السلام عليكم ورحمة الله
اشكر الاساتذة توفيق ابو علي ، وسارة ، ونسيم الصباح ، والصقر ، واحساس وردة ، وعاشق الشميميس المحترمين .
على متابعتهم الجميله واتمنى ان يصل حواري للمستوى اللائق بهم والذي تعودوه من هذا المنتدى الراقي .
واعتذر مقدما عن الاطالة هذه المرة ، حيث ان حديثنا الان عن المرجعية والمقياس ، وهو السبب الجوهري لاختلاف المذاهب عن بعضها بل واختلاف مفاهيمنا الدينية عن بعضنا ، وايضا فإني ارى والراي لاستاذي المحب ان نختم كلامنا في هذه النقطة .
واعدكم اني سأحاول ان تكون مشاركاتي المستقبلية اقصر .
استاذي الغالي المحب لله :
مقدمة سريعة :
سألتني عن المرجعية والمقياس ، فقلت لك ان الله ارشدنا الى ان اصول الدين في آيات محكمة ، وان علينا الابتعاد عن الايات المتشابهه ، وعدم بناء اصول الدين عليها ، وهذا امر من الله .
ثم قلت لي وهل يصلح هذا المقياس لبحث كل المواضيع ، فأجبتك انك تعلم ان المرجعية تختلف باختلاف محل البحث ، وضربت لك مثالين احدهما لو كنا نناقش نظرية فيزيائية ، وذكرت لك كيف ستكون مرجعيتنا حينها .
وقد وافقتني عليها . إلا انك نبهت وشددت على دور العقل في ذلك كله حتى نصل للنظرية الصحيحة ، او حتى نتجاوزها لنظرية اقرب للحق .
نعم هذا بالضبط ما أقوله لك ، فالعقل هو أداة الاستنباط من القران ( لعلمه الذين يستنبطونه ) وهم جمع وليسوا مفرد ، ولاحظ ايضا ان الاستنباط هي اصلا عملية اجتهادية .
أما من يعلم الحكم مسبقا ، فلا حاجة له ان يستنبط من القرآن .
وعلى مر العصور الاسلامية كان هناك رجال من اهل السنة تخصصوا في العلم الشرعي ، فحفظوا القران الكريم كاملا ، وفقهوا احاديث النبي الصحيحة ، وتعمقوا باللغة العربية وقواعدها ، وذلك حتى يتمكنوا من استنباط احكام الفروع .
وليس لهم من وراء ذلك لا درهم ولا دينار ، بل عندما يصدر احدهم فتوى او معلومة ، بادره طلابه وبقية العلماء بطلب ايضاح أدلته ، فكان لا يتخصص بهذا العلم الشرعي الا من باع دنياه لاجل اخرته خاصة في السابق ، ( لا اسألكم عليه مالا ان اجري الا على الله )
أما الاصول فقد تكفل الله ببيانها كما ذكرنا .
وبما انهم جمع ، فلو أخطأ احدهم عند تطبيقه لقواعد واصول الاستنباط ، لرد عليه الباقون فورا وصححوا له ، بل وقد تكونون سمعتم احيانا بفتوى غريبة او كوميدية احيانا ، إلا أن هذا لا يضر لأن بقية العلماء يفندون فتواه ويحتجون بالادلة على بطلانها فورا .
وحيث اتفق واياك على اهمية العقل ودورة الذي كرمنا الله به ، فإنه كما يصل العقل بالبحث والاجتهاد الى النظرية الفيزيائية الصحيحة ، فستصل عقول علماء الدين المتخصصين الى الاحكام الفرعية الصحيحة ، أما الاصول فلم يتركها الله لعقولنا بل تكفل ببيانها .
ثم اشرت الى حوارات سابقة وضعت فيها انت اهم الايات التي تستندون لها ، وأنه كانت لي تفسيرات اخرى .
واقول لك ومع كامل تقديري نعم صحيح وكان هذا بسبب استشهادكم بآيات متشابهة أي تحتمل اكثر من معنى واحد ، وهي التي قال الله عنها ( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ماتشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله) .
اضافة الى انه من وجهة نظري : انك لو قرأت تلك الايات على شخص محايد لا يعلم عن الاسلام شيئا ، فلن يجد تأويلك او مايشير الى وجود امام معصوم بعد النبي .
فهل يستطيع احد ان ينكر ان الصلاة من اصول الدين ، لماذا لا نجد الامامة بهذا الوضوح ، لماذا حدد القرآن بوضوح نبينا محمد وبايات عديدة وانه نبي الله ورسوله ، مع انه سيموت في العام العشر الهجري تقريبا ، ويترك تحديد الامام الذي سنكون مطالبين بطاعته بقية الدنيا !!
هل اوضح الله لاصحاب ذلك العصر نبيه ورسوله محمد بآيات لا تحتمل التأويل ، ولو اراد احد ان يأولها لما استطاع ، ثم يظلمنا سبحانه حينما لا يوضح بايات صريحة لاصحاب العصور اللاحقه الطويلة انه عين اماما لنا واوجب علينا طاعته !!
الا يرى العقل الذي تطالبنا بتحكيمه ان الله لو كان فعلا اوجد اماما معصوما بعد النبي ، لكانت مهمة القرآن هو ايضاح الامام وتحديده فقط ، وليس أي شيء اخر ولا حتى العبادات ، لانه اذا تمت معرفة الامام ارشدك هو الى تلك العبادات وكل شيء .
لماذا نص بآيات قطعية الدلالة على جميع اركان الاسلام بل والفروض و و مادام هناك امام معصوم يمكنه تبليغها ، في حين ترك تحديد الامام التي لن ترشد اليه تلك العبادات المذكورة بالقرآن !!
لو ضربنا مثلا للامم السابقة ، فأنا وانت لن نختلف انه كان عليهم الرجوع لانبيائهم ورسلهم المعصومين ان وجدوا ، ولكن ما الحل اذا انعدم الانبياء بعصر معين ، وقد حصلت لمرات كثيرة ، واخرها ما يسمى بالفترة ، وهي الزمن الذي بين النبيين الكريمين محمد وعيسى عليهما الصلاة والسلام ، والتي قال الله عنها :
( يا اهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل ان تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير )
، هل المرجع الامام ام الكتاب الذي انزل عليهم ؟
ولو كان هناك اماما معصوما في هذه الفترة ، فلماذا يقول الله انه ارسل محمدا ليبين لهم بعد ان خلا الزمان من رسول .
لماذا نرى الله عندما يتكلم عن تلك الفترات الخالية من الانبياء ، نراه يحاسب الامم على كتابها وتحكيمهم له وحفظه وعدم تحريفه ، بينما لا نجد ولا آية واااحدة تعاتبهم بعدم اطاعتهم للامام بعد النبي عيسى او عدم تحكيمه !!
وكيف امرهم الله ان يردوا خلافهم ، الم يقل الله سبحانه عن النصارى ( وليحكم اهل الانجيل بما انزل الله فيه ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الفاسقون )
وفسقهم ان لم يردوا النزاع للانجيل ، فلو كان هناك امام ، لما امرهم الله بالانجيل ولم يذكر الامام لا في هذه الاية ولا غيرها عند تحكيمهم لامورهم .
كما قال تعالى ( فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه )
فماهو الكتاب الذي انزل على نبينا ، وهل علينا اطاعة الله بتحكيم كتابه ، ولو كان هناك امام لماذا امرنا الله بتحكيم الكتاب ، وهل يمكن فعلا تحكيمه لمن اراد ذلك صادقا أم امرنا الله بمستحيل ؟
لماذا ذم الله الذين حرفوا كتابه الذي انزله عليهم فغيروا الاحكام وبدلوا الدين وخدعوا الناس ، فلو كان هناك امام فعلا لما تأثر الدين بذلك التحريف لان الامام هو المرجع اصلا ، ولأنه سيقوم بفضح جريمتهم وتصحيح ما حرفوه .
( فويل للذين يكتبون الكتاب بايديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت ايديهم وويل لهم مما يكسبون )
انظر الى هذه الاية التي تدل ان ابلاغ الدين والكتاب في هذه الفترة يقع على عاتق الامة أي يجب ان يكون من الناس من يقومون بهذا الواجب ، فكان النبي يأخذ عهدا من اصحابه على تبليغ الكتاب وهكذا من جيل الى جيل حتى يأتي جيل يحرفه او ينبذه ، فيرسل الله رسولا وهكذا ، الى ان تكفل الله بحفظ كتابه الاخير وهو القران ، وذلك لانتهاء العصمة بختم النبوة .
قال تعالى (واذ اخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون ) .
فأين الامام من هذا كله ؟
كما امر سبحانه باتباع الكتاب (وهذا كتاب انزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون ) والمقصود بالكتاب هو القران او الكتب السابقة بالنسبة لغيرنا وليس الامام ، بدليل ان الله يقول في الاية اللاحقة مباشرة :
(ان تقولوا انما انزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وان كنا عن دراستهم لغافلين )
فمالذي تجوز عليه الدراسة الكتاب ام الامام ؟
والايات المثبتة لذلك كثييرة
ثم ذكرت انت الاية التالية (هو الذي انزل عليك الكتاب منه ايات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تاويله وما يعلم تاويله الا الله والراسخون في العلم يقولون امنا به كل من عند ربنا وما يذكر الا اولوا الالباب ) .
وعلقت اننا نختلف في تأويلها واستشهدت بأن اهل السنة اختلفوا بتأويل الراسخون في العلم على قولين ، الاول انهم يؤمنون بالمتشابه وان لم يعلموا تأويله ، والقول الاخر انهم يعلمون تأويله ، وذلك برد المتشابه على المحكم .
وهو ما يسمى عندنا تأويل القرآن بالقرآن ، فالايات تشرح بعضها .
واضيف ان لا أحد من اهل السنة يعتقد بوجود من يعلم كل تأويل القرآن اطلاقا ، بعد انقطاع الوحي .
( قل لا يعلم من في السماوات والارض الغيب الا الله وما يشعرون ايان يبعثون )
الا استثناء والاستثناء كما هو معلوم لا يتوسع به ، كقوله ( الا من ارتضى من رسول ) فيطلعه على بعض الغيب وليس كله ، ولو اطلع الله احد رسله على كل الغيب ، لكانت الايات الكثيرة التي تنص على انه لا يعلم الغيب الا الله وحده خاطئة .
كما انك استاذي المحب علقت على اخر الاية ، مع ان الشاهد منها هو اولها ( هو الذي انزل عليك الكتاب منه ايات محكات هن ام الكتاب ) .
وهي تقطع بأن اصول الدين في ايات لا تحتمل التأويل
فهل تتفق معي على هذا التفسير او بين لنا رأيك في هذه الاية بالتفصيل ، وأرجو الاجابة على هذا السؤال .
ثم سألت انت هل كان اتفاق المسلمين على اصول الدين كافيا لانقطاع الهداية التي هي رحمة من الله ؟
وهل توقف تطور العقل البشري بهذا الاتفاق ؟
فأجيب:
بالنسبة لسؤالك الاول ، فكلا ان اتفاق المسلمين على اصول الدين ليس كافيا لانقطاع الهداية التي هي رحمة من الله .
لهذا حفظ الله القرآن ليكون هدى ورحمة بعد النبي .
قال تعالى (وما انزلنا عليك الكتاب الا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون )
أما عن توقف العقل البشري بهذا الاتفاق ، فأقول إن استمرار وجود المعصوم مع وجود الكتاب هو ما يهمش العقل الذي كرمنا الله به ويعطله .
فمنذ الف واربع مائة سنة استجد الكثير جدا من المسائل الفرعية ، وكان على العلماء المختصين اشغال العقل والاجتهاد بتطبيق ادوات الاستنباط الصحيحة ، والتعديل لبعضهم ان اخطأ احدهم ، وكانت هذه البحوث الدينية منطلقا للبحوث العلمية الاخرى ، فأسسوا حضارة شهد لها التاريخ بوقت قياسي ، فكانوا بحق امة ( اقرأ ) وليس كن تابعا وفقط .
فدور العقل كبير في المذهب السني .
ثم قلت
وسأضيف سؤالا ً آخر
لو أن وزارة التربية في إحى الدول طبعت كتاب وتركت للناس أن تدرس هذا الكتاب كل ٍّ على ما فهمه
هل ستكون أنجزت الهدف منه
أم كان يجب وأقول يجب أن تعين المعلم الكفؤ من قبلها لتحصل النتيجة المرجوة ؟
واجيبك :
اتفق معك تماما ، واقول اننا نحتاج الى معلمين اكفاء لا تشترط فيهم العصمة .
ولنطبق ذلك على القران ، فحيث انه موجود لدينا ، فنحن بحاجة الى اشخاص متخصصين على كفاءة عالية ، لتدريسه واستنباط الاحكام منه وتحكيمه ، وهو مايحصل لدينا بالضبط ، فالعالم لايكون عالما ، الا بعد حفظه للقران والحديث وقواعد اللغة وملك ادوات الاستنباط الذهنية العلمية .
وهو ماينطبق ايضا على القانون ، والذي يحتاج الى قضاة متخصصين امناء ومحامين اكفاء ، ليتم تحكيم هذا القانون والسير بمقتضاه ، ولا يعطل تحكيمه عدم وجود معصوم به .
وارجو استاذي القدير ان تجيب على اسئلتي ، ولا تقابلها بأسئلة ، فأنا احاول جاهدا ان لا اترك سؤالا لك الا اجيبك عليه .
وختاما وبعد ان قمت بتبيين المنهج الصحيح لبحث اصول الدين – حسب وجهة نظري - ، واوضحت اوامر الله بان ناخذها من ايات لا تحتمل التاويل ، وحيث انه سبق لي قراءة جميع ادلة الامامة ولم تكن فيها اية واحدة قطعية الدلالة .
فإني استاذي المحب اقول لك اننا مسؤلون عن اعتقادنا ، وستسأل لما اتبعت هذا الامام واعتقدت عصمته ، وسيطلب منك ان تجيب بآية قطعية الدلالة وان لا تبني دينك على الظن .
وانهاء لباب الاحتجاج بايات محكمة ، فإني ارى والراي لكم ، ان تقوم استاذي مشكورا بالتعليق على ما ذكرته انا بالنسبة للمنهجية ، لنغلق هذا الباب .
ثم بعد ذلك تجيب على اسئلتي الواردة في بداية الموضوع ، وبالطريقة التي تراها انت سواء كانت من القران او العقل او او ، بشرط ان تراها انت كافية للاستدلال على البشر واقامة الحجة عليهم ، واقول اقامة الحجة وليس بالضرورة ايمانهم فعلا .
وتقديري لك وللجميييييييع
وكل عام وانتم بخير
اللهم ارنا الحق حقا وارزقنا اتباعه ، وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه