أحمد مطر
[color:1648=black:1648]ولد أحمد مطر في مطلع الخمسينات، ابناً رابعاً بين عشرة أخوة من البنيـن والبنات، في قرية ( ا لتنو مه )، إحدى نواحي (شط العرب) في البصرة. وعاش فيها مرحلة الطفولة قبل أن تنتقل أسرته، وهو في مرحلة الصبا، لتقيم عبر النهر في محلة الأصمعي.
وكان لتنو نه تأثير واضح في نفسه، فهي -كما يصفها- تنضح بساطة ورقّة وطيبة، مطرّزة بالأنهار والجداول والبساتين، وبيوت الطين والقصب، و ا شجار النخيل التي لا تكتفي بالاحاطة بالقرية، بل تقتحم بيوتها، وتدلي سعفها الأخضر واليابس ظلالاً ومراوح.
وفي سن الرابعة عشرة بدأ مطر يكتب الشعر، ولم تخرج قصائده الأولى عن نطاق الغزل والرومانسية، لكن سرعان ما تكشّفت له خفايا الصراع بين السُلطة والشعب، فألقى بنفسه، في فترة مبكرة من عمره، في دائرة النار، حيث لم تطاوعه نفسه على الصمت، ولا على ارتداء ثياب العرس في المأتم، فدخل المعترك السياسي من خلال مشاركته في الاحتفالات العامة بإلقاء قصائده من على المنصة، وكانت هذه القصائد في بداياتها طويلة، تصل إلى أكثر من مائه بيت، مشحونة بقوة عالية من التحريض، وتتمحور حول موقف المواطن من سُلطة لا تتركه ليعيش. ولم يكن لمثل هذا الموقف أن يمر بسلام، الأمر الذي إ ضـطـر الشاعر، في النهاية، إلى توديع وطنه و مرا بع صباه والتوجه إلى الكويت، هارباً من مطاردة السُلطة.
وفي الكويت عمل في جريدة (القبس) محرراً ثقافياً، وكان آنذاك في منتصف العشرينات من عمره، حيث مضى يُدوّن قصائده التي أخذ نفسه بالشدّة من أجل ألاّ تتعدى موضوعاً واحداً، وإن جاءت القصيدة كلّها في بيت واحد. وراح يكتنز هذه القصائد وكأنه يدوّن يومياته في مفكرته الشخصيّة، لكنها سرعان ما أخذت طريقها إلى النشر، فكانت (القبس) الثغرة التي أخرج منها رأسه، وباركت انطلاقته الشعرية ألا نتحا ريه، وسجّلت لافتاته دون خوف، وساهمت في نشرها بين القرّاء.
وفي رحاب (القبس) عمل الشاعر مع الفنان ناجي العلى، ليجد كلّ منهـما في الآخر توافقاً نفسياً واضحاً، فقد كان كلاهما يعرف، غيباً، أن الآخر يكره ما يكره ويحب ما يحب، وكثيراً ما كانا يتوافقان في التعبير عن قضية واحدة، دون اتّفاق مسبق، إذ أن الروابط بينهـما كانت تقوم على الصدق والعفوية والبراءة وحدّة الشعور بالمأساة، ورؤية الأشياء بعين مجردة صافية، بعيدة عن مزا لق الإ يد يو لوجيا.
وقد كان أحمد مطر يبدأ الجريدة بلافتته في الصفحة الأولى، وكان ناجي العلى يختمها بلوحته الكاريكاتيرية في الصفحة الأخيرة.
ومرة أخرى تكررت مأساة الشاعر، حيث أن لهجته الصادقة، وكلماته الحادة، ولافتاته الصريحة، أثارت حفيظة مختلف السلطات العربية، تماماً مثلما أثارتها ريشة ناجي العلى، الأمر الذي أدى إلى صدور قرار بـنـفـيهـما معاً من الكويت، حيث ترافق ألإ ثنان من منفى إلى منفى. وفي لندن فَقـدَ أحمد مطر صاحبه ناجي العلى، ليظل بعده نصف ميت. وعزاؤه أن ناجي مازال معه نصف حي، لينتقم من قوى الشر بقلمه.
ومنذ عام 1986، استقر أحمد مطر في لندن، ليُمضي الأعوام الطويلة، بعيداً عن الوطن مسافة أميال وأميال، قريباً منه على مرمى حجر، في صراع مع الحنين والمرض، مُرسّخاً حروف وصيته في كل لافتـة يرفعها.
من أشعاره :
البيان الختامي لمؤتمر الأمة
لَيسَ مِنّا هؤلاءْ .
هُمْ طُفَيْـليُّـونَ
لَمْ يُدعَـوا إلى عُـرسٍ
وَلم يُفتَـحْ لَهُمْ بابُ عَـزاءْ .
خَلَطوا أنفسَهُمْ في زَحْمـةِ النّاسِ
فَلمْا دَخَلـوا ذاكَ تغَطَّوا بالزّغاريـدِ
وَلمّا دَخَلوا هذا تَغطّـوا بالبُكاءْ .
ثُمَّ لمّا رُصَّـتِ الأطباقُ
لَبـَّـوا دَعوةَ الدّاعي
وَما الدّاعي سِوى قِـدْرِ الحَساءْ !
وَبأفـواهِ بِحـارٍ
بَلِعوا الأطباقَ والزَادَ مَعاً
وانقلبَ الباقونَ مِن دُونِ عَشاءْ .
***
لَيسَ مِنّا هؤلاءْ .
ألفُ كـلاّ
هِيَ دَعوى ليسَ إلاّ..
زَعَموا أنَّ لَهُمْ حَقّاً علينا
وَبهذا الزَعْمِ.. صاروا زُعَماءْ !
وَأذاعوا: ( كُلُّنا راعٍ..)
وَظنّوا أنَّهُمْ في الأرضِ رُعيانٌ
وَظنّوا أَنَّنا قُطعانُ شاءْ !
ثُمَّ ساقُونا إلى المَسْلخِ
لماّ لم نَجدْ في ظِلِّهمْ مرَعى
وأسْرَفنا بإطلاقِ الثُّغاءْ !
***
ليسَ مِنّا هؤلاءْ .
هُمْ على أكتافِنا قاموا عُقوداً
دُونَ عَقـدٍ..
وأَقاموا عُقَدَ الدُّنيا بنا دونَ انتهاءْ .
وانحنَينا كالمطايا تحتَ أثقالِ المَطايا..
وَلِطُـولِ الانحنـاءْ
لَمْ تَعُدْ أعيُننا تَذكُرُ ما الشَّمسُ
ولا تَعرفُ ما مَعنى السَّماء !
وَنَزحْنا الذَّهـبَ الأسْودَ أعواماً
وَمازالَتْ عُيونُ الفَقْرِ تبكينا
لأنّا فُقـراءْ !
ذَهَبَ الموصوفُ في تَذهيبِ دُنياهُمْ
وَظَـلَّ الوَصْـفُ في حَوْزتنا
للِجِسْم والرّوحِ رداءْ !
***
ليسَ مِنّا هؤلاءْ.
لَمْ نُكلِّفْ أحَداً منهُمْ بتَطبيبٍ
ولا قُلنا لَهُمْ هاتُوا الدَّواءْ .
حَسْبُنا، لو صَدَقوا،
أن يَرحلوا عَنّا بَعيداً
فَهُمُ الدَاءُ العَياءْ .
كُلُّ بَلوى بَعْدهُمْ سَلْوى
وَأقـوى عِلَّـةٍ
في بُعْدِهِمْ عَنّا.. شِفاءْ !
***
لَيسَ مِنّا هؤلاءْ .
أنتَ تدري أنّهُمْ مِثلُكَ عَنّا غُرَباءْ
زَحَفوا مِن حَيث لاندري إلينا
وَفَشَوا فينا كما يَفشُو الوَباءْ .
وَبَقُوا مادُمتَ تَبغي
وَبَغوا حتّى يُمدُّوكَ بأسبابِ الَبقاءْ !
أنتَ أو هُمْ
مُلتقى قَوْسين في دائِرةٍ دارتْ عَلَينا :
فإذا بانَ لِهذا المنتهى
كانَ بذاك الابتداءْ .
مُلتقى دَلْوينِ في ناعُورةٍ :
أنتَ وَكيلٌ عن بَني الغَرْبِ
وَهُمْ عنكَ لَدَينا وُكلاءْ !
***
ليسَ منّا هؤلاء
إنهم منكَ
فإنْ وافَوكَ للتَّطبيعِ طَبِّعْ مَعَهُمْ
واطبَعْ على لَوحِ قَفاهُمْ ما تَشاءْ .
ليسَ في الأمرِ جَديدٌ
نَحنُ نَدري
أنَّ ما أصبحَ تطبيعاً جَلِيّاً
كانَ طبْعاً في الخَفاءْ !
وَلَكُمْ أن تَسحبوا مِفرشَكُمْ نحو الضُّحى
كي تُكمِلوا فِعْلَ المَساءْ .
شأنكُمْ هذا
ولا شأنَ لَنا نَحنُ
بِما يَحدُثُ في دُورِ البِغاءْ !
***
ليسَ مِنَا هؤلاء .
ما لَنا شأنٌ بما ابتاعُوُه
أو باعُوهُ عَنّا..
لَمْ نُبايعْ أَحَداً منهُمْ على البَيعِ
ولا بِعْناَ لَهُمْ حَقّ الشّراءْ .
فإذا وافَوكَ فاقبِضْ مِنهُمُ اللَّغْوَ
وَسَلِّمْهُم فَقاقيعَ الهَواءْ .
وَلَنا صَفْقَتُنا :
سَوفَ نُقاضِيكَ إزاءَ الرأسِ آلافاً
وَنَسقيك كؤوسَ اليأسِ أضعافاً
وَنَسْتَوفي عَن القَطرةِ.. طُوفانَ دِماءْ !
***
أيُها الباغي شَهِدْتَ الآنَ
كيفَ اعتقلَتْ جَيشَكَ رُوحُ الشُّهداءْ .
وَفَهِمتَ الآنَ جدّاً أنَّ جُرْحَ الكبرياءْ
شَفَةٌ تَصرُخ أنَّ العَيشَ والموتَ سواءْ .
وَهُنا في ذلِكَ الَمعنى
لَنا عِشرونَ دَرْساً
ضَمَّها عِشرونَ طِرساً
كُتِبتْ بالدَّمِ والحقْدِ بأقلامِ العَناءْ
سَوفَ نتلوها غَداً
فَوقَ البَغايا هؤلاءْ !
ما أصعب الكلام : قصيدة الى ناجي العلي
شكراً على التأبين والإطراء
يــا مــعشـر الخطبـاء والشـعـراء
شـكراً عـلى مــاضـاع مـن أوقـــاتـــكم
في غـمـرة الـــتـدبـيج والإنـشـاء
وعــلى مـداد كـان يــكـفــي بـــعــضـه
أن يــغـرق الـظـلمـاء بالـظـلمـاء
وعــلى دمــوع لـــو جـــرت في الـبـيـد
لانـحلـت وسـار المــاء فوق الماء
وعـــواطـف يــغـــدوا على أعــــتــابها
مـجـنـون لــيـلى أعـقـل العقلاء
وشـجـاعـة بـــاسم الــقـــتـيـل مشـيرة
لـلــقـاتـلـيـن بـغـيـر ما أســـماء
شكراً لكم ؛ شـكراً ؛ وعــــفـواً إن أنا
أقلعت عن صـوتي وعن إصغائي
عـفواً ؛ فلا الــطـاووس في جـلدي ولا
تــعـلـو لـسـانـي لـهـجـة الببغاء
عــفـوا ً؛ فـلا تروي أسـاي قـصـيـدة
إن لم تـكـن مـكـتـوبـة بدمــائي
عفـواً ؛ فــإنـي إن رثـيـــت فـإنــــما
أرثــي بـفـاتــحة الكتـاب رثـائي
عــفـوا ً؛ فــإنـي مــيــت يـــا أيــهـا
المـوتـى ؛ ونـاجـي أخــــر الأحياء
--------------------------------------------------------------------------------
ناجي العلي لقد نجوت بقدرة
مـــن عـارنـا ، وعـلـوت لـلعـلياء
إصـعد ؛ فــمـوطنـك السماء ؛ وخلنا
فــي الأرض إن الأرض لـلــجـبناء
لــلمـوثــقــيـن عـلى الربـاط ربـاطنـا
والــصـانـعـين الـــنـصر في صنــعاء
ممن يـرصـون الــــصـكوك بـزحـفهم
ويـــنـــاضـلـون بـرايـــة بـيــضـاء
ويـسـافحون قــضـيـة من صـلــبـهم
ويــصافـحــون عـــداوة الأعــــداء
ويــخـلفـون هـزيـمــة ؛ لم يـعـترف
أحــــد بــها، مـن كـثـرة الآبــــــاء
إصـعـد فـمـوطـنـك المـرجى مخـفـــر
مــتـعـدد الــلهـــجــات والأزيــــاء
للشــرطـة الخـصـيـان؛ أو للشــرطـة
الـــثـوار ؛ أو للشــــرطــة الأدبـــاء
أهل الكروش القابضين على القروش
مـن الــعـروش لــقـتـل كــل فـدائـي
الهـاربـيـن مـن الـخنــادق والبـنـادق
لـلـفــنــادق في حـمـى العــمــــلاء
القـافـزيـن مـن اليـسار إلى الـيـمـيـن
إلى اليسـار إلى اليمين كقـفزة الحرباء
المـعـلـنـيــن من القـصور قــصورنــا
واللاقــطـيـــن عــطـيـــة اللـقــطـاء
إصـعد ؛ فـهذي الأرض بـيت دعارة
فـيــها الـبــقــاء مــعــلــق بـــبـغاء
من لم يـمـت بـالسـيـف مات بطلقة
من عــاش فـيــنــا عـيـشـة الـشرفاء
ماذا يـضـيـرك أن تــفــارق أمــــــة
ليـسـت سـوى خـطأ مـن الأخــطاء
رمـل تــداخل بـعــضـه في بـعـضــه
حـتـى غــدا كالـصــخــرة الـصـماء
لا الريـح تـرفـعــها إلى الأعــلى ولا
الـنـيـــران تــمــنـعــها من الإغـفـاء
فـمـدامـع تبكيــك لـو هي أدركت
لـبـكت عـلى حــدقـاتـهـا الـعـميـاء
ومـطـابـع تـرثـيـك لو هي أنصفت
لـرثـت صــحـافــة أهــلــها الأجراء
تـلك الـتي فـتـحـت لنعيك صدرها
وتــفــنــنــت بــروائــع الإنـــشــاء
لكـنــها لم تــمـتــلـك شــرفاً لكي
تــرضــى بــنــشــر رسومك العذراء
ونعتك مـن قبـل الممات ؛ وأغلقت
بــاب الـرجـــاء بــأوجـــه الــقـــراء
وجــوامــع صــلت علـيـك لو أنها
صــدقـت لــقــربــت الــجهاد النائي
ولأعلنت بـاسم الـشـريـعة كفـرها
بــشــرائـــع الأمـــراء والــــرؤســاء
ولـــساءلــتــهم : أيــهم قـد جـاء
مــنــتــخـبــاً لــنـا بـإرادة الـبـسـطاء؟
ولــسائلتهم: كيف قد بـلغوا الغنى
وبـــلادنــــا تـــكتـــظ بــالـفــقــراء؟
ولمـن يرصــون الـسلاح؛ وحربهم
حـب ؛ وهــم في خــدمــة الأعــداء؟
وبــأي أرض يــحكمــون وأرضنا
لم يــتــركوا مــنــها ســوى الأسـماء؟
وبأي شــعـب يـحكمون، وشعبنا
مــتـــشـعــب بــالــقــتل والإقــصاء؟
يحــيــا غــريــب الدار في أوطـانه
ومــطـــارداً بــــمـــواطــن الــغــرباء
لــكنــمـا يــبـقى الـكـلام محــرراً
إن دار فـــوق الألـــسـن الخــرســــاء
ويـــظـل إطـــلاق الـعويــل محللاً
مـا لم يـــمـــس بـــحـــرمــة الـخلفاء
ويــظـل ذكرك بالصحيــفة جائزاً
مـــادام وســـط مـــسـاحـــة ســـوداء
ويــظـل رأســك عـاليـاً مادمــت
فـــوق الـــنـــعش مـحمولاً إلى الغبراء
وتــظل تحت "الزفت" كل طباعنا
مــادام هــذا الـنـفــط فــي الــصـحراء
--------------------------------------------------------------------------------
الــقــاتــل الــمأجـور وجه أسود
يخــفــي مــئـــات الأوجـــه الـصـفراء
هي أوجـه أعجازها منها استحت
والخــزي غــطـــاهــا عــلـى استحيـاء
لمــثـــقــف أوراقه رزم الصـكوك
وحــبـــره فـــيــــها دم الـــشـــهـداء
ولـــكاتــب أقـــلامــه مـشدودة
بــحــبــال صــوت جــلالــة الأمــراء
ولــنــاقــد "بـالـنـقـد" يذبـح ربه
ويــبـايــع الــشــيــطان بـــالإفـــتــــاء
ولــشاعر يكتـظ من عسل النـعيم
عــلى حــســاب مــرارة الــبــؤســـاء
ويـــجـــر عـصـمته لأبواب الخنا
مــلــفــوفــة بـقـصـيــدة عـــصــمــاء
ولــثــائــر يــرنــو إلى الـحــريــة
الــحـــمـــراء عــبـــر الـلـيـلة الحمراء
ويعوم في "عرق" النضال ويحتسي
أنــخــابـــه فــي صــحــة الأشـــــلاء
ويــكــف عـن ضغط الزناد مخافة
مــن عـجــز إصـبـعـه لـدى "الإمـضاء"
ولحــاكــم إن دق نــور الــوعـي
ظــلـمــتـه ؛ شــكا من شدة الضوضاء
وســعـــت أســاطيل الغزاة بلاده
لـــكــنــهـــا ضـــاقــت عـــلى الآراء
ونــفــاك وهـو مخمن على الردى
بـــك مـــحــدق فـالـنـفـي كالإفـنــاء
الــكــل مــشــتـــرك بقتلك؛ إنما
نـابـت يـــد الـــجــانــي عــن الشركاء
--------------------------------------------------------------------------------
ناجي، تحجرت الدموع بمحجري
وحــشــا نــزيــف الــنـــار لي أحـشائي
لمــا هــويــت مـتــحــد الـهــوى
وهــويــت فــيـــك مـــوزع الأهـــواء
لم ابـك ؛ لم أصمت ؛ ولم أنهض
ولم أرقـد ؛ وكــلــي تــاه في أجــزائــي
فــفـجـيـعـتي بك أنني تحت الثرى
روحي ؛ ومـن فـوق الـثـرى أعــضــائي
أنــا يــا أنــا بـك مــيــت حـــي
ومحــتـــرق أعـــد الــنــــار لــلإطــفاء
بــرأت مــن ذنـب الـرثـاء قريحتي
وعــصــمـت شـيــطـانـي عـن الإيــحاء
وحـلــفـت ألا أبـتــديــك مودعاً
حـتــى أهيــئ مــوعــــداً لـــلــــقــــاء
ســأبــدل الــقــلـم الرقيق بخنجر
والأغــنــيـــات بــــطــعــــنــة نــجـلاء
وأمـد رأس الـحاكـمـيـن صحيفة
لــقــصــائــد ... ســأخـطـهـا بـحذائي
وأضـم صـوتــك بذرة في خافقي
وأضــمــهــم فـــي غـــابــــة الأصــداء
وألــقــن الأطـفـال أن عـروشهم
زبـــد أقــيـــم عــــلى أســــاس الــمـاء
وألـقــن الأطـفـال أن جـيـوشهم
قــطــع مــن الــديـــكــور والأضـــــواء
وألــقــن الأطـفــال أن قصورهم
مــبــنــيـــة بــجــمــاجـــم الــضــعـفاء
وكــنــوزهــم مــسـروقة بالعدل
واسـتـقــلالــهــم نــوع مــن الإخـصـاء
سأظل أكتب فـي الهواء هجاءهم
وأعــيــده بــعـــواصـــف هـــــوجــــاء
ولــيــشــتــم الـمتلوثون شتائمي
ولـــيـــســتــــروا عــوراتــهـــم بــردائي
ولــيــطـلـق المستكـبرون كلابهم
ولــيــقــطـعــوا عــنــقــي بـلا إبــطـــاء
لــو لـم تــعد في العـمر إلا ساعة
لـــقـــضــيــتــهــا بــشــتــيــمـة الخلفاء
--------------------------------------------------------------------------------
أنا لست أهـجو الحاكمين ؛ وإنما
أهــجــو بــذكــر الحــاكـمــيــن هجائي
أمــن الـتـأدب أن أقـول لــقاتلي
عــذراً إذا جــرحــت يــديــك دمـائــي؟
أأقــول لـلـكلب الـعـقـور تـأدبـاً
دغــدغ بــنــابــك يـــاأخي أشـــلائــي؟
أأقــول لــلــقـواد يــاصـديق؛ أو
أدعــو الـــبـــغـــي بــمـــريـم الـعــذراء؟
أأقول لـلـمـأبـون حـــين ركوعه
حرمـاً؛ وأمــســـح ظـــهـره بــثــنــائي
أأقـول لــلـص الـذي يسطو على
كــيــنـــونــتـــي : شـكـراً على إلــغائي؟
الحاكمون هم الكلاب؛ مع اعتذاري
فـالــكــلاب حــفــيــــظــة لـــوفــــاء
وهم اللصوص القاتلون العاهرون
وكـــلـــهـــم عـــبـــــد بــلا اســتـثـناء
إن لـم يــكونوا ظالمين فمن ترى
مــلأ الــبـــلاد بـــرهـــبــــة وشـــقــــاء
إن لــم يـــكونـوا خائنين فكيف
مــازالـــــت فــلــســطـيــن لدى الأعداء
عــشــرون عــامـاً والبلاد رهينة
لــلــمــخـبـريــــن وحــــضـــرة الخــبراء
عشرون عاماً والشعوب تفيق من
غــفــواتــهــا لــتـــصــــاب بـــالإغـمـاء
عــشــرون عـامـاً والمواطـن ماله
شــغــل ســـوى الـــتـصـفـيــق لـلــزعماء
عـشرون عاماً والمفكر إن حكى
وهـبــت لـــه طـــاقـــيـــة الإخــــفـــــاء
عشرون عاماً والسجون مدارس
مــنـــهـاجـهـا الــتــنـكيــل بــالــسـجـناء
عــشــرون عــاماً والقضاء منزه
إلا مـــــن الأغـــــــراض والأهــــــــــواء
فــالــديــن مـعتقل بتهمة كونه
مــتــطــرفــاً يـــدعـــوا إلــى الـــضـــــراء
والله فــي كل الـــبلاد مـطارد
لـــضــلــوعـــه بـــإثـــارة الــغــــوغـــــاء
عشرون عاماً والنظام هو النظام
مـع اخــتـلاف الـلـــون والأســـمــــــــــاء
تمــضـــي بــه وتـــعـيـده دبابة
تــســـتــبـــدل الــعــمـــلاء بــالــعــمـــلاء
سرقوا حليب صغارنا؛ من أجل من
كــي يـــســـتـــعيـــدوا موطن الإسراء؟
هتكو حياء نسائنا؛ من أجل من
كي يـــســتـــعـــيـــدوا مـــوطـن الإسراء؟
خـــنــقــوا بــحـرياتهم أنفاسنا
كــي يـــســـتـــعـــيـــدوا مـوطن الإسراء؟
وصـلـوا بــوحـدتهم إلى تجزيئنا
كــي يـــســـتـــعـــيـــدوا مـوطن الإسراء؟