اتسم المجتمع الإسلامي دائماً بالتعددية وخلال العقود القليلة التي تلت وفاة النبي محمد (ص) أصبح العالم الإسلامي مزيجاً مرآباً من
ثقافات مختلفة وقد قوبلت هذه التعددية الثقافية بتعدد وتنوع فكري وعقائدي.. بعد وفاة النبي مباشرة واجه المجتمع الإسلامي الوليد أزمته
الأولى بخصوص قيادة المسلمين: من سيقود الجماعة؟ انقسم المسلمون حول هذه النقطة والتي أضحت فيما بعد نقطة إنطلاق للعديد من
من المهم التنويه بأنه على الرغم من ظهور هذا الحافز لنشوء هذه .¹ المفاهيم المختلفة للسلطة آان أبرزها الشيعة والسنة والخوارج
التفسيرات منذ العصور المبكرة في التاريخ الإسلامي إلا أن تعاليم ومعتقدات طوائف الشيعة والسنة قد تبلورت عبر فترة زمنية طويلة.
على الرغم من الطبيعة المتنوعة والمتعددة لهذه التطورات في التاريخ الإسلامي المبكر إلا أن الدراسات الحديثة وحتى أمد قريب آانت
تعبر بشكل رئيسي عن وجهة النظر السنية. يعود هذا لحد ما لعجز الباحثين عن الوصول إلى مصادر الشيعة. ساهمت أعمال مفكرين
مثل فلاديمير إيفانو ولويس ماسيغنون وهنري آوربن في تصحيح هذا الوضع وذلك بوضع الكثير من آتابات الشيعة في الواجهة.
على الرغم من .² من النتائج المهمة للثورة الإيرانية عام 1979 انطلاق الإهتمام الفكري والبحثي في تاريخ ومذاهب المسلمين الشيعة
هذه التطورات إلا أن المرحلة المبكرة من الإسلام الشيعي لا تزال حتى الآن لا تتلقى الإهتمام الذي تستحقه من الناحية البحثية
الأآاديمية. لذلك وفي هذا السياق فإن عمل الدآتورة آرزينا لالاني عن الفكرالشيعي المبكر عبارة عن مساهمة جاءت في الوقت
.³ المناسب
يعتبر هذا الكتاب الأول من نوعه باللغة الإنجليزية عن حياة وعمل وتعاليم الإمام محمد الباقر والذي آان من أآثر المسلمين ثقافة في
القرن الثاني للهجرة \ الثامن للميلاد. يسعى هذا الكتاب إلى إسقاط الضوء على المساهمات الفكرية للإمام الباقر مستعيناً بالمصادر
الشيعية الإسماعيلية والإثني عشرية والتي آانت مهملة في الغالب حتى الآن. تصنف هذه المساهمات ضمن الإطار الفكري والسياسي
والإجتماعي والديني لذلك العصر. لقد تم الترآيز على الدور الجوهري للإمام الباقر في بلورة دور الإمامة و طبيعتها.
سيجد المهتمين في تطور فكرة الإمامة قيمة خاصة في هذا الكتاب، آما وسيستهوي أيضاً أولئك المهتمين في التاريخ الشيعي المبكر
إضافة للمهتمين بتاريخ الأفكار والعلاقة بين الفكر والمجتمع بشكل عام.
إن الأعمال الشيعية المتوفرة منذ عهد الإمام الباقر نفسه في الواقع قليلة جداً وهذا ما جعل المهمة الملقاة على عاتق أي مؤلف صعبة
وذلك للتمحيص في المصادر والتحقق من موثوقية المعلومات المستخلصة منها. ولهذا فإن من إيجابيات هذا الكتاب إعتماده على شريحة
واسعة من المصادر.
تعود العديد من المصادر المستخدمة في هذه الدراسة إلى القرن الثالث للهجرة \ التاسع للميلاد وبذلك فإن هذه المصادر تصور مكانة
الإمام الباقر بعد أآثر من قرن من عهده. من المؤآد أن المؤلفين لهذه المصادر آانوا متأثرين بالأوضاع الإجتماعية والفكرية والسياسية
في عصرهم. وبصياغة أخرى فإن هذه المصادر "لا تصور فقط معتقدات المسلمين في ذلك الوقت بل وتشكل المرآة التي آشف فيها
. الوعي الشيعي عن طموحاته (تطلعاته) الخاصة"