منذ قدم
الزمان، انشغل الإنسان بأمن المعلومات المتضمنة في مراسلاته الشخصية
والعامة، فبات يخصص ميزانيات خاصة لحماية تلك البيانات من العبث أثناء
نقلها، وتماشيا مع تطور الحاجة إلى ذلك في ظل الثورة الرقمية، برزت طرق
وآليات مبتكرة لحماية تلك المراسلات بما ينسجم مع تطور القدرة على
اعتراضها، ما حدا بفريق من الفيزيائيين النمساويين إلى إرسال أزواج
الفوتونات المتشابكة التي يمكن استعمالها لتشفير الرسائل بشكل آمن تماماً
بين مستقبلات يبعد كل منها «144» كيلومتراً في جزر الكناري. ويقول هؤلاء العلماء إن بقاء التشابك على هذه المسافة يظهر أن عملية
حمل الكتابة المشفرة كمياً بين شبكة الأقمار الصناعية حول العالم أمراً
ممكناً وعملياً.
وتستغل الكتابة المشفرة الكمية قوانين ميكانيك الكم لخلق مفاتيح غير قابلة
للكسر، تمهيدا لتشفير وترجمة الرسائل، ومثل هذه المفاتيح الناتجة عن حالات
الجزيئات الكمية يمكن إدراك قيمها لدى مراقبتها من قبل متصنت ما، لكنه لن
ينجح في قراءة قيمة المفتاح السري تبعا للخواص المعقدة للجزيء الكمي.
الباحث أنتون زلينغر رئيس الفريق وزملاؤه يستغلون ميزة غريبة من ميكانيك
الكم، تدعى «تشابكاً» حيث الفعل لقياس حالة جزيئة واحدة يمكن أن يغير حالة
أخرى بشكل آني، وهذا التأثير يمكن أن يستعمل للكتابة المشفرة لك أن قياس
إستقطاب فوتون متشابك واحد يجعلنا نعرف نفس الحالة في الفوتون المتشابك
الآخر، وإذا أرسل فوتونات مفردة من كل زوج إلى موقعين مختلفين فيمكن أن
يشتركا بالرمز الآمن نفسه عبر شبكة من المستخدمين.
فريق زلينغر أظهر قبل سنتين بأنه من الممكن إرسال فوتون واحد من زوج
متشابك بين مرصدين على جزر الكناري إلا أنه كان من الصعب تطوير نظامهم
بسبب تأثيرات تشوه الغلاف الجوي الذي يجعل من الصعب تمييز فوتونات شعاع من
الضوء التائه.
لكن الآن طور هؤلاء الباحثون جهازهم المصدر وأرسلوا كلا الفوتونين
المتشابكين واستخدموا منظارين منفصلين في الجهة المقابلة، وقاموا بإنتاج
الفوتونات المتشابكة بإطلاق شعاع الليزر إلى بلور لخلق الأزواج بتأخير
زمني طفيف جداً بين إرسال كل فوتون ضمن الزوج، ما سمح للفوتونات الفردية
بأن تتطابق عندما تصل إلى المنظار المستقبل في المكان الهدف على بعد 144
كم.
أحد أعضاء الفريق قال إن هذه المسافة هي أكثر من كافية لتأسيس عملية
الكتابة المشفرة الكمية التي أساسها القمر الصناعي، مشيراً إلى أن التقنية
المطورة تحفظ التشابك عندما تسافر الأشعة خلال جو الأرض، ما يمكنه أن يسهل
إرسال الأشعة من القمر الصناعي إلى القمر الصناعي وبعد ذلك بشكل عامودي
إلى الأسفل حيث المستقبل الأرضي.
ويقول هذا العالم: «إذا أردت أن تؤسس لك تابة مشفرة كمياً حول العالم فإنك
تحتاج للذهاب إلى الفضاء، هذا هو البرهان النهائي لهذه الظاهرة» ويضيف إن
سلك الألياف الضوئية ليس بديلاً فعالاً من هذا الاتصال الفضائي المجاني
لأن الجزيئة المتشابكة تخمد بالكامل بعد عبور أكثر من نحو /100/ كيلومتر
من السلك.
الباحثون النمساويون يعملون الآن مع أقران لهم في إسبانيا لتطوير مصدر
لنموذج الفوتونات المتشابكة الذي يمكن أن يوضع في الفضاء الخارجي قبل عام
«2014».
عن «physicsworld. com»