لنقوش الكتابية الفاطمية على العمائر في مصر
تأليف :فرج حسين فرج الحسيني
صدر حديثا عن مكتبة الإسكندرية كتاب بعنوان «النقوش الكتابية الفاطمية على العمائر في مصر» لمؤلفه فرج حسين فرج الحسيني، والذي يعد هذا الكتاب بمثابة انطلاقة نحو دراسات عميقة للخط العربي، حيث يبحث في خصائص الخط العربي وموضوع نشأة الكتابة العربية من الموضوعات التي أثير حولها جدل كبير من مؤرخي العرب القدامى وتتلخص آراؤهم في قولين مشهورين، الأول أن الخط العربي توقيف أي أنه ليس من صنع البشر.
بل إن الله (سبحانه وتعالى) علمه لآدم (عليه السلام) ـ غير أن هذا الرأي لا يقوم على حقيقة علمية ثابتة، بل وضع لتفسير بعض الآيات القرآنية. والثاني أن الخط اختراع؛ وفي ذلك رأيان أن العرب أخذت خطها عن المسند الذي عرف ببلاد اليمن، وأن العرب أخذت خطها عن الحيرة التي كانت تكتب بالخط السرياني.
وقد أثبت البحث العلمي عدم صحة هاتين النظريتين، حيث تأكد الباحثون من انقطاع الصلة بين المسند والسرياني والخط العربي. وقد توصل علماء الآثار والنقوش أمثال دوتي وهوبر وموزيل ودلمان وغيرهم إلى أن بعض النقوش العربية التي يعود تاريخها إلى ما قبل الإسلام، تظهر وجود صلة ما بين الخط العربي والخط النبطي.
ويعتبر الخط العربي أحد العناصر الفنية التي أسهمت بنصيب وافر في تشكيل الفنون الإسلامية، ولم تتجل عبقرية الفنان المسلم في نواحي الفن بقدر ما تجلت في الكتابة التي ابتكر طرق كتابتها ذهنه الخلاق، ولم يستوح فيها من الفنون السابقة، ولا استلهم عناصر زخرفيه كانت معروفة قبله، بل ابتدعها فأجاد وأحسن الابتكار وأطلق العنان لخياله.
وقد كان للإسلام دور عظيم في مجال الكتابة فالقرآن كثيراً ما يشير إلى الكتابة والقلم ومن هنا أخذ المسلمون يأنسون هذه التعبيرات ويعطونها أهمية خاصة. ويستعرض الكتاب أنواع الخط الكوفي التذكاري، الذي مر بمراحل تطور مختلفة بدأ فيها بطيء التطور ولم تدركه مزايا الخط الجيد كالتفريج بين السطور وتساوي ما بينها، إلا في القرن (الثاني الهجري/ الثامن الميلادي) وحين يتطور الخط الكوفي ينتج أنواعاً رائعة تنطق بالروعة، وتكشف عن براعة الفنان المسلم.
ويمكن تقسيم الخط الكوفي التذكاري إلى الكوفي البدائي والكوفي البسيط والكوفي البسيط ذي الهامات البسيطة، والكوفي البسيط ذي الهامات الزخرفية، الكوفي المورق وأصل الزخارف النباتية بالخط الكوفي المورق، الكوفي المزهر والكوفي ذي الأرضيات النباتية والهندسية والكوفي ذي اللواحق الزخرفية الخطية، والكوفي المضفر وذي الإطار الزخرفي والكوفي ذو الزخارف المعمارية وأخيراً الكوفي ذو الأشكال الهندسية.
وقد أطلق على هذا النوع عدة أسماء باللغة العربية مثل: الكوفي المربع والكوفي التربيعي، والخط الكوفي المسطر؛ حيث توجد بعض النماذج مختلطة من الأنواع السابقة للخط الكوفي فلا عجب أن يوجد شريط كتابي يجمع بين نوعين من الخط الكوفي، فلا عجب أن يوجد شريط كتابي يجمع بين نوعين من الخط الكوفي وتكون التسمية على النوع الغالب منها.
أما النقوش الكتابية في العصر الإخشيدي فهي محور احد فصول الكتاب الذي يركز على العصر الممتد من (323 ـ 358 ه) وهي الحقبة المعروفة بالعصر الاخشيدي. يلاحظ على شواهد القبور أن بعضها قبيح تذكره أصول الكتابة التذكارية وبعضها وسط بين هذا وذاك، وبعضها جار على أصول هذه الكتابة وتكثر فيه الكتابات الغائرة، إلا أن بعض الكتابات قد لازمها مزايا الحسن ودقة الانجاز إلى حد كبير.
ويكفي للتدليل على تمتع الكتابات الإخشيدية بمزايا التجويد والإتقان وعلاقتهما بمراحل التجويد واتصافها بالقوة والجمال الإشارة إلى مجموعة شواهد قبور منها شاهد مقبرة محمد بن عبد الله بن أحمد بن علي بن إبراهيم طباطبا
حيث يلاحظ فيها تناسق الحروف وتميزها بالوضوح وجريانها على خطة هندسية موضوعة ولا نلاحظ تزاحما بين الحروف ما يؤكد تمتع الكتابات الإخشيدية بالقوة والجمال. ويحتفظ متحف الفن الإسلامي بالقاهرة بكثير من شواهد القبور التي تحمل ملامح الكتابات الإخشيدية والتي تشبه أسلوب نقوش مئذنتي جامع الحاكم بأمر الله.
كما يقدم الكتاب دراسة وصفية للنقوش الكتابية الفاطمية، ويفند الباحث «النقوش الكتابية الباقية من العصر الفاطمي الأول (358 ـ 466 ه) (968 ـ 1073 م)، من خلال الكشف عن العناصر الزخرفية الفاطمية بالأزهر مستعرضاً الترتيب الزمني لنقوش الأزهر الكتابية وطريقة رسم الحروف وطريقة رسم الكلمات مقدما وصفا للزخارف النباتية.
وأيضاً النقوش الكتابية لمحراب فاطمي مبكر بجامع أحمد بن طولون، ونقش تأسيسي باسم والده الإمام العزيز بالله مدعما ذلك بالصور الفوتوغرافية والتحليل الأبجدي للكتابات. ثم «النقوش الكتابية الباقية من النصف الثاني من حكم المستنصر بالله» يستعرض الباحث النقوش والكتابات في الفترة من(466 ـ 487 ه)(1073 ـ 1094 م)
ومنها النقش التأسيسي والكتابات الزخرفية لمشهد الجيوشي والنقش التأسيسي لبدر الجمالي المحفوظ بالمتحف البريطاني بلندن ونقش تأسيسي لأحد المساجد من صعيد مصر يحمل سعد الدولة سارتكين الجيوشي، والنقوش الكتابية لأبواب القاهرة الحربية وأسوارها، وكتابات محراب الأفضل شاهنشه بجامع أحمد بن طولون.
ويعمل الكتاب على توثيق الكتابات الباقية من عصر الحافظ لدين الله حتى نهاية الدولة الفاطمية، ومن بينها نص تجديد جامع أحمد بن طولون باسم الحافظ لدين الله والقاضي أبو الثريا نجم بن جعفر بن عبد الله، والنقوش الكتابية بمشهد السيدة رقية،
ونقش عمارة الجامع العتيق بسوهاج(الفرطوشي)ونقش تأسيس مسجد الشيخ موسى بمركز الصف، ونقشان يسجلان زيارة بعض الأشخاص للتبرك بالمشهد القبلي «مشهد بلال» بأسوان. ونقش تأسيس مسجد الأمير أبي المنصور قسطة بموضع قلعة الجبل (داخل جامع سليمان باشا)، ونقش تجديد مشهد السيدة نفيسة ومحرابها بالقاهرة.
وقد أخذت النقوش الكتابية الفاطمية أهميتها ليس فقط لأنها تساهم بشكل كبير في زخرفة العمائر والتحف وتعدد أشكالها وزخارفها ولكنها أيضاً تساهم بشكل كبير في تاريخ العمائر.وفي العصر الفاطمي أنتجت مصر نماذج رائعة من النقوش الكوفية التي لازمت العمارة وكانت عنصرا مميزاً من عناصر زخارفها،
وقد أدى ظهور هذه الكتابات بتطورها الكبير الذي ظهرت به في الجامع الأزهر في (359هـ ـ 361 ه) وجامع الحاكم بأمر الله إلى الاعتقاد بأن هذه النقوش صناعة أجنبية وافدة على مصر من المغرب مع قدوم الفاطميين أو أنها وافدة من شرق العالم الإسلامي.
ويخلص الباحث إلى أن الإسلام لم يحرم الزخرفة من كل طوائفه وملله ومذاهبه، وقد قام الفنان الفاطمي باستخدام الكتابات كعنصر زخرفي في كل ما أنتجه من فن، فقام بزخرفه العمائر بالكتابات التي نجدها منفذة على النماذج والأضرحة والمشاهد وعلى العمائر الحربية
مثل الأبواب الحربية كما بقيت بعض الأشرطة الخشبية التي كانت تزين العمائر المدنية بها نقوش كتابية مثل: الألواح الخشبية التي أعيد استخدامها في بيمارستان قلاوون وألواح أخرى أعيد استخدامها في ضريح شجرة الدر.