفن والعمارة التي أنتجها الفاطميون، السلالة الشيعية الإسماعيلية التي حكمت شمال إفريقية ومصر منذ عام 909 حتى عام 1171 ميلادي. اشتهر الفاطميون بتأسيسهم لمدينة القاهرة في عام 969 م، وكان فنهم – لاسيما المنسوجات والخزفيات، بل وأيضاً الأعمال المعدنية والبلور الصخري المنحوت والعاج والأعمال الخشبية، – هذا الفن كان موضع إعجاب على مدى ألف عام تقريباً. وقد أحضر الصليبيون والتجار الفن الفاطمي إلى أوروبة وحافظوا عليه كآثار باقية في خزائن الكنيسة، وهو ما يزال إلى اليوم موضع تقدير الجامعيين والكهنة بسبب صورها القوية التمثيل، عدا عن كونه غير معتاد في فنون البلدان الإسلامية المعاصرة، واستخدامه الأنيق والخلاق للخط العربي وبخاصة الخط الكوفي ذي الزوايا والذي تظهر فيه الأوراق والنقوش. ويضاف إلى الأمثلة الباقية عن الفن والعمارة الفاطمية كنزٌ غير عادي من النصوص من العصر الوسيط والتي تشكل دليلاً على غنى الثقافة البصرية التي كان يتشاطرها المسلمون والمسيحيون واليهود إبان العهد الفاطمي. لقد كان الفن والعمارة الفاطمي دائماً مغايراً نوعاً ما في تاريخ الفن الإسلامي بسبب المنحى الذي نشأ فيها (الغرب إلى الشرق) ومادة الموضوع (تمثيلية في زمن كانت فيه الهندسة والأرابيسك تتطوران في مكان آخر) والتوثيق الغني والدقيق بشكلٍ غير عادي في الحكايات الشعبية والرسمية بينما عالجت الدراسات المبكرة القرنين والنصف من الفن والعمارة الفاطمية كنوع واحد، هذا الكتاب هو الأول الذي يبين كيف نشأت وتطورت عبر الزمن.
يبدأ هذا الكتاب بوضع الفن الفاطمي في تاريخ الفن الإسلامي الأوسع ملخصاً الدراسات السابقة عنه. ويطرح الجزء الأول عدداً من الأسئلة حول ما إذا كان فن الفاطميين فن سلالات حاكمة عن قصد، يقصد منه مساندة ودعم سياسات الحكم أم أنه كان ببساطة نتاج زمنه ومكانه وبالتحديد الفترة عندما أدى الحكم الفاطمي الخيِّر على نطاق واسع إلى إحياء مصر بصفها مركزاً زراعياً وتجارياً وصناعياً وفكرياً وفنياً. يسأل أيضاً إذا كان للفن الفاطمي، كما عارض بعض المؤلفين، خصائص باطنية وشيعية تحديداً أم إنه مجرد جزء آخر من تاريخ الفنون البصرية المختلف في البلاد الإسلامية. ويتتبع الجزء الثاني أصول السلالة الفاطمية من بداياتها الغامضة في العراق وسورية وحتى ظهورها في ما يسمى بتونس اليوم في بداية القرن العاشر الميلادي. يضع هذا الجزء جدولاً زمنياً لتطور فن فاطمي أكثر من مؤقت في شمال إفريقية عندما حاول الحكام الجدد أن يؤسسوا أنفسهم وسلالتهم في محيط معادي نسبياً. ويستكشف كيف أن الحكام بدؤوا باستغلال علاقات السلالة الجديدة المعقدة. مع القوى المتوسطية المعاصرة وخصوصاً الإمبراطورية البيزنطية في الشرق والسلالة الأموية الجديدة في شبه جزيرة ايبرية، وكيف أن هذه السياسات ربما تم صنعها من خلال الفنون البصرية، أو لا.
ويوضح الجزء الثالث تأسيس القاهرة والازدياد السريع في النشاط العمراني الذي تلا تأسيسها عندما شيد الحكام الجدد الجوامع والقصور والأضرحة في مدينتهم الجديدة. ويعيد المؤلف بعناية دراسة الأسباب وراء تأسيس المدينة والصروح الجديدة التي شيدت هناك. كما يستكشف أيضاً العلاقات الممكنة بين الأبنية الفاطمية المبكرة في شمال أفريقية والأبنية المعاصرة في سورية حيث انجذب أصحاب المهن إلى هذه الحاضرة الجديدة والغنية. ويبحث الجزء الرابع في السلسلة الواسعة من الفنون الزخرفية – والتي تمتد من المنسوجات والخزفيات والأواني المعدنية والزجاج والبلور الصخري إلى الأعمال الخشبية والعاج والرسم – والتي تم إنتاجها في القاهرة إبان هذه الفترة بالذات عندما انضم الإسماعيليون والمهاجرون الآخرون إلى المصريين الأصليين لخلق أساليب وتقنيات لامعة جديدة. كما يتناول أيضاً دور التمثيل في الفن الفاطمي.
وكنتيجة لسلسلة من الأزمات في منتصف القرن الحادي عشر حول اعتلاء العرش والاقتصاد وطبيعة الدولة السياسية، لم يعد بوسع الحكام الفاطميين أن يستمروا في رعايتهم على مستوى عالٍ كهذا ولكن مع ذلك استمرت العمارة والفنون في ازدهارها قرناً آخر تحت رعاية وزراء ذوي نفوذ وثروات كبيرة. ويتناول الجزء الخامس العمارة – العسكرية والسكنية والدينية – من ستينيات القرن الحادي عشر وحتى سقوط السلالة الحاكمة في عام 1171. ويبين كيف أن الراعين الجدد تعهدوا أبنية أصغر لكن ذات أنواع متعددة أكثر لتحقيق نهايات جديدة. ويغطي الجزء السادس المجال ذاته للفنون الزخرفية حيث أن بعضاً من أروع الثروات في الخزائن الفاطمية قد تبعثرت وهاجر بعض أصحاب المهن من مصر سعياً وراء رزقهم إلى أماكن أخرى أبرزها سورية وإيران.
ويستكشف الجزء الأخير إرث الفن والعمارة الفاطمية في مصر وشمال أفريقية وصقلية بالإضافة إلى أوروبة الوسيطة والحديثة. إن العمارة الفاطمية، مع أن معظمها قد دمر، قد أسست نموذجاً للنشاطات اللاحقة لحكام مصر الأيوبيين والمماليك. لقد حول أصحاب المهن الفنون الدنيوية الفاطمية في أوروبة العصر الوسيط إلى أوانٍ طقسية وحُلَلَ للكهنة بعيدة كل البعد عن سياقاتها الأصلية. ولقد أدى إعادة اكتشاف التاريخ والفن الفاطميين في القرن التاسع عشر إلى اهتمام متزايد في الموضوع، لكن هذا الكتاب يشكل المعالجة الأولى للسلسلة المتكاملة للفنون البصرية من الفترة الفاطمية في شمال أفريقية ومصر.
والكتاب من خلال كتابته بأسلوب جذاب وسهل الفهم يركز على أمثلة محددة المكان والزمان بشكل أمين من العمارة والفن الفاطميين. وتركز المناقشات على أمثلة رئيسية موضحة بـ 165 توضيحاً، معظمها بالألوان. ويجمع الكتاب مكتشفات كثير من الباحثين وبعدة لغات وملاحظات موسعة وقائمة مراجع توفر دليلاً للمزيد من القراءة والبحث.